ينبه الكاتب ستيفن بريس فيلد إلى أنَّ الخوف لا يتلاشى عند الإنسان المبدع. يعيش المحارب والفنان نفس القواعد والمتطلبات التي تَفْرِض عليهم بدء المعركة كلَّ يومٍ من جديد. يا لهذا التصوير الرائع! أليس هذا صحيحاً؟ أن تشعر بالخوف كلَّ يومٍ وتمضي قُدُمَاً باستبسال، لا بُدّ أنَّه ضربٌ من الجنون. لذا تُعدُّ الشجاعة مهارةً من المهارات الأساسية التي يجب أن تتظاهر بها حتى تتقنها.
ما علاقة الشجاعة بهذا الأمر؟
هنالك أشياء يجب أن تخشاها، فالهروب من السفاحين استراتيجيةٌ ناجحة، لكنَّ الخطر الحقيقي نادرٌ. كأن لا تقدر على دفع أجرة بيتك، وتفشل في تربية أطفالك. تستلزم بعض الصباحات أن تستجمع قواك وأن تتصدى للتنمّر، أو أن تبدأ جلسات العمل. تتيح لنا الشجاعة القيام بهذه الأمور في جميع الأحوال، لكن لا يجب عليك مثلاً إثبات شجاعتك كلَّما هاتفت زبوناً، إنَّما من الأفضِّلُ التَّغلب على مخاوفك.
لماذا نخشى ما نخاف؟
"جيمي" هو اسم جرثومةٍ عاشت منذ آلاف السنين. كان جيمي ذكياً بما فيه الكفاية ليهرب من الجراثيم الأكبر قبل أن يتحوّل إلى وجبة عشاءٍ لهم، وكان محظوظاً للغاية، حيث وجد جرثومةً أنثى جميلةً حقاً، ونقلا ذلك السلوك العبقري إلى أطفالهما. أنت عبارةٌ عن شخصٍ ينحدرُ من سلالة جيمي، بعد مضي مئات الملايين من الأعوام بالطبع. عَلَّمك جيمي أساليب البقاء، ولكن عَلَّمك الخوف أيضاً.
وكما تتطوّر الحياة المعقّدة، كذلك تتطوّر مخاوفنا واستجاباتنا، فمثلاً: تعلمت الطيور كيف ترفرف بعيداً عن الضجيج، وأتقنت القرود كيف تتأرجح بين الشّجر لتسخر وتستهزء بمفترسيها. كثيراً ما نقلق بشأن مخاوفنا، لكن لنكن على يقينٍ بأنَّه لو لم يكن لأجدادنا مخاوف لحاولوا معانقة أُسُودِ الجبال. ما تزال بعض المخاوف نافعة، كالمخاوف الّتي خُلِقت معنا، مثلاً: الخوف من السقوط والخوف من الضجيج والصوت العالي. يساعدنا هذا في تجنّب المنحدرات، والدخول لصنع مشروب الكاكاو الساخن في أثناء الصوت العالي للعاصفة الرعدية.
في يومنا هذا، تبدو معظم المخاوف وجودية، على سبيل المثال: نخاف أن نبدو حمقى، ونسعى لأن نتمثل بالآخرين؛ ويعود السبب في ذلك إلى أنَّه منذ بداية البشرية؛ كانت الطريقة الوحيدة للنجاة وإنجاب الأطفال تكمنُ في كوننا جزءاً من القبيلة.
لسوء الحظ، لم يلحق التطور بكلِّ هذه الحضارة الراقية؛ ولحسن الحظ، زوَّدتنا -بشكلٍ يدعو إلى الغرابة- بالتفكير العقلاني الكبير القادر على تخطي البرمجة الواهنة لعقولنا، والقائمة على المخاوف.
ضع الخوف في "المقعد الخلفي":
هناك كتابٌ بعنوان: "طعام وصلاة وحب"، كان للكاتبة إليزابيث جيلبرت -مؤلفة هذا الكتاب- علاقةٌ سليمةٌ مع الخوف في هذا الكتاب، حيث شكرت الخوف؛ لأنَّه أبقاها بأمانٍ وعلى قيد الحياة في غمار الأوضاع المحفوفة بالمخاطر. لقد سمحت للخوف أن يأخذ مقعداً في السيارة، لكن لم تسمح له أن يقودها؛ بل وضعته في المقعد الخلفي كما الطفل الدائم الشكوى والتذمّر. تستطيع أن تمتلك العلاقة ذاتها مع الخوف، وسنعرض لك عشرة طرائق في الأسفل عن كيفية القيام بذلك.
