ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب آلكس سوجونع كيم بانغ (Alex Soojung-Kim Pang)، ويُحدِّثُنا فيها عن تجربته في اتخاذ عادات جديدة وتنظيم وقت الراحة والعمل.
بالنسبة إلى أرسطو، كان العمل شاقاً وضرورياً؛ فقط في أوقات الفراغ يمكننا تنمية قدراتنا العقلية والأخلاقية، كي نصبح أشخاصاً أفضل. حتى بالنسبة إلى الأشخاص الأقل اهتماماً بالفلسفة، فإنَّ أوقات الفراغ توفر الوقت والحرية لفعل ما يهوون القيام به.
عندما تقاعد جورج واشنطن (George Washington) في عام 1759، شرع في بناء وصيانة منزل ماونت فيرنون التاريخي (Mount Vernon)، ووفقاً للمؤرخ ويليام أبوت (William Abbot)، "كان مشروعاً يتطلب منه قوة احتمالٍ أقوى وأكثر ديمومة مما تطلبه الحرب أو السياسة".
ولكن اليوم، أصبح من الشائع التفكير في العمل والراحة على أنَّهما على طرفي نقيض. العمل قيِّم: إنَّه المكان الذي نثبت فيه قيمتنا ونخلق به إرثاً.
الكتب المشهورة مثل "ما تفعله هو أنت" (What You Do Is Who You are) للكاتب الرأسمالي المغامر بن هورويتز (Ben Horowitz) تشير ضمنياً أنَّ الوجود والعمل مترادفان. الانشغال وسام شرف؛ بل هو علامة على التفوق الأخلاقي، وعلى النقيض من ذلك، غالباً ما تُعامَل الراحة كما لو كانت سلبية ودون جدوى، وفي الواقع، كثيرٌ من الناس لا يفكرون في الراحة على أنَّها شيء خاص بهم؛ إنَّها مجرد شيء سلبي يعرَّف بغياب العمل.
أهمية الراحة
الراحة ضرورية لحياة جيدة، ومهنة منتجة، مثل العمل. إنَّ الإفراط في العمل يضر الأفراد والمؤسسات؛ فالوقت الطويل دون راحة كافية يسبب انهيار الناس ويدمر إنتاجية الشركة. ويكشف الغوص العميق في حياة أكثر العلماء والكتَّاب وحتى الجنرالات إنجازاً في التاريخ؛ أنَّهم عملوا ساعات أقل بكثير مما يفعله الكثير من الناس في المجتمعات الغربية الصناعية اليوم، وأنَّهم كانوا يضعون إجراءات يومية توازن بين فترات العمل المكثف ووقت الراحة.
في كتابه منافع الحياة (1895)، كتب المؤلف الفيكتوري جون لوبوك (John Lubbock): "الراحة لا تعني الخمول، فالاستلقاء على المرج تحت الشجر في يوم صيفي، والاستماع لخرير المياه، أو النظر إلى السحب العائمة في السماء الزرقاء ليس مضيعة للوقت على الإطلاق".
كان يتحدث لوبوك من تجربة؛ إذ كان هو نفسه أحد المبدعين في عالم المال، وكان عالم آثار مرموقاً (ابتكر مصطلحَي العصر الحجري الحديث (Neolithic)، والعصر الحجري القديم (Palaeolithic)، واستعمل ثروته لحماية الدائرة الحجرية الأثرية في آفبري (Avebury) في إنجلترا)، ومُصلِح سياسي؛ إذ قاد حملة من أجل العطلات البنكية.
ومع هذا فقد تسنى له الوقت لإصلاح منزله العائلي في قرية داون (Downe)؛ حيث كان يمضي وقته في ممارسة الكريكت بصحبة أصدقائه والتحدث عن التاريخ الطبيعي مع جاره تشارلز داروين (Charles Darwin).
وتدعم هذا الرأي دراسة حديثة في علم الأعصاب وعلم النفس؛ إذ أظهرت كيف أنَّ الراحة تسمح لنا بشحن وتحفيز الإبداع، وتعطينا المساحة الذهنية لتوليد أفكار جديدة، وحتى مساعدتنا على امتلاك حياة أطول وأكثر إبداعاً وديمومةً. وعلاوة على ذلك، تظهر الدراسات بأنَّ الراحة الجيدة لا تعني الخمول؛ فإنَّ أشكال الراحة الأكثر إنتاجية هي النوع الفعال، وليس السلبي، بالإضافة إلى أنَّ الراحة هي بمنزلة مهارة؛ فمع الممارسة، يمكنك أن تقوم بها بشكل أفضل، وتستفيد منها أكثر.
