ما هو معنى تحديد الأهداف؟
الأهداف هي خطوتك الأولى والحلُّ الأنجع لتحقيق أشياء عظيمة، وتعزِّز الأهداف الدافع وتحدد خريطة الطريق لتحقيق أحلامك، وأظهرت الأبحاث أنَّ الأهداف تساعدك على تسريع نجاحك ونموك الشخصي، وتقييم مكانتك الحالية على الصعيدين الشخصي والمهني، ورسم المستقبل الذي تطمح إليه، ويعني تحديد الأهداف التصميم على عيش الحياة التي تنشدها وتوفير الظروف التي تعينك على ذلك، لا انتظار الظروف المواتية.
ما هي نظرية تحديد الأهداف؟
ابتكر نظرية تحديد الأهداف الباحث "إدوين لوك" (Edwin Locke)، ونشر "لوك" دراسته الرائدة في عام 1968 بعنوان نحو نظرية الدافع والحوافز لإنجاز المهام (Toward a Theory of Task Motivation and Incentives)، وواصل "لوك" بحثه لتقديم مزيد من النصائح السديدة عن كيفية تحديد الأهداف وتحقيق مزيد منها باستخدام نظرية تحديد الأهداف.
الفكرة الأساسية من نظرية تحديد الأهداف هي أنَّ وجود هدف مدروس يزيد من احتمالية حدوث الأشياء التي ترغب فيها، وتوضِّح النظرية أهمية معرفة ما تريده ووضع خطط لإحراز التقدُّم وبلوغ بغيتك، ويميِّز الدافع الناجحين من غير الناجحين، على افتراض امتلاكهم القدرات نفسها، ونظراً لأنَّ تحديد الأهداف الشخصية وسيلة مثبتة لتعزيز الدافع، فهي التي تفسر نجاح بعض الناس أكثر من غيرهم، إذاً فما هي الاستراتيجيات المثبتة لتحديد الأهداف التي تساعدك على الحصول على ما تريد؟ دعونا نتحدث عن المبادئ الأساسية لنظرية تحديد الأهداف.
ما هي المبادئ الخمسة لنظرية تحديد الأهداف؟
حدَّد "لوك" خمسة مبادئ لتحديد الأهداف يمكن أن تساعدك على تحقيق النجاح، وإليك المبادئ الخمسة لنظرية تحديد الأهداف وكيفية تطبيقها على أهدافك المهنية والأكاديمية والشخصية:
1. الوضوح:
احتمال إكمال الأهداف الواضحة والمحددة بدقة أكبر من احتمال إكمال غيرها من الأهداف، فمثلاً وبدلاً من تحديد هدف بعبارات عامة مثل: "زيادة المبيعات هذا الشهر"، اختر هدفاً أدق مثل "إبرام صفقات أكبر بنسبة 10% في شهر أيلول/سبتمبر".
يجب أن تتضمَّن الأهداف الواضحة إطاراً زمنياً، إذ لا يصح أن تقول هدفي هو: "زيادة المبيعات" وحسب.
2. التحدي:
الأهداف الصعبة أكثر تحفيزاً من الأهداف السهلة، ويجب أن يكون هدفك صعباً وأن يدفعك إلى المبادرة، ولكن احرص أن يكون هدفك قابلاً للتحقيق حتى لا تصاب بالإحباط في حال عجزت عن تحقيقه.
3. الالتزام:
يعني الالتزام استعدادك للقيام بكل ما يلزم لإكمال الهدف، ويجب أن تشعر بالمسؤولية وأن تكون صادقاً بشأن تحقيق الأهداف قصيرة الأمد وطويلة الأمد، ودون التنظيم الذاتي والتزام العملية والنمو الذي سيأتي منها، لن يكون لديك الدافع الكافي لتحقيق أهدافك.
4. التغذية الراجعة:
ضع نظاماً لتلقِّي تغذية راجعة منتظمة بشأن تقدمك، أو اطلب من ذوي الخبرة تزويدك بتغذية راجعة دورية، لأنَّ التغذية الراجعة البنَّاءة تمكِّنك من تحليل التقدُّم المحرز وتعديل الأهداف غير المجدية، لكي تعدَّ نفسك لتحقيق مزيد من النجاح.
