مفهوم العلاج بالموسيقى:
العلاج النفسي بالموسيقى هو تدخل سريري نفسي راسخ، يقدمه المعالجون بالموسيقى لمساعدة الأشخاص الذين تأثرت حياتهم بالإصابة أو المرض أو الإعاقة من خلال دعم احتياجاتهم النفسية والعاطفية والمعرفية والجسدية والتواصلية والاجتماعية.
هذا وقد ظهرت أول إشارة معروفة للعلاج بالموسيقى في عام 1789 في مقال غير موقع في مجلة كولومبيان بعنوان "دراسة الموسيقى جسدياً".
وفي أوائل القرن التاسع عشر، ظهرت كتابات عن القيمة العلاجية للموسيقى في رسالتين طبيتين، الأولى نشرها إدوين أتلي (1804) والثانية كتبها صامويل ماثيوز (1806).
وقد كان أتلي وماثيوز من طلاب الدكتور بنيامين راش، وهو طبيب وطبيب نفسي كان من أشد المؤيدين لاستخدام الموسيقى لعلاج الأمراض الطبية.
أما القرن التاسع عشر فقد شهد أيضاً أول تدخل مسجل للعلاج بالموسيقى في بيئة مؤسسية (جزيرة بلاكويل في نيويورك)، بالإضافة إلى أول تجربة منهجية مسجلة في العلاج النفسي بالموسيقى (استخدام كورنينج للموسيقى لتغيير حالات الأحلام أثناء العلاج النفسي).
فوائد العلاج بالموسيقى:
يعاني العديد من الأفراد من ردود فعل عاطفية طبيعية تجاه الموسيقى، حيث يمكن للأغنية أن تدفعنا إلى الرقص أو البكاء دون الكثير من التفكير الواعي. حيث يمكن للموسيقى الوصول إلى عواطفنا وقدراتنا العقلية بطريقة لا تستطيع الكلمات أحياناً القيام بها.
ويستخدم العلاج بالموسيقى هذه التفاعلات الطبيعية للموسيقى ويسخرها لإحداث تأثيرات قصيرة المدى وطويلة المدى. وفيما يلي تسع فوائد للعلاج بالموسيقى العقلية والجسدية:
1. التخلص من القلق:
تؤثر اضطرابات القلق على ما يقرب من 40 مليون بالغ و31.9% من المراهقين كل عام، إلا أن العلاج بالموسيقى يمكن أن يساعد في تخفيف الأعراض الجسدية والعقلية للقلق، من خلال تقنية تسمى مبدأ ISO، يتم فيها مطابقة الموسيقى مع الحالة المزاجية الحالية للفرد ثم يتم تكييفها لتسهيل تعديل الحالة المزاجية.
2. تقليل الاكتئاب:
يؤثر الاكتئاب على 264 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، وقد يكون من السهل على الأفراد الذين يعانون من الاكتئاب أن يشعروا بأنهم عالقون في هذه الحالة. إلا أن العلاج بالموسيقى يمكن أن يكون فعالاً لأنه يمنح الشخص إمكانية الوصول إلى مجموعة متنوعة من الأصوات والتعبيرات.
3. الحد من التوتر:
يمكن أن يزيد التوتر من معدل ضربات القلب ومعدل التنفس والتهيج والأرق، ومن خلال عملية تسمى الإغراء، تبدأ أجسامنا في مطابقة المحفزات التي نختبرها، وخاصة الموسيقى.
على سبيل المثال، إذا سمعت إيقاعاً ثابتاً، فسيبدأ معدل ضربات القلب أو التنفس في النهاية في مطابقة هذا الإيقاع، ويُستخدم هذا المبدأ في مجموعة متنوعة من التجارب الموسيقية للتخفيف من التوتر.
كما أظهرت الأبحاث أيضاً أن الغناء يخفض مستويات الكورتيزول والكورتيزون، وهما هرمونان يتم إطلاقهما عند التعرض للتوتر.
4. تحسين التنظيم والمعالجة العاطفية:
تتم معالجة الموسيقى في الجهاز الحوفي للدماغ، وهو مخزن لأنظمة المعالجة والتنظيم العاطفية الأخرى، وهذا هو السبب في أن بعض الموسيقى، حتى بدون أي كلمات، يمكن أن تبدو "حزينة" أو "سعيدة" وما إلى ذلك.
