لحسن الحظ، يوجد العديد من الحلول المتاحة التي يمكن الاستفادة منها، كتقسيم الوقت (Time Blocking)؛ حيث يعدُّ هذا استراتيجية تجبرنا على التفكير بجدية أكبر في الوقت الذي نقضيه؛ فإن استفدت منه استفادة صحيحة، تمكَّنتَ من تحسين إنتاجيتك، سواء كان ذلك في حياتك المهنية أم غيرها.
أساسيات تقسيم الوقت:
يعدُّ تقسيم الوقت استراتيجية تقسِّم فيها وقتك إلى "كتل" أو تحدد فيها فترات زمنية يمكنك إنجاز مهمات معينة في أثنائها؛ فعلى سبيل المثال: نستطيع تقسيم ثماني ساعات يومياً إلى 16 وحدة عمل زمنية مدة كل منها 30 دقيقة، ونحدد مهماتنا وفقاً لذلك؛ فنُسنِد التحقق من البريد الإلكتروني أو الاجتماعات اليومية أو المشاريع أو غيرها إلى كل وحدة زمنية منها.
إليك عدة نصائح تساعدك على النجاح في اتباع استراتيجية تقسيم الوقت:
1. افهم الفلسفة الكامنة وراء استراتيجية تقسيم الوقت:
افهم لماذا يعدُّ تقسيم الوقت شائع الاستخدام رغم وجود العديد من استراتيجيات إدارة الوقت الأخرى؛ حيث تعدُّ مَهمَّة تقسيم الوقت بسيطة نسبياً، ولكنَّ التفكير الكامن وراءها يتسم بطابع متعدد الأوجه.
يمكِّنك تقسيم الوقت من تحقيق عدة أهداف في آنٍ معاً، ويساعدك على التعامل مع الوقت كأحد مواردك الثمينة، ووضع ميزانية له بالطريقة نفسها التي تتعامل بها مع مصادرك المالية، إضافة إلى تتبع وقتك وتحديد مصادر التشتت والإلهاء؛ كما قد يتيح لك تكريس انتباهك في فترات زمنية محددة وتحديد أولوياتك، ويمنحك نظاماً متناسقاً وثابتاً يمكنك تطبيقه على مختلف مهماتك.
شاهد بالفديو: كيف تتقن فن إدارة الوقت؟
2. التزم بإسناد مَهمَّة واحدة لكل فترة زمنية:
كانت الأبحاث العلمية وما زالت واضحة بخصوص تعدد المهمات، فهي استرتيجية غير فعالة ولا تنجح بهذه البساطة؛ لكن بغض النظر عن مدى اعتقادك بنجاحك في تنفيذ تعدد المهمات، فمن المحتمل أنَّك ستقدم أداء أفضل بكثير عند التركيز على مَهمَّة واحدة في كل مرة.
في الواقع، لقد أظهرت الدراسات أنَّ تعدد المهمات يقلل إنتاجية الفرد بنسبة 40%؛ ولكن يتيح لك تقسيم الوقت القيام بمهماتك كافة إن التزمت به ونفذته على نحو صحيح؛ لذا حدد مَهمَّة واحدة فقط لكل فترة زمنية؛ فعلى سبيل المثال: في أثناء تنفيذك لمَهمَّة "إنهاء عرض المبيعات" التي قد تستغرق ثلاثين دقيقة، لا تسمح لنفسك بالتشتت من خلال التحقق من رسائل البريد الإلكتروني أو المكالمات الهاتفية أو غير ذلك من المهمات الأخرى غير المتعلقة بهذه المَهمَّة؛ إذ يمكن لهذا التغيير وحده أن يُحدِث فارقاً هائلاً في إنتاجيتك.
3. حدد الفترات الزمنية التي تناسبك:
لقد استخدمنا فترات زمنية مدتها 30 دقيقة، ولكنَّ ذلك ليس شرطاً أساسياً، فقد ينجح تقسيم الوقت بغض النظر عن مدة الفترات الزمنية التي تستخدمها؛ ففي الواقع، يشتهر رجل الأعمال الملياردير إيلون ماسك (Elon Musk) بقدرته على تقسيم مهماته إلى فترات زمنية مدتها 5 دقائق فقط.
يعمل الأشخاص بصورة أفضل وفق أنظمة مختلفة؛ لذا فكر في خياراتك بعناية، فقد تتيح لك الفترات الزمنية القصيرة أن تكون أكثر دقة وتحكماً بجدولك الزمني، ولكن قد تكون إدارتها أكثر ضغطاً وإرهاقاً أيضاً؛ لذلك، إن لم تكن واثقاً من قدرتك على فعل ذلك، فابدأ بفترات زمنية أطول، كـ 45 دقيقة أو ساعة واحدة مثلاً.
4. حدد الأوقات التي تريد تقسيمها من يومك:
لست مضطراً إلى تقسيم يومك بالكامل، خاصة إذا بدأت للتو استخدام هذه الطريقة؛ لذلك فكر في الأوقات التي ترغب في تقسيمها.
