ما المقصود بالذكاء العاطفي؟
يمكِن تعريف الذكاء العاطفي بأنَّه القدرة على فهمِ مشاعرك، والسيطرة عليها، والتعبير عنها بفاعلية، بالإضافة إلى التعامل تعاملاً ناجحاً مع مشاعر الآخرين ودراستها، ووفقاً لموقع تالنت سمارت (Talent Smart) الذي يمنح نصائح في الذكاء العاطفي، يمتلك 90% من أصحاب الأداء العالي في مكان العمل ذكاءً عاطفياً عالياً ، بينما لدى 80% من أصحاب الأداء المنخفض ذكاء عاطفي متدنٍّ، فالذكاء العاطفي ضروري للغاية لبناء علاقات شخصية متينة وتطويرها والحفاظ عليها وتعزيزها، على عكس معدل الذكاء (IQ) الذي لا يتغير كثيراً خلال الحياة، ويمكِن أن يتطور معدل الذكاء العاطفي لدينا ويزداد مع رغبتنا في التعلم والنمو.
فيما يلي ست استراتيجيات لتعزيز ذكائك العاطفي مُقتبَسة من كتابَي "كيف تتخلص من الأفكار والعواطف السلبية" (How to Let Go of Negative Thoughts and Emotions)، و"هل أنت حساس للغاية؟ كيف تكسب الأمان والسلام والسيطرة على الذات" Are You Highly Sensitive? How to Gain Immunity, Peace, and Self-Mastery!) لمؤلفهما بريستون ني (Preston Ni).
كيف تمتلك الذكاء العاطفي؟
1. الحد من العواطف السلبية:
ربما لا يوجد جانب من جوانب الذكاء العاطفي أكثر أهميةً من قدرتنا على السيطرة على عواطفنا السلبية بفاعلية كيلا ترهقنا وتؤثر في قدرتنا على تقدير الأمور، وإن أردنا تغيير مشاعرنا تجاه موقفٍ ما، يجب علينا أولاً تغيير طريقة تفكيرنا فيه، إليك هذين المثالين:
- تجنُّب أخذ القضايا على محملٍ شخصي: عندما تشعر بالعدائية تجاه سلوك شخص ما، تجنَّب الانجرار إلى نتيجة سلبية على الفور، وبدلاً من ذلك، انظر إلى الموقف من زوايا عديدة قبل الرد، على سبيل المثال: بدلاً من أن تظنَّ أنَّ صديقك لم يرد على مكالمتك لأنَّه يتجاهلك، فكِّر في احتمال أنَّه كان مشغولاً للغاية، فعندما نتجنب أخذ سلوكات الآخرين على محملٍ شخصي، يمكِننا فهم تصرفاتهم بموضوعية أكبر، حيث يفعل الآخرون ما يفعلونه لاعتباراتٍ تَخُصُّهم ولا علاقة لنا بها، ورؤية الأمور من زاويةٍ أوسع يمكِنها أن تمنع وقوع سوء الفهم.
- الحد من الخوف من الرفض: إحدى الطرائق الفعالة للسيطرة على خوفك من الرفض، التسلح بخيارات متعددة في المواقف الهامة، فبغضِّ النظر عما يحدث، تكون لديك بدائل قوية للمضي قدماً، فتجنَّب التعامل مع أكثر من مسألة في آنٍ واحد عبر وضعِ خطة قابلة للتطبيق وأيضاً خطة بديلة إذا لم تنجح الخطة الأولى، على سبيل المثال:
في حالات تزايد الخوف من الرفض تقول: "سأتقدم لوظيفة أحلامي، وسأُدمَّر إذا لم أنل الوظيفة"، أمَّا في حالة تراجع الخوف من الرفض، فتقول: "أنا أتقدم لثلاث وظائف هامة، وإن لم تنجح إحداها، فهناك اثنتان أنا مؤهل لهما تماماً".
2. الحفاظ على الهدوء والسيطرة على التوتر:
يعاني معظمنا من بعض التوتر في حياته، وتختلف نتيجة التعامل مع المواقف العصيبة بحزم وجاهزية عن نتيجة التعامل معها بانفعال وارتباك، فعندما نرزح تحت الضغط، فإنَّ الحفاظ على هدوئنا هو أهم شيء يجب الانتباه إليه. وفيما يلي نصيحتان هامتان:
- إذا شعرتَ بالتوتر والقلق، اغتسِل بالماء البارد، واخرج لتنشُّق الهواء النقي، حيث يمكِن أن تساعد درجة الحرارة المعتدلة في تقليل مستوى القلق لدينا، كما يجب تجنُّب المشروبات المحتوية على الكافيين التي يمكِن أن تزيد توترك.
