ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن عالمة النفس والمدونة "أديا غودن" (Adia Gooden) والتي تحدِّثنا فيه عن تجربتها في تنمية الإحساس بقيمة الذات.
أكثر ذكرياتي إيلاماً كانت في الحفلات؛ إذ ميَّزني لون بشرتي الداكنة عن أقراني خلال حفلات مدرستي التي كان تلاميذها غالباً من أصحاب البشرة الفاتحة، فلم يُعرني أحد اهتمامه، وشعرت بأنَّني لا أنتمي إليهم، لكن حين ارتدت حفلات رفاقي ذوي البشرة السمراء مثلي، سخروا مني لأنَّني لم أستطع مجاراة حركات رقصهم.
ولذا قررت في عمر الثانية عشر أنَّ أفضل طريقة للتخلص من شعوري بأنَّي عديمة القيمة، هي تحقيق الكمال، اعتقدت بسذاجة طفل أنَّ الأمر بسيط، فإذا كنت مثالية سيتقبلني الجميع، وسيختارون صحبتي وحينها سأكون سعيدة؛ لذا كرَّست وقتي لدروس الرقص ودرست بجد في المدرسة وبذلت كل ما في وسعي لأكون صديقة داعمة غير أنانية؛ وبالنتيجة كان تقديري لذاتي عالياً حين كنت أحصل على درجات مرتفعة وأشعر أنَّني محاطة بالأصحاب، لكنَّ ذلك انهار حينما تراجعت أكاديمياً وأهملني أصدقائي.
بيد أنَّني بقيت آمل أنَّني إن عثرت على شخص يحبني، فسيكون لي قيمة، ففي أيام الجامعة أصبح الانشغال استراتيجيتي الجديدة لأشعر بأنَّ لي قيمة، وخلال تلك الفترة كنت أجمع بين حضور الفصول الدراسية وإعطاء الدروس الخصوصية والمشاركة في الاتحادات الطلابية والجوقة وغيرها من النشاطات؛ حيث بالكاد تركت لنفسي مجالاً للتنفس أو التفكير أو التصرف على سجيتي.
وبعد الجامعة أصبح همي الشاغل هو البحث عن علاقة لسد هذا الفراغ، لكنَّ التوتر والنجاحات والفشل الذي عانيت منه خلال هذا المسعى كان مرهقاً، فأتذكر ترددي إلى المقاهي والنوادي، لكن كما حصل في المدرسة، لم يطلب مني أحد الرقص معه، وخلال تلك المرحلة بدأت أشكك في جاذبيتي، بسبب بشرتي الداكنة وشعري المجعد، وتساءلت ما إذا كان يستقبلني أي شريك محتمل أبداً، وما إذا كنت سأشعر بأنَّ لي قيمة أبداً.
دعوني أخبركم سراً، لم يأتِ أي من ذلك بنتيجة؛ لا السعي إلى المثالية ولا إشغال نفسي ولا العلاقات، أو على الأقل لم تنجح لفترة طويلة؛ إذ ازداد شعوري بقيمة ذاتي بعد دخول علاقة جديدة مباشرة أو بعد حصولي على درجة مرتفعة، ولكن سرعان ما انخفض مجدداً وانتقلت إلى مسعى جديد، حالما حققت المستوى الذي حددته لقيمتي وإذ به يرتفع مجدداً.
بعد سنوات عدة من العلاج والنمو، وبعد حصولي على شهادة الدكتوراه في علم النفس السريري، بدأت وأخيراً بتنمية الإحساس بقيمة الذات غير المشروط، والتخلص من فكرة أنَّني لست جيدة بما فيه الكفاية، لكنَّني أسعى الآن إلى تقبُّل نفسي بكل جوانبها؛ حيث حررني العمل نحو هذا الهدف الجديد وأنعش حياتي.
دعني أشارك معك الأمور التي تعلمتها، لكن إذا كنت تتساءل ما إذا كانت هذا المقال أيضاً هو مجرد نصيحة أخرى لرفع تقدير الذات، فأريد أن أوضح أنَّ تقدير الذات يختلف عن الإيمان بقيمة الذات.
الإيمان بقيمة الذات دون شروط هو إحساسك بأنَّك تستحق العيش، وتلقي الحب والاهتمام، وأن تكون موجوداً.
مصدر تقديرنا لذاتنا هو قدراتنا وإنجازاتنا ومكانتنا الاجتماعية والأمور التي نعتقد أنَّه في إمكاننا تحقيقها، ويمكننا تعزيز تقديرنا لذاتنا عبر تحسين مهاراتنا أو أدائنا، ويتغير مستوى تقديرنا لذاتنا وفقاً للأمور التي نفعلها في مختلف مجالات حياتنا.
