ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتبة "إرين فالكونر" (Erin Falconer)، وتُحدِّثنا فيه عن تجربتها الشخصية في اكتشاف الوعي الذاتي وتطبيقه في الحياة اليومية.
بيَّن عالِم النفس "أبراهام ماسلو" (Abraham Maslow) أنَّ بلوغ مستوى تحقيق الذات والذي يمثِّل قمة هرم الاحتياجات الإنسانية وأعلى مستويات إدراك الذات، يتطلب تلبية الاحتياجات الأساسية بالترتيب ابتداءً من الاحتياجات الجسدية إلى المأوى، ثم حس الانتماء والجمال.
اطلعت على نظريات أخرى لعالِم النفس "كارل يونغ" (Carl Jung) الذي وضع فرضية الذات الحقيقية والذات المُدرَكة والذات التي يتمنى الفرد أن يكونها، كما ناقش علماء آخرون علاقة الأنا والأنا الأعلى بالأهداف التي يود أن يحققها الفرد.
شعرت بالحَيرة وتشوَّشت أفكاري بعد الاطلاع على هذه النظريات المختلفة والمنطقية في آنٍ معاً، ولم أستطع تحديد تطبيقات أو ممارسات يمكنني أن أستخدمها في حياتي اليومية، حتى جاء اليوم الذي اكتشفت فيه معنى الوعي الذاتي بالنسبة إلي عندما كنت في صف خط اللغة الصينية.
أتوق إلى حضور الدرس كل أسبوع في منزل معلمي الهادئ والمريح على نحو يفوق الوصف، فهو يشعرني بوجود هدف وغاية من حياتي، وأنَّني بصدد القيام بعمل مُثمر، ناهيك عن أنَّني أشعر بالراحة والصفاء الذهني والسكينة والسلام، ويتسنى لي أن أفهم نفسي أكثر.
تمنيت دائماً أن أقدر على الاحتفاظ بمشاعر الصفاء والسكينة حتى حلول الدرس المقبل؛ لأنَّني لم أكن ملتزمة بممارسة الخط الصيني في المنزل.
تجربتي الشخصية في تعزيز الوعي الذاتي:
تدربت في أحد الدروس على الحرف الصيني (覺)، وهو يعني الإحساس والشعور واليقظة والتنوير والوعي.
كما تجري العادة، لم أستطع كتابة الحرف كتابة صحيحة في البداية، وبدأت أشعر بالإحباط واليأس بعد محاولات عديدة وتمنيت لو يتسنى لي أن أخطَّه كما يجب.
طلب مني المعلم أن أتذكر حالتي الجسدية والنفسية عندما خططت الحرف، فنظرت إليه متسائلةً وقلت: "أنَّى لي أن أتذكر؟ لقد كنت أكتب".
عندها طرح عليَّ الأسئلة الآتية: "هل كان معصمكِ مشدوداً؟ هل قبضتِ على الفرشاة بقوة بين أصابعك؟ هل تنفستِ تنفساً طبيعياً؟".
لم أستطع أن أجيب عن أسئلته، وشعرت بالإحباط.
طلب مني المعلم أن أنتقل إلى الحرف التالي، وأنتبه هذه المرة إلى وضعية جسدي، وتنفسي في أثناء العمل على رسم الخطوط، كما أنَّه نصحني بالتوقف عن الكتابة لإدراك تغيراتي الجسدية عند الضرورة.
هكذا خططت الحرف مرة تلو أخرى وأبطئ من سرعة الرسم، وركزت على الكتابة وعلى وضعية راحة يدي ومرفقي وساقي.
لاحظت أنَّني نقرت بقدمي على الأرض، وشددت أكتافي، ورفعت مرفقي إلى أعلى، كما أنَّني شعرت بضيق في التنفس.
هز المعلم رأسه وسألني: "ما هو سبب التوتر في جسدكِ؟"، عندها بدت عليَّ أمارات الحَيرة والمفاجأة ولم أجد جواباً شافياً.
لم يكن جسدي مشدوداً ومتوتراً عندما عدت إلى الكتابة مجدداً، لكن صار خطي رفيعاً جداً.
اكتشفت بعد تمحيص الحدث وتحليله أنَّني حبست نفَسي، وقبضت بأصابعي على الفرشاة مانعةً تدفُّق الحبر؛ لهذا السبب كان الخط رفيعاً هذه المرة.
طلب مني المعلم أن أتذكر أفكاري عندما كنت أكتب.
شعرت بالحرج وأنا أعترف بأنَّني فكرت بالمهام والأعمال التي يجب أن أقوم بها بعد الدرس، كما اعتراني القلق وخشيت ألَّا أستطيع رسم الخط رسماً صائباً وجميلاً كما يُفترض.
