تُعَدُّ العلاقات الأسرية السامَّةُ عاملاً مؤثِّراً تأثيراً كبيراً في صِحَّة الأفراد النفسية والجسدية، وتزيد من احتمالية حدوث مشكلات اجتماعيةٍ ونفسيةٍ في المُستقبَل، ويمكن أن تنعكسَ هذه العلاقات السلبية على الأطفال والشباب انعكاساً خاصَّاً، وهذا يؤثِّر في تطوُّرهم النفسي والاجتماعي.
من الضروري التعامل مع العلاقات الأُسَريةِ السامَّةِ بجديَّةٍ واتِّخاذِ الخطواتِ اللازمةِ لتحسينِها أو الابتعاد عنها إذا لزم الأمر، ويمكن اللجوء إلى الاستشارة النفسية أو الاجتماعية للحصول على المساعدة والدعم في التعامل مع هذه الأوضاع الصعبة، كما ينبغي تعزيز ثقافةِ الحوار والاحترام داخل الأسرة، وتعزيز قيم التفاهم والصدق والتعاون بين أفرادها.
على الرَّغم من صعوبة التعامل مع العلاقات الأسرية السامة، فإنَّ الجهودَ المبذولةَ لتحسينها تستحقُّ العناءَ من أجل إنشاء بيئةٍ صِحيَّةٍ وإيجابيةٍ لأفراد الأسرة جميعهم، وهذا سيكون موضوعنا في هذا المقال للحديث بالتفصيل عن العلاقات الأسرية السامة وكيفيَّة التعامل معها.
ما هي العلاقة الأسرية السَّامَّة؟
تعني العلاقة الأسرية السامة عادةً وجودَ علاقةٍ تكون ضارةً تؤثِّر سلباً في صِحَّةِ وسعادة أحد أفراد الأسرة، ويمكن أن تتَّسمَ العلاقاتُ الأسريةُ السامةُ بالتلازم السلبيِّ، من نقص التفاهم، والسيطرة المُفرِطة، والعنف النفسي أو الجسدي، والإهمال، أو أي نوع آخر من السلوكات الضارة، فتتسبَّب العلاقاتُ الأُسريةُ السامةُ في تدهور العلاقات بين أفراد الأسرة، وقد تؤدِّي إلى مشكلات نفسية واجتماعية خطيرة.
ما هي أنماط العلاقة الأسرية السامة؟
1. السيطرة:
- فرض الرأي على باقي أفراد العائلة دون إتاحة المجال للنِّقاش أو تبادل الفِكَر.
- استخدام التهديد أو العقاب للتحكم بسلوك أفراد العائلة.
- التقليل من شأن أفراد العائلة وجعلهم يَشعرون بالنقص.
2. الإهمال:
- عدم تلبية احتياجات أفراد العائلة العاطفية أو الجسدية.
- عدم إظهار الاهتمام أو الدعم لأفراد العائلة.
- الانشغال الدائم بأمور أخرى على حساب العائلة.
3. العنف:
- استخدام العنف الجسدي أو اللفظي أو العاطفي في مواجهة أفراد العائلة.
- التهديد أو التخويف أو الإهانة.
- إثارة جو من الخوف والرهبة في المنزل.
4. الإدمان:
- إدمان أحدِ أفراد العائلة على المُخدرات أو الكحول أو القمار.
- إهمال مسؤوليات العائلة بسبب الإدمان.
- إثارة جوٍّ من الفوضى والاضطراب في المنزل.
5. الخيانة:
- خيانة أحد أفراد العائلة للثقة التي مُنحَت له.
- الكذب أو الخداع أو الغش.
- إلحاق الضرر بمشاعر أفراد العائلة.
6. سوء التواصل:
- عدم وجود تواصل فعَّالٍ بين أفراد العائلة.
- عدم القدرة على التعبير عن المشاعر أو الاحتياجات.
- سوء الفهم والاتِّهامات المُتكرِّرة.
7. التحكم المالي:
- التحكم الكامل بأموال العائلة من قِبَل أحد أفرادها.
- عدم إتاحة المجال لباقي أفراد العائلة للمشاركة في القرارات المالية.
- الشعور بالاستغلال أو عدم المساواة.
8. التوقُّعات غير الواقعية:
- وضع توقُّعاتٍ عالية لأفراد العائلة يَصعُب تحقيقها.
- الانتقاد الدائم وعدم الرضى عن أي إنجاز.
- الشعور بالضغط والفشل.
