وفقاً لجرَّاح الأعصاب سانجاي جوبتا (Sanjay Gupta)، مؤلِّف الكتاب الجديد "حافظ على ذكائك: تنمية دماغ أفضل أياً كان عمرك" Keep Sharp: Building a Better Brain at Any Age، فإنَّ الإجابة هي لا، فالنسيان أمر طبيعي في جميع الأعمار، ولا تكون مورثاتك هي المسؤولة دوماً عن إصابتك بالخرف؛ إذ يعتقد أنَّ ما يهم هو العناية بدماغك بأفضل طريقة ممكنة.
كتب "جوبتا": "يمكنك التأثير في عقليتك وذاكرتك أكثر بكثير مما تدركه أو تقدره، والغالبية العظمى من الناس لم تبدأ حتى في المحاولة"، ويستخلص "جوبتا" النتائج من مئات الدراسات البحثية لمساعدة القرَّاء على فهْم ما هو معروف وغير معروف حول الحفاظ على صحة دماغك، وخلال ذلك، يدحض الخرافات الشائعة، مثل الخرافة التي تقول إنَّ حل الألغاز طريقة ناجعة للوقاية من الخرف، ويستبدلها بنصائح علمية حول كيفية عيش حياة أطول وأكثر صحة مع دماغ أكثر فاعلية.
كما أنَّه يميز هفوات الذاكرة النموذجية، مثل نسيان اسم أحد معارفك، عن هفوات الذاكرة الأخطر، مثل عدم تذكُّر الطريق إلى المنزل من طريق تمر به دائماً، وهو تمييز مطمئن للغاية، وبينما يشيد بنقاط القوة المعرفية لكبار السن كمهاراتهم الكبيرة في المفردات مثلاً، يشير أيضاً إلى أنَّ قدراتنا المعرفية قد تبدأ في التدهور في وقت أبكر بكثير مما نعتقد، حتى في بداية مرحلة البلوغ؛ ولهذا السبب يوصي بإجراء تغييرات في نمط الحياة الآن لتحسين القدرات الذهنية في أيِّ عمر، وليس فقط عندما تصل إلى الستينيات من العمر.
يتضمن الكتاب الجديد آنف الذكر استبياناً لتقييم مخاطر التدهور المعرفي مع بعض الأسئلة المثيرة، مثل: "هل تقضي جل يومك جالساً؟" أو "هل تعاني من اكتئاب مزمن؟"، قد يلهمك فهم هذه المخاطر لاتخاذ إجراءات تصحيحية، ولمساعدتك على ذلك، يوصي "جوبتا" باتباع 5 طرائق ليصبح دماغك أكثر صحة:
1. ممارسة الرياضة:
يقول جوبتا: "عندما يسألني الناس عن الشيء الوحيد الأكثر أهمية الذي يمكنهم القيام به لتعزيز وظيفة الدماغ ومقاومته للمرض، أُجيب بكلمة واحدة: التمرين"، فقد يكون الخمول هو أخطر عوامل الإصابة بالخرف، وقد يساعد الحفاظ على لياقتك على الوقاية منه، ولحسن الحظ، لا يتطلب الأمر الكثير من التمرينات الرياضية لإحداث فرق، فحتى المشي لمدة دقيقتين يومياً له تأثير إيجابي في صحة دماغك.
يوفِّر التمرين العديد من الفوائد عموماً، مثل: تحسين القدرة على التحمل، والقوة، والسيطرة على التوتر، ووظيفة المناعة، لكنَّ السبب الرئيس وراء فائدة التمرينات للدماغ أنَّها تقلِّل الالتهاب مع تحفيز عوامل النمو التي تعزِّز وظيفة الخلايا العصبية ونموِّها؛ وهذا هو السبب في أنَّ التمرينات الهوائية تمنح فوائد معرفية أكثر من التمرينات الثابتة، مثل رفع الأثقال على الرغم من أنَّ رفع الأثقال يساعد على بناء العضلات.
