ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب ريك أورنيلاس (Rick Ornelas)؛ خبير التغيير الإيجابي ومؤلف كتاب "12 ساعةً من النعيم" (12Hours Of Heaven) والذي يحدِّثنا فيه عن الدافع الذاتي.
لم أكن قلقاً بسبب الوضع لأنَّني كنت واثقاً بنفسي جداً، فلم تكن هذه أول مقابلةٍ لي في الحرم الجامعي ولم أكن متوتراً وكذلك الشاب الذي كان يسألني، فلم يكن يكبرني بكثير وقد كان مسترخياً تماماً؛ وبمعنىً آخر، لم يُخِفني البتَّة رغم معرفتي أنَّه كان يحاول فرض سلطته علي، ولم تثنيني رؤية الطالبات الجميلات على مدى نظري عن إجراء المقابلة مع كيث في الخارج، وذلك نزولاً عند رغبته بغية إبقائها بعيدة عن الرسمية ما أمكن.
إذاً ما الذي منعني من الإجابة الفورية عن سؤاله؟
ارتشفت بعض الماء وعدت بذاكرتي عشرين عاماً إلى الوراء لأجد الإجابة، وعندها أيقنت أنَّني وجدتها وأدركت أيضاً لمَ قد واجهت صعوبة في الإجابة بسرعة.
ما هو الدافع الذاتي؟
كانت الإجابة عن كلا السؤالين محفورة في ذاكرتي من محاضرة عن التحفيز في سنتي الأولى في الجامعة والتي كانت بعنوان: «مقدمة في علم النفس»، والتي حددنا فيها الفرق بين الحافز الخارجي والدافع الذاتي.
في الحقيقة، يوجد تشابه كبير بين تعريفات رابطة علم النفس الأمريكية (American Psychological Association) وتلك التي شرحها أستاذي في علم النفس:
إنَّ الحافز الخارجي هو الدافع الخارجي للمشاركة في نشاط محدد ينشأ عن توقع العقاب أو المكافأة، وذلك يُشبه أن تسعى للترقية للحصول على المزيد من المال.
وأما الدافع الذاتي فهو الحافز للمشاركة في نشاط محدد ينبع من المتعة في النشاط نفسه وليس بغرض أيَّة فوائد خارجية يمكن الحصول عليها، وذلك كأن تعمل بجد للحصول على الترقية لتكون مخلصاً في عملك.
حين جلست قبالة "كيث"، تذكرتُ الاختلافات بين الدافعين وارتباكي من سؤاله؛ لأنَّ إجاباته المقترحة أظهرت أنَّه كان مدفوعاً بحافز خارجي بينما لم أكن كذلك لا في الوقت الراهن ولا حتى طوال حياتي، وقد دفعني هذا إلى أن أدرك بسرعة أنَّني كنت محفَّزاً ذاتياً في العديد من المجالات، مثل المدرسة والرياضة، والعمل، والحياة بصورة عامة وهذا يثير بعض الأسئلة: من أين أتت دوافعي الفطرية الذاتية؟ وماذا يعني الدافع الذاتي لمعظم الناس بالضبط؟ وكيف يعمل؟
شاهد بالفيديو: 10 قواعد في الحياة للمحافظة على الدافع
لنلقي نظرة أعمق لمساعدتك على فهم أين تكمن هذه الدوافع في حياتك وكيف تضمن السيطرة عليها:
في البداية:
منذ طفولتنا ونحن نتعلم في كل المواقف والبيئات؛ من أهلنا، وأصدقائنا، ومعلمينا، والمجتمع، وهذا يحدث عادة عن طريق تقليد السلوك كما تفعل جميع الكائنات الاجتماعية الأخرى.
وأحد الدروس الأولى التي نتعلمها هي أنَّ هناك عواقب تنشأ عن سلوكنا وهذا يأخذ أشكالاً عدة؛ بدءاً من إعطائنا نجمة ذهبية على واجباتنا المنزلية وانتهاءً بحرماننا من لعبتنا المفضلة كعاقبة لسوء التصرف، ومع كل حالة نحدد ما يحفزنا لسلوك معين.
هذا هو السبب في أنَّ علماء النفس يقولون إنَّ الحافز الذاتي يرتبط بالاستكشاف الفطري والفضول، وهو مفهوم بالغ الأهمية في علم النفس التنموي وقد قيل إنَّه آلية حاسمة للتطور المعرفي بين البشر، حيث تؤثر هذه العوامل المحفزة فينا خلال محطات متعددة من حياتنا وسنوات تكويننا سواء أدركناها أم لم ندركها.
في التنمية:
في حالة امتلاك الدوافع الذاتية، نحن نستمد المتعة من المهمة ذاتها ولذلك نؤديها ونحن مدفوعون داخلياً بالمتعة والارتياح والنمو الداخلي، وغير آبهين بما يعتقده الآخرون ويفعلونه؛ بل نتصرَّف بما يتماشى مع هذا المحرك الداخلي؛ وبالرجوع إلى مثالنا السابق، ينطبق هذا على الفرد الذي يريد تحقيق الترقية من أجل رضاه الشخصي وإثبات إخلاصه في العمل.
قد تأتي المكافآت النفسية من التمتع بالعمل الفعلي أو الرضا بالجهد المبذول أو حتى التطورات الذهنية التي يوفرها التعلم، وفي جميع الحالات تكون المكافآت كلها مدفوعة داخلياً.
وهذا يمكن أن يوقد صراعاً داخلياً بالنسبة لكثير من الناس؛ حيث يتشتتون بين ما عليهم فعله وما يريدون القيام به، وقد يظهر في العديد من مجالات حياة الفرد ويتراوح بين أن يكون صراعاً ثانوياً أو رئيساً.