لذا، يجب ألا نَعُدَّ أنَّ العمل والراحة نقيضان؛ وإنَّما أمران مكملان لبعضهما، ويدعم كلٌّ منهما الآخر ويعززه، ويوفر كل منهما أموراً يحتاجها كلٌّ منا، فلن تزدهر ما لم تصبح ماهراً في كلا الأمرَين "الراحة والعمل".
ما الذي يجب القيام به؟
الراحة هي مثل التنفس أو الجري، تُعَدُّ أمراً طبيعياً من جهة، ولكن يمكن تعلُّم القيام بها بشكلٍ أفضل من جهة أخرى؛ وبذلك تتمكن من تسخير الطاقة التي تولدها الراحة لتستفيد الجوانب الأخرى من حياتك. ومثلما يتعلم السبَّاحون أن يتحكَّموا بتنفسهم ليحافظوا على طاقتهم، أو يهدِّئوا أذهانهم، فإنَّ الأشخاص المشغولين يجب أن يتعلموا كيف يستريحون بطريقة تساعدهم على شحن طاقاتهم الجسدية والذهنية، ويحصلون على دفعة من الأفكار الإبداعية؛ وهذا يتطلب تطوير عادات يومية جديدة، وتغيير الفكرة السائدة عن الراحة.
1. أخذ الراحة على محمل الجد:
يجب أولاً أن تأخذ الراحة على محمل الجد، وتعطيها أولوية أعلى، فالعالم ليس كريماً فيما يتعلق بأوقات الراحة. هناك دائماً عمل يجب إنجازه، أو أمورٌ يجب تحسينها؛ لذا، لتجني فوائد الراحة، ينبغي أن تغذيها وتعتني بها؛ وهذا يعني تخصيص الوقت لها في برنامجك اليومي، وفي حياتك عموماً.
انظر إلى تقويمك اليومي؛ هل هو مليءٌ بالمقابلات، والمواعيد النهائية لتسليم العمل، والمسؤوليات العائلية؟ إن كان الأمر كذلك، ففكر متى وأين يمكن أن تبدأ بعمل وتخصص وقتاً للراحة في جدولك.
إِن لم ترَ مجالاً كافياً لذلك، فما الذي يمكنك التخلي عنه لتفرغ المساحة الضرورية لذلك؟ ربما ستحتاج أن تكون مبدعاً، فعلى سبيل المثال: أن ترتِّب لتبادل رعاية الأطفال مع صديقٍ بحيث يكون كلاكما قادراً على قضاء بعض الراحة دون وجود الأطفال، أو التعاون مع شريكك بحيث يوافق كلاكما على إعطاء الأولوية للراحة في خضم كل المطالب الأخرى في وقتكما.
2. وضع حدود واضحة:
الناس الذين يعملون في وظائف تسبب التوتر، والذين لديهم حدود واضحة بين الحياة الشخصية والمهنية، ولديهم عطلة في نهاية الأسبوع، ويخرجون في إجازات باستمرار، هم أقل عرضة للانهيار من غيرهم، فلا بأس أن يكون هذا الوقت غير منظم وغير مخطط له؛ فالإجازة السيئة الوحيدة هي التي لا تأخذها.
لا تحاول أن تعمل وتستريح في الوقت ذاته (وهو ما أصبح صعباً كونك تحمل أعمالك في هاتفك المحمول). من المرجح لكتابة إيميل في الملعب أن تؤدي إلى أسلوب كتابة سيئ وإهمالك لطفلك أكثر من أن تؤدي إلى إنجاز عملك، بينما تؤدي الحدود الواضحة بين العمل والراحة على جعل كليهما أكثر كفاءة؛ لذا نظِّم أيامك وعطلات نهاية الأسبوع وإجازاتك.
