ما هو كبت المشاعر؟
يرى علماء النفس أنَّ كبت المشاعر وسيلة من وسائل الدفاع النفسي، يُبعد بها الإنسان نفسه عن مواجهة المواقف، والمشاعر الصعبة، فلا يُشارك الآخرين ما يشعر به، سواء كانت مشاعر فرح أم حزن أم غضب وحتى مشاعر الحب قد يكتمها.
أنواع كبت المشاعر:
يوجد نوعان للكبت حسب علماء النفس:
1. الكبت الأساسي:
يُقصَد بالكبت الأساسي محاولة الإنسان إخفاء مشاعره التي لا يرغب بها، وإنكارها بينه وبين نفسه، ولا يسمح لها بالوصول إلى وعيه، وهو يقوم بذلك دون وعي.
2. الكبت الصحيح:
الكبت الصحيح أو المناسب، وهو محاولة الإنسان بشكل واعٍ ومقصود إزالة المشاعر غير المرغوبة من العقل الواعي ونقلها إلى اللاوعي، واستحضار ذكريات إيجابية عوضاً عنها.
كيف تظهر المشاعر المكبوتة؟
يُشير العالم النفسي "سيغموند فرويد" إلى طرائق عدَّة تظهر وتتسلل المشاعر المكبوتة من خلالها وهي:
1. الأحلام:
تظهر الأفكار والمشاعر المكبوتة كثيراً في أحلام الشخص، وغالباً ما تسبب له الأرق واضطرابات النوم.
2. زلات لسان الإنسان:
كثيراً ما تظهر مشاعر الشخص وأفكاره المكبوتة في زلات لسانه دون أن يشعر؛ لأنَها مدفونة في عقله الباطن.
3. الرهاب:
قد تتحول أفكار ومشاعر مكتوبة لدى الشخص إلى رهاب من نوع ما.
علامات كبت المشاعر:
يمكن اكتشاف أنَّ الإنسان يعاني من كبت المشاعر من خلال العلامات التالية:
- لا يعبِّر الشخص المصاب بكبت المشاعر عما يشعر به، ويجد صعوبة في شرح ما بداخله.
- يتجنب الأحاديث الشخصية مع الآخرين والكلام عن المشاعر.
- يشعر بالضيق عند سؤاله عن مشاعره أو ردات فعله.
- قلة استخدام ضمير المتكلم "أنا" في الكلام؛ وإنَّما التكلم بصيغة الجماعة "نحن".
- التهرب من المواقف والمناسبات الوجدانية التي تحتاج إلى المشاعر والتعبير.
- تفادي الأشخاص الجريئين الذين يعبِّرون عن مشاعرهم بوضوح وقوة.
- تفضيل التواصل غير المباشر من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، والابتعاد عن التواصل الحقيقي والمباشر.
- قد يلجأ المصاب بكتم المشاعر إلى إدمان التدخين أو الكحول، كنوع من التفريغ عما يكتم داخله.
أسباب مشكلة كبت المشاعر:
تعود مشكلة كبت المشاعر إلى أسباب عدَّة، مثل:
1. التنشئة الأسرية:
تؤدي التنشئة الأسرية دوراً كبيراً في بناء شخصية الإنسان، فالتربية القائمة على الحوار والنقاش وتعبير الطفل عن نفسه ورأيه، تُنتج شخصاً سوياً متصالحاً مع مشاعره، يعبِّر عنها ويجاهر بها، أما التربية القائمة على العنف وترهيب الطفل من التكلم أو إبداء الرأي، تكون نتيجتها شخصاً كتوماً لا يعرف التعبير عما بداخله.
2. الخجل:
يُعَدُّ الخجل أحد الأسباب الأكثر شيوعاً لكتمان المشاعر؛ إذ يمنع الخجل الإنسان من التعبير عن نفسه وعما يشعر به، ويكبله بقيود تمنعه من التصريح بما يجول في باله.
3. الخوف:
يدفع الخوف الشخص إلى كتمان مشاعره خوفاً من مواجهة ردة فعل الآخرين، أو تبرير مشاعره، أو الاضطرار للدفاع عن النفس.
4. عدم الثقة بالنفس:
مَن يعاني من عدم أو نقص ثقة بنفسه، لن يكون قادراً على التعبير عن نفسه ومشاعره؛ ذلك لأنَّ تقديره لنفسه متدنٍ، ولا يثق بصحة رأيه أو شعوره ويخشى المجاهرة بهما.
5. العادة:
قد يكتم الشخص مشاعره بحكم العادة؛ لأنَّه كتمها أكثر من مرة، فاعتاد على الأمر دون أن يتنبَّه إليه.