- إذا شعرتَ بالخوف، أو الاكتئاب، أو الإحباط، فعليك بممارسة تمرينات الأيروبيك المكثفة والنشاطات الجسدية، حيث تؤثِّر الطريقة التي نستخدم بها أجسادنا في شعورنا كثيراً، فالنشاط يؤجج العاطفة، وعندما تشعر بالحيوية في جسمك، تزداد ثقتك بنفسك.
3. الحزم والتعبير عن العواطف المؤلمة عند الضرورة:
تقول الطبيبة النفسية هارييت ليرنر (Harriet Lerner): "يتطلب التصرف على سجيتنا التحدث بصراحة عن الأشياء التي تهمنا، واتخاذ موقف واضح إزاء نظرتنا إلى المسائل العاطفية الهامة، ووضع حدود لما نقبله ونحتمله في العلاقة".
نمر بمراحل في حياتنا يكون فيها من الضروري وضعُ حدودٍ تناسبنا كي يعرف الناس موقفنا، ويمكِن أن يشمل ذلك ممارسة حقنا في الاختلاف دون إساءة، والرفض دون الشعور بالذنب، وتحديد أولوياتنا، والحصول على ما نستحقه وحماية أنفسنا من الإكراه والأذى.
تُعدُّ تقنية السرد التي نذكر فيها نوع العاطفة وسبَبها والموقف الذي حدثَت فيه إحدى الطرائق التي يجب أخذها في الحسبان عند التعبير عن المشاعر المؤلمة، وإليك بعض الأمثلة:
- "أشعر بحاجة ملحة إلى نيل تقدير الشركة بناءً على مساهماتي".
- "أشعر بعدم الارتياح لأنَّك تتوقع مني أن أساعدك على حساب أولوياتي الخاصة".
- "أشعر بخيبة أمل عندما تخلف وعودك لي".
تجنَّب استخدام الجُمل التي تبدأ بـ "أنت" ويتبعها اتهام أو حُكم نحو: "أنت كذا" أو "يجب عليك فعلُ كذا" أو "لا بُدَّ أن تفعل كذا"، حيث تضع مثل هذه التوجيهات المتلقي في موقف دفاعي، وتجعله أقل تقبلاً لما تريد قوله.
4. التعامل مع الأشخاص صعبي المراس بمبدأ المبادرة وليس رد الفعل:
يواجه معظمنا أشخاصاً غير منطقيين في حياتهم، فقد نضطر إلى التعامل مع شخص صعب المراس في العمل أو في المنزل، كما ننقاد إلى السماح لشخص صعب المراس بالتأثير فينا وإفساد يومنا؛ لذا إن أردتَ معرفة كيف تتعامل مع مثل هذه المواقف، فطبِّق هذه النصائح الثلاث البسيطة:
- خذ نفساً عميقاً وعُدَّ ببطء إلى عشرة عندما تشعر بالغضب والانزعاج من شخص ما، وقبل أن تقول شيئاً قد تندم عليه لاحقاً، ففي معظم الظروف وعندما تصل في العد إلى الرقم عشرة، تكون قد اكتشفتَ طريقةً أفضل للتعامل مع المشكلة، بحيث يمكِنك علاجها بدلاً من تعقيدها، أمَّا إذا بقيتَ مستاءً بعد العد إلى عشرة، فخذ وقتاً مستقطعاً إن أمكن، وراجِع المشكلة بعد أن تهدأ.
- جرِّب وضْعَ نفسك في مكان الشخص صعب المراس، حتى ولو للحظة، على سبيل المثال: راعِ طبيعة الشخص الذي تتعامل معه، وكرِّر هذه الجملة في ذهنك: "لا بُدَّ أنَّه يواجه صعوبات في كذا"، وصِغها مثلاً بالطرائق الآتية:
- "طفلي يقاومني بشدة؛ فلا بُدَّ أنَّه يواجه صعوبات في التعامل مع مدرسته والضغوط الاجتماعية".
- "مديري كثير المطالب؛ فلا بُدَّ أنَّه يواجه صعوبات في تحقيق التوقعات العالية التي تريدها منه الإدارة".
من المؤكد أنَّ العبارات المتعاطفة لا تبرر السلوك غير المقبول؛ ولكن عليك تذكير نفسك بأنَّ تصرفات الناس سببها مشكلاتهم الخاصة، فطالما أنَّنا عقلانيون ونراعي الآخرين، سنكتشف أنَّ السلوكات الخاطئة من الآخرين سببها ضغوطات يمرون بها وليست لها علاقة بنا، وعندما نتحاشى إضفاء الطابع الشخصي على المشكلة، سنتمكن من رؤية الموقف بموضوعية أكبر، والتوصل إلى طرائق أفضل لحل المشكلة.