ابدأ بالتخفيف من العمل على الهاتف، وتفقَّد البريد الإلكتروني مساءً، وفي عطلة نهاية الأسبوع، وبمقاومة الملهيات في أثناء العمل خلال اليوم، وكذلك نظِّم نشاطات للراحة مع الآخرين، سواءً كان المشي اليومي، أم الخروج كل شهر مع الأصدقاء، فإنَّ القيام بذلك سيزيد من فرصة التزامك بالمهمات وتركيزك على الراحة.
شاهد: 10 نصائح للحصول على الراحة النفسية
3. التعامل مع الراحة على أنَّها مهارة:
إن كنت مشغولاً ومندفعاً بشدة، فأنت تحتاج إلى إعطاء فرصة لفوائد الراحة لكي تظهر. لا تستعجل الأمر، فقط تذكَّر أنَّ الراحة مهارة تأتي مع الممارسة. تماماً كما يتطلب الأمر وقتاً لكي تستقر في عمل أو مكان جديد، فكذلك سيتطلب ذهنك وقتاً لكي يجني فائدة من الراحة؛ لذا، إن لم ترَ النتائج مباشرة، فامنحها بعض الوقت.
وإن كنت صبوراً ومع هذا لم تجد فائدة من منهجك فيما يتعلق بالراحة، فيمكنك دائماً أن تعدِّل وتحسِّن من استراتيجيتك، كما هو الحال دائماً مع الحميات الغذائية والتمرينات الرياضية.
لا يعني هذا أن تبالغ بالتخطيط لراحتك، أو تتخلى عن المشي اليومي إن لم ترَ المعجزات منها؛ بل كن واقعياً فيما يتعلق بتوقعاتك، وتذكَّر، ستحصل على شيء بالتأكيد من وقت الراحة.
4. وضع برنامج يومي يتضمن العمل والراحة:
يُعَدُّ جدولك اليومي إحدى المجالات التي يعود بها هذا النوع من التجريب الذاتي والتحسن بمنافع عظيمة. نعمل جميعاً بطرائق مختلفة، اعتماداً على الشغف الذي لدينا، ومتطلبات عملنا، وفيما إذا كنا انطوائيين أو منفتحين، أو نحب العمل مساءً أم صباحاً، ولكن تُعَدُّ هاتان الخطوتان هامتين للجميع:
أولاً، نظم جدول عملك بفترات مستمرة عالية التركيز من 90-120 دقيقة، تليها فترات راحة من 20 إلى 30 دقيقة؛ إذ يواجه معظم الناس صعوبة في التركيز لفترة أطول من ذلك، على الرغم من أنَّنا نحاول إقناع أنفسنا بأنَّه يمكننا العمل لفترة أطول (اعلم أنَّ قدرتك على تقييم إنتاجيتك بدقة تنخفض كلما ازداد تعبك).
ثانياً، نظم هذه الفترات من العمل بحيث تقوم بأهمِّ واجباتك خلال ذروة الطاقة والتركيز (فترات الذروة اليومية). بالنسبة إلى معظم الناس، فإنَّ ذلك يعني القيام بالعمل الأهم والأصعب في فترة الصباح، وترك اللقاءات والبريد الإلكتروني لما بعد الظهيرة، ولكن يجب أن تقوم بما يناسبك؛ لذا إن كنت تشعر بنشاط أكبر بعد الظهيرة، فخُذ ذلك في الحسبان حين تنظم جدول وقتك.
بغض النظر عن خصوصيات جدولك، فإنَّ وضع فترات من العمل والراحة، ومطابقة وقت العمل الحرج مع فترات ذروة نشاطك اليومية تساعدك على التخطيط تخطيطاً أفضل لوقتك، والعمل بشكل أكثر فاعلية، وإنشاء فترات في اليوم حيث يمكن لعقلك الإبداعي العمل على المشكلات التي لم تُحَل، وتوليد الحلول الصعبة.
5. ممارسة هوايات هادفة:
يتطلب القيام بعمل متميز وجود أوقات تكون بمنزلة مهرب كبير من العمل، وتكون هذه في شكل هوايات خطيرة أو "لعب جريء".
ينصح رئيس الوزراء السابق في المملكة المتحدة ونستون تشرشل (Winston Churchill)، الأشخاص المشغولين بأنَّه لا يكفي ممارسة الهوايات السهلة؛ وإنَّما يجب إلقاء الضوء على مجال اهتمام جديد، يقول: "إذا كنت معتاداً على الانشغال وتكره فكرة التباطؤ، فقد يكون من المريح أن تدرك أنَّ بعض الراحة المُجدِّدة للنشاط تكون نشطة وليست سلبية فقط، فالراحة لا تتوقف".
