لقد أوصى الدين الإسلامي بالجار، ومنحه حقاً عظيماً، ووضع قواعد وحدوداً للتعامل معه؛ لكن، ما المقصود بالجوار؟ وما أصناف الجيران في الدين الإسلامي؟ وما حقوق الجار في الإسلام؟ وما فضل الإحسان إلى الجار؟ سنقدم لكم كلَّ ذلك أعزاءنا القراء في هذا المقال، فتابعوا معنا.
ما معنى الجوار لغة واصطلاحاً؟
لغة: الجِوار هو مصدر جاور، ويُقال: جاور جواراً ومجاورة، ومن معانيه: العهد والأمان، والملاصقة والمساكنة، والاعتكاف في المسجد ومجاورة الحرمين الشريفين، والشريك في العقار أو التجارة، والمجاورة في المسكن، والجار؛ وتُطلَق على الحليف والنصير، والزوج أو الزوجة، وقد قال الشافعي: (كلُّ من قارب بدنه بدن صاحبه قِيل له: جار)؛ وعلى ذلك، يعدُّ المجاور في صفوف الجامعة وعلى مقاعد الدراسة في فصل المدرسة جاراً، ويدخل في حقوق الجار.
اصطلاحاً: هو الملاصقة في السكن، أو نحوه.
ما أصناف الجيران في الشريعة الإسلامية؟
في حديثٍ لنبينا محمد -صلَّى الله عليه وسلم- قال: "الجيرانُ ثلاثةٌ: جارٌ له حقٌّ واحدٌ وهو أدنَى الجيرانِ حقًّا، وجارٌ له حقَّان، وجارٌ له ثلاثةُ حقوقٍ وهو أفضلُ الجيرانِ حقًّا؛ فأمَّا الجارُ الَّذي له حقٌّ واحدٌ فالجارُ المُشرِكُ لا رحِمَ له وله حق الجِوارِ، وأمَّا الَّذي له حقَّان فالجارُ المُسلمُ لا رحِم له وله حقُّ الإسلامِ وحقُّ الجِوارِ، وأمَّا الَّذي له ثلاثةُ حقوقٍ فجارٌ مسلمٌ ذو رحِمٍ له حقُّ الإسلامِ وحقُّ الجوارِ وحقُّ الرَّحِمِ، وأدنَى حقِّ الجِوارِ ألَّا تُؤذيَ جارَك بقُتارِ قِدرِك إلَّا أن تقدَحَ له منها".
ومن هذا الحديث يتبين لنا أنَّ هناك ثلاثة أصناف من الجيران، وهي:
- الصنف الأول: الجار المسلم ومن الأقارب، وله ثلاثة حقوق هي: حق صلة الرحم والقربى، وحقه كمسلم، وحق الجار.
- الصنف الثاني: الجار المسلم وليس من الأقارب، وهذا الجار له حقان هما: حق الجار، وحقه كمسلم.
- الصنف الثالث: الجار غير المسلم وليس من الأقارب، وهذا الجار له حق واحد فقط وهو: حق الجار.
معنى حسن الجوار:
حسن الجوار بشكل عام هو الإحسان إلى كل شخص يجاورنا في السكن، والتعامل معهم بالصدق والنية الصالحة وعدم إيذائهم قولا وفعلا، واحترامهم وحفظ حرمة منازلهم وعدم الإطلاع على مساوئهم أو ذكرها، والحفاظ هلى أثر طيب لديهم مهما كانت مدة جوارهم قصيرة.
إن من أجمل ما قيل في حسن الجوار، قول سيدنا محمد عليه السلام ((والذي نفسي بيده، لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره ما يحب لنفسه))، هذا الحديث الشريف يلخص معنى حسن الجوار ويكفيه.
آداب حسن الجوار:
إن التعامل بالإحسان مع الجوار تكليف إلهي، يقول رسول الله ((من سعادة المسلم سعةُ المسكن، والجار الصالح، والمركب الهنيئ))، من آداب حسن الجوار نذكر:
1. تفقد أحوال الجار ومواساته عندما يكون بحاجة إلى ذلك:
من الأحاديث التي تدل على وجوب تفقد أحوال الجار وتقديم المعونة له:
- عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- يقول: "ليس المؤمن بالذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه".
- عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم): "ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به".
- عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: إنَّ خليلي -صلَّى الله عليه وسلم- أوصاني قائلاً: "إذا طبخت مرقاً، فأكثر ماءه، ثمَّ انظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها بمعروف".
2. إكرام الجار والإحسان إليه:
من الأحاديث النبوية التي تلزمنا بالإحسان إلى الجار وإكرامه:
- عن أبي شريح العدوي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم): "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم جاره".
- عن أبي شريح وأبي هريرة -رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم): "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن إلى جاره".
3. إهداء الجار:
ومن الأحاديث التي تحض على إهداء الجار نذكر:
- عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- أنَّه ذُبِحت له شاة فجعل يقول لغلامه: أهديتم لجارنا اليهودي؟ أهديتم لجارنا اليهودي؟ سمعت رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- يقول: "مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنَّه سيُوَرّثُه".
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول (صلَّى الله عليه وسلم): "يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ لاَ تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ".
- عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت يا رسول الله، إن لي جارين، فإلى أيُّهما أهدي؟ قال: "إلى أقربهم منك باباً".