9. المقارنة:
- مقارنة أفراد العائلة ببعضهم بعضاً مقارنةً دائمةً.
- التركيز على نقاط الضعف والعيوب.
- الشعور بالدونية وعدم الثقة بالنفس.
شاهد بالفديو: كيف تتخلص من هوس مقارنة نفسك بالآخرين؟
10. الغيرة:
- الشعور بالغيرة من إنجازات أو علاقات أفراد العائلة.
- محاولة إعاقة نجاحهم أو التقليل من شأنهم.
- إثارة جوٍّ من التنافسية والعدائية.
ما هو سبب وجود علاقات أُسرية سامَّة؟
لا يوجد سببٌ واحدٌ محدَّدٌ لِوجود العلاقات السامة في الأسرة، وغالباً ما تكون مزيجاً من العوامل المُختلِفة التي تتفاعل معاً لإنشاء بيئة غير صحِّيَّةٍ داخلَ الأسرة، ولكن يمكن حصر بعض هذه الأسباب فيما يأتي:
1. نمط الحياة:
مثل التوتر الاقتصادي، والضغوطات العملية، وقِلَّة الوقت المُتاح للتفاعل العائلي قد يزيد من توتر العلاقات الأسرية.
2. الاتصال:
قد يؤدِّي نقص التواصل الفعَّال بين أفراد الأسرة إلى تفاقم المشكلات وزيادة التباعد بينهم.
3. الماضي العاطفي:
قد تؤثِّر التجارب السلبية في الماضي، مثل الإهمال أو العنف الأُسري في العلاقات الحالية وتُسبِّب في ظهور سلوكاتٍ سلبيةٍ.
4. عدم تبنِّي المهارات الاجتماعية:
يزيد عدم امتلاك الأفراد المهارات اللازمة للبناء والحفاظ على علاقات صحية وإيجابية من احتماليَّة تطوُّر العلاقات السَّامَّة.
5. صعوبات الاقتران:
تؤدِّي بعض الصفات الشخصية مثل عدم القدرة على التحمُّل أو العواطف السلبية الزائدة إلى صعوبة في بناءِ علاقات صحية.
إقرأ أيضاً: 4 أخطاء كافية لتفكيك الروابط الأسرية
ما هي العلامات التي تدلُّ على وجود علاقاتٍ سامَّةٍ في حياتك؟
نذكر بعض العلامات التي قد تدل على وجود علاقات سامَّةٍ في حياتك:
- إحساسُ الاستنزافِ العاطفي والنفسي.
- عدم وجود احترام مُتبادَل في العلاقة.
- تكرار النزاعات والخلافات دون حلول بنَّاءة.
- شعورٌ بعدم الأمان أو القلق في حضور الشخص الآخر.
- الشعور بالتقيُّد وفقدان حرية التعبير عن الذات.
- التحكم المُفرِط أو التهديد بالعقوبات.
- الشعور بالاستغلال أو عدم المساواة في العلاقة.
- نقص التواصل الصحيح وعدم القدرة على التعبير عن المشاعر.
- التضحية بالاحتياجات الشخصية من أجل الشخص الآخر.
- عدم وجود دعم عاطفي ونفسي من الشخص الآخر.
ما هي الآثار النفسية لوجود علاقات أسرية سامَّة في حياتك؟
تترك العلاقات الأسرية السامة آثاراً نفسيةً سلبيةً في الفرد، فقد تؤدِّي إلى:
- زيادة مستويات الإجهاد والقلق.
- انخفاض تقديرِ الذاتِ والشعور بعدم القدرة على التعبير عن الذات بحرية.
- قد يعاني الفرد من صعوبةٍ في بناء علاقاتٍ إيجابيَّةٍ مع الآخرين.
- يمكن أن تؤثِّرَ هذه العلاقات السلبية في أداء الفرد العمليِّ والدراسيِّ.
- يمكن أن تشمل التأثيرات المستوى العاطفي والنفسي والاجتماعي.
- الاكتئاب، بحيث يشعر الفرد بالحزن الدائم واليأس وفقدان الأمل.
- القلق، يشعر الفرد بالخوف الدائم إضافةً إلى التوتر والعصبية.
- قد يصل الأمر إلى فقدان الشهية أو الإفراط في تناول الطعام.
- قد يُحاول الفرد الهروب من مشاعر الألم والضيق بتعاطي الكحول والمُخدِّرات.
كيفية التعامل مع العلاقات الأسريَّة السَّامَّة:
1. وضع حدود واضحة:
- تحديد السلوكات غير المقبولة.