يتابع تشرشل: "لا فائدة من قول: (سأستلقي ولا أفكر في شيء). بدلاً من ذلك، قال: (فقط عندما تُستَدعى خلايا جديدة إلى النشاط، فإنَّ تلك الراحة مفيدة)".
أيَّة هواية تختار؟ الأمر متعلق بك؛ لكنَّ عدداً لا بأس به من الحائزين على جائزة نوبل والرؤساء التنفيذيين ورجال الأعمال والجنرالات لديهم هوايات تستغرق وقتاً طويلاً، وتتطلب جهداً بدنياً أو عقلياً؛ بل وحتى محفوفة بالمخاطر، مثل الإبحار أو تسلُّق الجبال، وبعضهم الآخر عدَّاءون أو رسامون أو موسيقيون محترفون.
وبغض النظر عما تختاره، يجب أن يكون متعةً ذهنية، ويوفر لك بعض المكافآت النفسية مثل أفضل أعمالك، ولكن في سياق مختلف تماماً، وبعيداً عن مشكلات العمل. بالنسبة إلى تشرشل، كان الرسم هواية هادفة، وشكلاً من أشكال الترفيه الذي كان بمنزلة فترة راحة من العمل، ومصدراً للتحديات والمكافآت الجديدة؛ إذ كان يذكِّره الرسم بأفضل جوانب الحياة العامة فهو يتطلب عملاً حاسماً ورؤية واضحة ومهارة، لكن كان الرسم طريقة يعبِّر بها تشرشل عن نفسه بصرياً وليس لفظياً.
6. عدم إهمال النوم والقيلولة:
أفاد عالم النفس السويدي آنديرس إيريكسون (Anders Ericsson)، في دراسته التي أجراها عام 1993 على مجموعة من عازفي الكمان في معهد برلين، بأنَّ الطلاب جميعهم قد قالوا إنَّ النوم هام جداً لتحسين أدائهم، بالإضافة إلى أنَّ "أفضل مجموعة" (مشروع النجوم، كما أسماهم) و"الطلاب الأفضل من غيرهم" (ماهرون للغاية؛ ولكنَّهم ليسوا نجوماً) كانوا يأخذون قيلولة بعد الظهيرة أكثر من المجموعة الثالثة، وهي المجموعة الجيدة نوعاً ما.
لقد تمرَّنَت المجموعتان المتفوقتان بجد أكثر من غيرهما، وحصل أفرادها على قيلولة أكثر لكي يتعافوا، كما خططوا ليومهم بحذر أكبر وأخذوا غفوات بعد الظهيرة.
توفر 20 دقيقة من القيلولة دفعة من الطاقة مقارنة بكوب من القهوة الثقيلة (ولكن دون فرط النشاط الذي تسببه القهوة)، وتساعد على استرجاع المعلومات الجديدة بشكل أفضل. فإن لم تستطع أخذ غفوات في العمل، فإنَّ تحسين نومك في المنزل عن طريق تحديد وقت للنوم، وطقوس ما قبل الذهاب إلى السرير لتهدئة البال والأعصاب سوف تأتي بنتائج عظيمة.
أظهرت دراسات أُجرِيَت على الأمد الطويل أنَّ النوم الجيد يعود بفوائد مدى الحياة على الصعيد الجسماني، والاستقرار العاطفي، وانخفاض مستويات الخرف، وتقدم صحي في العمر.
7. تشجيع الآخرين على أخذ راحة معك:
بمجرد أن تبدأ باتباع الخطوات المذكورة هنا، فستجد نفسك تقاوم رؤساءك في العمل ممن يريدونك أن تقتنع بأنَّ العمل أكثر من اللازم أمر حميد، وترفض الطمع الذي تضفيه بعض المهن التي تتطلب إخلاصك بالكامل، وستتجنب الملهيات التي تخطف انتباهك. العالم يخبرنا بأنَّ: العمل أمر هام؛ فنجيب: الراحة هامة كذلك.
يمكن لهذا المنظور أن يسبب لك خلافات مع زملائك أو مع زوجك (من سيقوم بطي الغسيل؟).