هناك أسلوب قوي للعلاج بالموسيقى من أجل تحسين المعالجة العاطفية والتنظيم هو مناقشة الأغنية. حيث يستمع المعالج الموسيقي والعميل إلى أغنية ويناقشان الموضوعات والعواطف التي تثيرها الكلمات والموسيقى والعنصرين معاً.
غالباً سوف يتعرف العملاء على المشاعر الموجودة في الأغنية والتي هي في الواقع انعكاس لتجربتهم الداخلية، وهذا يوفر بعد ذلك الفرصة لمزيد من معالجة تلك المشاعر.
5. تعزيز مشاعر السلامة والأمن:
في بيئة العلاج بالموسيقى، يتم تدريب المعالج بشكل خاص على جعل البيئة متاحة وتعزيز العلاقة العلاجية القائمة على السلامة والثقة.
غالباً ما توجد الموسيقى داخل الهيكل، وغالباً ما يكون هناك إيقاع ثابت وإحساس واضح بالبداية والوسط والنهاية داخل القطعة الموسيقية. حيث يعمل هذا الهيكل المتأصل كحاوية؛ يمكن للمرء أن يعرض مشاعره وتجاربه على الموسيقى ويشعر بأنه "مقيد" بشيء يمكن التنبؤ به.
وغالباً ما يكون التعبير عن المشاعر بشكل غير لفظي من خلال الموسيقى أقل تهديداً من التعبير عنها من خلال الكلمات.
6. تحسين احترام الذات:
في العلاج بالموسيقى، يتم تدريب المعالجين على خلق تجارب تمنح العملاء فرصاً للنجاح، مع الحفاظ على الاستقلالية. حيث أنه من خلال توفير فرص لتعلم آلة موسيقية، أو عزف أغنية، أو كتابة مقطوعة موسيقية، يمكن للأفراد تجربة زيادة الثقة بالنفس واحترام الذات.
7. الشعور بالهوية:
يمكن أن تكون الموسيقى مصدراً للهوية، خاصة بالنسبة للمراهقين، فقد يشكل المراهقون تفضيلات موسيقية بناءً على اهتمامات أقرانهم، أو كمحاولة لفصل أنفسهم عن الجمهور.
8. تعزيز المرونة:
المرونة ليست سمة شخصية ثابتة، ولكنها شيء يمكن أن ينمو ويتطور طوال حياتنا.
إن استخدام الموسيقى كشكل من أشكال الرعاية الذاتية لتنظيم الحالة المزاجية يمكن أن يكون إحدى أدوات مرونة الشخص.
وقد تساعد تجارب العلاج بالموسيقى أيضاً في إيجاد إحساس بالمعنى في الموسيقى، ويتيح ذلك للمرء ممارسة أداة أخرى للمرونة: "العثور على قيمة في ظروفك".
9. الفوائد الجسدية:
الاستخدام الأكثر شيوعاً للعلاج بالموسيقى لتعزيز الفوائد الجسدية هو في مجال إعادة التأهيل البدني، حيث أن كل حركة نقوم بها لها إيقاع. وبالتالي، فإن مزاوجة الإيقاع مع الحركة يمكن أن تكون شكلاً فعالاً للغاية لتعليم الحركة في البيئات التأهيلية.
كما تثير الموسيقى أيضاً استجابات جسدية غير واعية، حيث تؤثر الموسيقى على أجزاء الدماغ المسؤولة عن الوظائف اللاإرادية أو اللاواعية (مثل التنفس ومعدل ضربات القلب وبعض الحركات وما إلى ذلك).
ويمكن للعلاج بالموسيقى أن يساعد في تسهيل التغيرات الفزيولوجية مثل:
- تحسين التنفس.
- انخفاض ضغط الدم.
- تنظيم معدل ضربات القلب.
- زيادة قوة العضلات.
- زيادة نطاق الحركات.
- تحسين المهارات الحركية الدقيقة.
شاهد بالفيديو: العلاج بالفن مستقبل واعد لمواجهة الأمراض النفسية
أنواع العلاج بالموسيقى:
يستخدم المعالجون بالموسيقى العديد من الأساليب المختلفة لتلبية احتياجات العميل. بشكل عام، أنواع تجارب العلاج بالموسيقى تنقسم إلى فئتين رئيسيتين:
1. التدخلات النشطة:
بالنسبة لهذه التجارب، يقوم المعالج بدور نشط في صنع الموسيقى مع المعالج الخاص به. على سبيل المثال، يمكنه الغناء أو العزف على آلة موسيقية.