شاهد بالفديو: كيف ترفع من قيمة ذاتك وتثق بنفسك أكثر
من ناحية أخرى، الإيمان بقيمة الذات غير متعلق بقدراتنا وإنجازاتنا، ولا علاقة له بمقارنة أنفسنا بالآخرين، وهو ثابت، فالإيمان بقيمة الذات دون شروط هو إحساسك بأنَّك تستحق العيش، وتلقي الحب والاهتمام، وأن تكون موجوداً.
لقد تحدثت مع مئات الطلاب في أفضل الجامعات، وحين نتطرق إلى موضوع مخاوفهم ونحاول الوصول إلى أعماق المشكلة، نجد في كثير من الأحيان أنَّهم يعانون من إحساسٍ عميق بانعدام قيمة الذات؛ وأعتقد أنَّ هنالك العديد من العوامل التي تسبب شعورنا هذا.
تخبرنا الإعلانات أنَّه يجب علينا أن نشتري الأشياء لنستحق الحب ويتقبلنا الآخرون وننجح، وقد تعلمنا في المدارس أنَّ قيمتنا كطلاب مرتبطة بدرجاتنا ومعدلاتنا، ولربما أشعرنا أهلنا بأنَّهم سيحبوننا أكثر لو تفوقنا في مجال معين، ناهيك عن أنَّ الأشخاص الذين تعرضوا للإساءة أو الاعتداء الجنسي أو الصدمات قد يشككون في أنفسهم وحقهم بالحياة، وفوق ذلك كله، تجتاح وسائل التواصل الاجتماعي حياتنا، وبات الإحساس بقيمة الذات مرتبطاً بعدد المتابعين والإعجابات التي نتلقاها.
أيَّاً كان السبب، بالنسبة إلى العديد منا يرتبط الإحساس بقيمة أنفسنا بإنجازاتنا وممتلكاتنا، وينخفض حين نفشل أو نفقد تقبُّل الآخرين؛ الإيمان بقيمة الذات دون شروط هو علاج تدني الإحساس بقيمة الذات، وهو السبيل للتوقف عن نقد الذات والشعور بالعار والسلوكات غير الصحية المشابهة، هو مخرج من الاكتئاب والقلق وتعاطي المخدرات؛ لذا آن الأوان لنحدد قيمتنا تبعاً لحقيقة أنَّنا بشر، ولننمي إحساساً بالقيمة يصمد في وجه صعوبات الحياة.
لكنَّ هناك العديد من الأمور التي قد تقف في وجه تنمية الإحساس بقيمة الذات غير المشروط، فقد يخشى بعض الناس من أنَّ شعورهم بالرضا عن أنفسهم أكثر من اللازم، سيُفقدهم الدافع للنمو والتغيير، بينما قد يشعر آخرون أنَّ تقبُّل أنفسهم كأشخاصٍ لهم قيمة، هو نوع من التعجرف، وقد يعتقد بعضهم ببساطة أنَّ الإيمان بقيمة الذات غير ممكن بالنسبة إليهم.
لكنَّني أتساءل كثيراً:
- كيف سيبدو العالم إذا نمينا جميعنا إيماننا بقيمة أنفسنا دون شروط؟
- ما الذي ستتشجَّع على فعله إذا آمنت بقيمتك؟
- ما الذي ستحلم به لو لم يكن تقييمك لذاتك على المحك؟
- ما الذي ستتوقف عن فعله إذا آمنت بقيمتك بالفعل؟
أعتقد أنَّ الناس سيتمكنون من فض النزاعات دون الحاجة إلى اللجوء للعنف، وأنَّ المزيد من الأشخاص سيتجرَّؤون على القيام بأمور مذهلة، وأعتقد أنَّه إن لم تكن قيمتنا الذاتية على المحك، لكان العالم مكاناً أفضل بكثير وأكثر سلاماً لنا جميعاً.
حاول التخلي عن أفكارك وكيف يجب أن تكون طريقة تفكيرك أو شعورك أو مظهرك مختلفة عما هي عليه بالفعل، وعوضاً عن ذلك، ركز على الأمور التي تحبها في نفسك.
كي نحقق هذه الرؤية على أرض الواقع نحن بحاجة إلى الإحساس بقيمة الذات غير المشروطة، وتلك ممارسة دائمة، وفيما يلي أربع نصائح لتبدأ بتنمية الإحساس بقيمة الذات لديك الآن:
1. سامح نفسك:
يواجه العديد منا صعوبة في الشعور بقيمته الذاتية، وذلك لأنَّنا غاضبون من أنفسنا بسبب أخطاء الماضي، وتتضمن المسامحة الاعتراف بما حدث وقبوله، وذلك يسمح لنا بالتوقف عن لوم أنفسنا والآخرين والمضي قدماً في حياتنا؛ ولكي تسامح نفسك، تأمل الظروف التي أدت إلى أخطاء الماضي، واعترف بالألم الذي عانيت منه، وحدد الدرس الذي تعلمته من الموقف، ثم سامح نفسك بصدق.