اعتبر أنَّه اليوم الأول لك في العمل، من المحتمل جداً أنَّه قد يتوجب عليك أن تستجمع قواك لتبدو قويّاً لمجرّد الخروج من الباب فقط؛ لكن فكر كيف شعرت بعد ستة أشهرٍ من العمل، أمازلت تشعر بالخوف؟ ربّما لا في واقع الأمر. يجب أن تكون بارعاً بشكلٍ رائعٍ فيما تفعله، وربَّما عليك أن تستمتع به عندما تمتلك الوقت الكافي ليتلاشى خوفك.
يوجد الكثير من الفيديوهات عن أناسٍ يقومون بالتقاط الرتيلاء (العناكب الكبيرة ذات الشعر)، أو أشخاصٍ تلتف أفعى البواء حول أعناقهم وتغطيها من حينٍ إلى آخر. هؤلاء الأشخاص لا يتدرّبون على الشجاعة، بل يقومون بتطويرها.
لن تطرد الخوف مطلقاً من كلِّ زاويةٍ من زوايا عقلك، لكن لماذا لا تسعى إلى أن تقلّل من شأن معظم مخاوفك؟ إليك كيف تحقق ذلك:
عشر طرائق لتعزيز الشجاعة:
1- اعرِف ما يبقيك مستيقظاً طوال الليل:
اخرج في الغابات حاملاً قوساً وسهماً، وحدد هدفك، واعصب عينيك، وسدد صوب الهدف. هل أصبت الهدف الذي لا تستطيع رؤيته؟
إذا أردت أن تتخطى مخاوفك، فأنت تحتاج إلى معرفتها؛ وإذا آمنت بذلك، فلن تخشَ شيئاً. ثم من المحتمل أنَّك لا تدرك أنَّ الحُكْمَ المُتسرّع، والغضب، والعديد من السلوكات الانفعالية السلبية، دائماً ما تحجب الخوف.
أن تجول في الأعماق متسائلاً: ما الشيء الذي يدفعك للبقاء مستيقظاً خلال الليل؟ هو الخطوة الأولى في رحلة الشجاعة.
2- واجه المشاكل بشكل مباشر:
الخطوة الأولى هي معرفة خصمك، لكنَّ العديد منا يعلمون أنَّ المعوقات ترافقهم بشكلٍ كبيرٍ على طول الطريق لكي يتجنبوها. العديد من علماء النفس قاموا بفهرسة العديد من الاستراتيجيات لتجنب مخاوفنا. من أعظم هذه الاستراتيجيات:
- الابتعاد: يحصل عندما نخبر أصدقاءنا أنَّنا متعبون مساء يوم الأحد؛ لتحاشي الالتقاء بصديقٍ سابق والجراح المفتوحة من خيانته.
- القمع: يحدث عندما تحملنا عقولنا على إخفاء التجارب الجارحة، مثل: الإيذاء الجسدي.
- الإسقاط: يحدث عندما نشتكي من تصرفات الآخرين، فقط لتجنب نفس الخلل الموجود بداخلنا.
- القلق: يحدث عندما نحاول التحكم بكلِّ مظهرٍ من مظاهر حياتنا، بدلاً من التعامل مع أصل المسألة.
في جميع الأحوال، الحلُّ هو ذاته، ألا وهو: تسليط الضوء على الخوف والتعامل معه مباشرةً.
3. وضح جواب لسؤال "لماذا؟"
عند وجود سببٍ مقنعٍ لمواجهة التحدّي، وعندما يكون الدافع أقوى من مخاوفك، يختفي ذلك الخوف. تخيل أنَّك تكره أن تخطُب في الناس، لكن عليك أن تقوم بذلك في غرفةٍ مليئةٍ بالمستثمرين لتوقع عقداً بقيمة مليون دولار. الآن، تخيّل أنَّ طفلك يحتاج إلى عمليةٍ بقيمة عشرة مليون دولار، هل تراهن على أنَّك ستقدم أفضل عرضٍ في حياتك على الإطلاق؟ لا بُدّ أنّ خوفك من الكلام سيختفي. عندما ترغب في شيءٍ بشدةٍ، وكما حاجتك إلى الهواء، سيزول خوفك بشكلٍ سحري.
4- قضاء الوقت مع أشخاصٍ شجعان:
"أنت تمثّل معدل الخمسة أشخاصٍ الذين تقضي معظم الوقت معهم" - خبير التنمية البشرية "جيم رون".