قد يتجلى ذلك في اختيار الطعام أو ما ستدرسه أو لعبة فيديو، وقد تكون على قدر من الأهمية ولها عواقب طويلة الأمد؛ كاختيار تخصصك الجامعي أو المنطقة التي ستعيش فيها.
في الواقع، يمكن أن يؤدي هذا الصراع أحياناً إلى عدم القدرة على اتخاذ القرار مما يجلب آثاراً سلبية على الفرد.
يشتمل المثال الأكثر تحديداً على تفضيل الواجبات على المرغوبات على مجالين من أهم مجالات حياة الناس ألا وهما: المال والوظيفة، حيث يختار العديد من الأفراد مهنة توفر مكافآت مالية على أخرى يتمتعون بها أو حتى يحبونها أكثر.
عند التفكير في هذا نجد أنَّه ليس غريباً أن يُظهِر استطلاع عالمي أجرته مؤسسة غالوب أنَّ نحو 85% من الناس غير سعداء في عملهم الحالي، وهي إحصائية محبطة بالفعل، ولكن هذا يعني أنَّ الناس تعساء ومن الواضح أنَّ هؤلاء ليسوا مُحفَّزين بصورة ذاتية؛ بل تقودهم التحفيزات الخارجية، لكن هل هذا الأمر سيء؟
بصراحة، الجواب مرهون بك؛ فإذا كنت تعيش حياة التخمين والندم فربما يكون الجواب نعم، أما إذا كنت سعيداً وتنعم بالوفرة فربما يكون الجواب لا، ومع ذلك هناك طرائق لتعزِّز دوافعك الداخلية تحت أي ظرف، والعنصر الرئيس في هذا هو عقليتك وتركيزك في أي مهمة أو موقف.
تحرير دوافعك الذاتية:
لنقُل إنَّك تحتاج إلى حفر خندق، قد يبدو هذا الأمر بالنسبة للكثيرين وكأنَّه عمل لا يختارونه ولا يتمتعون به دون أن يتقاضوا أجراً أو يُجبَروا على ذلك -وكلاهما محفزان خارجيان بالمناسبة- لكن ماذا لو كنت تحفر الخندق لبناء مسبح تستمع به أنت وعائلتك؟ بالتأكيد من شأن هذا تغيير الأمور بالنسبة لك ولمعظم الآخرين.
ربما يتبادر إلى ذهنك أنَّ الطقس جميل أو أنَّ هذا التمرين سيكون رائعاً الآن، فإذا اخترت التفكير بهذه الطريقة ستكون راضياً عند التفكير بالحفر على أنَّه عمل مفيد لتقوية بنيتك الجسدية وعندها تتحول عقليتك نحو النمو والتطور.
في حين قد تبدو هذه الأفكار وكأنَّها خارجية، فإنَّها في واقع الأمر شكل من أشكال ما أشار إليه عالم النفس "أبراهام ماسلو" (Abraham Maslow) باسم "الدافع للنمو"، وهو الدافع الذي يؤدي إلى النمو زيادةً على الاحتياجات الأساسية وفي صلبه تكمن المواهب والقدرات والاتجاهات الإبداعية.
وقد اقترح ماسلو أنَّ الدافع قد يكون نتيجة لمحاولة الشخص تلبية 5 احتياجات أساسية مصنفة في تسلسل هرمي من الأسفل إلى الأعلى وهي:
- الحاجات الفيزيولوجية، كالأكل والشرب والنوم.
- الحاجة للأمان؛ أي سلامة الجسد.
- الحاجات الاجتماعية، كالحاجة إلى الأسرة والصداقة.
- الحاجة للتقدير ذاتياً ومن المحيط.
- الحاجة لتحقيق الذات.
كما رأى أنَّ هذه الاحتياجات يمكن أن تخلق ضغوطاً داخلية تؤثر في سلوك الشخص، ودوافع التطور هذه هي جزء من تحقيق ذاتنا ورغبتنا فيه؛ إذاً كيف تتلاءم كل هذه الثرثرة في علم النفس مع دوافعك الذاتية؟
إنَّ المفتاح لتحرير حافزك الذاتي هو لغة علم النفس هذه، فبمجرد أن تفهم مصدر نموك الداخلي يمكنك تحويل تركيزك إليه بدلاً من أي مكافأة خارجية، وعندما تفعل ذلك ستلاحظ أنَّ العمل يتحول إلى متعة والألم يصبح تقدماً وكل هذا يؤدي إلى تطورك ونموك على المستوى الشخصي.
ربما تسأل كيف لهذا الفعل السحري أن يؤدي إلى سنوات من النجاح والسعادة، لكنَّه فعل، ذلك لي وإليك بعض النصائح لمساعدتك:
5 نصائح تساعدك في بناء تحفيزك الذاتي:
- ابدأ بإلقاء نظرة على عناصر كل حالة أو مَهمة تواجهك.
- قسمها إلى عناصر فردية، وفكر في الأسباب والطرائق وماهيتها.
- ركِّز على الجانب الذي سيجلب لك الرضا الداخلي أو الاستمتاع.
- اجعل هذا حجر الأساس في النشاط.
- مارس الامتنان لهذا العنصر على الأقل.
أفكار أخيرة:
ستصبح أكثر انسجاماً مع رغبتك في تحقيق الذات والدافع الداخلي مع الممارسة، مما سيجعلك ممتناً ومستمتعاً وربما تخرج في سباقات أو مقابلات عمل مثلما فعلتُ شخصياً.
لم يأتِ نجاحي من استثماري مع "كيث" ولم يأتِ مِنْ الصناعةِ الماليةِ مطلقاً؛ بل جاء من تعلُّم التطور الذاتي ومن فوائد الحافز الداخلي في جميع الحالات.
أضف تعليقاً