6. مراعاة الآخرين:
يبالغ بعض الناس في مراعاة الآخرين، والخوف من مصارحتهم بما يشعرون خوفاً من تأثير ذلك فيهم.
مخاطر كبت المشاعر:
يجب أن يتوقف الإنسان عن كبت مشاعره، للأسباب الآتية:
1. استهلاك طاقته:
عندما يكبت الإنسان مشاعره، فهو يستهلك طاقة أكبر؛ لأنَّه يكبحها ويحاول إظهار عكس ما بداخله، بدلاً من ترك مشاعره تخرج على السطح بسلاسة.
2. الانفجار:
يحوِّل كبت المشاعر الإنسان إلى قنبلة موقوتة، فكبح المشاعر يجعله في حالة ضغط دائمة، قابلاً للانفجار في أيَّة لحظة، ويمكن تشبيه داخل الإنسان في هذه الحالة ببالون الهواء الذي سينفجر عند امتلائه بما يفوق طاقة استيعابه.
3. تبلد الإحساس:
يتبلد إحساس الإنسان مع الاستمرار في كبت مشاعره، فعندما يتجاهل شعوره ولا يعبِّر عنه شيئاً فشيئاً يفقد القدرة على الإحساس والتعبير عما يشعر.
4. مشكلات في التواصل:
من أهم سلبيات كبت المشاعر هي المشكلات التي تظهر في التواصل مع الآخرين، فمن لا يعبِّر عما يشعر، فسوف يجد من يتعامل معه صعوبة في فهمه وفي التواصل معه.
5. أمراض نفسية:
أظهرت الدراسات أنَّ كبت المشاعر من أحد أسباب إصابة الإنسان بالأمراض النفسية، من قلق واكتئاب وعزلة.
6. أمراض جسدية:
ينعكس كبت الإنسان لمشاعر الغضب أو الحزن سلباً على صحته، وبحسب إحدى الدراسات الأمريكية الصادرة عن كلية "هارفارد" للصحة العامة، فإنَّ الوفاة المبكرة تزيد بنسبة 35% لدى الأشخاص الذين يكبتون مشاعرهم، وأضافت الدراسة أنَّ أغلبهم يُصاب بأمراض القلب، أو أمراض السرطان أو التجلطات، وأمراض نقص المناعة.
7. اضطرابات هضمية:
تؤدي الحالة النفسية والكبت والضغوط التي لا يتم تفريغها إلى إصابة الإنسان باضطرابات هضمية كالقولون العصبي، وآلام المعدة، والغثيان، والإمساك.
8. أمراض جلدية:
منشأ أغلب الأمراض الجلدية نفسي؛ لذا يعاني من يكتم مشاعره، ولا يفرغ حزنه أو غضبه من حساسية جلدية، وظهور الحبوب وبقع غريبة على جسمه.
9. اضطرابات النوم:
غالباً ما يُصاب من يكبت مشاعره باضطرابات في نومه؛ لأنَّه ما إن يضع رأسه على الوسادة، حتى تعود كل المشاعر التي شعر بها خلال يومه وكتمها إلى رأسه، ويفكر بها لساعات وساعات، فيُصاب بالأرق، وربما بالأحلام المزعجة.
كيف أتخلص من كبت المشاعر؟
يمكن التخلص من مشكلة كبت المشاعر بالخطوات التالية:
1. سؤال نفسك:
احرص دائماً على سؤال نفسك بماذا تشعر، فلا تتجاهل مشاعرك؛ بل أعطِها اهتمامك وتقديرك.
2. فهم شعورك:
من أهم خطوات التخلص من كبت المشاعر هي أن يفهم الشخص طبيعة شعوره، هل هو حزين الآن، أم غاضب، أم يشعر بالضيق من تصرف ما؟
3. تحديد السبب:
أن تُحدد السبب الكامن وراء كتمان مشاعرك، هل هو الخجل، أم الخوف، أم بحكم العادة؟ ومن ثم عليك العمل على علاج هذا السبب.
4. تدريب نفسك:
التعبير عن المشاعر وإدارة المشاعر أو ما يُعرَف بالذكاء العاطفي؛ مهارة مثل أيَّة مهارة أخرى، يمكن اكتسابها بالتدريب والممارسة؛ لذا درِّب نفسك على فهم مشاعرك، والتعبير عنها وإدارتها بشكل صحيح، فهذه هي أهم خطوة للتخلص من مشكلة الكبت، وابدأ بالأمر مع الأشخاص المقربين؛ مثل عائلتك وأصدقائك، فمثلاً عندما تغضب، عبِّر عن ذلك وصرِّح بقول: "أنا أشعر بالغضب لكذا وكذا"، وعندما تشعر بالحزن، لا تخفِ شعورك؛ بل عبِّر عنه وطالب بمساحتك الخاصة.