5. درجة تعقيد المَهمَّة:
عندما تكون الأهداف معقدة جداً، امنح نفسك الوقت الكافي للتعلم وتقسيم المهمة إلى أجزاء يمكن التحكم فيها، فقد لا تكون درجة تعقيد المَهمَّة واضحة في البداية، ولكن عندما يتَّضح لك الأمر، يجب تقسيمها إلى سلسلة من المهام المحددة، فمثلاً إذا كان هدفك هو تحديث موقعك على الويب، فمن المحتمل أن تحتاج إلى تقسيم المَهمَّة إلى مراحل للمحتوى والتصميم والبرمجة والاختبار وما أشبه ذلك.
مثال عن نظرية تحديد الأهداف:
كيف يمكنك تطبيق المبادئ الخمسة لنظرية تحديد الأهداف على حياتك؟ فيما يأتي مثال ذو صلة للمساعدة على توضيح كل مكوِّنٍ، ولنفترض أنَّ هدفك على الأمد الطويل هو شراء منزل:
- لإضفاء الوضوح على هدفك، عليك اختيار الحي ومساحة المنزل لكي تحدِّد الميزانية المطلوبة والدفعة الأولى.
- لتحدي نفسك، عليك توفير ما يكفي من المال لدفع دفعة أولى بنسبة 20% في ستة أشهر.
- للالتزام بشراء المنزل عليك تعيين وكيل عقاري، والعثور على جهة تمنحك القرض، واطلاع الآخرين على هدفك.
- بعد أن تتَّخذ خطوات نحو هدفك، قدِّم تغذية راجعة لنفسك كل أسبوع لمعرفة ما إذا كنت تدخر ما يكفي (أو ربَّما أكثر ممَّا خطَّطت له) وأعِدْ تقييم هدفك بناءً على المبلغ الذي ادخرته.
- حين توفِّر ما يكفي من المال، يمكنك إدارة تعقيد عملية الشراء عن طريق تقسيم العملية إلى مراحل:
- العثور على المنزل، وتقييم سعره.
- الحصول على الموافقة على القرض، وكتابة العقد.
- الانتقال إلى المنزل، وشراء الأثاث.
وما أشبه ذلك، وتقسيم العملية إلى خطوات أصغر، يجعل عملية الشراء أسلس.
شاهد بالفديو: كيف تزيد من شغفك نحو تحقيق أهدافك؟
6 فوائد لتحديد الأهداف:
نتائج تحديد الأهداف هي تحقيق مزيد من النجاح والرضى في جوانب حياتك كافة، ومع ذلك تمنحك عملية تحديد الأهداف نفسها عدة فوائد.
فيما يأتي 6 فوائد لتحديد الأهداف:
1. التركيز:
دون أهداف شخصية أو أهداف مهنية، تصبح جهودك غير مترابطة وغير مركزة، ومن ثمَّ تجهل ما تريد تحقيقه في الحياة، وتتيح لك الأهداف التركيز على المهام اليومية بدقة، واستثمار وقتك على أحسن وجه.
2. قياس التقدم:
القدرة على متابعة التقدُّم الذي تحرزه نحو تحقيق الهدف غير ممكنة، ما لم تحدِّد هدفك في المقام الأول، ويعدُّ تتبُّع كيفية إحرازك للتقدُّم في تحقيق الأهداف القابلة للقياس، أمراً مجزياً جداً ويساعدك على الحفاظ على التركيز والحيوية، وفي بعض الأحيان، عندما تسعى للنجاح، من السهل أن تصاب بالإحباط لأنَّك ترى أنَّ هدفك لم يتحقَّق بعد، ولكن عندما تقيس مقدار تقدمك، يتبيَّن لك أنَّك اتَّخذت خطوات في الاتجاه الصحيح وأصبحت أفضل حالاً من ذي قبل مع أنَّك لم تحقِّق هدفك بعد، وهذا يُعزِّز دافعك ويشجعك على المضي قدماً.
3. الحفاظ على الدافع:
من السهل تأجيل العمل إلى الغد عندما لا يكون لديك هدف، فمثلاً انظر إلى حياة الرياضي، إذا كان عليه تحسين لياقته البدنية استعداداً للمنافسة، فلا بدَّ أنَّه سيمارس الرياضة كل يوم، سواء أكان يشعر بالارتياح أم بالألم أم بالتعب؛ لأنَّ لديه هدفاً، فهو يعرف وجهته ويسعى جاهداً لتحسين أدائه، وإنَّ رغبته الشديدة في تحقيق هدفه تبقيه في صالة الألعاب الرياضية، أو في الملعب أو في المضمار حتى لو أراد أن يكون في مكان آخر.
