تعالوا معنا لنتعرَّف أكثر في مقالنا اليوم على هذه الشخصية، وعلى كيفية التعامل معها؛ وذلك خلال السطور التالية.
الشخصية العدوانية:
تُعدُّ هذه الشخصية من أكثر الشخصيات خطورةً؛ ذلك لكون أثرها لا ينحصر في إطار الشخص فحسب، بل يمتد إلى جميع من حولها؛ على عكس بعض الشخصيات الأخرى التي يقتصر أثرها في إطار الشخص نفسه.
تصبُّ هذه الشخصية انفعالاتها وغضبها وكلَّ مشاعرها على المجتمع ومكوناته الإنسانية، ويكون صاحبها شخصاً متسلطاً يرغب في السيطرة على الآخرين من حوله، وهو بطبيعته غليظ الألفاظ أو النظرات، أو حتَّى التعبير بأصابع اليد أو الإشارة.
لا تختص الشخصية العدوانية بجنسٍ أو فئةٍ معينة في المجتمع، بل قد نجد امرأةً أو رجلاً أو حتَّى طفلاً عدوانياً.
صفات الشخصية العدوانية:
يمكنك لمعرفة ما إذا كان أحد المقربين منك أو الأشخاص المحيطين بك شخصاً عدوانياً، متابعة الصفات أو السمات الآتية التي قد تظهر على الشخصية العدوانية:
- تتصف بطبعها الحاد وسرعة الانفعالات والاستثارة والغضب وعدم الرضا الدائم.
- تميل إلى إيذاء كلِّ من حولها لسببٍ أو لآخر؛ فمهما بدت هذه الأسباب غير هامَّة أو تافهة بالنسبة إليك، فهي ليست كذلك بالنسبة إليها بالتأكيد.
- تحب بطبيعتها التسلُّط، ولا تحب العزلة أو الانطواء.
- لا تُراعي حقوق ومشاعر الآخرين، وقد تلجأ إلى الأذى الجسدي أو النفسي، سواءً بالاعتداء بالضرب أم بالكلام الجارح.
- قد تلجأ إلى إيذاء نفسها أيضاً من خلال الجلد الدائم للذات، والتقليل من أهميتها، والحط من قدرِها، واحتقار نفسها؛ كما أنَّها قد تؤذي نفسها جسدياً في بعض الحالات.
اسباب الشخصية العدوانية:
إنَّ الإنسان كائنٌ مسالمٌ بطبعه، ولكنَّ الظروف والنشأة وطريقة التربية عوامل قد تؤثِّر في تكوين شخصيته، وتجعل منها شخصيةً عدوانيةً غاضبةً وناقمةً على نفسها والمجتمع؛ وفيما يأتي بعض الأسباب التي قد تجعل من الشخص عدوانياً:
- تعدُّ الأسرة أوّل عاملٍ مؤثرٍ في شخصية الفرد منذ صغره، والتي ينشأ ويترعرع فيها، وتؤثِّر في تكوُّن شخصيته وتشكُّله؛ إذ ينشأ الطفل في بيئة تتكوَّن من أبيه وأمِّه وإخوته والآخرين المقربين الذين يعتاد عليهم الطفل، ويتعامل معهم، ويحبهم، ويتأثَّر بهم؛ فإذا ما كان أحد هؤلاء الأشخاص شخصاً عدوانياً، فسينشأ الطفل على رؤية العدوانية بشكلٍ اعتيادي ومألوف، ويتحوّل مع الوقت إلى شخصيةٍ مطابقةٍ لهذا الشخص -لاسيما إذا كان مُتعلِّقاً به- ويُحاكي ما رآه وعاشه، فيصبح عدوانيّاً بلا رغبةٍ أو تفكير.
- يتأثر الطفل بالبيئة المحيطة به، ونمط المعاملة والاهتمام التي يتلقاها من والديه، أو بما يراه من تعامل أبويه مع بعضهما بعضاً -مثل: تعنيف الأب للأم- الأمر الذي يجعل من الطفل شخصيةً عدوانيةً يترجمها من خلال تصرُّفاتٍ مُعينة في المدرسة، مثل: ضرب زملائه، أو تعنيفهم لفظياً.