بما أنَّ الشركات قد تحولت إلى نظام العمل لـ 4 أيام في الأسبوع، وكما شرحتُ في كتابي الأخير "أقصر" (Shorter)، "كلما تمكَّنَّا من حل المشكلة بشكل جماعي أكثر، أصبحنا جميعنا أفضل"؛ وهذا يعني بناء عادات للراحة مع العائلة، وطقوس جديدة مع الأصدقاء، ونظام يومي جديد مع زملائك، على سبيل المثال: عقد الاجتماعات فقط في وقت الظهيرة، وترك فترة الصباح فارغة من أجل إنجاز أعمالهم الأكثر أهمية، تأتي بنتائج أفضل عندما يلتزم بها الجميع.
يجب على التغييرات أن تأتي من أعلى الهرم أيضاً، ويجب تشجيع مديري المنظمات على تبنِّي نظام العمل لأيام أقل في الأسبوع للجميع.
ففي الشركات التي طبقت هذا التغيير (ومن ضمنها الشركات الناشئة مثل مختبرات كوكروتش "Cockroach Labs"، ومطاعم ميكيلين "Michelin" مثل نوما "Noma"، وشركات حقوقية مثل واي لو "YLaw" في كندا، وكرومان ريوميرت "Kromann Reumert" في الدنمارك، وخدمات السيطرة على الآفات مثل غريفين بيست سولوشن "Griffin Pest Solutions" في غرب ميشيغان "western Michigan") يصبح أسبوع العمل الأقصر مشروعاً جماعياً يساهم به الجميع ويستفيدون منه، بحيث لا تكون راحة شخص ما على حساب الآخر، ويخلق الجميع مساحة للراحة معاً.
كيف تستريح جيداً؟
تلخيصاً لما ذُكِر
- لقد تغيرت الرؤى فيما يتعلق بالراحة: فعلى مر التاريخ البشري معظمه، كانت الراحة بمنزلة نعمة، فقط في الآونة الأخيرة عُدَّ الانشغال بمنزلة وسام شرف.
- أهمية الراحة: فهي تعطيك المجال لإعادة شحن طاقتك وإبداعك، وتعود بالنفع على العمل.
- أخذ الراحة على محمل الجد: تحتاج إلى أن تبدأ بالاعتراف بفوائدها وتخصص وقتاً لها في برنامجك اليومي.
- وضع حدود واضحة: توقف عن التحقق من هاتف العمل الخاص بك ومن بريدك الإلكتروني في المساء وفي عطلة نهاية الأسبوع، واذهب في نزهة، وحدد تلك الحدود الواضحة بين العمل والوقت الشخصي لكي تجعل من الأمرين أكثر فاعلية.
- النظر إلى الراحة على أنَّها مهارة: لا تستعجل الأمر؛ سيتطلب عقلك بعضاً من الوقت لتنال القوة التي تعطيها الراحة.
- وضع برنامج يومي يتضمن العمل والراحة: إن كان تغيير برنامجك اليومي بيدك، فلا تجعل يوم عملك مليئاً بفترات غير متقطعة من العمل؛ بل اجعله على فترات من العمل المركز والجاد، مع فترات وجيزة من الراحة لتعيد شحن طاقتك.
- ممارسة هوايات هادفة: كان عدد لا بأس به من الحائزين على جائزة نوبل والرؤساء التنفيذيين ورجال الأعمال والجنرالات لديهم هوايات صعبة وجادة مثل الإبحار، أو تسلُّق الجبال، أو الرسم. توفر هذه الهوايات ترفيهاً، وتعطي الفوائد نفسها التي يعطيها العمل دون صعوبات.
- عدم إهمال النوم والقيلولة: تُعَدُّ القيلولة طريقة فعالة لإعادة شحن الطاقة خلال اليوم، بينما يساهم النوم المنتظم في تعزيز الصحة الجسدية، والاستقرار العاطفي والتقدم الصحي في السن.
- تشجيع الآخرين على الراحة معك: كلما تمكَّنَّا من حل المشكلة على الصعيد الجماعي، تحسنت أحوالنا جميعاً بشكل أفضل؛ وهذا يعني بناء عادات للراحة مع العائلة، وطقوس جديدة مع الأصدقاء، ونظام يومي جديد مع زملائك.