2. الحصول على قسط كافٍ من النوم:
كتب جوبتا: "يُعدُّ النوم الهانئ أحد أسهل الطرائق وأكثرها فاعلية لتحسين وظائف دماغك، فضلاً عن تحسين قدرتك على تعلُّم معارف جديدة وتذكُّرها"؛ وذلك لأنَّ النوم على ما يبدو ينظِّف الدماغ من الأفكار التي قد تتراكم وتؤدي إلى مشكلات لولا النوم.
بالطبع، يعاني بعض الأشخاص من صعوبة في الحصول على نوم جيد؛ لذلك يُذكِّرهم كتاب "جوبتا" بمبادئ النوم الصحي التي قد تساعدهم على نوم هانئ، كما يشير إلى أهمية الراحة عموماً، ويقترح المشي المُخفِّف للتوتر في الطبيعة أو التأمل بدلاً من قيلولة النهار.
ويوصي "جوبتا" الناس بممارسة الامتنان والعمل التطوعي لخدمة المجتمع، وأخذ فترات راحة منتظمة من البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، وتجنُّب تعدُّد المهام؛ وذلك للحد من التوتر واجترار الأفكار المزعجة التي تبقينا مستيقظين في الليل.
3. التعلم والاكتشاف وإيجاد الهدف من الحياة:
نظراً لأنَّ الألغاز ليست الحل للتدهور المعرفي، يجب علينا تحفيز أدمغتنا بالتعلم والاكتشاف، كما كتب "جوبتا"؛ حيث يُنشئ التعلم مسارات عصبية جديدة ويعزز مرونة الدماغ، مما قد يساعد على الوقاية من الأعراض الظاهرية للخرف مثل فقدان الذاكرة، حتى في حال وجود علامة على وجود اللويحات الشيخوخية في الدماغ المرتبطة بمرض آلزهايمر.
كتب "جوبتا": "انظر إلى الأمر كنظام احتياطي كبير في الدماغ ينتج عن تجارب الحياة الغنية مثل التعليم والمهنة"، كما يُحذِّر من أنَّ بناء الاحتياطي المعرفي لا يحدث بين عشية وضحاها، فهو ينتج عن تنشيط دماغك طوال حياتك من خلال التعلم والعمل والعلاقات الاجتماعية والنشاطات الأخرى، ومع ذلك، لا يعني عدم حصولك على تعليم جامعي أنَّك ستعاني من تدهور معرفي أكبر؛ إذ إنَّ محاولة تنشيط دماغك طوال حياتك يحميه أكثر من الحصول على شهادة أكاديمية.
ويُحذِّر أيضاً من أنَّ معظم الألعاب التجارية المصممة لتنشيط الدماغ ليست فعَّالة في درء الخرف، على الرغم من أنَّها قد تحسِّن الذاكرة؛ وذلك لأنَّها لا تدرب على حل المشكلات أو التفكير المنطقي، وهما أمران أساسيان للاحتفاظ المعرفي، ويقول أيضاً إنَّه من الأفضل للناس التعلم في صف دراسي تقليدي أو تعلُّم لغة ثانية؛ وذلك لأنَّ هذه النشاطات تقدِّم تحديات أكثر تعقيداً وتتيح الفرصة للتواصل الاجتماعي وتلعب دوراً هاماً في صحة الدماغ.
قد يكون العثور على هدف في الحياة مفيداً للدماغ، خاصةً إذا كان يتضمَّن التواصل مع أشخاص من أجيال مختلفة أو التعلم الشخصي والتحدي؛ حيث تشير الأبحاث إلى أنَّ الأشخاص الذين لديهم إحساس بالهدف استطاعوا تقليل خطر المعاناة من الآثار الضارة للخرف حتى لو كان دماغهم يحتوي على اللويحات الشيخوخية؛ وذلك ربما لأنَّ وجود هدف يدفعهم للاعتناء بأنفسهم عناية أفضل.
