ينتصر تقديرنا للمجتمع على تقديرنا لذواتنا، فنتنازل عن قيمنا وأفكارنا وشغفنا مقابل المحافظة على علاقة ظاهرها خير وباطنها شر أسود؛ ولكنَّ السؤال الذي يطرح نفسه: ألم تمل حالة الانتظار والضياع والتشتت؟ كم عدد المرات التي لم تقوَ فيها على اتخاذ قرار الانفصال، علماً أنَّك ترغب في قرارة نفسك بذلك؟ كم مرة آثرت فيها ذلك الإنسان السلبي وفضلته على شغفك وراحة بالك وقيمك، جاعلاً منه شعاع حياتك ونورها؟ وكم مرة توجهت فيها بالدعاء إلى الله لكي يمنحك القوة الحقيقية من أجل التخلي عن تلك العلاقة السامة؟
ماذا بعد؟ إلى متى ستواصل تبنِّي دور الضحية، وجعل طاقتك وأعصابك وصحـتك قرابين تقرُّب من شريكك الظالم المؤذي؟ أما آن الأوان لوقفة صادقة مع نفسك والإقرار بمدى السوء الذي تلحقه بك هذه العلاقة؟
ما ذنب عفويتك الرائعة حتى تتشوه في علاقة مريضة مع إنسان شكاك أفقدك براءتك، وحولك إلى شخص يحترف تبرير كلِّ الأشياء؟ وما ذنب هدوئك الراقي حتى يهتز في علاقة مع شخص عصبي وهستيري ولا يتقن لغة الحوار؟ وما ذنب مهنتك وشغفك حتى يتأثرا سلباً بسبب إنسان روتيني تقليدي وسطحي؟
هل ستتهرب من المواجهة؟ أم أنَّه قد آن الأوان لحل جذري يعكس ذاتك الحقيقية السامية، وقوتك اللامحدودة، وإيمانك العميق؟
ما شكل العلاقات المهيمنة على حياتك؟ هل طورت علاقة ما شكل حياتك نحو الأفضل، وعززت من قيمك، وشحنت شغفك وأحلامك؟ أم كان نصيبك الأكبر من علاقاتك سلبياً، وبدلاً من أن تثريك، حطَّمتك ودمرتك نفسياً؟
إذا كانت إجابتك عن كلِّ هذه الأسئلة من نمط: "نعم، أنا في علاقة تسبب لي الأذى وتدمرني نفسياً، ولا أقدر على الخلاص منها"؛ فهذا المقال قد كُتِب لأجلك؛ لذا تابع القراءة.
ما هي العلاقات المؤذية؟
عندما تجد أنَّك في علاقة تمتص طاقتك وحيويتك، وتجعلك شخصاً مهموماً وكئيباً وسوداوياً، وتفقدك متعة الحياة وبهجتها، وتُشعِرك بأنَّك تبتعد عن ذاتك الحقيقية وتتبنى مفاهيم وقناعات الطرف الآخر -بغضِّ النظر عن تقاربها أو تعارضها مع قناعاتك- تبنياً كاملاً، وتؤثر سلباً في كلٍّ من عملك وصحتك الجسدية والنفسية وكلِّ تفاصيل حياتك؛ فإنَّك عالق في علاقة مؤذية.
شاهد بالفيديو: 5 علامات تشير إلى أن الأجواء في مكان العمل سامّة
أنواع العلاقات السامة:
هناك العديد من أنواع العلاقات السامة، نذكر لكم منها:
1. العلاقة المسيطرة:
وفيها يتَّبع أحد طرفي العلاقة أسلوب السيطرة والتحكم مع الطرف الآخر، ويلغي حقه في الاعتراض والإدلاء برأيه؛ أي أنَّه يتعامل مع شريكه وكأنَّه تابع له، وما عليه إلَّا تنفيذ الأوامر.
في المقابل، يكون الطرف المغلوب على أمره ضعيفاً وقلقاً وكئيباً، ولا يملك في الوقت ذاته القوة للابتعاد عن المعتدي؛ ذلك لأنَّه يخاف من عدم قدرته على الاستمرار وحيداً، حيث زرع المعتدي في عقله أفكاراً سلبية تُضعِف من ثقته بنفسه.
