أحياناً قد يصل النقد إلى الهجوم العنيف غير الموضوعي أيضاً، ونشنُّ عمليات الهجوم بأسلحتنا الكلامية والثقافية على مختلف التوجُّهات في سبيل تحقيق الأغراض، هذا النمط من الانتقاد لا يعتبر انتقاد بناء؛ لذا، يجب أن ينتقي الناقد أعذب الألفاظ وأحسنها.
حتَّى يكون نقدك بنَّاءً، فلابدَّ أن يكون هناك درجةٌ من التواضع والاحترام للآخرين، ولن يُقبَل هذا النقد إذا كان مصحوباً بالتعالي وازدراء الآخرين، علماً أنَّ جوهر النقد يكمن في تصحيح هذه الأفكار بطريقةٍ إيجابية، مع الابتعاد عن كلِّ عمليةٍ هدفها تصيُّد أخطاء الآخرين، وهو ما يسمَّى بالنقد البناء، والذي يهدف إلى البحث عن حلولٍ ممكنة، وتفادي هذه الأخطاء مستقبلاً.
ما الفارق بين النقد البنَّاء والهدَّام؟
المقصود بالنقد الهدَّام هو الإشارة إلى الخطأ ولوم صاحبه، وغالباً ما يأتي هذا النقد من أشخاص عديمي الخبرة والمعرفة، وهدفه الظهور أمام الآخرين، وذلك بالبحث عن أيِّ ثغرةٍ بسيطةٍ أو نقطة ضعف في الحدث ليبني آراءه حولها ويأخذ دور الناصح والمهتم، ويحوِّل الحدث إلى موضوعٍ سلبيٍّ مهما كان يحمل من إيجابية.
أمَّا النقد البنَّاء فيهدف إلى: تحديد مكان الخطأ، وتسليط الضوء على مواضع النقص، والبحث في الأسباب، والتفتيش عن حلولٍ ممكنةٍ لمعالجة الخطأ وتفادي حصوله مستقبلاً، وذلك بغض النظر عن لوم الشخص الذي قام بالخطأ؛ إذاً فالهدف منه تحسين ما هو سيءٌ بطريقةٍ وديةٍ تهدف إلى تصحيح الخطأ إن وُجِد، وبذلك يكون نقد بناء.
كيف ننتقد بإيجابية؟
إنَّ أهميَّة الانتقاد البناء تكمن في الأسلوب، وذلك من خلال دفع الطرف الموجَّه إليه النقد إلى الإصغاء بهدوءٍ إلى ما يقوله الناقد، وبالتالي فإنَّه يبعث فيه روح الأمل ويزيد من دوافعه من أجل تحقيق الأفضل وتلافي الأخطاء مستقبلاً؛ أمَّا في حال كان النقد يعتمد على إيذاء مشاعر الطرف الآخر وبلهجةٍ هجومية، فسوف يضطر الطرف الثاني إلى الدفاع عن نفسه. لذا، عزيزي القارئ، في حال كان من المفترض توجيه أيِّ نقدٍ إلى شخصٍ ما، فلابدَّ من اتباع عدة نصائح، نذكر منها:
- أن يكون النقد موجَّهاً للفعل وليس لمن قام به؛ فعند توجيه النقد إلى الشخص المخطئ، فإنَّك سوف تصيبه بالإحباط واليأس؛ أمَّا توجيه النقد إلى الفعل سوف يزيد من إمكانية تلافي الخطأ أو تعديله.
- عندما تريد نقد أيِّ شخص نقد بناء، فمن الأفضل أن توجِّه النقد إليه بشكلٍ شخصي، وذلك لكي يبقى باب النقاش مفتوحاً فيما بينكما حول الخطأ، وإيجاد حلولٍ مناسبةٍ له.
- سيطر على عقلك في أثناء الانتقاد، وتجنَّب النقد وأنت في حالةٍ من الغضب حتَّى تكون مدركاً لما تقوله وتحصل على نتائج إيجابيةٍ من هذا النقد.
- عند توجيهك النقد، فهذا لا يعني خسارتك للطرف الآخر، بل عزِّز لديه أنَّك تفتح الطريق أمامه ليكون أداؤه بشكلٍ أفضل، وذلك بتطبيق ما يُتفَق عليه.
- في أثناء توجيه النقد يجب عليك مراعاة مشاعر الطرف الثاني، لكي يستمر في إنصاته لك واستيعابه لما تقوله، وليبقى الحوار فيما بينكما حتَّى تتمكَّن من سماع وجهة نظره، حتَّى لو كانت خاطئة، فهذا من شأنه تعزيز ثقافة الحوار في مختلف التفاصيل مستقبلاً.
- إنَّ توجيهك النقد يجب أن يحمل الهدوء في طياته، حتَّى لا يشعر الطرف الثاني بأنَّك تهاجمه على أخطائه، وأنَّ هذا النقد هو وسيلةٌ لإيجاد حلٍّ مشتركٍ بمجهودٍ يبذله الطرفان.
- لا تنسَ قبل نقدك أيَّ شخصٍ انتقاد بناء شكره على الجهد الذي بذله، ومحاولة إيجاد نقاطٍ مشتركةٍ بخصوص الموضوع الذي سوف يُنتقَد، حتَّى تتمكَّن من التقرُّب منه، وتوجيه النقد إليه حول الفكرة الخاطئة.
- كن حذراً من توجيه النقد بشكلٍ شخصي، بل انتقد الفكرة من أجل الوصول لصيغة حلٍّ مشتركة.
- ابدأ توجيه النقد من خلال العبارات الإيجابية، كأن تقول له: "أتفق معك، ولكن ألا ترى أنَّه من الأفضل أن تكون بهذا الشكل؟"، وفي حال نجحت في هذا الأسلوب، فسوف تلقى احتراماً، وستضمن قبول نقدك برحابة صدر.
- ابتعد عن تحويل نقدك - حتَّى لو كان صحيحاً - لهدف فوزك وهزيمة للطرف الثاني، ممَّا يؤدِّي إلى تحويل النقاش إلى ساحة معركةٍ بين الناقد وصاحب الفكرة؛ لأنَّ كلَّ طرفٍ سوف يدافع عن أفكاره، وبالتالي لن تصل إلى مبتغاك من هذا النقاش.
- عندما تقوم بانتقاد الشخص، فلا تجبره على تقبُّل وجهة نظرك، وأنَّ فكرتك هي الأصح؛ لأنَّك لست ملزماً بإقناعه، بل بإيصال المعلومة له فقط.
معظم الناس يتجنَّبون توجيه الانتقاد إلى الآخرين، خوفاً منهم ألَّا يكون نقدهم نقد بناء ويضعهم في موقفٍ محرجٍ أمام الآخرين؛ ولكي يكون نقدك إيجابيَّاً، لا بدَّ من الإنصات إلى رأيهم ومناقشة الأفكار التي يطرحونها، والذي بدوره يساهم في تحسين جودة العمل، وعدم الوقوع في هذه الأخطاء وتكرارها مستقبلاً، مع التأكيد أنَّ الاختلاف في وجهات النظر يساهم في تطوير الأفكار التي تنعكس إيجاباً على سير العمل.
المصادر:
أضف تعليقاً