- تحديد النتائج؛ حيث تُعدُّ القدرة على تحديد العواقب (النتائج) وتأكيدها من أهم المهارات التي يمكِنك استخدامها للتعامل مع شخص صعب المراس، وإذا صِيغَت النتيجة بفاعلية، فستعطي وقتاً مستقطعاً للفرد صعب المراس وتجبره على تغيير سلوكه من الانتهاك إلى الاحترام. واستنتجَ كتاب "كيفية التواصل بفاعلية والتعامل مع الأشخاص" (How to Communicate Effectively and Handle People) لمؤلفه بريستون ني (Preston Ni)، وجود سبعة أنواع مختلفة من القوة التي يمكِنك توظيفها لإحداث تغيير إيجابي.
شاهد بالفديو: ما هي مهارات التواصل الفعال؟
5. استعادة رباطة الجأش بعد الشدائد:
يقول لاعب كرة السلة الأمريكي السابق مايكل جوردان (Michael Jordan): "سددتُ أكثر من 9000 رمية خاطئة في مسيرتي، وخسرتُ ما يقرب من 300 مباراة، وفوَّتُ 26 مرة فرصة إحراز النقاط التي كانت ستقلب نتيجة المباراة لصالح فريقي الذي وثق بي، ولقد فشلتُ مراراً وتكراراً في حياتي وهذا هو سبب نجاحي".
ليست الحياة سهلة دائماً وكلنا نعلم ذلك، فإنَّ اختيارنا كيف نفكر ونشعر ونتصرف حيال صعوبات الحياة يمكِن أن يُحدِث فرقاً في كثير من الأحيان، فنتحلى بالأمل بدل اليأس والتفاؤل بدل الإحباط والنصر بدل الهزيمة، ومع كل موقف صعب تواجهه، اطرح أسئلةً مثل: "ما هو الدرس الذي تعلَّمتُه؟" و"كيف يمكِنني التعلم من هذه التجربة؟" و"ما هو الأهم الآن؟" و"إذا فكرتُ خارج حدود النمطية، فما هي بعض الخيارات الأفضل؟"، فكلما زادت جودة الأسئلة التي نطرحها، كانت جودة الإجابات التي نتلقاها أفضل، فاطرح أسئلةً بنَّاءة على أساس التعلم والأولويات، وستحصل على أفكارٍ مناسبةٍ تساعدك في التعامل مع الوضع الراهن.
أبراهام لنكولن (Abraham Lincoln) خير مثال على تخطي الصعوبات؛ فقد خسر ثماني انتخابات، وفشل مرتين في الأعمال التجارية، وعانى من انهيار عصبي قبل أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة.
6. القدرة على التعبير عن العواطف الحميمة في العلاقات الشخصية الوثيقة:
تُعدُّ القدرة على التعبير عن العواطف الرقيقة والمحبة والتحقق من صحتها بفاعلية أمراً ضرورياً للحفاظ على العلاقات الشخصية الوثيقة، وفي هذه الحالة، تعني كلمة "فعالة" مشاركة المشاعر الحميمة مع شخص ما في علاقة مناسبة، بصورة غنية وبنَّاءة، والقدرة على التجاوب تجاوباً إيجابيَّاً عندما يفعل الشخص الآخر الشيء نفسه.
تقول الروائية الأمريكية بيرل باك (Pearl Buck): "يذوي قلب الإنسان إن لم يستجب لنداء قلب آخر". ويسمي عالم النفس جون غوتمان (John Gottman) التعبير عن العواطف الحميمة بـ "الدعم"، حيث يمكِن أن يأخذ الدعم شكل أيَّة طريقة للتواصل الإيجابي بين شخصين يرغبان في إقامة علاقة وثيقة، على سبيل المثال:
- الدعم اللفظي: "كيف حالك؟" و"كيف تشعر؟" و"أنا أحبك" و"أنا أقدرك" و"أنا أحب أن نتحدث هكذا" و"أنا سعيد لأنَّنا نقضي هذا الوقت معاً" و"أنت صديق جيد" و"أنا آسف".
- دعم لغة الجسد: التواصل البصري الإيجابي، والعناق، والابتسام، والتربيت، ولف الذراع حول الكتف.
- الدعم السلوكي: عرضُ الطعام أو الشراب، أو إهداء بطاقة شكر مصممة خصيصاً للشخص، أو منحُ هدية معبِّرة، أو تقديم العون، أو التعاطف أيضاً والمشاركة في أنشطة مشتركة تبني علاقاتٍ أوثق.
يكشف بحث الدكتور غوتمان (Gottman) أنَّ العلاقات الوثيقة والصحية تدعم بعضها بعضاً بطرائق سهلة ومعقدة باستمرار طوال اليوم، وتوجد العديد من العبارات والإيماءات التي تعزز العلاقات مثل: "أنا أهتم بك" و"أريد أن نبقى على تواصل" و"وجودك يعطي حياتي معنى"، فالدعم المستمر والمتسق أمر بالغ الأهمية للحفاظ على العلاقات الشخصية الوثيقة وتطويرها، وهو فيتامين الحب.
أضف تعليقاً