فابتسم وأخبرني أنَّ هذا هو السبب.
شاهد بالفديو: 20 قيمة في الحياة تقودك إلى السعادة والنجاح
بدأ يعتريني القلق وتشتت انتباهي وتاهت أفكاري، الأمر الذي أثَّر في أحاسيسي الجسدية، وأصبحت عاجزة عن التنفس بعمق واضطررت إلى حبس أنفاسي من شدة القلق والخوف؛ لكنَّني فكرت بالمهام والمشاغل التي تنتظرني بعد الدرس وأنا أحاول أن أخط الحرف.
خشيت أن أعجز عن رسم الخط رسماً صحيحاً وجميلاً كما أتمنى، الأمر الذي تسبَّب في انتقال التوتر إلى جسدي، وأنَّني كلما توترت أكثر، قبضت على الفرشاة بقوة أكبر وانتهى بي المطاف في رسم حرف مائل يفتقر إلى الجودة المطلوبة.
تأثر خطِّي باجتماع العوامل السابقة المتمثلة في التفكير بالمهام المترتبة عليَّ، وعواطف القلق والتوتر، والأحاسيس الجسدية المصاحبة لها مثل الشد والتوتر الجسدي وضيق النفَس، والأصابع التي تقبض بقوة على الفرشاة، ويمكن عدُّ الكتابة في هذه الحالة سلوكاً ظاهرياً ناجماً عن الحالة النفسية الداخلية.
تؤثِّر العواطف والأفكار في الأحاسيس الجسدية، وينجم السلوك الظاهري عن تأثير هذه العوامل بعضها ببعض.
يتوافق هذا الاستنتاج مع نظريات علم النفس التي قرأتها، وعندها فهمت الأفكار التي طرحها "ماسلو" فيما يتعلق بموضوع الوعي الذاتي؛ إذ يُعدُّ الوعي الذاتي وفق نظرية "ماسلو" عملية تدريجية، وهذا يعني أنَّ الفرد يجب أن يلبي احتياجاته الجسدية قبل أن ينتقل إلى التفكير بحس الانتماء وما يأتي بعده وفق التسلسل الهرمي للحاجات الإنسانية، فتجربة الخط كانت عبارة عن عملية استخدمتها لمطالعة نفسي، والخلاص إلى نتيجة مفادها أنَّ السلوك الظاهري والأعمال والنتائج تنجم عن عوامل داخلية عاطفية ومتطلبات جمالية.
تنطبق هذه النظريات على التأويلات الشخصية لمفهوم الوعي الذاتي، وتستطيع الاستفادة منها في الحياة اليومية أيضاً.
خطوات عملية لتعزيز الوعي الذاتي:
فيما يأتي 3 خطوات عملية لتعزيز الوعي الذاتي:
1. ملاحظة السلوك الجسدي والنتيجة:
يُلاحظ السلوك الجسدي عبر الإجابة عن الأسئلة الآتية:
ماذا فعلتُ؟ كيف تصرفتُ؟ هل صرختُ؟ هل جلستُ صامتة دون أن أنبس ببنت شفة؟
2. تذكَّر المشاعر المرافقة للحدث:
عوَّدتُ نفسي على تذكُّر المشاعر التي انتابتني خلال الحدث، سواء أكانت مشاعر استياء، أم إحباط، أم بهجة، أم غضب، أم توتر وما إلى ذلك.
3. تحديد العلاقة ما بين العواطف الكامنة والأفكار:
اعتدتُ أن أطرح على نفسي في هذه الخطوة السؤال الآتي: بماذا فكرتُ عندما انتابتني تلك العاطفة؟ هل كنتُ قَلِقة؟ هل كان فكري مشغولاً بالمهام المترتبة عليَّ؟ هل تخيلت تحقيق نتيجة معيَّنة؟
في الختام:
استغرقت بعض الوقت في البداية لتذكر كل موقف وتحليله؛ لكنَّني اعتدت على الأمر الآن وأصبحت أحتاج إلى دقيقة أو اثنتين لأفهم سلوكي وعواطفي وأفكاري.
تسنَّى لي أن أفهم نفسي وشخصيتي بعد أن كررت العملية في مواقف عدة، كما أنَّني صرت قادرة على تحديد الأشياء التي تسعدني والأخرى التي تحزنني، والأعمال التي أود فعلها.
يقتضي الوعي الذاتي بالنسبة إلي اكتشاف القيم والشغف والذات عبر تحديد الأفكار والعواطف المسؤولة عن السلوكات وتحليلها.
أضف تعليقاً