4. التغلب على التسويف:
عندما تحدِّد أهدافاً دقيقة لما تريد تحقيقه في الحياة، تفهم خطورة التسويف، ويعني التسويف هدر الوقت والتأخر عن بلوغ الهدف، فكِّر في هذا الاقتباس الملهم من الرسام "بابلو بيكاسو" (Pablo Picasso) في المرة القادمة التي تفكِّر فيها في تأجيل الخطوة التالية نحو هدفك: "أجِّل إلى الغد فقط الأشياء التي يمكنك تأجيلها إلى الأبد".
5. تحقيق مزيد من الأهداف:
عندما تحدِّد هدفاً وتحقِّقه، تتذوق طعم النصر وترغب في تذوقه مرة أخرى، وعملية تحديد الأهداف عادة إيجابية يمكنك اكتسابها، وهذا يعني أنَّك تدفع نفسك نحو الدرجة التالية من السلَّم، وتتحدَّى نفسك لتحسين أدائك الحالي، وتحقيق مزيد من الأهداف.
6. توضيح ما تريده من الحياة:
ترغمك عملية تحديد الأهداف على التفكير فيما تريده من الحياة؛ ما هو مستوى النجاح الذي تريد تحقيقه؟ ما هو مستوى الدخل الذي تريد الحصول عليه؟ كيف تبدو لك الحياة الطيبة؟ ماذا عن منزل أحلامك؟
بعد الإجابة عن هذه الأسئلة، يمكنك تقسيم رغباتك إلى أهداف يمكن تحقيقها، فتحافظ هذه الأهداف على دافعك، وتساعدك على تجنُّب التسويف وتبقيك مركِّزاً على تحقيق أحلامك، لذلك تحديد الأهداف وتحقيقها هو ما يجعل عيش حياة أفضل ممكناً.
رأي الأبحاث في تحديد الأهداف:
درست الأوساط العلمية عملية تحديد الأهداف دراسة مستفيضة وخلصت إلى أنَّها تسهم في تحفيز الموظفين، وتحقيق أداء تنظيمي وأكاديمي أعلى، وتحقيق أهداف الفريق، وتحسين العواطف الإيجابية والسلبية على حدٍّ سواء، وعدة فوائد ملموسة أخرى.
فيما يأتي عيِّنة صغيرة من الأبحاث ذات الصلة تثبت فوائد عملية تحديد الأهداف ونتائجها:
1. تحديد الأهداف في مجال البيع:
جرَّبت شركة تصنيع السيارات "تويوتا" استخدام "الأهداف المستحيلة" لمعرفة ما إذا كان تحديد أهداف بعيدة المنال يشجِّع فرقها على التفكير الإبداعي والتحرُّر من الروتين المألوف، وبدأ تطبيق هذه الفكرة في وقت مبكِّر من تاريخ الشركة، في عام 1937.
أوضح "زينجي ياسودا" (Zenji Yasuda)، كبير المديرين الإداريين لشركة "تويوتا" اليوم، مزايا تحديد أهداف غامضة وبعيدة المنال قائلاً: "إذا كان الهدف واقعياً جداً، فلن يتمكن الموظفون من ممارسة إمكاناتهم الكاملة، وإنَّ الطبيعة الغامضة للهدف تمنح الباحثين الحرية لاستكشاف آفاق جديدة".
مع أنَّ "تويوتا" تضع أهدافاً مستحيلة لتشجيع التفكير الإبداعي، فإنَّها تقسِّم أهدافها الكبرى إلى مهام صعبة ولكن يمكن التحكم فيها، وتقيس "تويوتا" أيضاً نجاح المديرين بناءً على كيفية تحقيقهم للأهداف وليس على النتائج، مع إيثار المثابرة والمرونة على الصفات الأخرى.
"ليس المقصود دائماً من الهدف تحقيقه، وإنَّما توجيه الجهود باتِّجاه معيَّن". "بروس لي" (Bruce Lee)
2. تحديد الأهداف الشخصية:
درس الباحثان "كوت وفينش" (Cott and Finch) في عام 1991 جدوى تحديد الأهداف في تحسين فاعلية ممارسة العلاج الطبيعي وقياسها، خلص البحث إلى أنَّ مشاركة المريض في تحديد الأهداف كانت ضرورية لإظهار تحسُّن يمكن قياسه، والفكرة الرئيسة من هذا البحث هي أهمية مشاركة الأفراد في تحديد أهدافهم الشخصية بدلاً من جعل الآخرين يحددون الأهداف لهم.