رُدِّدَتْ كلمات جيم رون آلاف المرات، وهي جديرةٌ بالذكر مرةً أخرى؛ لأنَّ هذه النقطة حساسةٌ للمستوى المطلق من النجاح. فمثلاً: إذا كنت ترغب في التغلب على الخوف من الطيران، أمضِ الوقت في قمرة القيادة. ولتتخطّى الرفض المخيف في المجتمع، تسكّع مع أصدقاء يتحمسون للتكلم مع مئة شخصٍ من الغرباء في اليوم الواحد!
يتعلّم الأطفال عن طريق المشاهدة، ولا يتطوّر هذا السلوك عندما نتقدم في السن. تقود الملاحظات إلى تشغيل المنعكسات العصبية، فعندما نراقب الآخرين تتوهج هذه الخلايا؛ كما وتكتسب أدمغتنا العلم بالتدريب الذهني، لذا عندما تريد أن تتغلب على مخاوفك، اذهب لتراقب أحد الأشخاص بين الفينة والأخرى، تماماً كما يلعب القط مع الفأر.
5- شاهد تسجيلات فيديو لأناسٍ يفعلون أشياء تتخوّف منها:
في إحدى الدراسات تبيّن أن: "دقيقة فيديو واحده تعادل 1.8 مليون كلمة"، نستطيع مشاهدة الأشخاص في الحياة الواقعية، لكن نستطيع أيضاً أن نصبح شجعاناً بشكلٍ مذهلٍ بمساعدة وسائل الراحة التي تقدمها شاشات أجهزة الأيباد.
إذا كنت تعاني من رهاب العناكب مثلاً، فتستطيع مشاهدة اليوتيوب، والإمعان في بعض تسجيلات الفيديو لأشخاصٍ يتعاملون مع العناكب. هل يسبب لك ذلك الألم؟ بالتأكيد، سيتطلّب ذلك الشجاعة في بادئ الأمر حتّى تكتب كلمة (عناكب) في شريط البحث، امضِ قُدماً نحو الانزعاج المبدئي، وجالِسه، ثم التقط أنفاسك فلا يستطيع الفيديو إيذاءك. بعد حين، سوف يدرك عقلك وجسدك أنَّه لا يوجد شيءٌ يستدعي الخوف، ولا تحتاج سوى إلى أن تتحلّى بالشجاعة للتعامل مع العناكب. سوف يساعدك ذلك على أن تكون شجاعاً معهم.
6- درب نفسك على التفكير في أسوأ سيناريو قد يحدث:
لا يجب أن يكون أيُّ شيءٍ على خلاف توقعاتنا غيرَ متوقعٍ بالنسبة إلينا.
كيف تتخطى الخوف من أسوأ ما قد يحصل؟ درِّب نفسك على الأسوأ. كان لدى الرواقيين سلوكٌ يدعى: تبصّر الشرور، يُطبّق هذا السلوك عن طريق تخيل كلّ الأشياء المريعة التي يمكن أن تحدث لك، لذا تستطيع أن تهيئ نفسك لها.
لماذا تتحدّث إلى نفسك بهذه الطريقة؟ هل من الصحيح أنَّ 99% مما يقلقنا لا يمكن أن نتجاوزه؟ نعم، ولا ننصح أن تجترّ المخاطر المحتملة وتدع القلق الدائم يستنزف طاقتك، عوضاً عن ذلك هيئ نفسك بهدوءٍ لأسوأ ما قد يحدث، ومع الوقت يحدُّ ذلك من الشعور بالقلق.
يدعى هذا بوظيفة القلق. يُعتبر القلق ذا قيمةٍ، حيث يهيئنا للخطر. فإذا كنت تشعر بالخوف من شيءٍ ما، فاجلس ودوّن مخاوفك، ثمَّ اطرح خطةً للتعامل مع سيناريو أسوأ وضعٍ من الممكن أن تختبره. عندما تفصل الكوارث عن النجاح، بإمكانك أن تُبعِد مخاوفك، وتعيد توجيه قوتك وتركيزك إلى المهمة التي في متناول اليد.
7- طور منهجية تفكيرك:
"إذا استطعت أن تجد طريقاً خالياً من العقبات، فمن المحتمل أنَّه طريقٌ لا طائل منه"، فرانك كلارك.