يكمن الحل هنا في خروج الضحية من دائرة الحماية، والالتحاق بنشاطات واهتمامات واختبارات تعيد بناء ثقته بقدراته؛ ليتمكَّن فيما بعد من اتخاذ قرار الانفصال عن المعتدي.
2. العلاقة التي تسودها غيرة شديدة:
كأن يتعامل أحد طرفي العلاقة مع الآخر بمشاعر غيرة مبالغ فيها، ممَّا يُشعِر الطرف الآخر بالضيق والقيد.
تعدُّ قلة ثقة الطرف الغيور بنفسه مصدراً أساسياً للغيرة الشديدة.
3. العلاقة التي يسودها الشك:
وفيها يشك أحد طرفي العلاقة بالآخر بإفراط، كأن يحقق معه عن أدق تفاصيل يومه، ويجعل حياته جحيماً.
قد يكون ضعف ثقة الطرف الشكاك بنفسه مصدراً أساسياً للشك لديه، أو قد يولد التعرض إلى تجارب سابقة فاشلة الخوف لديه من من إعطاء الثقة للآخر.
4. العلاقة التي تسودها الشكوى:
كأن يتعامل أحد طرفي العلاقة مع الآخر وكأنَّه مستودع لتفريغ كلِّ شكواه السلبية فيه، دون التطرق إلى أيِّ أمور إيجابية.
5. العلاقة التي يسودها العنف:
عندما يعنِّف أحد طرفي العلاقة شريكه الآخر معنوياً أو جسدياً؛ سواءً بالكلام السلبي والانتقادات اللاذعة والإهانات والسخرية والتقليل من القيمة والشأن، أم بالضرب والاعتداء الجسدي.
6. العلاقة التي يسودها اللوم:
يتفنَّن هنا الطرف السيء في العلاقة في إشعار الطرف الآخر بأنَّه السبب في كلِّ الأمور السلبية التي تحدث في حياتهما.
7. العلاقة التي يسودها الكذب:
عندما يتفنَّن أحد طرفي العلاقة في استخدام كلِّ أساليب الكذب والنفاق والخداع مع الطرف الآخر.
8. العلاقة القائمة على التطلب:
عندها يكون أحد طرفي العلاقة دائم التطلب من شريكه، ويصعب جداً إرضاؤه، ويتفنَّن في إشعار شريكه بأنَّه الأقوى والأحق في فرض الأوامر.
9. العلاقة مع الشخص النرجسي:
يقدِّس هذا الشخص نفسه، ويدور كلُّ شيء في حياته في فلك ذاته، بما في ذلك علاقته مع شريك حياته؛ حيث يتعامل معه على أنَّه مكمل لصورته، وليس على أنَّه إنسان له مشاعر وأفكار.
شاهد بالفيديو: 8 صفات تدل على صاحب الشخصية النرجسية
الشفاء من علاقة مؤذية:
يحدث الشفاء عادةً من خلال إدراك المراحل الثلاث للانفصال، والتي هي:
- مرحلة الإنكار: يعاني الإنسان بداية من الإنكار، ويبقى خلال هذه المرحلة في حالة عدم تصديق لهجرانه لشريكه، ويراقبه باستمرار.
- مرحلة الحزن والأسى: يعيش الإنسان في هذه المرحلة مشاعره السلبية بمنتهى القوة، فيبكي كثيراً، ويتألم كثيراً؛ وهي حالة صحية جداً.
تؤدي حالة الإنكار وكبت المشاعر إلى العديد من الأمراض العضوية، في حين تعدُّ مواجهة الأحاسيس السلبية وتقبُّلها والتعبير عنها وتفريغ الطاقة السلبية من أهمِّ الإجراءات العلاجية. - تشتيت الانتباه: ويلجأ الشخص في هذه المرحلة إلى اعتماد أسلوب حياة غني بالنشاطات المفيدة، بحيث يصقل مهاراته واهتماماته، ويجعل ساعات وقته مليئة بأمور أهم من التفكير في علاقة ماضية.