شاهد أيضاً: 7 طرق تساعد على تصفية الذهن
تعلَّم أكثر: اعمل أفضل كي تستريح بشكل أفضل
إن كان العمل والراحة متشابهَين، فإنَّ الخطوة الهامة باتجاه الراحة بشكل أفضل تكمن في تعلُّم كيفية العمل بشكل أكثر كفاءة، كي تستغل وقتك استغلالاً أكثر فاعلية؛ وبهذا تخلق مساحة أكبر في أيامك من أجل الراحة. بالنسبة إلى من يعملون في مجال المعرفة ويستطيعون التحكم بجدول أعمالهم اليومي (وفي عصر كوفيد-19 والإغلاق وجدول الأعمال المرن، أصبح هذا ينطبق علينا)، فإنَّ تطوير روتين صباحي جيد هو إحدى أفضل الطرائق لخلق تلك المساحة.
إنَّني أتحدث بناءً على تجربة شخصية؛ فأنا لا أميل إلى الاستيقاظ باكراً، وخلال الجامعة كنت أقوم بأكثر أعمالي صعوبة في وقت العشاء، أو بعد منتصف الليل، ومع هذا، فأنا أستيقظ باكراً بشكل منتظم قبل شروق الشمس، ومنذ أن بدأتُ هذه العادة من 10 سنوات، أصبحَت هذه العادة ضرورية من أجل تأليفي لكتبي الثلاثة، وبدء مشروع شركتي، ولحصولي على المزيد من الوقت لكي أحظى بالراحة خلال اليوم.
بدأتُ بالاستيقاظ باكراً بدافع الضرورة، لا الاختيار. كنتُ أعمل على كتابي الثاني "إدمان التشويش" (The Distraction Addiction (2013)، ومع وجود طفلين، وعمل يومي، لم تعد الكتابة في وقت متأخر حيث الجميع نائمون خياراً بالنسبة إليَّ؛ لذا حاولت أن أعكس برنامجي اليومي.
كنتُ أستيقظ باكراً، وأنجز بعض الأعمال حيث ما يزال الجميع نائمون، وكانت أول بضعة أسابيع صعبة للغاية، وبدا السرير مغرياً ودافئاً للغاية، ولكن بعد أن تأقلمتُ، غدا الأمر أكثر سهولة، وقد لاحظتُ أنَّني أصل إلى معدل كتابة الكلمات اليومي (وهو أمر أي كاتب مهووس به).
كانت هذه الساعات التي تسبق شروق الشمس تمتلك نفَساً إبداعياً وروحياً يختفي مع ضوء الشمس. يفتح الاستيقاظ باكراً الآفاق أمام اللاوعي لديك، فإنَّ الكتابة بذلك الوقت - حيث لا تكون مستيقظاً تماماً - أجد نفسي أحياناً أنهي جملاً أو تخطر ببالي أفكار للكتابة لم أفكر بها من قبل؛ ولكنَّها مقنعة وواضحة بشكل مفاجئ. يصبح التركيز أسهل لعدم وجود شخص آخر مستيقظ، وإن أجبرتُ نفسي على النهوض من السرير، فيجب أن أستغل الوقت جيداً.
بدأتُ بتحسين تلك العادة؛ إذ إنَّ تعلُّم الراحة يتطلب العديد من التجارب الذاتية، وقد اكتشفتُ مع مرور الأشهر التي تلت ذلك أشياء عدة أصبحَت ضرورية لتلك العادة؛ لذا، إن كنتَ تحاول أن تنهج نهجاً مماثلاً، فإليك ما أقترحه:
أولاً، أعدَّ لذلك ما تستطيعه في الليلة السابقة. لقد كنتُ أجهز قِدر القهوة، وأضع الملابس التي سأرتديها، وأضع الخُفين بجانب السرير، وأنظف المكان الذي سأعمل به، وحتى المقطوعات الموسيقية التي سأستمع لها.
فإنَّ أول ما يجب فعله عندما أستيقظ هو أن أعمل على لوحة المفاتيح خاصتي، بعد أن أرتدي ملابسي وآخذ قهوتي؛ فالاستعداد في الليلة السابقة يعني اتخاذ الكثير من القرارات الصغيرة بالنيابة عني في المستقبل. وكلما تحضرتُ بشكل أدق، اضطررتُ للتفكير بشكل أقل عن اليوم التالي، وركزتُ في اليوم التالي على الكتابة؛ وبذلك وجدت أنَّ ذلك سيبعدني عن التفكير في العودة إلى السرير مجدداً.
