لا يمكن تجاهل الشعور بالرضا الذي تكسبه بمساعدة الآخرين، فكلُّ شيءٍ له ثمن؛ وعندما يحتاجونك، تكون موجوداً لمساعدتهم والشعور بالرضا الشخصي الذي لا يُقدَّر بثمن، لذا يمكن أن تسأل نفسك: "كيف يجعلك فعل شيء جيد للغاية تشعر بالفراغ؟".
قد تسعى إلى إرضاء روحك بكل العمل الجيد الذي تقوم به، إلا أنَّها تطلب المزيد، وتعلق في حلقة مفرغة من التكرار لا يبدو أنَّ أحداً مستعد لإخراجك منها.
لذا، سنساعدك هنا على تعلم كيفية الاعتناء بذاتك، وكيف تصبح أفضل نسخة ممكنة من نفسك، بحيث تكون موجوداً من أجل أولئك الذين يحتاجون إليك عندما يحين الوقت.
ماذا يعني أن تعتني بنفسك؟
هذا سؤال قيم للغاية، ويمكن للإجابة عنه أن تساعدك أو تحبطك؛ ذلك لأنَّ الفارق بين الرعاية الذاتية والأنانية خيط رفيع للغاية.
يعني اتخاذ الخطوة الخاطئة التدمير المطلق للذات، فكيف تجد هذا التوازن؟ هل يعني ذلك اتخاذ قرارات غير منطقية في العمل والاستسلام لكل شيء؟ بالتأكيد لا، إذ لا تعني الرعاية الذاتية أن تكون مهووساً بنفسك واحتياجاتك إلى حد تجاهل الآخرين تماماً، بل تعني ببساطة إدراك أهميتك كشخصٍ أيضاً، وعدم تجاهل احتياجاتك والأشياء التي تُشعِرك بالرضا دون داعٍ، وإعطاء الأولوية لسعادتك وإنجازاتك دون التعدي على احتياجات الآخرين.
سيحتاجك الآخرون على الدوام، ولكنَّك بحاجة إلى نفسك أيضاً؛ لذا اسأل نفسك: ما هي أولوياتك؟ ألا يجب أن تمنح اللطف والاعتبار نفسه لنفسك كما تفعل مع من حولك؟ إذا كنت تتطلع إلى عيش حياتك بصورة أفضل، يجب أن تفعل ذلك بالتأكيد.
شاهد بالفيديو: 10 طرق للاعتناء بالنفس
المفاهيم الخاطئة الشائعة حول الرعاية الذاتية:
انتقلت فكرة تعلم الاعتناء بالذات من خلال العديد من المفاهيم الخاطئة والأساطير؛ لكن ولحسن الحظ، فقد بدأت هذه المفاهيم بالتغيُّر حتى أدرك الناس مدى أهمية العناية بالذات؛ وفيما يأتي بعض المفاهيم الخاطئة الأكثر شيوعاً التي يجب ضبطها:
1. ينمُّ إعطاء الأولوية للعناية بالذات عن الأنانية:
يعدُّ هذا واحداً من الأسباب الهامة للشعور بالذنب عندما نقرر أن نضع أنفسنا في المرتبة الأولى، إذ إنَّ هناك طريقة أكثر لطفاً وواقعية للنظر في الأمر، وهي أنَّ الاعتناء بنفسك يجدد طاقتك ويساعدك على الاعتناء بأحبائك بشكل أفضل.
لن تكون جاهزاً لمساعدة الآخرين إذا كنت مستنزفاً ومرهقاً دوماً؛ لذا اسأل نفسك فيما إذا كنت على استعداد للتضحية بسعادتك وصحتك العقلية.
2. يحتاج الناس إلى مساعدتك دائماً:
هنالك فارق شاسع بين التواجد عند حاجة الآخرين إليك، والانتظار الدائم لحل مشكلاتهم التي قد لا تنتهي.
قد لا تتقبل هذا، لكنَّك لست بطلاً، وليس من واجبك إنقاذ الجميع؛ ناهيك عن أنَّ تصرفك هذا قد يسلب الآخرين فرصتهم في التعلم من تجاربهم الخاصة، ويؤدي هذا عن غير قصد إلى علاقة سامة من الاعتماد المستمر.