- قد يجعل أيُّ تفصيلٍ صغيرٍ خلال حياة الطفل منه طفلاً طبيعياً أو طفلاً شديد الغضب والعدوانية، والذي يترسخ شيئاً فشيئاً في سلوكه، ويبقى مرافقاً له إلى أن يكبر؛ فيصبح ذلك خارجاً عن إرادته وسيطرته، وجزءاً لا يتجزأ من شخصيته. لذلك، غالباً ما تسبب أساليب التنشئة التي تتسم بالقسوة أو التذبذُب أو الإهمال، الإحساس بالحيرة والإحباط للطفل؛ ممَّا يفتح الباب أمامه لحلٍّ يستند إلى العدوان.
- قد تخلق الظروف المحيطة بالشخص حالةً نفسيةً معيّنةً لديه، تؤدِّي إلى تحوُّله إلى شخصيةٍ عدوانية، حيث تحوِّله ظروف الحياة المختلفة والصعبة التي تخلق له حالةً من الإحباط والألم والضيق على مرِّ السنين من شخصٍ هادئٍ ومُتزن، إلى بركانٍ من الغضب والعدوانية، خاصةً في حال كثرة هذه الظروف الصعبة وتكررها باستمرار في حياة الشخص، ما يزيد من حنقه وغضبه وميله نحو الجانب العدواني الموجود بداخله.
- قد يكون سبب الشخصية العدوانية أيضاً مشكلات العدواني مع ذاته، وعجزه حتَّى عن فهم نفسه والتفاهم معها، الأمر الذي يجعل منه شخصاً مضطرباً غير متوافق مع العالم الخارجي، وغير قادرٍ على فهمه أو التعامل معه بشكلٍ صحيحٍ؛ فيلجأ إلى العدوانية كحلٍّ يعتقد أنَّه يساعده، أو كحلٍّ غريزي من أيام الطفولة؛ إذ إنَّه لمن المعروف أنَّ الطفل الصغير يلجأ إلى العدوانية بشكلٍ طبيعي وغريزي عندما يعجز عن فهم أمرٍ ما، أو عندما لا يتمكَّن من توضيح ما يريد والحصول عليه؛ حيث تتقلَّص هذه العدوانية مع مرور الوقت، ومع نضجه وزيادة قدرته على الفهم والتعبير والتفاهم مع الآخرين، والحصول على ما يريد. وعليه: يجد العدواني نفسه أمام مشكلة الثقة بنفسه وقدرته على القيام بأيِّ شيء، فيعتقد أنَّه سببٌ في كلِّ المشكلات في العالم، الأمر الذي يعيقه عن تحقيق أيِّ تقدُّمٍ أو إنجازٍ في حياته، وتكون النتيجة: الخيبة والإحباط التي تزيد من عدوانيته وكرهه لنفسه؛ فيدور نتيجةً لذلك ضمن حلقةٍ مفرغة بين خارجه وداخله، ولا يتمكَّن من كسرها والخروج منها وحده.
- يرتبط العدوان بالشعور بالإحباط، والإحساس بفقدان الثقة بالنفس والآخرين، وبالتأزُّم النفسي.
أخيراً، لا شك أنَّ المجتمعات الحديثة بما تتصف به من: التعقيد، وعدم القدرة على إشباع الرغبات الأساسية لأفرادها، والضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي تنشأ من التنافس، ومشكلات الاحتكاك بين الناس نتيجةً للزيادة السكانية، وضعف الروابط والعلاقات الأساسية، وسيادة العلاقات الثانوية والنفعية؛ تؤدي إلى شعور أفراد المجتمع بالعزلة والإحباط، ممَّا يؤدِّي إلى الشعور العدائي.
الشخصية العدوانية المتسلطة:
يتضح من الاسم أنَّ صاحب هذه الشخصية يتميز بالتسلُّط والعدوانية، والتي تجعل منه شخصاً يميل إلى الشك والاستهزاء بالآخرين وممارسة القوة والسيطرة والقيادة عليهم، ويسعى إلى الحصول على متطلباته من خلال أساليب عنيفة ومرفوضة قد تصل إلى حدِّ الإيذاء الجسدي؛ كما يتصف بـ:
- الميل إلى التسلُّط على الآخرين، وعدم مراعاة حقوقهم ومشاعرهم.
- الجرأة المبالغ فيها في إبداء الرأي ووجهات النظر، وإلزام الآخرين بها في بعض المواقف.
