وبالإضافة إلى ذلك، لم يَعُدْ في إمكانك قضاء وقت فراغك مع أقربائك وأصدقائك، إلا إذا كانوا يعيشون بالقرب من منزلك، لكن عموماً، تقضي الآن غالبية وقتك بمفردك.
أظهرت الأبحاث أنَّ نمط الحياة هذا ضار بالصحة الجسدية والنفسية؛ حيث تقول الباحثة "د. ديزي فانكورت" (Daisy Fancourt): "نجد اليوم عدداً كبيراً من الأدلة التي تربط العزلة والوحدة بالإصابة بمختلف أنواع الأمراض والوفاة المبكِّرة"؛ إذ أظهرت نتائج أبحاث د. فانكورت أنَّ العزلة الاجتماعية تؤدي إلى السمنة المفرطة والأمراض القلبية، كما لها آثار نفسية مثل القلق والاكتئاب، علاوة على ذلك، يمكن أن تسبب الوحدة تدهوراً في القدرات المعرفية، وحتى الخرف.
وفقاً لدراسة نشرتها "كلية وارتون لإدارة الأعمال" (Wharton School of Business)، يمكن للوحدة أن تؤثر سلباً في أدائك في العمل، والسبب الرئيس لذلك هو أنَّ "الأشخاص الذين يشعرون بالوحدة يتراجع التزامهم الفعلي بشركاتهم".
لكن في الوقت نفسه، القليل من الوحدة له آثار إيجابية عديدة، وتخصيص الوقت لنفسك يتبعه الفوائد التالية:
1. تخفيف القلق:
وجدت دراسة أُجرِيت عام 2017 كجزءٍ من "مشروع العزلة" (Solitude Project)، أنَّ الأشخاص الذين يبادرون إلى قضاء الوقت لوحدهم يستمتعون بالاسترخاء ويصابون بقدر أقل من التوتر؛ والسبب هو أنَّ أحد أكبر مصادر القلق محاولة إرضاء الآخرين، لكن حين نكون وحدنا يمكننا الاسترخاء وفعل ما نريد؛ إلى جانب أنَّنا نفضِّل النشاطات التي تبعث على الاسترخاء أكثر حين نكون بمفردنا، مثل المطالعة والتأمل والهوايات اليدوية؛ كما أنَّك ستنعم بالراحة أكثر بكثير إن لم تضطر إلى تنسيق جدول مواعيدك مع أحد.
2. إتاحة الفرصة للتأمل واكتشاف النفس:
تقول أخصائية اللغة والكلام "أنجيلا جرايس" (Angela Grice) في مقال نشرته صحيفة "ذا نيويورك تايمز" (The New York Times): "قد تساعدك تنمية شعور الوحدة واختيارها على تطوير نفسك وإحساسك بذاتك واهتماماتك"، والسبب هو أنَّك حين تكون بمفردك تتاح لك الفرصة لتتأمل وتكتشف نفسك بعيداً عن تأثير الآخرين فيك، وأفضل ما في الموضوع أنَّه دون تلك العوامل الخارجية، سيغمرك إحساس أكبر بالسكينة والاطمئنان من الداخل؛ وبالنتيجة ستعبِّر عن نفسك بصدق وثقة أكبر.
3. تنشيط الدماغ:
تشرح عالمة النفس والكاتبة "شيري بورغ كارتر" (Sherrie Bourg Carter): "لا يستطيع دماغك الاستراحة وإعادة شحن نفسه إن كنت دائم الانشغال في العمل؛ فحين تكون وحيداً دون أي شيء يشتت انتباهك، يتسنى لك أن تصفِّي ذهنك وتركز وتفكر بوضوح"؛ أي باختصار هذه هي فرصتك "لتنعش جسدك وذهنك في الوقت ذاته".
شاهد بالفديو: 5 نصائح ذهبيّة لتعزيز طاقة الدماغ
4. تعزيز التعاطف:
تخبرنا المعالِجة النفسية والكاتبة "أيمي مورين" (Amy Morin): "حين تقضي وقتك دائماً مع مجموعة محددة من الأصدقاء والزملاء، تطوِّر عقلية تنظر من خلالها نظرةً دونية على مَن تتعارض أفكاره مع أفكارك؛ حيث يساعدك قضاء الوقت بعيداً عن الآخرين على تنمية تعاطفك تجاه الأشخاص خارج "دائرتك المقربة"؛ وذلك مفيد لأنَّ التعاطف هو أحد أهم الصفات القيادية، فهو يبني فِرقاً مندمجة وأكثر ولاءً وأعلى إنتاجية، ويعزز التعاون، ويرفع مستويات السعادة.
5. زيادة الإنتاجية:
أظهرت الأبحاث أنَّ العزلة تساعدك على تحسين التركيز والإنتاجية؛ وذلك منطقي تماماً لأنَّنا حين نعمل وحدنا؛ تنخفض نسبة المشتتات والمقاطعات التي نتعرَّض لها؛ لكنَّ النقطة الأساسية هنا هي تحقيق التوازن؛ على سبيل المثال: حين تحتاج إلى التركيز على عمل هام، حدد بضع ساعات من جدولك لتقضيها في العمل بعيداً عن الآخرين؛ لكن بعد ذلك، تناوَل الغداء مع زملائك أو خطط لجلسة عصف ذهني لإعادة الألفة ومحاربة الوحدة في مكان العمل.