4. تجنُّب ارتكاب الأخطاء مع الجار:
أمرنا الدين الإسلامي بغض البصر عن عورات الجار ومحارمه، وتجنُّب إلحاق الأذى به، ومن الأحاديث التي تحثنا على الامتناع عن ارتكاب الأخطاء بحق الجار:
- عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: سألت النبي (صلَّى الله عليه وسلم): أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك"، قلت: إنَّ ذلك لعظيم، قلت: ثمَّ أي؟ قال: "وأن تقتل ولدك تخاف أن يطعم معك"، قلت: ثمَّ أي؟، قال: "أن تزاني حليلة جارك"، فأنزل الله عزّ وجلّ تصديقاً لقول النبي (ص): ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا﴾.
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم): "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذي جاره، واستوصوا بالنساء خيراً".
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- قال: "لا يدخل الجنة من لا يَأْمَنُ جاره بوائقه".
- قال رجل: (يا رسول الله، إنَّ فلانة تكثر من صلاتها وصدقتها وصيامها، غير أنَّها تؤذي جيرانها بلسانها)، فقال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم): "هي في النار"، قال: (يا رسول، فإنَّ فلانة يذكر من قلة صيامها وصلاتها، وأنَّها تتصدق بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي جيرانها)، قال (صلَّى الله عليه وسلم): "هي في الجنة". [الأثوار:هي القطع، والأقط: هو اللبن المجفف، وهو من الشيء الزهيد].
5. الجار هو أحق الناس بشراء البيت من جاره إن أراد بيعه:
إذا أردت بيع منزلك أو أرضك، فيجب عليك بداية عرض ذلك على جارك لأنَّه أحق الناس بالشراء؛ فعن ابن عباس -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلَّى الله عليه وسلم- قال: "من كانت له أرض فأراد بيعها، فليعرضها على جاره".
6. مساعدة الجار وتقديم المنفعة له:
من الأحاديث التي وردت في ذلك:
- عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- يقول: "كَمْ مِنْ جَارٍ متعلقٍ بِجَارِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ: يَا رَبِّ هَذَا أَغْلَقَ بَابَهُ دُونِي، فَمَنَعَ مَعْرُوفَهُ".
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- قال: "لا يَمْنَعْ جَارٌ جَارَهُ أنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ في جِدَارِهِ".
7. صنع الطعام للجار في حال وفاة أحد من أهل منزله:
عن عبد الله بن جعفر -رضي الله عنه- أنَّه حين قُتِل جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- في غزوة مؤتة، قال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم): "اصنعوا لآل جعفر طعاماً، فقد أتاهم ما يشغلهم".
قال الإمام الشافعي: "وأحب لجيران الميت أو ذي القرابة أن يعملوا لأهل الميت في يوم يموت وليلته طعاماً يشبعهم، فإنَّ ذلك سنة وذكر كريم، وهو من فعل أهل الخير قبلنا وبعدنا".
8. حفظ الحقوق العامة للجار:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- قال: "حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْهُ، وإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ، وإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وإِذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ".
من حقوق الجار عليك: تعزيته في المصيبة، والصفح عن زلاته، وزيارته في المرض وتفقد أحواله، وستر ما ينكشف له عن عوراته، وألَّا تضيق طريقه إلى الدار، وتشاركه أفراحه، وتبدأه بالسلام إذا كان جارك مسلماً.
شاهد بالفيديو: ما يقال في التعزية والمواساة
ما فضل الإحسان إلى الجار؟
يعدُّ الإحسان إلى الجار من الفضائل العظيمة في الدين الإسلامي، حيث أمر الإسلام بالإحسان إلى الجار، وقرنه بأمره بالإحسان إلى الوالدين وطاعة الله سبحانه وتعالى.
يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}. [سورة النساء، الآية:36]
كما قد أوصى النبي محمد -صلَّى الله عليه وسلم- وصيةً لأبي هريرة -رضي الله عنه- موجهاً الكلام للجميع، فقال: "من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن؟ أو يعلم من يعمل بهن؟"، قال أبو هريرة: قلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فعد خمساً، فقال: "اتقِ المحارم تكن أعبد الناس، وارضَ بما قسم الله تكن أغنى الناس، وأحسِن إلى جارك تكن مؤمناً، وأحب للناس ما تحبه لنفسك تكن مسلماً، ولا تكثر الضحك، فإنَّ كثرة الضحك تميت القلب".
بعض الأشعار العربية في وصف الجار وحقوقه:
أكثر الشعراء العرب من التغني بحسن الجوار ووصف الجار وحقوقه، من أبرز ما قيل في الشعر العربي في الجار، نذكر ما لي
1. قال أحمد بن علي الحراني:
والجار لا تذكر كريمة بيته | واغضب لابن الجار إن هو أغضبا |
احفظ أمانته وكن عزاً له | أبداً وعمَّا ساءه متجنِّبا |
كن ليناً للجار واحفظ حقه | كرماً ولا تكُ للمجاور عقربا |
2. قال أبو جعفر العدوي:
شِرَى جارتي ستراً فضول لأنَّني | جعلت جفوني ما حييت له سترا |
وما جارتي إلَّا كأمي وأنَّني | لأحفظها سراً وأحفظها جهرا |
بعثت إليها أنعمي وتنعمي | فلست محلاً منك وجهاً ولا شعرا |
خاتمة:
الجار هو وصية جبرائيل عليه السلام والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((مازال جبرئيل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)). وعن الإمام علي ابن عم الرسول وصاحبه عليه السلام: ((سل عن الرفيق قبل الطريق، والجار قبل الدار)). لذا وجب علينا التقيد في آداب حسن الجوار والمعاملة بالمعروف معهم وترك أثر طيب فيهم.
أضف تعليقاً