3. سوف تدفع الحدود الناس بعيداً:
هناك قانون ينص على أنَّك تجذب ما تعرضه؛ فإذا قدمت نفسك على أنَّك متاح دائماً أو منقذ، جذبت إليكَ الأشخاص الذين يحتاجون إلى إنقاذ؛ وإذا لم تضع حدوداً لكيفية معاملتك، فسيجري استجوابك ودفعك باستمرار حتى تعيش من أجل الآخرين فعلياً، وستبدو لك حياتك وكأنَّها لم تعد ملكك.
سيختبر الناس دائماً حدودك، ويستفيدون أحياناً من طبيعتك السمحة إلى أقصى حد؛ لهذا السبب، الحدود ضرورية وصحية أيضاً.
4. من الخطأ أن تتوقع شيئاً ما في المقابل:
بينما ترغب في الاعتقاد بأنَّ أفعالك غير أنانية تماماً، وأنَّك لا تتوقع شيئاً في المقابل، فإنَّنا غالباً ما نشعر بالاستياء عندما لا يُعترَف بأفعالنا ويجري مبادلتها بالمثل.
قد يبدو من السهل إلقاء اللوم على الآخرين، ولكن عليك أن تدرك أنَّ العناية بنفسك هي مسؤليتك أنت؛ ورغم أنَّ بعض الأشخاص قد يستفيدون من ذلك، فأنت بحاجة إلى فهم متى تضع الحدود وتحتفظ ببعض من هذا الحب لنفسك.
5. تستند قيمتك إلى آراء الآخرين:
يتلخص كل ذلك في المقام الأول في الاعتقاد بأنَّ قيمتك تنبع من آراء الآخرين أو رغباتهم تجاهك، ويتمحور الأمر حول احترامنا لذاتنا ورفض بعض الالتزامات عندما يستدعي الموقف ذلك؛ لذا أدرك أنَّه إذا كنت محبوباً، ستبقى محبوباً دوماً لما أنت عليه، وليس لما يمكنك تقديمه.
لمَ يعدُّ الاعتناء بنفسك في غاية الأهمية؟
هل ما زلت تشك بأهمية الاعتناء بنفسك؟ لقد حان إذاً وقت التخلص من هذا الشعور بالذنب؛ ذلك لأنَّ تأثيرات الرعاية الذاتية سحرية، وتغير نتائجها حياتك حقاً؛ فهي تساهم في:
1. تحسين الإنتاجية:
تساعد الرعاية الذاتية على التركيز على الأشياء التي تهمك بالفعل، ويمكنك تحديد أولوياتك من خلال التركيز وتوجيه طاقتك نحو ما هو هام بالنسبة إليك.
هل سبق لك أن حلمت برحلات لطالما رغبت في القيام بها، ولكن يبدو أنَّك لا تجد الوقت لذلك؟ حسناً، يساعدك وضع نفسك أولاً على تقليل تجاهل ذاتك الذي يعيق كل الرغبات والأهداف.
2. تحسين الصحة الجسدية:
يوجد نوعان رئيسان من المنعكسات في علم الأحياء، وهما المنعكسات الودية، ونظيرة الودية؛ فالمنعكس الودي هو استجابتنا لحالات الطوارئ المعروفة أيضاً باسم استجابة الكر والفر.
لقد أظهرت الأبحاث أنَّ التركيز المستمر على المسائل يدفع الجسم إلى الاستجابة من خلال أفعالٍ ودية تتضمن تفعيل الجهاز الودي، ويأتي رد الفعل هذا عن طريق إفراز هرمونات معينة في الجسم تعمل على توسيع الأوعية الدموية وزيادة ضغط الدم، وتسبب إجهاد الجسم عموماً، وإضعاف الجهاز المناعي.
من ناحية أخرى، تُحرِّض قشعريرة البرد والاسترخاء رد الفعل المعاكس، وهو رد الفعل نظير الودي الذي يشعرك بالاسترخاء؛ وبمجرد أن تتعلم كيف تتخلص من مشكلات الآخرين، ستجد أنَّ أفعالك الودية أقل؛ ممَّا يعدُّ أمراً رائعاً لصحتك الجسدية والعقلية.
