حسن الجوار وآدابه:
حسن الجوار هو من مكارم الأخلاق، وواجبٌ من واجبات المؤمن لأخيه المؤمن، وهو سلوكٌ حضاريٌّ راقٍ يعكس مدى تقدُّم المجتمع ورقيِّه، فسوء الجيرة يُشقي المرء، وحسنها يجعل حياته أسعد وأفضل، وحسن الجوار هو الإحسان لجار السكن ومساندته في السراء والضَّراء، والابتعاد عن إيذائه، والوقوف إلى جانبه واحترام حرمته وصون عرضه ودياره.
حسن الجوار يعني تجنُّب النميمة واحترام العشرة والعفو عند المقدرة وتقبُّل الأخطاء والزلَّات، وذلك لبناء مجتمعٍ متماسكٍ مُحبٍّ لبعضه بعضاً ويسعى إلى الخير والبرِّ والتقوى، ويبتعد عن الإثم والعدوان، وحُسنِ الجوار لا يقتصر فقط على المسلمين وإنَّما على جميع الديانات السماوية.
أمَّا عن الجيرة فقد حدَّدها الإسلام إلى مدى 40 منزلاً من كافَّة الجهات التي تحيط بمنزلك، فكلُّ هؤلاء ينطبق عليهم وصف الجوار وآدابه وحسن التعامل معه، ومن الضروري الحديث عن أنَّ حُسنَ الجوار أمرٌ مفروض على المرء دينياً دون شكِّ أو التباس في هذا الموضوع؛ لأنَّ الله تعالى أَمَر بذلك في القرآن الكريم في سورة النساء وبالأخصِّ في الآية ٣٦: "وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ".
حقوق الجار:
اهتمَّ الإسلام بالجار وبحقوق الجار كاملَ الاهتمام، وأوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بسابع جار، وأمر باحترامه وإعانته في مصائبه، واحترام خصوصياته وصون عرضه، وقد ظلَّ جبريل عليه السلام يوصي النبي صلى الله عليه وسلم بجيرانه حتَّى ظنَّ النبي أنَّ للجار حقاً في الإرث، فقال عليه الصلاة والسلام: "ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتَّى ظننت أنَّه سيورِّثه".
سنذكر لكم الآن حقوق الجار على الجار، التي لا بدَّ من فعلها لكسب رضوان الله تعالى ورسوله الكريم:
1. إلقاء السلام عليه وردُّ التحية:
هو خلقٌ حميدٌ وحقٌّ من حقوق الجار على الجار، وذلك لتقريب القلوب من بعضها، وزيادة الحُبِّ والمودَّة ومحو الكره والبغض وسوء التفاهم عن وجودهم، والجدير بالذكر أنَّ السلامَ نوعٌ من أنواع الإحسان إلى الجار، وقد حضَّ الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك، فقال: "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم جاره" وجاء أيضاً، "فليُحسن إلى جاره".
2. الزيارة في السراء والضراء:
من حقِّ الجار على أخيه الجار أن يسأل عنه وعن أحواله وصحته دائماً، وأن يتبادل معه الزيارات في جميع الأوقات سواء الأحزان أم الأفراح، وفي حال المرض فمن حُسنِ الجوار أن يُسانِد الجار جاره في مرضه، ويَعرف حاجاته ويساعده على تلبيتها، وأن يُهوِّن عليه المرض، فيُشاطره همَّه دون تذمُّرٍ، فيُخفِّف بذلك عن جاره، فيدعو له جاره، وينال رضى الله والأجر العظيم.
شاهد بالفديو: 10 قواعد مهمة لبناء علاقات إجتماعيّة ناجحة
3. تحمُّل أذيَّة الجار للجار:
كان الرسول عليه الصلاة والسلام من أكثر الناس تحمُّلاً على بلاء الجار، وقد صبر كامل الصبر على الأذية التي لقاها من جيرانه غير المسلمين، ومع ذلك كان بكامل شِيَم الكِرام ولم يرد المثل بالمثل، وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ" [سورة المؤمنون 96].
وقد جاء عن الحُسن قوله: "ليس حُسن الجوار بكفِّ الأذى، حُسن الجوار الصبر على الأذى".
كما جاء في مسند الإمام أحمد بن حنبل: (عن أبي ذرٍّ الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله يُحبُّ ثلاثةً ويُبغِض ثلاثةً"، وذكَّر بالثلاثة الذين يُحبُّهم الله "رجلٌ كان له جار سوءٍ يؤذيه، فيصبر على أذاه حتَّى يكفيه الله إيَّاه بحياةٍ أو ممات").
ذُكِر عن الإمام أبي حنيفة أن كان له جار سوء، وقد وصل بلاه وأذاه إلى أن يَضرَّ الإمام يومياً، ولكنَّ أبا حنيفة كان يدفع البلاء ويصبر عليه، وفي يومٍ من الأيام خرج الإمام ولم يجد سوء جاره عليه، فاستفقده وسأل عنه، وعَلِم أنَّه قد أحدث عمَلاً ودخل السجن جرَّاء ذلك، فذهب وشفع له عند والي الشرطة فأخرجه، وعندما سأل جار السوء عن الشخص الذي شَفَع له عند الوالي، أخبروه أنَّ أبا حنيفة فعلَ ذلك، فمنذ ذلك الوقت نَدِم بشدَّة وكفَّ بلاه وأذاه عن جاره أبي حنيفة.