5. المقارنة:
قارن بين حالتك النفسية عند كتمان مشاعرك، وبين حالتك عندما عبَّرتَ عنها، وبين الراحة والسلام الداخلي الذي لمستَه بعد التعبير عنها.
6. الكتابة:
تُعَدُّ الكتابة إحدى وسائل التعبير والتفريغ عما بداخل الإنسان؛ لذا لا تتردد في مسك الورقة والقلم والبدء بكتابة ما تشعر به.
7. الموسيقا:
أثبتت التجارب والأبحاث فاعلية الموسيقا كإحدى وسائل العلاج النفسي؛ لذا اجعل الموسيقا ملجأك للتفريع والتعبير عما بداخلك.
8. تمرينات الاسترخاء:
احرص على ممارسة تمرينات اليوغا والاسترخاء، لدورها في تفريغ المشاعر السلبية، والاسترخاء، ومنح السلام والصفاء الداخلي.
شاهد بالفيديو: 10 أمور مذهلة تحدث للجسم عند الاسترخاء
9. الاستعانة باختصاصي:
في حال فشلَت محاولاتك كلها للتخلص من مشكلة كتمان المشاعر، فلا بد من الاستعانة باختصاصي نفسي يساعدك نفسياً وسلوكياً على حل المشكلة.
تجارب عملية على آثار كتم المشاعر:
- قام "ديفيد جي كافاناج" وزملاؤه في جامعة "كوينزلاند" للتكنولوجيا في أستراليا بإجراء تجربة على مجموعة أشخاص يعانون من إدمان الكحول؛ وذلك في أثناء خضوعهم للعلاج من الإدمان.
وقام "ديفيد" بالطلب من هؤلاء الأشخاص ملء استبانة معينة، تحتوي أسئلة عن دوافعهم ورغبتهم حول الشراب، وكانت الغاية تقييم الفارق بين مَن يُصرح برغبته ومشاعره، وبين من يكتمها ويكبح أفكاره.
فكانت النتيجة التي توصل إليها "ديفيد" أنَّ الأشخاص الذين كتموا مشاعرهم ولم يُصرحوا برغبتهم بشأن شرب الكحول، كانوا هم الأضعف في مقاومة الشراب، والأقل استجابة في العلاج من الإدمان لاحقاً، فكتمان المشاعر يؤدي إلى ترسيخها وصعوبة التخلص منها.
- وفي دراسة أخرى نُشِرَت عام 2011، قام بها "ريتشارد إيه برايانت" في جامعة "نيو ساوث ويلز" في سيدني، طلب فيها من بعض الأشخاص أن يكتموا فكرة أو شعوراً ما قبل النوم، في حين طلب من آخرين التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم، فوجدَت الدراسة أنَّ المجموعة الأولى التي كتمت أفكارها، أصيب أفرادها بالأرق، وزارتهم هذه الأفكار في الأحلام، في حين أنَّ الأشخاص الذين عبَّروا عن مشاعرهم كانوا أكثر راحة وحصلوا على نوم عميق.
في الختام، حرر نفسك:
يقول "شين كوفي": "تذكَّر أنَّ المشاعر التي لا يتم التعبير عنها لا تموت أبداً، إنَّها تُدفن حية، ثم تطفو فيما بعد بطرائق أكثر قبحاً، فعليك أن تعبِّر عن مشاعرك وإلا فإنَّ تلك المشاعر سوف تأكل قلبك".
الحياة أقصر من أن تقضيها وأنت تقيد نفسك بقيود تمنعك من مشاركة ما بداخلك مع غيرك، فحرر نفسك من قيود الكتمان، وعندما تحب، افتح قلبك وجاهر بمشاعرك لمن تحب، وعندما تغضب عبِّر عن غضبك، وصارح من أغضبك أو أساء إليك عما تشعر به، واتفق معه على صيغة تعامل ترضيك، فلا تخجل من حزنك، وعبِّر عنه بالطريقة التي تريحك، واترك مشاعرك السلبية تظهر وتطفو على السطح، فبقاؤها في القاع سيحرمك التوازن والسلام الداخلي، ويعكر صفو حياتك، ويجعل منك قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أيَّة لحظة.
أضف تعليقاً