شاهد بالفديو: 8 أمور عليك معرفتها عن الأهداف
3. تحديد الأهداف في إعادة التأهيل العصبي:
كما هو الحال في العلاج الطبيعي، يعدُّ تحديد الأهداف عنصراً أساسياً في علاج إعادة التأهيل العصبي، ولقد قارَن عدد من الباحثين في عام 2007 بين طريقتين لتحديد الأهداف مع المرضى الداخليين الذين يعانون إعاقات عصبية، وحدَّدت النتائج التي توصلوا إليها أربع طرائق يفهم بها مرضاهم تحديد الأهداف، وتشير دراستهم إلى أنَّه يجب على المتخصِّصين في الرعاية الصحية مساعدة المرضى على فهم ما هو متوقَّع منهم حتى يكون تحديد الأهداف ذا معنى في تعافيهم.
4. تحديد أهداف قابلة للتحقيق للموظفين:
تُسلِّط الباحثتان "جيسيكا هوبفنر" (Jessica Höpfner) و"نينا كيث" (Nina Keith) الضوء على العواقب السلبية المحتملة لعدم تحقيق الأهداف، والخلاصة الرئيسة من دراستهما هي أنَّ "الفشل في تحقيق هدف عالٍ ومحدَّد يضرُّ بالعوامل المرتبطة بالذات مثل التأثير، واحترام الذات، والتحفيز، ويمكن أن يكون له أيضاً عواقب سلوكية لاحقة".
تقترح "هوبفنر وكيث" أن يخفِّف أرباب العمل الآثار السلبية عن طريق توفير تجارب نجاح تتعلَّق بأهداف الموظفين، وبمعنى آخر، الحرص على وضع أهداف معقولة وقابلة للتحقيق يساعد على تفادي تثبيط عزيمة الفريق.
5. كتابة الأهداف:
درس عالم النفس "غيل ماثيوز" (Gail Mathews) أهمية كتابة الأهداف في عام 2015، ووجد أنَّ الأفراد الذين كتبوا أهدافهم كانوا أكثر نجاحاً بنسبة 33% في الوصول إلى أهدافهم من أولئك الذين لم يكتبوها، ووجدت الدراسة أيضاً أنَّ أكثر من 70% من المشاركين حقَّقوا أهدافهم بنجاح عندما أرسلوا تحديثات أسبوعية عن الأهداف المكتوبة إلى الأصدقاء، وتؤكد هذه الدراسة أهمية المساءلة وفوائد كتابة الأهداف.
يوصي رجل الأعمال "غرانت كاردون" (Grant Cardone) بتدوين الأهداف مرتين في اليوم، مرة عند الاستيقاظ، ومرة قبل النوم، وهو يعتقد أنَّ هذه الممارسة تساعد على إبقاء أهدافك في مقدمة أولوياتك، ويقول "كاردون": "إذا كانت أهدافك هامة وذات قيمة بالنسبة إليك، فاستيقظ في الصباح وأعِدْ النظر فيها، وتذكَّر أنَّ البعيد عن العين بعيد عن القلب".
يدعم علم الأعصاب أيضاً مسألة كتابة الأهداف، إذ كشفت دراسة الباحث "مارك مورفي" (Mark Murphy) أنَّ "احتمال نجاح الأشخاص الذين يصفون أهدافهم بدقة أكبر بنسبة 1.2 إلى 1.4 مرة من غيرهم".
6. تحديد الأهداف يعيد تهيئة دماغك لجعله أكثر فاعلية:
تشير الأبحاث في مجال المرونة العصبية إلى أنَّ تحديد الأهداف يمكن أن يغيِّر بنية دماغك لجعله أكثر فاعلية في تحقيق هدف محدد، وبدأ البحث الرائد عند استخدام تحديد الأهداف في علاجات التصلب المتعدد، واكتشف الباحثون أنَّ مرضى التصلُّب المتعدِّد الذين لديهم أهداف صحية طموحة محددة لديهم أعراض أقل وأخف شدة من المجموعة الضابطة، وباختصارٍ، ثبت أنَّ تحديد الأهداف يساعد على شفاء أدمغة مرضى التصلُّب المتعدِّد.
في الختام:
لقد تحدَّثنا في هذا الجزء عن معنى تحديد الأهداف ونظرية تحديد الأهداف ومبادئها مع أمثلة عنها، وسنتحدث في الجزء الثاني والأخير منه عن كيفية تحديد أهداف قابلة للتحقيق وعن الأهداف الذكية و6 نصائح للنجاح في تحديد الأهداف.
أضف تعليقاً