على الرغم من أنَّ الأضرار المستمرة والناجمة عن جائحة كورونا وحالة الاضطراب التي تعيشها جميع الدول، فليس من الصعب معرفة سبب شعورك بالضياع أو الارتباك أو تواجد أشياء غريبة في الحياة من حولك، ولا يمكن تأكيد مدى تأثير وباء فيروس كورونا (Covid-19) العالمي في صحتك النفسية واستقرارك العاطفي وثقتك عموماً بما فيه الكفاية، وتعد الولايات المتحدة مثالاً ممتازاً عن الآثار الضارة لهذا الوباء على الصحة النفسية لمعظم الناس، حيث شهدت من شهر كانون الثاني إلى أيلول من عام 2020 ارتفاعاً ثابتاً في عدد البالغين الذين أُصيبوا بمشاعر الاكتئاب والقلق؛ ونتيجة لذلك، شهدت زيادة بنسبة 62٪ في فحوصات الاكتئاب و92٪ في فحوصات القلق.
حتى لو كنت بعيداً عن مشاهدة التلفاز أو استخدام الإنترنت ولديك كل من تحبهم معك، فقد أثَّر فيروس كورونا في حياتك اليومية بطريقة سلبية؛ إذ تغيرت الحياة بالكامل وإلى الأبد، لكنَّ هذا لا يعني أنَّ هناك خطب ما فيك، ومن المنطقي أن تحاول اكتشاف طريقة جديدة للعيش في هذه الحياة.
نقدم لك فيما يلي ثلاثة أمور يجب أن تتذكرها ستساعدك على البدء في اكتشاف الحياة في ظل الواقع الجديد ما بعد جائحة كورونا.
1. الشعور بالضياع أمرٌ طبيعي:
لقد ضللت طريقك؛ وعلى الرغم من أنَّ الحال قد يبدو مرهقاً ومتعباً تماماً، إلا أنَّه ليس جديداً، فقد ضل الملايين وربما المليارات من البشر على هذا الكوكب طريقهم في مرحلة ما خلال حياتهم، والشعور بالضياع لا يعني وجود خطب ما فيك، وسيساعدك الاعتراف بأنَّك لست على ما يرام على إدراك أنَّك لا تدرك بوضوحٍ ما يلي:
- ما يجب عليك أن تفعل بعد ذلك.
- فيما إذا كنت على المسار الصحيح.
- فيما إذا كان يجب عليك البقاء على هذا المسار.
- فيما إذا اتخذت القرارات التي أوصلتك إلى هذه اللحظة.
- ولماذا تريد الاستمرار أو التوقف عن مسار العمل هذا.
عندما تجد نفسك تسأل عن أشياء أساسية في حياتك، فهذا مؤشر جيد على حدوث شيء ما، ويجب عليك الاستفسار أكثر، وبمجرد أن تُدلي بهذا الاعتراف الهام أمام نفسك، لا تتسرع في الحصول على إجابات، وإنَّما امنح نفسك بعض الوقت للجلوس والتفكير في السؤال، فالقول أسهل من الفعل، ومع ذلك، فإنَّ البيانات التي تأتي من التفكير مليَّاً في هذه الأسئلة الهامة هي ذات أهمية كبيرة، وفهم عملية التفكير المدروس قد تستغرق بعض الوقت، لذا كن لطيفاً جداً مع نفسك، وتأكد أنَّه ستكون هنالك أوقات قد تشعر فيها بعدم الارتياح بسبب صعوبة الاعتراف بذلك، وتذكر أن تكون ممتناً لنفسك خلال عملية التفكير المدروس، لا سيما عندما تشعر بالرغبة في الاستسلام، وحقيقة أنَّك فقدت طريقك هي مؤشر على أنَّك وصلت إلى لحظة هامة في حياتك، فأنت تدرك بأنَّ الأشياء تبدو غير متناسقة، وتريد أن تفعل شيئاً ما حيال ذلك؛ لذا في النهاية، اتخذ الخطوات المناسبة لتجد نفسك وتوفِّر فرصة لمعرفة المزيد عن نفسك.
2. التوقف عن التشبث بالأفكار وترك الأمور تسير وحدها:
يمكن أن تكون فوضى الشعور بالضياع مؤلمة، فالهروب من ذلك ليس بالأمر السهل، لكنَّ العملية بسيطة؛ توقف عن التشبث بفكرة عدم الراحة والحزن والشك وتخلَّ عنها، بعبارة أخرى، لا تخشَ الاستسلام، حيث يجب أن تتخلى عن الأشياء التي لا يمكنك التحكم فيها إذا ما أردت أن تجد نفسك مرة أخرى.
يُعد التخلي عن الأشياء التي لا يمكنك التحكم فيها من أصعب الأمور التي يمكن لأيِّ شخص القيام بها، فكل تجربة حياتية ليست مجرد ذكرى عادية، وإنَّما ذكرى مؤرشفة تعكس تصور الفرد لحدث ما، وفي لحظات الوعي تلك والتي يدرك فيها المرء أنَّه لا أحد يستطيع السيطرة على القوى الخارجية؛ يتفاعل كل شخص بشكل مختلف، حيث يستوعب بعضهم الشعور كما لو يجب عليهم حماية أنفسهم من القوى الخارجية من خلال محاولة السيطرة عليها قدر الإمكان، في حين يتخلى آخرون عن طريقة التفكير هذه، ويتبنون عقلية أنَّهم لا يستطيعون سوى التحكم في أنفسهم وسلوكاتهم؛ وفي حين أنَّهم قد يتمكنون من التأثير في القوى الخارجية، لكنَّهم يتقبلون فكرة أنَّهم لا يستطيعون السيطرة عليها، مما يعني أنَّهم اعتمدوا نهج الاستسلام أكثر.