6. تقوية العلاقات:
تبعاً لتصويت شارك فيه 2,000 أمريكي، اتفق 85% منهم على أنَّ تخصيص وقت لأنفسهم سرُّ العلاقات الصحية، وقال 82% منهم إنَّ هذا الوقت للانفراد بأنفسهم يقوي علاقاتهم؛ ذلك لأنَّنا نقضي هذا الوقت في العناية بأنفسنا، وخلاله يتاح لنا فرصة تقييم ذاتنا بصدق، مما يساعدنا على تقبُّل أنفسنا، وإضافة إلى ذلك، يشجعك قضاء بعض الوقت بعيداً عن شريكك على متابعة اهتماماتك الشخصية، وحين تلتقون مجدداً، سيمتلك كلٌّ منكم منظوراً وتجارب جديدة ليشاركها مع الآخر.
7. التشجيع على ممارسة الامتنان:
يزيد احتمال ممارستك للامتنان حين تنعم بوقت هادئ، سواء عبر التأمل أم تدوين المذكرات أم كتابة رسائل الشكر، فكلُّ تلك الأنشطة تزيد السعادة وتقوِّي العلاقات وتحفزنا.
8. إثارة الإبداع:
وجدت دراسة أجرتها مجموعة من علماء النفس في جامعة "سوني" (SUNY) في ولاية "بوفالو" (Buffalo) أنَّ الأشخاص الذين يتوقون إلى العزلة مبدعون أكثر من غيرهم، وتوضح "جولي بوكر" (Julie Bowker) الأستاذة المساعدة في قسم علم النفس من "جامعة بوفالو" (UB) والمؤلِّفة الرئيسة للدراسة: "هؤلاء ليسوا انطوائيين، ففي حين أنَّهم لا يبادرون إلى التفاعل مع الآخرين، لكنَّهم لا يرفضون الدعوات الاجتماعية أيضاً".
بعبارة أخرى، تضيف بوكر: "هم يتفاعلون بما يكفي مع أقرانهم بحيث يستمتعون بعزلتهم، ويتسنى لهم التفكير بإبداع، وتطوير أفكارهم مثل فنان في مرسمه أو باحثة في مكتبها".
9. تعزيز القدرة الذهنية:
على الرغم من أنَّنا كائنات اجتماعية، لكنَّ الابتعاد عن الآخرين بين الحين والآخر مفيد لقدراتنا الذهنية؛ إذ أظهرت الأبحاث أنَّ الاشخاص الذين يخصصون الوقت لنفسهم هم في العادة أسعد ويشعرون بتوتر أقل؛ كما أنَّهم راضون عن حياتهم؛ علاوة على ذلك، تساعدك العزلة على تعزيز قدرتك على التأقلم وتدفعك إلى حلِّ المشكلات بنفسك.
10. إتاحة الفرصة للتخطيط:
انظر إلى تقويمك للحظة، كم حددت من وقتك للاجتماعات والمواعيد النهائية للمشاريع والمناسبات العائلية؟ هذا الجانب من حياتك هامٌّ بكلِّ تأكيد، لكنَّك بحاجة أيضاً إلى التفكير بنفسك، ولا تظن انَّك أناني لفعلك هذا، فأنت بحاجة إلى قضاء الوقت بمفردك لتخطط لأهدافك وتركز على أحلامك وتراقب تقدُّمك؛ حيث سيضمن لك ذلك حياة ذات معنى وهدف.
كيف تخصص المزيد من الوقت لنفسك؟
هناك اعتقاد خاطئ أنَّ قضاء الشخص الوقت بمفرده يعني أن يعيش في كوخ وحيداً لبضعة أسابيع، لكنَّ ذلك ليس صحيحاً بالضرورة، ففي الحقيقة ليس هناك من داعٍ لتكون وحدك كي تستمتع بوقتك الخاص؛ لأنَّ ما يعنيه ذلك هو المشاركة في نشاط تستمتع به، على سبيل المثال: يمكنك الاستلقاء على الأريكة مع شريكك ومشاهدة فيلم سوياً أو الذهاب في نزهة مع أحد أصدقائك خلال فترة استراحتك أو ممارسة أي نشاط إبداعي مع زملائك.
لكن من ناحية أخرى يجب أن تخصص فترات للعزلة بنفسك؛ حيث يمكنك خلالها قراءة كتاب مثلاً أو أن تتأمل أو تدوِّن مذكراتك أو تجلس في سكينة دون فعل شيء.
المشكلة التالية هي العثور على وقت تستطيع تخصيصه لنفسك في جدولك المزدحم، وهنالك طرائق عدَّة للقيام بذلك؛ فيمكنك مثلاً أن تستيقظ أبكر من المعتاد وتستمتع بالجو الهادئ في المنزل وحدك، أو حدد أوقاتاً معينة في العمل لتركز على أولوياتك دون مقاطعة، أو اقضِ فترات استراحتك خارج المكتب، وبين الحين والآخر أوقف تشغيل هاتفك المحمول كي تريح تفكيرك قليلاً.
الفكرة هنا أنَّك لن تحصل على وقت بمفردك ما لم تسعَ إليه؛ فيجب أن تجعله أحد أولوياتك وتخصص له الوقت في جدولك مثل أي موعد هام آخر، حتى لو كان ذلك 5 دقائق من العزلة فقط.
أضف تعليقاً