- الميل إلى إظهار مشاعر الاستياء والغضب والكُرُه بشكلٍ مُبالغ فيه، مع عدم الاكتراث لمشاعر الآخرين.
- الجرأة الزائدة التي قد تصل إلى حدّ التهوُّر في اتخاذ القرارات، حتَّى لو كانت قرارات حاسمة وهامَّة لا تقتصر تبعاتها على الشخص فحسب، بل تمتد إلى غيره؛ سواءً أولاده، أم زوجته، أم طلابه، أم أصدقائه.
- الميل المُبالَغ فيه إلى الاعتداد بالنفس والرأي والقدرات، وتحدي الآخرين وعنادهم.
- النظر في عيون الآخرين بنظرات متسلطة وقوية وقليلة الاحترام، وتُشعِر الطرف المُقابِل وكأنَّه أمام عدو.
- الصوت القوي المُرتَفِع النبرة، والعبارات التي تكسوها صيغة التسلُّط.
- عدم رؤية الأمور إلَّا في ضوءٍ ما يعتقده صحيحاً أو خاطئاً، مع تجاهل وجهات نظر الآخرين وعدم الاعتداد بها؛ وعدم الاستعداد للتنازُل عن أفكاره، حتَّى لو لم تتوافق مع المنطق والواقع.
- اللجوء إلى العُنف المعنوي، مثل: التحقير، والأذى اللفظي؛ وقد تصل إلى حدّ العُنف الجسدي والضرب لتحقيق مصالحه، ونيل ما هو أكثر من حقِّه؛ ونرى ذلك جلياً لدى الزوج العدواني المُتسلِّط على زوجته التي تقع ضحية تسلُّطه، وتسعى إلى إرضائه، وتتخلَّى عن رغباتها وأهدافها وحاجاتها في الحياة خوفاً من العقوبة.
الشخصية العدوانية المستعدة للتشاجر:
تسعى هذه الشخصية إلى إثارة المشكلات، ويُمكن استثارتها بسهولة، وتعتمد على أسلوب الهجوم والصوت العالي لتُروِّع الشخص المُقابل لها، ويمكن وصفها بأنَّها:
- متمسكة برأيها، وتعتمد على نفسها فحسب، ولا تكترث برأي الآخرين.
- غالباً ما تتسم بالوجه العابس والمزاج المُتقلِّب والأعصاب المتوترة.
- شخصيةٌ هجوميةٌ تنتهز الفرصة لمهاجمة غيرها من خلال التركيز على نقاط ضعفه وجوانبه الشخصية.
- تميل إلى استخدام الصوت العالي لتُروِّع الآخرين.
الشخصية العدوانية وكيفية التعامل معها:
في حال كنت تعاني من شخصيةٍ عدوانيةٍ في حياتك أو محيطك العملي أو الاجتماعي، فقد جمعنا لك فيما يأتي بعض النصائح التي قد ترشدك للتعامل معها:
- محاولة دراسة شخصيته وتفهمها، والتقرُّب إليه، وجمع المعلومات لتصل إلى معرفة السبب الذي دفع به إلى العدوانية؛ لكن حذار من معاملته كأنَّه مريضٌ أو بحاجةٍ إلى معاملةٍ خاصَّة؛ ذلك لأنَّ هذا سيضعك -تلقائياً- في خانة الأعداء لديه.
- التحلي بالهدوء وضبط الأعصاب وعدم الانفعال، إضافة إلى التحدُّث معه بصوتٍ مُنخَفِض مع ابتسامةٍ على الوجه.
- التحدث معه بثقة دون تردُّد، والمدافعة عن الرأي بلطف، مع الإصغاء إلى ما يقوله، وتلافي التعليق على حديثه؛ ذلك لأنَّ المُقاطَعَة تستفزه. يمكنك بدلاً من ذلك استخدام أسلوب التأكيد، والتفاعُل مع ما يقول بهزِّ الرأس بإيماءة نعم، أو قول: "كلام سليم، أفهمك جيداً".
- اختصار الحديث الطويل معه، وتلافي الحديث عن الموضوعات التي تثير غضبه، والتركيز بدلاً من ذلك على الموضوعات التي تتفقان عليها وتلتقيان فيها بالآراء.
أضف تعليقاً