3. زيادة احترام الذات:
عندما تخصص وقتاً للعناية بنفسك بانتظام، يرسل ذلك رسالة إيجابية إلى عقلك، ويطلق هرمون "الإندروفين" الذي يحسن مشاعر تقدير الذات والثقة بالنفس؛ وإلى جانب ذلك، يتيح لك اكتشاف قيمك وإدراك شغفك، فقد حان الوقت لاستجماع أفكارك واكتشاف نفسك.
كيف تعتني بنفسك؟
هناك طرائق مختلفة لممارسة الرعاية الذاتية، والسر يكمن في العثور على ما يجب التواصل معه، والذي يبدو أنَّه يعمل بشكل أفضل مع جدولك الزمني؛ كما يعتمد أيضاً على مجال حياتك الذي يجب رعايته.
1. الرعاية الذاتية العاطفية:
يتضمن ذلك إبراز مشاعرك بدقة؛ فعندما يتعلق الأمر بصحتك العاطفية، فإنَّ أفضل فكرة هي التعبير عن مشاعرك كما هي، ومنع أي كبت غير ضروري لمشاعرك.
قد تشعر بالإغراء لكبت المشاعر، لكنَّ الخيار الصحي هو قبول هذه المشاعر والتعامل معها؛ فرغم أنَّه لا يمكنك التحكم بمشاعرك، تستطيع التحكم بكيفية تأثيرها فيك.
نصائح بشأن الرعاية العاطفية:
- زُر معالجاً نفسياً؛فرغم أنَّه اختياري، إلَّا أنَّه قد يكون طريقة رائعةللتعبير عن مشاعرك وتوضيح ما تريده وتحتاج إليه.
- استرجعالذكريات الجيدة؛ ذلك لأنَّ هذا يبقيك إيجابياً.
- احتفظ بمذكرة يومية أو مفكرة.
- لا تخف أبداً من البوح بمشاعركوالبكاء، واطلب المساعدة إذا كنت بحاجة إليها.
- الموسيقى هي غذاء الروح، وقد أثبتت الأبحاث أنَّ الغناء مع أغنيتك المفضلة يعمل على تحسين مزاجك بشكل كبير.
2. الرعاية الذاتية الجسدية:
لا تقتصر فوائد الرعاية الذاتية على عقولنا فحسب، بل تمتد لتُظهِر تأثيرات إيجابية في أجسادنا؛ إذ إنَّه لمن المعروف أنَّ الرعاية الذاتية تُحسِّن صحتك الجسدية أيضاً، وقد يكون لتخفيف القلق وحده تأثير معزز لجهاز المناعة لدينا.
نصائح بشأن الرعاية الجسدية:
- مارس اليوجا لتحسين حالتك العقلية وتعزيز قوة العضلات والمرونة.
- تعلَّم رياضة جديدةلتنشيط إطلاق الإندورفين.
- امشِ وتواصل مع المناظر الطبيعية والجو الخلاب.
- تناول طعاماً صحياً لتوازن هرموناتك وتقدم لجسمك كل ما يحتاجه لإبقائه نشيطاً.
- احرص على الحصول على ما لا يقل عن سبع إلى تسع ساعات من النوم، حيث يحسن هذا وظائف المخ والإنتاجية.
3. التنويع في تقنيات الرعاية الذاتية:
خصص وقتاً للتواصل مع أصدقائك من حين إلى آخر، حيث يعمل هذا على تطوير علاقة أكثر إرضاء وذات مغزى، ممَّا يُحسِّن من مزاجك عموماً.
لا تخشَ رفض أي دعوة لن تستمتع بها لأنَّك مرهق جداً؛ وإذا كنت بحاجة ماسة إلى قبولها، خصص وقتاً لراحتك والاهتمام بنفسك بانتظام.
سيساعدك التأمل دائماً؛ فهو يبرز قائمة بالأشياء التي تشعر بالامتنان لها، ويساعد في إبقاء الأمور في نصابها الصحيح، ويساعدك على تقدير الأشياء الجيدة في حياتك.
أفكار أخيرة:
قد يكون تعلم كيفية الاعتناء بنفسك أولاً أصعب قرار تتخذه على الإطلاق، لكنَّه سيكون القرار الأفضل على الأمد الطويل؛ ذلك لأنَّه سيسمح لك بأن تصبح النسخة الأفضل من نفسك، وتحقق كل تلك الأهداف التي لطالما حلمت بها؛ لذا ابدأ الرعاية الذاتية اليوم، فأنت تستحق الأفضل.
أضف تعليقاً