كثيراً ما نسمع أقوالاً مأثورة عن قيمة الوقت؛ لكن هل أدركنا حقاً هذه القيمة، وجسدناها في أفعالنا؟
يمتلك كلٌّ منَّا أربعاً وعشرين ساعة فقط في يومه، ولكنَّ طريقة استغلالها تختلف من شخصٍ إلى آخر؛ فنجد بعضهم يقول: "لا أملك الوقت الكافي؛ لذا سأفعل ذلك غداً، فأنا مشغولٌ الآن"، وهي عبارات كثيراً ما نسمعها ونتلفَّظ بها بين الحين والآخر، وقد يكون عن غير وعي منَّا؛ ليس لأنَّنا لا نمتلك الوقت الكافي بالفعل، بل لأنَّنا اعتدنا على تبرير تقصيرنا في إنجاز المهام المنوطة بنا، والتذرع بضيق الوقت كحجة على ذلك.
إذا ما تعمقنا في معنى "ليس لدي الوقت الكافي"، فسنجد حينها أنَّها غير دقيقة تماماً، وذلك بدليل ما قاله ستيفن رايت: "من المستحيل إدارة الوقت؛ إذ هنالك 24 ساعة في اليوم، و60 دقيقة في الساعة، و60 ثانية في الدقيقة الواحدة لا تستطيع إبطاءها أو تسريعها"؛ فعدد الساعات الذي تملكه اليوم هو ذاته الذي مُنِح لألبرت أينشتاين وليوناردو دافنشي وإسحاق نيوتن، وغيرهم الكثير.
قد تتساءل وتقول: "ما الحكمة إذاً من التحدث عن إدارة الوقت إذا كانت مسألةً لا وجود لها أساساً؟"، ونقول لك باختصار: "إنَّما هي مسألة أولويات رُتِّبت بشكلٍ خاطئ"؛ لذا ستجد من خلال إدارة نفسك وترتيب أولوياتك بمنطق وحكمة أنَّ الوقت يصبح منظماً تلقائياً؛ بينما لو تابعت روتينك اليومي بمثل هذه الفوضى وعدم الانتظام والتخطيط، فستفني عمرك لاهثاً وراء تحقيق أهدافك دون جدوى.
شاهد بالفيديو: 13 تقنية فعّالة لتحديد الأولويات
لذلك، ينبغي علينا بدايةً أن نعرف ما الذي نسعى إلى بلوغه، وكيف سنفعل ذلك، وما المدة الزمنية التي سنستغرقها لتحقيق طموحاتنا؛ كما علينا تحديد مدى التزامنا بالمضي قدماً نحو أهدافنا وإيماننا بقدراتنا، ومدى جديتنا في بلوغ القمة في خضم صراعاتنا اليومية مع مسألة تنظيم الوقت.
تتشعب السبل وتختلف الوسائل في طريقة التعامل مع الوقت وكيفية تنظيمه، إلَّا أنَّها تنطوي على الفحوى ذاتها، ألا وهي: تحقيق أقصى استغلال للوقت وإنجاز ما نطمح إليه؛ لكن يبقى السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا إذاً نضيع أوقاتنا؟
إنَّ أكثر ما يدفع الناس إلى التفريط بأوقاتهم هو "القيم والعادات" التي لا تكترث لقيمة الوقت في معظم الأحيان، والتي تربينا وترعرعنا عليها منذ نعومة أظفارنا، وكبرنا دون أن ندرك فداحتها؛ إضافةً إلى ما يترتب على هذه القيم من نظرات سلبية قد تفقدنا الثقة بأنفسنا وتدفعنا إلى التشكيك بقدراتنا.
علاوةً على ذلك، تساهم المشتتات التي نتعرض إليها في هدر الكثير من وقتنا، كالدردشة مع الأصدقاء، وتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، والجلوس لساعات طويلة أمام شاشة التلفاز متنقلين بين محطةٍ وأخرى؛ إضافةً إلى تراكم الأعمال وعدم الإحساس بالمسؤولية، وكثرة التأجيل والتسويف التي تشل قدراتنا وتمتص طاقاتنا؛ ناهيك عن أسباب ثانوية أخرى كمشكلات العمل، وضعف الرؤية المستقبلية، وكثرة النزهات والرحلات الترفيهية المبالغ فيها، واختيار الوقت الأسوأ للبدء بالعمل، وضعف التخطيط، وإهمال جدولة المهام وتقييمها؛ فكل ذلك وأكثر من شأنه أن ينعكس سلباً علينا وعلى مجتمعاتنا على أصعدةٍ شتى.