ثانياً، خطط لعمل اليوم التالي في نهاية المساء. قبل أن أذهب إلى السرير، أضع ملاحظة على حاسوبي بأول ثلاثة أشياء يجب أن أعالجها عند الصباح. بهذه الطريقة، لن أتخبط وأنا أحاول أن أختار ما يجب فعله أولاً؛ بل سأتبع التعليمات التي وضعتُها بنفسي فقط.
بالإضافة إلى أنَّني لا أُنهي كتابة فصلٍ، أو قسمٍ، أو حتى مقطعٍ في نهاية اليوم؛ بل أتوقف في وسط الجملة. قد يبدو هذا غريباً؛ ولكنَّه يجعل إعادة البدء في الصباح التالي أكثر سهولة.
هناك دليل أيضاً على أنَّه إن كانت هناك مشكلة، فإنَّ العقل يستمر بالتفكير فيها خلال الليل (حتى في أثناء النوم)، وهذا يحدث أكثر إن تركتَ الكتابة (أو أي عمل آخر في المنتصف)؛ وبهذا، يمكنك بدء الصباح التالي بميزة احتمالية أن يأتي عقلك برؤىً وأفكار جديدة.
يذكر الكوميديان الإنجليزي جون كليز (John Cleese) استعماله للنوم لتوليد أفكار جديدة في كل مرة يعجز فيها عن تأليف مشهد مسرحي عندما كان طالباً جامعياً في كامبريدج (Cambridge). وعلى حد قوله في صباح اليوم التالي: "في 9 من أصل 10 مرات كان لدي الحل، لم أكن أستطع حتى تذكُّر ما كانت المشكلة في الليلة السابقة".
ثالثاً، وربما يكون الأهم، أنَّ إنجاز العمل في وقت باكر يوفر مساحة أكبر للراحة. لا أستيقظ في الخامسة صباحاً حتى أتمكن من التغلب على المنافسين؛ بل أستيقظ في الخامسة صباحاً حتى أُنهي أصعب جزء من يومي قبل وجبة الفطور؛ وبذلك يمكنني أخذ استراحة خلال النهار للمشي، والتمرين، وأخذ قيلولة.
كما يقولون في الجيش، الاستراحة التي تحصل عليها هي الاستراحة التي تكسبها، فلا ينجح وضع فترات من العمل الشاق والراحة المتعمدة إلا إذا قمتَ بالعمل أولاً. على حد تعبير كليز، فإنَّ الإلهام الصباحي الخاص به يعتمد على تحضير العمل في المساء السابق "لم يكن بإمكاني الخروج لتناول العشاء والذهاب إلى الفراش ثم الاستيقاظ بفكرة؛ بل كان عليَّ أولاً أن أفكر".
مع أنَّ روتيني الصباحي قد أصبح راسخاً الآن، ما زلت أجربه، ففي مرحلة ما، قد يفقد فاعليته. تتغير أنماطنا الزمنية (محبو العمل في المساء مقابل محبي العمل في الصباح) مع تقدمنا في العمر، ويتغير نوع العمل الذي نمارسه، وتألف عقولنا الروتين أكثر من اللازم، ولكن حتى لو حدث ذلك، فإنَّ حقيقة أنَّني تعلمتُ كيفية بناء عادة جديدة تعني أنَّ لدي على الأقل فرصة جيدة لبناء ممارسة أخرى.
نحن لا نطور هذه الإجراءات فقط حتى تساعدنا الآن؛ إنَّما نقوم بتطويرها حتى نتمكن من تطوير المزيد وربما الأفضل منها في المستقبل.
في الوقت الحالي، سأعدُّ القهوة، وأختار ملابس الصباح التالي، وأترك لنفسي في المستقبل ملاحظةً حول ما يجب أن أعمل عليه أولاً، وأنا أتطلع بالفعل إلى وقت الراحة الذي ستوفره لي البداية المبكرة في وقت لاحق من اليوم.
المصدر: 1
أضف تعليقاً