هل تستمتع عندما يحكم عليك الآخرون وينتقدونك؟ وهل يشجعك هذا النقد على الازدهار أو تعزيز ثقتك بنفسك؟ وهل ستتحمل إذا قام شخص ما بتخويف طفلك أو مضايقة صديقك؟ هذه تجارب مؤلمة بلا شك، فلماذا تدع الأصوات في رأسك تفعل الشيء نفسه بالنسبة إليك؟ ولماذا تكون متنمراً على ذاتك؟
نشك جميعاً في بعض الأحيان في قدراتنا، ونرغب في تحسين جوانب معينة من شخصياتنا أو مواقفنا أو مظهرنا أو مهاراتنا، إنَّه أمر عادي، ومع ذلك فإنَّ التفكير المستمر في أنفسنا على أنَّنا غير جيدين بما يكفي أمر مختلف تماماً.
من أين يأتي الحكم القاسي على الذات؟
ينشأ الحكم القاسي على الذات من تجارب الطفولة المؤلمة التي تركت الطفل يعاني من ندوب عاطفية، فالأطفال أكثر ضعفاً وعرضة للتأثر بالسلبية؛ لذا فإنَّ النقد القاسي من الوالدين أو المعلمين أو الأقران يمكن أن يحطِّم ثقتهم بسهولة، وهذا يجعلهم يشعرون بعدم الأمان أو عدم الكفاءة، وقد تدفعنا الرغبة في تجنب انتقادات الآخرين في المستقبل إلى وضع معايير لأنفسنا، وتهيئنا للاعتقاد بأنَّنا بحاجة إلى أن نكون مثاليين وأفضل من الآخرين حتى نكون محبوبين.
هل يساعدنا النقد الذاتي على أن نكون أشخاصاً أفضل؟
يمكن أن يساعدنا السعي إلى الكمال في شكله الإيجابي على أن نكون أكثر نجاحاً، ولكنَّ النقد الذاتي يعوق تقدمنا في الواقع؛ إذ يمكن للحديث السلبي مع النفس والقلق بشأن ما قد يقوله الآخرون أن يستنزف طاقتنا التي كان يجب علينا استغلالها في تطوير ذاتنا.
أظهرت نتائج خمس دراسات نفسية نمطاً ثابتاً من العلاقة السلبية بين النقد الذاتي وتطوير الذات؛ إذ أبلغ المشاركون عن تقدُّم أقل بشكل ملحوظ نحو الأهداف التي يسعون وراءها، فعندما مارسوا الكثير من النقد الذاتي، وعندما تم التحكم بالنقد الذاتي، أبلغ المشاركون عن تقدُّم أكبر بشكل ملحوظ.
قد يعتقد الكثير من الناس أنَّ كونك رقيب ذاتك هو أفضل طريقة لتكون شخصاً جيداً، ولقد علمتنا الإعلانات ومقاطع الفيديو الخاصة بالتمرينات الرياضية أنَّنا إذا وبَّخنا أنفسنا بما فيه الكفاية، فسننهض من فراشنا بقوة ونكون أكثر إنتاجية.
نحن نفضل السوط على الجزرة:
لقد قللت المؤسسات التعليمية من الأساليب العنيفة في تربية الأطفال من خلال التدريس عن طريق المكافآت بدلاً من العقاب، ومع ذلك فإنَّنا في أغلب الأحيان ما زلنا نفضل أسلوب السوط على أسلوب الجزرة.
تقول إحدى المعالجات النفسيات في الولايات المتحدة الأمريكية: "المريض بعد المريض يجلس في عيادتي ويخبرني كيف يعذب نفسه في محاولاته لفقدان الوزن، فهؤلاء المراجعون يخبرون أنفسهم بأنَّهم يشبهون الحوت، وفي أثناء محاولتهم أن يكونوا آباءً أفضل، فإنَّهم يخيفون أنفسهم باعتقادهم أنَّهم يدمرون أطفالهم، وعلى أمل التحسن في العمل يسمون أنفسهم عديمي الفائدة أو مثيري الشفقة".
نحن ننمو بالتعاطف والاحتواء:
غالباً ما يكون التعاطف حافزاً أفضل من القسوة، ولنكن واضحين هذا السلوك لا يعمل، فتخيل طفلاً يريد أن يتعلم الرياضيات، ولكنَّ المعلم يهينه باستمرار ويصفه بالغبي ويشير إلى أخطائه، ومعظم الناس الذين يتعرضون لهذا النوع من الضغط سوف ينكسرون، فإما أن يوافقوا على أنَّهم غير قادرين أو يتمردوا ويرفضوا المحاولة من جديد، فلم يشعر أحد من قبل بالحيوية والاستعداد للتعلم بعد أن تم الاستهزاء بإخفاقاته.
اسمح لنفسك بالفشل:
بدلاً من ذلك، حاول أن تكون لطيفاً مع نفسك؛ إذ يمنحك السماح لنفسك بالفشل طاقة كافية للرجوع مرة أخرى بعد التعثر والبدء من جديد، وإذا كنت ترغب في تنمية المثابرة والمرونة والعزيمة فيمكنك تعزيز هذه الخصائص بالثناء على جهودك، كما يؤدي الدعم والتشجيع الذاتي إلى مواصلة العمل الصعب المتمثل في تحسين الذات.