لا يمكن أن تكون هناك حرية بدون استسلام، بغض النظر عن رأيك سواءً كان هناك خطب ما فيك أم لم يكن، يمكننا الاتفاق على أنَّه عندما تسمح لنفسك بالاستسلام لما هو مخطط لك أو السير مع التيار، فإنَّ ذلك يجعل حملك أخف قليلاً، وسيَخِفُّ قلقك قليلاً، وتتنفس بعمق، ويزداد صبرك، وتشعر بمزيد من الثقة عندما تعرف أنَّك توقفت عن التشبث بالأمل في نتيجة خارجة عن إرادتك.
يمكن أن يكون الاستسلام أقوى أداة يجب أن تجدها بنفسك لأنَّه سيحررك من قيود آراء الآخرين، وبالتالي لن تكون مقيداً بالتأثيرات الخارجية التي أجبرتك ذات مرة على محاربة نفسك وكانت ترهقك إرهاقاً شديداً بشكلٍ مستمر، يمكنك الآن اتِّباع العملية التي تكشف لك حقيقة مَن تكون بالتعاطف وحب الذات غير المشروط.
3. الراحة ضرورية:
العمل الشاق من أجل العثور على شيء أمر مرهق، لذلك تُعدُّ الراحة ضرورية لمساعدتك على التفكير بوضوح، ومواجهة الحقائق الصعبة التي تكتشفها، والاعتناء بنفسك جيداً على طول الطريق، فكلما شعرت أنَّ هناك خطب ما فيك، فإنَّ الراحة هي الدواء الهام الذي تحتاجه يومياً لمساعدتك في العمل وفق أعلى مستوى.
وعندما نفكر في الراحة، يفكر معظمنا في النوم؛ سواء كنت تأخذ قيلولة أثناء النهار، أم تريح عينيك من حين لآخر أم كنت تلتزم بحصولك على (6-8) ساعات من النوم ليلاً؛ فلا يمكن إنكار أنَّ النوم هو أحد أكثر أشكال الراحة فاعلية، ومع ذلك، فهو ليس الطريقة الوحيدة؛ حيث يمكن أن تأخذ الراحة أشكالاً أخرى عديدة؛ إذ يمكن أن تكون من خلال التأمل أو الاسترخاء أو الذهاب إلى الطبيعة أو الاستلقاء دون نوم أو إيقاف تشغيل أجهزة التلفاز والراديو لبضع ساعات أو الاستماع إلى الموسيقى أو قضاء يوم من الصمت أو التواجد في بيئة منعزلة؛ ويمكن أن تكون الراحة أيضاً جلسات تدليك أو عناية بالأظافر أو تلوين أو مشاهدة برنامجك المفضل، حيث تتيح لك الراحة إيقاف عقلك عن العمل والتفكير والعودة إلى نشاطك المعتاد في أثناء عودة التواصل مع نفسك؛ حيث ستمنحك الراحة المتعمدة وقتاً للتفكير في المعلومات الجديدة التي تتعلمها عن نفسك عندما تجد نفسك، وإذا كان لديك بعض المقاومة لفكرة الراحة، فهذا أمر معقول.
وتبعاً للمكان الذي تعيش فيه في العالم، يمكن اعتبار الراحة جزءاً أساسياً من كل يوم، أو يمكن اعتبارها بمثابة رفاهية للكسالى؛ لكن بغض النظر عمَّا يخبرك به المجتمع، فإنَّ الراحة ضرورية لثورةٍ على المستوى الشخصي.
أفكار أخيرة:
إنَّ الشعور بالضياع أمرٌ مُتوقَّع، لا سيما في هذا العالم المتغير باستمرار في مرحلة ما بعد وباء كورونا، فكلما أدركت بسرعة أنَّه لا بأس في الشعور بالضياع، كان بإمكانك البدء في التعلم عن نفسك بشكل أسرع في اللحظة الحالية.
يمكن أن يكون الاستسلام إلى قوة عليا أو السير مع التيار أمراً مفيداً حقاً أثناء تقدمك في هذا العمل الصعب؛ فالتشبث بالأفكار السابقة حول نفسك أو ما كنت تعتقد أنَّه عليك القيام به سيجعل عملية تعليم نفسك الآن أكثر صعوبة؛ إذ سيمنحك ترك الأمور تسير على طبيعتها الحرية في القلق بشكل أقل وأن تكون حاضراً أكثر في رحلة البحث عن نفسك.
أخيراً، الراحة ثم الراحة، لا تأخذ المعرفة الفكرية التي ستحصل عليها نتيجة خوض هذه التجربة وكأنَّها أمر مسلَّم به؛ حيث يعد تخصيص الوقت للسعي إلى إيجاد الذات أمر مرهق، لذا نم وتناول طعاماً جيداً وكن لطيفاً وصبوراً مع نفسك وحافظ على طاقتك.
عندما تتواصل مع نفسك، فأنت تبارد يوميَّاً إلى العثور على نفسك؛ وفي كل مرة تسمح لنفسك بالتفكير تفكيراً مدروساً، تنفصل عن الأمور التي لا يمكنك التحكم فيها مع إعطاء الأولوية للتواصل مع نفسك والشعور بالراحة، وفي هذه الحالة أنت الرابح، وتأكد أنَّه من الصعب أن تشعر بالضياع عندما تأخذ الوقت الكافي لتعرف نفسك حقاً.
أضف تعليقاً