أليس من المثير للاستغراب المدةُ التي يعمل بها شركاؤنا في العمل لتجنب المسؤوليات الإضافية؟ في الواقع، يستطيعون إنهاء هذا العمل خلال الوقت الذي يقضونه بالتذمر. عندما أعطت الباحثة كارول دويك الأطفال مسألةً كي يحلوها، استسلم معظمهم وتذمّر، لكن بعضاً منهم سال لعابه بسبب صعوبة هذا التحدي، لماذا؟
لقد تغلّب فضول هؤلاء الأطفال على مخاوفهم من الشعور بالحرج. اكتشفت أنَّ الحماس الذي يمتلكه الأشخاص يُدعَى تطور المفاهيم الثابتة، فإدراك أنَّ الفشل خطوةٌ أساسيةٌ هو الطريق للوصول إلى مرحلة الإتقان.
يعتبر السعي إلى تعزيز تطور المنهج الفكري طريقاً رائعاً للتغلب على أيِّ مخاوف؛ فعندما تكون العقبة الطريقَ لنصل إلى أسمى ما نحن عليه، سنبدأ بالتهام العقبات عند الفطور، ونسأل عن العقبات الأخرى التي تليها.
8- اشعر بالامتنان:
" أستطيع أن أتفهّم كيف لرجلٍ لم يتبقَّ له شيءٌ في هذا الكون، أن يظلَّ مدركاً أنَّ النعم تدوم فقط لبرهةٍ وجيزة" - فيكتور فرانكل.
استرجع الكاتب والناجي من معسكر الاعتقال "فيكتور فرانكل" الصباح الذي أُجبِر فيه ورفاقه السجناء على الزحف في العاصفة الثلجية بين البرك المائية، حينما رأى وسط هذا القنوط، وجه زوجته وسمع صوتها ورأى ابتسامتها. فبالرغم من أنَّه لم يبقَ شيءٌ يمتلكه في هذا العالم، تخطى ذلك عن طريق الحب والتقدير لخيال زوجته، وعندما شعر بالامتنان لم يتلاشَ يأسه فحسب، بل شعر بالسعادة والرضا. يعود السبب في ذلك إلى استحالة الشعور بالخوف والغضب والإحباط والمشاعرالسلبية، إلى نظائرها الإيجابية عندما يملأ الامتنان قلوبنا وعقولنا.
خصص ولو خمس دقائق في اليوم للشعور بالرضا والامتنان، ثمَّ سيتلاشى الخوف.
9- كن اجتماعياً:
"ماذا يحصل عندما تفتح الناس قلوبها؟ يشعرون بالتحسن" - هاروكي موراكامي.
منذ عشرات آلاف السنين، تحتاج البشرية إلى القبيلة حتى تتمكّن من النجاة. فعندما تُنفَى خارج القبيلة، إمّا أن يأكلك حيوانٌ مفترس، أو أن تتضوّر جوعاً حتى الموت. لا عجب أنَّ أحد أعظم مخاوفنا أن نكون منبوذين؛ لهذا السبب يتبنى الكثيرون منا -على امتعاضٍ- جملةً من المفاهيم الثابتة التي تحتلّ مكانةً لا بأس بها عندما ننضج. إنَّنا نتفوّق بشكلٍ كاملٍ على خوفنا من أن نُكتشَف عن طريق مشاركة كلِّ شيءٍ على الدوام، وأن نكون معرضين إلى الهجوم.
من الذكاء أن تتعامل مع الخوف عن طريق أن يقوم أحدهم باكتشافك. اهزم المخاوف حتّى تسحقها، وشارك العالم مخاوفك، كُن عرضةً إلى الهجوم، ولن تجرحك الحقيقة بعد اليوم.
10- قم بأبحاثك:
نحن نخشى ممّا لا نعلمه. المتعصبون المتشددون هم الأقل تعرضاً للأشخاص الذين يطلقون الأحكام عليهم. ينقسم السياسيون إلى فرقٍ متعارضةٍ؛ لأنَّ الأطراف المتعارضة لا تحاور بعضها بعضاً. إنَّنا نخفق في التقدم إلى وظيفةٍ ما، وفي أن نرفع أيدينا ونتحدّث بصوتٍ عالٍ، وأن نجرّب أصناف الطعام الغريبة، أو نقوم بزيارة أماكن غريبة؛ لأنَّ المجهول قد يودي بنا إلى المخاطر. لكن معظم هذه المخاوف واهيةٌ عندما ننظر إليها عن كَثَب. إذا قمنا بالقليل من البحث على جوجل، فسنكتشف أنَّنا نستطيع أن نوفّر خمسةً بالمئة من العمل.
فالمعرفة: ترياق الخوف. نعم، تستطيع أن تقارب الحياة كأعمال هرقل الأبدية، وأن تقاتل ببسالةٍ، لذا ضع حياتك على درب الشجاعة، وراقب كيف ستسير.
أضف تعليقاً