لقد طوَّر الرئيس الأمريكي دوايت ديفيد أيزنهاور في عام 1954 إطاراً لتحديد أولوياته وإدارة وقته الشخصي ومهامه، وأطلق عليه فيما بعد اسم "مصفوفة أيزنهاور"؛ حيث قسَّم الأولويات إلى أربع فئات: هامة عاجلة، وهامة غير عاجلة، وغير هامة عاجلة، وغير هامة غير عاجلة؛ وقد تَعَامَلَ مع هذه الفئات بالتقسيم الآتي:
- التعامل مع العناصر "الهامة العاجلة" على الفور.
- جدولة وقت لإنجاز الأمور "الهامة غير العاجلة".
- تفويض الآخرين لإنجاز الأمور "غير الهامة العاجلة".
- إلغاء الأمور "غير الهامة غير العاجلة".
يشكل الوقت الذي وهبنا الله إياه وقود حياتنا؛ فهو العمر الذي مُنِح لنا لنبني الأرض وننشر الخير في شتى بقاعها؛ ومن هذا المنطلق، بات تنظيم الوقت اليوم ضرورةً مُلِحَّةً، فما السبل لفعل ذلك بطريقةٍ فعالة؟
تتجلى الخطوة الأولى في تحديد أهدافنا وما نسعى إليه بدقة؛ وحتى تكون هذه الأهداف التي نسعى إليها قويةً بما يكفي لتحفيزنا نحو إنجازها، لابد أن نضعها بذكاءٍ وضمن استراتيجيةٍ معينة، كأن تكون محددة وليست على سبيل العموم، وواضحة وليست ضبابية، وقابلة للقياس، وتتناسب مع قدراتنا؛ إضافة إلى ضبطها بوقت محدد؛ ذلك لأنَّ تحديد الوقت اللازم لخطة معينة يساعد على الالتزام بها وعدم التأجيل والمماطلة.
أمَّا الخطوة الثانية، فتتجلى في السيطرة على المشتتات والملهيات عن طريق الحزم والإصرار، إذ لابد لصراعك للتصدي لها أن يكون مدروساً بدقة.
لذا انتبه إلى ما يشتتك عن القيام بأعمالك، وحدده بدقة؛ ثمَّ نظم استراتيجيات فعالة لتجنبها؛ فإذا كنت مثلاً تضيع الكثير من الوقت في مشاهدة البرامج التلفزيونية، ينبغي عليك تخصيص وقت لفعل ذلك عوضاً عن فعله من حين إلى آخر.
هنالك أبعاد أعمق ينبغي توخي الحذر منها، ألَّا وهي "لصوص الطاقة"؛ كالتسويف والتأجيل، وعدم القدرة على قول "لا"، والخوف من الفشل، والتخطيط غير الفعال، وعدم الانتظام، إضافة إلى المكالمات الهاتفية والإنترنت والبرامج الترفيهية التي لن تجني منها سوى إضاعة وقتك.
لعل أبرز مقومات النجاح في تنظيم الوقت هو تحديد الأولويات بطريقةٍ صحيحة، فعدم التخطيط هو السبب الأساسي وراء الإدارة الفاشلة؛ ولتحقيق أقصى استثمار للوقت، لابد من القيام بمهام بسيطة، كتدوين النشاطات في قائمة الأعمال، وتوزيع الوقت على الأعمال حسب أهميتها، وجمع الأعمال المتشابهة، وفرز المهام، والتخلص من التفاهات التي لا أهمية لوجودها؛ هذا ولابد من ترك بعض الوقت للطوارئ، وبعض الوقت لأسرتك وراحتك الشخصية.
في قانون إدارة الوقت، لابد أن تتعلم قول "لا" لكل ما يحاول إضاعة وقتك وتشتيتك عن القيام بأعمالك، كالعلاقات الاجتماعية المفرطة، أو إدمان مواقع التواصل الاجتماعي؛ لذا لا تتردد في فعل ذلك، وسيفهم الجميع لاحقاً أسلوبك ومبادئك تجاه الوقت ويعاملونك بناءً عليها.
في الختام:
لا يمكن شراء مزيد من الوقت بالمال؛ ولكن بالمقابل، يمكن استثمار الوقت للحصول على الكثير من الأموال؛ فكن أنت سيد نفسك، وحدد أهدافك بدقة، ولا تتفانى في بذل الغالي والنفيس فداءً لتحقيقها.
أضف تعليقاً