- التعبير عن مشاعرك بوضوح.
- رفض المشاركة في السلوكات السامة.
- المغادرة أو إنهاء التفاعل عند الضرورة.
2. الاهتمام بنفسك:
- قضاء وقت مع أشخاص إيجابيين.
- ممارسة النشاطات التي تُشعرك بالسعادة.
- الاهتمام بصحتك الجسدية والنفسية.
- طلب الدعم من الأصدقاء أو المُعالِج النفسي.
3. محاولة إصلاح العلاقة (اختياري):
- التحدُّث مع أفراد العائلة عن مشاعرك.
- التعبير عن رغبتك في تحسين العلاقة.
- وضع خطة عمل لتحسين التواصل والاحترام المتبادل.
- طلب المساعدة من مُعالِج عائلي.
4. الانفصال (خيار أخير):
- إذا كانت العلاقة تُؤثِّر في صحتك النفسية تأثيراً كبيراً.
- إذا لم يتوفر أيُّ استعدادٍ من أفراد العائلة لتغيير سلوكهم.
- إذا كان الانفصال هو الخيار الوحيد للحفاظ على سلامتك النفسية.
5. نصائح إضافية:
- تذكَّر أنَّك لست وحدك.
- لا تتحمَّلْ مسؤولية سلوك الآخرين.
- لا تشعرْ بالذنب أو الندم لوضع حدود.
- اهتم بنفسك وكن أولوية في حياتك.
- الجأ إلى الاستشارة النفسية أو الاجتماعية للحصول على المساعدة والدعم في التعامل مع هذه الأوضاع الصعبة.
هل نستطيع تحويل العلاقة الأسرية السَّامَّة إلى علاقةٍ صحيَّةٍ؟
بالتأكيد، يمكن تحويلَ العلاقة الأسريَّة السامة إلى علاقة صحية من خلال العمل على تحسين التواصل وبناء الثقة والاحترام المتبادل بين أفراد العائلة، ويُفضَّل البدء بإقامة حوارٍ مفتوحٍ وصادقٍ للتعبير عن المشاعر والاحتياجات، والاستماع إلى وُجهات نظر الآخرين دون انقطاعٍ أو انتقادٍ.
يمكن أيضاً تحسين العلاقة الأسرية من خلال تحديد القيمِ والأهدافِ المشترَكَةِ والعمل على تحقيقِها معاً، إضافة إلى ذلك، يمكن للتعاون في أداء المهامِّ المنزلية وتقديمِ الدَّعمِ المعنويِّ لبعضهم بعضاً أن يعزِّزَ الروابطَ الأُسريةَ ويمنحَ الشعور بالتقارب والتكافل.
لا تنسَ أنَّ الاحترامَ المتبادلَ والاهتمام برفاهية الآخرين واحترام حدودهم يؤدِّي دوراً هامَّاً في بناء علاقة أسرية صِحِّيَّةٍ، كما يمكن اللجوء إلى مساعدةٍ من خبراء في العلاقات الأسرية للحصول على استراتيجيات وأدوات فعَّالةٍ في تحسين العلاقات العائلية.
في الختام:
تجدر الإشارة إلى أنَّ العلاقاتِ الأُسريةَ السامةَ قد تكون مصدراً للضغط النفسيِّ والتوترِ الدائم للأفراد المعنيِّين، لكن من الهامِّ أن ندركَ أنَّ ثمة طرائق عدة للتعامل مع هذه العلاقات تعاملاً بنَّاءً وفعَّالاً، من خلال تعزيز التواصل الصحيح، وتجنُّب السلوكات السلبية، وطلب المساعدة عند الحاجة.
عندما تكون لدينا الإرادة والعزيمة لتحسين العلاقات الأُسرية والعمل على إيجاد حلول للمشكلات التي قد تطفو على السطح، نستطيع بناء جسورٍ من التفاهم والتسامح والاحترام بين أفراد العائلة، وبهذه الطريقة يمكننا تحويلَ العلاقات السامة إلى علاقاتٍ إيجابيةٍ تساهم في تعزيز السعادة والاستقرار داخل الأسرة.
لنكن مثالاً يُحتذى به في التعامل مع العلاقات الأسرية، فنعملُ بجديَّةٍ على بناءِ بيئةٍ صحيَّةٍ ومُثمِرَةٍ تسود داخل بيتنا، وتُعزِّز التفاهم والتعاون وتعمل على إشاعة السلام والحُبِّ بين أفراد الأسرة.
أضف تعليقاً