يكمن الحل الجذري الفعال للتخلص من علاقة مؤذية في العمل على تحقيق الذات؛ لذا:
- ركِّز اهتمامك وحياتك وجهودك وطاقتك على تحقيق شغفك في الحياة؛ ذلك لأنَّ السعي إلى تحقيق أهدافك يملأ قلبك بالسعادة والرضا والثقة بالنفس، وهذا ما تحتاجه بالضبط في هذه المرحلة الصعبة التي استنزفت علاقتك المؤذية فيها كلَّ مخزونك النفسي، وجرَّدتك من ثقتك وإيجابيتك.
- اقطع كلَّ وسيلة تواصل مع الطرف المؤذي، واسأل نفسك بصدق عن الدروس المستفادة من هذه العلاقة، وعن الصفات الموجودة فيك، والتي كانت السبب في جذب ذلك الشخص إلى حياتك؛ حيث ينقلك سؤال كهذا إلى مرحلة وعي أعلى وأقوى وأعمق.
- ابتعد عن لوم ذاتك، حيث يحمل كلُّ شيء سلبي يظهر في حياتنا أموراً إيجابية بين طياته، وما علينا إلَّا اكتشافها والتعلم منها.
- عش اللحظة بكلِّ ما أوتيت من قوة؛ إذ تستحق الحياة أن تُعاش بأفضل المشاعر وأكثرها إيجابية.
- تحلَّ بالصبر، حيث يتطلب تجاوز تجربة قاسية مررت بها الكثير من المرونة والتفهم والهدوء.
- اعلم أنَّك تستحق الأفضل في كلِّ شيء، وأنَّك تستحق شريكاً راقياً ومحترماً ومتفهماً ومتعاوناً وهادئاً، وواثقاً بنفسه وبغيره.
الوقاية من العلاقات المؤذية:
- على الإنسان أن يحمي نفسه من الفراغ العاطفي الذي يجعل الإنسان فريسة سهلة لأيِّ شخص مؤذٍ، وذلك من خلال تقوية علاقته مع رب العالمين، وبناء علاقة صداقة حقيقية مع إنسان آخر، بحيث يستطيع أن يتحدث معه عن مشاعره وأموره بصدق وثقة، ودون خوف وجزع.
- على الإنسان أن يعي الصفات التي تجذب الأشخاص المؤذين إلى حياته، ويتجنَّبها تماماً، كأن يكون لديه مشاعر عاطفية جياشة، ويعشق تقديم الخدمة إلى الآخر؛ ممَّا يجعله عرضة إلى الاستغلال من قبل الآخرين، وهنا عليه الوعي لهذه الجزئية وتعلم التحكم بالمشاعر وضبطها.
- تعلَّم قول "لا"، وضع حدوداً لك من بداية العلاقة؛ ذلك لأنَّك ستكون فريسة سهلة للأشخاص المؤذين إن كنت خجولاً؛ لذا عوضاً عن استسلامك لشخص سلبي، اعمل على تطوير ذاتك من أجل التغلب على خجلك وتنمية قدرات التواصل لديك.
- اعلم أنَّ الزواج وسيلة من وسائل السعادة، وليس السعادة بأسرها؛ لذا انشغل بتحقيق شغفك وأهدافك، وتحرك قدماً في مسارك.
- أنت مكتمل بذاتك، ولست بحاجة إلى أيِّ شخص لكي يزيد من ثقتك بنفسك، وأنت قادر على مواجهة كلِّ التحديات، ولا يهم إن فشلت؛ فنحن نتعلم من الفشل ونصقل مواهبنا.
- تقبَّل واقعك؛ إذ قد يدفعك رفضك له إلى الدخول في علاقات مؤذية بهدف الوصول إلى واقع أفضل ممَّا أنت عليه، الأمر الذي يفقدك توازنك النفسي.
- حافظ على حوار منطقي وسليم مع ذاتك، ولا تسمح لمشاعرك بأن تقودك.
الخلاصة:
قد يكون في التخلي حياة؛ لذا إن كنت تعيش علاقة مؤذية، امنح نفسك الحرية والثقة والقوة، واسعَ إلى بناء حياة تليق بك، وواقع يشبهك، وتفاصيل تدعمك؛ واجعل من علاقتك المؤذية نقطة قوة ومرتكزاً لإعادة اكتشاف شغف الحياة وبهجتها وكرمها.
أضف تعليقاً