تعرَّف إلى أفضل الاستراتيجيات لتغيير علاقتك مع نفسك:
إذا وجدت نفسك عالقاً في منهج استخدام العقوبة بوصفه حافزاً، فإليك بعض الأدوات السريعة لتغيير هذه العادة المتأصلة:
1. التوقف عن الإفراط في التفكير:
تخيَّل علامة توقف حمراء، فتوقف من خلال الصراخ سواء بصوت عالٍ أم في رأسك ودُس بقدمك على الأرض بقوة، أو تخيل نفسك تدوس، فهذا العمل يلفت انتباهك ويذكرك أنَّ التفكير الزائد غير مفيد وأنَّك تحاول تغييره، ومن خلال استخدام هذه الطرائق باستمرار ستصل إلى نتيجة مُرضية، وينشئ التوقف عن التفكير عادة جديدة في مقابل النمط القديم الطائش للنقد الذاتي.
2. استبدال الأفكار:
ابتكر نماذج مختلفة تكون محفزة على العمل، على سبيل المثال، بدلاً من: "أنا غبي جداً"، ربما يمكنك أن تقول: "أنا ملتزم بقراءة المزيد"، واجعل الإيجابية والعمل شعارك، واكتب العبارة الجديدة على الملاحظات اللاصقة وضعها في المكان الذي تقع عيناك عليه يومياً.
شاهد بالفديو: كيف ترفع من قيمة ذاتك وتثق بنفسك أكثر
3. التعاطف:
غالباً ما يكون التعاطف مع الذات حافزاً أفضل من القسوة، فيمكن لعبارة: "أحاول جاهداً وأريد أن أنجح" أن تزودك بالنشاط والطاقة، بينما من المرجح أن تستنزفك عبارة "أنا لست جيداً ولن أنجح أبداً"، وقد تشعر بالسعادة عندما تقول لنفسك عبارات دافئة ومحبة، وبعد أن تتخطى الانزعاج قد تشعر بالصدمة من مدى شعورك بالرضى.
4. التحلي بالواقعية:
إذا كنت تؤمن بضرورة النظر بجدية إلى أخطائك فابحث عنها، لكن افعل ذلك بطريقة متوازنة؛ إذ يساعد النقد الذاتي على العمل بشكل أفضل عندما يكون بنَّاءً، وقرر ما تريد تغييره ولماذا مثل "أريد أن أكون أكثر صحة"، وبعد ذلك اعترف بأخطائك السابقة مثل "لم أمارس ما يكفي في الماضي"، ثم عد إلى وجهة نظر واقعية مثل "أنا أعمل على الشعور بصحة أفضل، لذلك سأمارس الرياضة هذا اليوم"، فقد يكون من الصعب القيام بالنقد البنَّاء خاصةً إذا كان لديك تاريخ طويل من الهوس بالكمال؛ لذلك من الأفضل طلب المساعدة من شخص جدير بالثقة.
5. تصحيح الأفكار:
بعض الأفكار التي تشكلها أدمغتنا تكون مشوهة ولا يمكن الوثوق بها، ومن خلال معرفة أنَّ هذه الأفكار هي عبارة عن تشوهات معرفية أو مغالطات منطقية، يمكننا التخلص من تأثيرها في حياتنا.
6. مراقبة الأفكار:
مراقبة الأفكار تعني الجلوس والمراقبة دون إطلاق أي حكم؛ إنَّها عنصر أساسي من عناصر اليقظة؛ إذ تبدو المراقبة عملية بسيطة ولكنَّها يمكن أن تقدِّم فوائد كبيرة، وغالباً ما يقلل التحلي بالموضوعية من قسوة أفكارنا النقدية، كما تتضمن مراقبة الأفكار تأملاً بسيطاً تسترخي فيه وتتنفس وتعترف بمشاعرك وأفكارك دون محاولة إصلاحها.
7. التوقف عن مقارنة نفسك بالآخرين:
يوجد دائماً شخص أفضل منك في شيء ما، ويوجد من هم أقل مهارةً منك أيضاً، فإذا كنت تقارن نفسك بشخص هو الأفضل فيما يفعله فإنَّ لعبتك هذه خاسرة، فنحن نؤدي العديد من الأدوار طوال حياتنا لدرجة أنَّنا من المستحيل أن نكون أفضل من 7 مليارات إنسان في كل شيء، وتقبَّل حقيقة أنَّك لست بطلاً خارقاً، وركز على أن تكون أفضل نسخة من نفسك.
8. النظر إلى الأخطاء على أنَّها فرص للتعلم:
الحياة عملية لا تنتهي من تحسين الذات، والأخطاء لا مفر منها؛ إنَّها رحلة تماماً مثل أيَّة رحلة برية ضمن أدغال ستسلك فيها بعض الطرائق الخاطئة، كذلك هي حياتك، فانظر إلى هذه الأخطاء بوصفها فرصاً، فهي توضح لك ما تحتاج إلى العمل عليه لتصبح في أفضل حالاتك.
9. الصبر مع النفس:
يستغرق الأمر وقتاً لتصحيح العادات السيئة التي كانت لديك طوال حياتك، خاصةً تلك العادات عميقة الجذور مثل النقد الذاتي؛ إذ يتطلب الأمر جهداً كبيراً لتغيير طريقة تفكيرك وتعزيز الحديث الإيجابي عن النفس للوصول إلى شخصية أكثر هدوءاً وعقلانية، فحياتك عمل مستمر؛ لذا التزم كل يوم بفعل شيء إيجابي من أجل نفسك، وتدرب حتى تصبح لطيفاً وصبوراً مع نفسك، والأهم من ذلك لا تضغط على نفسك عندما لا تسير الأمور كما ينبغي.
في الختام:
لا يوجد أحد مثالي، وحتى أفضل وأذكى الناس يخطئون، وبدلاً من التفكير في الإخفاقات، تعلَّم منها وامضِ قدماً وأسكِت صوت النقد الذاتي الذي يحثك باستمرار على إيذاء نفسك وإهمالها واحتضن ذاتك وتقبَّل أخطاءك وتعلَّم منها وخذ نفساً عميقاً وتابع حياتك.
أضف تعليقاً