4. تناوُل طعام صحي:
كتب "جوبتا: "ما هو مفيد للقلب مفيد للدماغ"، ومع ذلك، هناك الكثير من المعلومات المتضاربة حول الأنظمة والمكملات الغذائية؛ حيث يبذل جوبتا قصارى جهده لتبديد الخرافات حول الغلوتين وما يسمى "الأطعمة الخارقة" مثل الكرنب وزيت السمك، ويقول لا يوجد دليل يشير إلى أنَّ الغلوتين يؤثر في وظائف الدماغ، أو أنَّ الكرنب وزيت السمك، على الرغم من فائدتهما، يمنعان التدهور المعرفي، في حين أنَّه من الصعب التوصية بنظام غذائي مثالي للدماغ بناءً على الأبحاث.
توصي اختصاصية علم الأوبئة مارثا كلير موريس (Martha Clare Morris) باتباع نظام غذائي يشبه النظام الغذائي المتَّبع في حوض البحر الأبيض المتوسط، وهو نظام غني بالخضروات والتوت والفاصوليا والحبوب الكاملة والأسماك والدواجن وزيت الزيتون.
ومع ذلك، قد لا يكون هذا النظام الغذائي مستساغاً أو متاحاً للجميع؛ لذلك، يقدِّم "جوبتا" المزيد من النصائح حول النظام الغذائي العام أيضاً، مثل:
- لا تفرط في تناول السكر المكرر.
- اشرب الماء ورطِّب جسمك بانتظام.
- تناوَل المزيد من أحماض أوميغا 3 الدهنية من المصادر الغذائية وليس المكملات.
- قلِّل الوجبات؛ ربما محاولة الصيام المتقطع.
- خطِّط مسبقاً؛ أي احتفِظ بوجبات خفيفة وصحية بالقرب منك حتى لا تلجأ إلى الوجبات السريعة إذا شعرت بالجوع.
شاهد بالفيديو: عادات خاطئة يجب أن تبتعد عنها بعد تناول الطعام
5. التواصل مع الآخرين:
يُعدُّ تكوين علاقات وثيقة مع أشخاص يمكنك الاعتماد عليهم أمراً هاماً لعيش حياة سعيدة وصحية، وقد يساعدك على العيش لفترة أطول ويعزز صحة دماغك أيضاً؛ حيث تشير الأبحاث إلى أنَّ النقيض من ذلك - الوحدة - قد يكون أحد العوامل التي تسهم في الإصابة بمرض آلزهايمر.
يوصي "جوبتا" بالجمع بين الاختلاط مع الناس والنشاطات الأخرى مثل الرياضة والتعلم؛ أي التنزه مع صديق أو تلقِّي دورة تعليمية معه أو الانضمام إلى رياضة جماعية أو العمل التطوعي، وقد يكون الاختلاط مع أشخاص مختلفين أو ينتمون إلى أجيال مختلفة ميزة إضافية، وقد يكون التواصل عبر الإنترنت - على الرغم من أنَّه ليس مثالياً - مفيداً عندما يعيش المرء في مكان بعيد لا يتوفر فيه نشاطات اجتماعية، كما قد يساعد تعلُّم كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لأول مرة على تعزيز الذاكرة.
صحيح أنَّ عوامل نمط الحياة هذه جيدة لمنع التدهور المعرفي، لكن يقدِّم جوبتا نصائح للأشخاص الذين يعانون بالفعل من التدهور المعرفي أيضاً؛ حيث خصَّص جزءاً من كتابه لمساعدة القرَّاء الذين يعانون من التدهور المعرفي على تقييم درجة المرض ومعرفة كيفية المضي قدماً بناءً على التقييم.
بالنسبة إلى الآخرين، يُعدُّ كتابه كتاباً تمهيدياً مفيداً وسهل القراءة للغاية لشحذ ذكائك في أي عمر، للوقاية من الخرف، وللاستمتاع بحياتك إلى أقصى حد أيضاً؛ حيث يقول "جوبتا": "يمكننا إثراء الدماغ باستمرار طوال حياتنا بغض النظر عن عمرنا أو الوسائل التي في إمكاننا استخدامها، فإذا غيَّرت نمط حياتك ولو قليلاً، سيستمتع كل من دماغك وجسدك بذلك".
أضف تعليقاً