2. تقبَّل ذاتك:
أعتقد أنَّ العديد منا يعانون من تدني الإحساس بقيمة الذات؛ وذلك لاعتقادنا أنَّ هناك خطباً بنا، ونرفض تقبُّل أنفسنا كما نحن، إنَّنا نتلقى الرسائل التي تخبرنا طوال الوقت أنَّنا لسنا جيدين بما فيه الكفاية بحالتنا التي نحن عليها، وأنَّه يجب علينا تغيير أجسادنا وملابسنا ووظائفنا أو حتى شخصياتنا ليتقبلنا الآخرون.
حاول التخلي عن أفكارك وكيف يجب أن تكون طريقة تفكيرك أو شعورك أو مظهرك مختلفة عما هي عليه، عوضاً عن ذلك، ركز على الأمور التي تحبها في نفسك، ومع الوقت، ابدأ بتقبُّل الأمور التي تميِّزك، مثل ضحكتك المحرجة وابتسامتك الكبيرة وطريقتك غير المعتادة في التفكير، وعبر هذا التقبُّل أنت تعترف بأنَّ لك قيمة كما أنت.
تُذكِّرُنا معرفة أنَّنا لسنا وحدنا من يعاني ويتألم أنَّ التحديات لا تُنقص من قيمتنا.
3. ساند نفسك:
يتخلى كثيرٌ من الناس عن أنفسهم خلال المصاعب، فيمارسون نقداً ذاتياً قاسياً، مما يزيد من المشاعر السلبية، لكنَّ أكثر ما نحتاج إليه حين نمر بوقت عصيب هو أن يقول لنا أحدهم: "أنا أراك وأعلم كم تتألم، وأنا أقف إلى جانبك"، يمكننا أن نكون هذا الشخص بالنسبة إلى أنفسنا، ففي المرة القادمة حين تشعر بألم عاطفي، اعترف به وواسِ نفسك، ضع يدك على صدرك وعانق نفسك أو قل كلمات لطيفة تُهوِّن بها على نفسك.
4. تواصل مع أشخاص يدعمونك:
يمكن أن يُشعِرُنا تدني الإحساس بقيمة الذات بالعزلة والوحدة، فحين نعتقد أنَّ هناك خطباً بنا، نميل إلى قطع علاقاتنا، لكنَّ هذه العزلة تتسبب في تفاقم مشاعرنا بانعدام القيمة، وتُذكِّرُنا معرفة أنَّنا لسنا وحدنا من يعاني ويتألم أنَّ التحديات لا تُنقص من قيمتنا، ويساعدنا التواصل مع الأشخاص الداعمين لنا على الشعور مجدداً بإنسانيتنا وقيمتنا.
وأخيراً، الرحلة إلى الإحساس بقيمة الذات غير المشروطة ليست سهلة، الطريق ليس مستقيماً أو ممهداً، وستواجه عقبات خلاله، كما فعلت أنا أيضاً، وسيتطلب الأمر أن تتحلى بالشجاعة لتحرير نفسك من القيود التي حدَّدتَ قيمتك بناءً عليها، وقد تكون عملية مسامحة نفسك متخبطة، وقد يكون من المخيف أن نتقبل أنفسنا كما نحن، وقد نواجه ألماً عاطفياً حين ندعم أنفسنا، وقد نشعر أنَّنا نترك أنفسنا عرضة للأذية حين نتواصل مع الآخرين.
لكنَّني هنا لأخبرك أنَّ هذه الرحلة جميلة أيضاً وتستحق خوضها، وستجد خلالها القوة وتكوِّن رابطاً وثيقاً مع إنسانيتك وتتعلم أنَّك هام وتستحق الحياة؛ لذلك أتحداك أن تتقبل نفسك وتؤمن بقيمتك وتعثر على شغفك وتتحرك بحرية.
شعرت بالحرية وشعرت بالحيوية وشعرت بأنَّني على قيد الحياة، وشعرت بقيمة نفسي.
خلال رحلتي، وجدت نفسي أعود إلى حلبة الرقص، فهذا هو المكان الذي بدأت فيه معاناتي مع افتقاد الإحساس بقيمة الذات، واتضح أنَّني تعلمت بعض الحركات الجديدة منذ أيام المدرسة.
منذ فترة حضرت مهرجاناً موسيقيَّاً بمفردي، وبينما أنا جالسة أشاهد الناس يرقصون على أنغام الموسيقى الحية، كنت أتوق إلى النهوض والانضمام إليهم، لكنَّ مخاوفي القديمة بشأن قدرتي على الرقص على هذا النوع من الأنغام، وعدم اختيار أحد لي كشريكة رقص عادت مجدداً، ولحسن الحظ، دعاني رجل مسن للرقص معه هذه المرة، وبعد أغنية أو اثنتين معه، بدأت بالرقص بمفردي، حركت جسدي على وقع نغمات موسيقى الجاز اللاتينية في الأجواء، خلال تلك اللحظات شعرت بالحرية وشعرت بالحيوية وشعرت بأنَّني على قيد الحياة، شعرت بقيمة نفسي.
أضف تعليقاً