4. زيارة الجار وإعانته على حوائجه وتبادُل الهدايا معه:
من حقوق الجار على جاره أن يزوره في كلِّ وقتٍ، ويسأله عن حاجاته، ولا سيَّما في أوقاتِ مِحنتِه، ويجب عليه أن يساعده في السَّراء والضراء، دون تأفُّفٍ أو مِنَّةٍ، ودون أن يسأل، وقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم "ما آمَن بي من بات شبعاناً، وجاره جائعٌ إلى جنبه وهو يعلم".
جاء في الروايات، أنَّ الهدية كانت تأتي لأصحاب رسول الله، فيُرسلون الهدية إلى جارهم، وجارهم يرسل الهدية للآخر وهكذا حتَّى تعود الهدية إلى الأول، وتأكيداً على ذلك فقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذرٍّ الغفاري رضي الله عنه، فقال له: "يا أبا ذرٍّ، إذا طبختَ مرقةً فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك".
5. السترة على الجار وصون أسراره:
إنَّها من أهمِّ حقوق الجار على جاره، والسبب يعود إلى كون القُرب بين الدارين موجود، فيمكن أن يتطلَّع أحد الأطراف على أسرار الطرف الثاني، وهنا يجب الستر وعدم التحدُّث بما رآه أو سمعه، وبالتأكيد فإنَّ الله بالمقابل سيستره في الدنيا وفي الآخرة، وأمَّا إن نَهَك عرضَ جاره، فسيَلقى جزاءَ عمله، وقال أحد شعراء الإسلام في ذلك:
ما ضُرَّ جاري إذ جاورته أعمَى إذا ما جارَتي خرجَتْ:
من الهامِّ أن يَكُفَّ الجار بصره عن نساء جيرانه وعن عوراتهم، وأن يستر ما قد يسمعه عنهم، فكما قال الشاعر:
لأمرٍ فآذن جارَ بيتك من قبلُ أصاب الفتى من هتكِ جارته خبلُ
واجبات الجار على الجار:
إنَّ الواجبات شبيهة تماماً بحقوق الجار، وهي جزء لا يتجزأ منها، ومن أبرزها:
- إقراضه المال عند أوقات حاجته، دون أن يطلب، فإنَّ في ذلك ثواباً أعظم عند الله.
- الدعاء له عند الصلاة والقيام.
- اتِّباع جنازته عند الوفاة، ومساندته في أوقات حزنه.
- مشاركته عندما يكون فرحاناً.
- محاولة عدم إزعاج الجار بالأصوات والأفعال، وإنَّ في ذلك احتراماً وتقديراً من الطرف الآخر.
- الذكر الحسن ومدحه أمام الناس، وكتم سيئاته وعدم نشرها بين الآخرين أو فضحه.
- تجنُّب النميمة عليه، ومحاولة الدفاع عنه في حال التهجُّم عليه من قِبل الآخرين.
- تجنُّب التمادي عليه لفظياً أو معنوياً أو جسدياً، وعدم التهجُّم على أهل بيته.
بعض من الأحاديث النبوية عن حُسن الجوار:
1. عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليَقُل خيراً أو ليصمُت".
2. قال صلى الله عليه وسلم: "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل يا رسول الله: خاب وخسر، من هذا؟ قال صلى الله عليه وسلم: من لا يأمَن جاره بوائقه".
3. قال صلى الله عليه وسلم: (ما تقولون في الزنا؟ قالوا حرام، حرَّمه الله ورسوله، قال: "لأن يزني الرجل بعشرة نسوةٍ، أيسر من أن يزني بامرأةِ جاره"، وما تقولون في السرقة؟ قالوا حرام حرَّمها الله ورسوله، قال: "لأن يسرق الرجل من عشرة بيوت، أيسر من أن يسرق من بيت جاره، ومن أغلق بابه من جاره مخافةً على أهله أو ماله، فليس الجار بمؤمن")، مع التنويه أنَّ سرقة عشرة بيوت أو الزنا بعشرة نساء، أهون من انتهاك الجار، والسبب يعود إلى حرمة الجار.
4. عن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، قالت: يا رسول الله، إنَّ لي جارتين، فإلى أيَّهما أهدي؟ قال: إلى أقربهما منك باباً، وقال الحافظ ابن حجر معلِّقاً على ذلك: (والحكمة في ذلك أنَّ الجار الأقرب يرى ما يدخل في بيت جاره من هديةٍ وغيرها، فيتشوَّق لها، بخلاف الأبعد، وكذلك فإنَّ الأقرب أسرع إجابة لما قد يقع لجاره من المهمات، ولا سيَّما في أوقات الغفلة).
في الختام:
نسأل الله أن يُحسِن جواركم ويُرزقكم بجارِ خيرٍ لا جارَ سوء، وندعو أصحاب الصبر والخير إلى تحمُّل مشاق جيرةِ السوء وأهل الأذى، فإنَّ ثوابها أعظم عند الله سبحانه وتعالى.
أضف تعليقاً