2. التدخلات الاستقبالية:
بدلاً من صنع الموسيقى، يستمع العميل إلى الموسيقى التي يعزفها المعالج أو يقوم بتشغيلها من التسجيل، ويمكن للعميل قضاء بعض الوقت في مناقشة الموسيقى مع المعالج كوسيلة لمعالجة أفكاره ومشاعره.
عيوب العلاج بالموسيقى:
بشكل عام، لا تظهر الدراسات البحثية للتدخلات القائمة على الموسيقى أي آثار سلبية. ومع ذلك، فإن العلاج بالموسيقى كغيره من الأشياء يمكن أن يحمل بعض الآثار الجانبية السلبية مثل:
- الاستماع إلى الموسيقى بصوت عالٍ جداً يمكن أن يساهم في فقدان السمع الناجم عن الضوضاء.
- نظراً لأن الموسيقى يمكن أن ترتبط بذكريات قوية أو ردود أفعال عاطفية، فقد يشعر بعض الأشخاص بالأسى بسبب سماع لأنواع معينة من الموسيقى.
- يمكن أن يؤدي العزف المكثف على الآلات الموسيقية إلى الألم والإصابة.
- التدخلات القائمة على الموسيقى والتي تنطوي على ممارسة التمارين الرياضية أو أنواع أخرى من الحركة يمكن أن تؤدي إلى إصابة جسدية إذا لم يتم اتخاذ احتياطات السلامة المناسبة.
العلاج بالموسيقى عند العرب قديماً:
ما يثير الفخر أن العرب عرفوا العلاج بالموسيق قبل الغرب فاستخدموها في علاج بعض الأمراض النفسية والعصبية والعقلية، وعرفوا تأثيرها على الجسد والروح.
فقد نصح الرازي مرضاه باستخدام الموسيقى للعلاج من الآلام ولعلاج مرض الماليخوليا.
هذا وقد اكتشف الفارابي أنّ للموسيقى أثر على الأحاسيس والمشاعر، وتوصل لذلك في إحدى الجلسات عندما كان يعزف الموسيقى فأضحك الجالسين وعزف مقطوعة أخرى فأبكاهم.
ومن خلال الملاحظة عرف ابن سينا أن الإنسان يعيش حالات نفسية مختلفة خلال النهار، فحدّد مقامات يفترض سماعها في أوقات معينة، وذكر أنّ (مقام الرست) يسمع عند الشروق و(مقام النوى) في أوقات المغرب.
كما وضع الكندي الكثير من النغمات كوصفات طبية فوصف بعضها للمساعدة على الهضم وبعضها لعلاج اليرقان وأخرى مسكّن للبلغم والسعال ونغمات أخرى لتقوية الدم.
العلاج بالموسيقى في العصر الحديث:
في العصر الحديث بدأ العلاج بالموسيقى بعد الحرب العالمية الأولى والثانية، حيث كان الموسيقيين يتجولون بين المستشفيات لعزف المقطوعات الموسيقية للجرحى من ضحايا الحرب حتى يخففوا من آلامهم.
وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الموسيقى تخفف من الآلام بنسبة 21%، والكآبة بنسبة 25%، خاصة عند الذين يعانون من أمراض نفسية ومشاكل اجتماعية، كما أن للموسيقا تأثير إيجابي على المرضى الذين تصل أعمارهم إلى خمسين عاماً.
وأفادت دراسة أجرتها جامعة "ستانفورد" الأمريكية أنّ الناس الذين يعانون من النسيان عليهم الاستماع إلى موسيقى "موزارت" فلديها قدرة عجيبة على تحسين قدرات التعلّم والذاكرة عند الإنسان.
وتوصلت الدراسات حديثاً أنّ تأثير الموسيقى على الإنسان يبدأ منذ تكوينه في بطن أمه، كما أنّ الجنين يتأثر ايجابياً عند سماع الموسيقى لذلك يطلب من الأم أنّ تستمع للموسيقا الهادئة خلال فترة الحمل.
في الختام:
بات العلاج بالموسيقى يحظى بشعبية هائلة على مستوى العالم نظراً لما يقدمه من فوائد صحية ونفسية.
أضف تعليقاً