قد يكون من الأفضل لمعظم المستخدمين الجدد لاستراتيجية تقسيم الوقت تقسيم الوقت الأكثر أهمية، والذي يمتد عادة من الفترة التي تلي الانتهاء من الروتين الصباحي وحتى وقت العصر تقريباً، أي من الساعة العاشرة صباحاً إلى الرابعة مساء؛ ولتقسِّم يومك على نحو أكثر تقدماً، فمن الأفضل تقسيمه بالكامل من بدايته إلى نهايته.
5. اختر استراتيجية توثيق مناسبة:
يُفضَّل أن توثِّق هذه الاستراتيجية كتابياً أو إلكترونياً، فمن الصعب للغاية تذكُّر جدول تقسيم الوقت بدقة، حتى لو كنت تمتلك ذاكرة تصويرية خارقة.
لا تعدُّ الطريقة التي تتبعها ذات أهمية كبرى طالما أنَّك تتبع نظاماً فعالاً وناجحاً بالنسبة إليك؛ فقد يساعدك تطبيق التوثيق الجيد على تقسيم وقتك إلى فترات زمنية منتظمة، ويمكِّنك من ضبط التنبيهات لتعرف متى تنتهي كل فترة منها.
لكن إن كنت تفضل الطراز القديم، فيمكنك استخدام مخطط مكتوب أو حتى مجموعة من الملاحظات اللاصقة لمساعدتك في تتبع يومك؛ وفي كل الأحوال، يوجد بعض أنواع المؤقت الآلي التي قد تساعدك على تتبُّع الوقت.
6. امنح نفسك فواصل بين الفترات الزمنية:
امنح نفسك فترة فاصلة قبل وبعد كل فترة زمنية مخصصة لمَهمَّة معينة؛ فعلى سبيل المثال: إن كنت تعمل وفق فترات زمنية مدتها 30 دقيقة، فامنح نفسك 5 دقائق إضافية كفاصل بين المهمات؛ وإن كنت تفضل الحفاظ على جدول أعمالك منظماً، فاعمل لمدة 25 دقيقة، واترك 5 دقائق كفترة فاصلة احتياطية.
سيساعدك ذلك على إنهاء المهمات التي لا تتناسب تماماً مع خطتك؛ نظراً إلى أنَّ معظم الأعمال الواردة عادة لا تكون منظمة على نحو طبيعي.
7. خصص وقتاً للانخراط في العمل وتجهيز نفسك للمغادرة:
لا يبدأ معظم الأشخاص يوم عملهم بأقصى إنتاجية لديهم؛ فقد تحتاج وقتاً لتشغيل أجهزتك وتجهيز القهوة وقراءة رسائل البريد الإلكتروني والاستعداد والاستقرار لبدء العمل؛ لذا لا تكن صارماً في تقسيم هذه الفترات الزمنية، بل تعامل معها على أنَّها كتلة واحدة فريدة منفتحة على تخصيص الأوقات؛ فعلى سبيل المثال: يمكنك تقسيم معظم يومك بفواصل زمنية مدتها 15 دقيقة، ولكن اترك لنفسك فترة "إحماء" لمدة ساعة واحدة في بداية اليوم، وفترة "تهدئة" لمدة ثلاثين دقيقة في نهايته.
8. خصص الوقت للمهمات "العميقة":
نقصد بالمهمات العميقة تلك التي تتطلب منك تركيزاً كاملاً أو التي تكون بمثابة مشاريع رئيسة وليست مسؤوليات فردية صغيرة؛ لذلك يجب تقسيمها بطريقة تسمح لك بالتركيز عليها حصرياً.
لا يجب أن تتضمن الفترات الزمنية المخصصة لمَهمَّة عميقة أي مهمات أخرى؛ ومع ذلك، فقد لا تكون الفترة الزمنية الواحدة كافية؛ لذا لا تتردد في تخصيص فترات متعددة للمَهمَّة العميقة نفسها.
9. خصص بعض الوقت للمهمات "السطحية":
يعدُّ تخصيص الفترات الزمنية للمهمات السطحية أمراً مختلفاً قليلاً؛ فهي مهمات بسيطة لا تتطلب الكثير من الوقت أو الاهتمام، وعادة ما تتراكم على مدار اليوم.
قد لا تحتاج إلى فترة زمنية كاملة للعمل على أي مَهمَّة سطحية؛ لذلك فكر في تخصيص فترة زمنية واحدة لكل مجموعة من هذه المهمات؛ فعلى سبيل المثال: يمكنك تخصيص فترة زمنية واحدة للتحقق من "رسائل البريد الإلكتروني، ووسائل التواصل الاجتماعي، ومنصات إدارة المشاريع"، أو "متابعة اتصالاتك اللازمة".
10. خصص بعض الوقت للمهمات "التفاعلية":
تعدُّ المهمات التفاعلية مهمات غير رسمية يصعب التنبؤ بها وتحديد أولوياتها، وكثيراً ما تأتي على هيئة تفاعل أو تواصل معين؛ فعلى سبيل المثال: قد تحتاج إلى إدارة حوار مستمر مع الموظفين لتنسيق عملك على مشروع معين، ويمكنك تخصيص فترة زمنية واحدة لمجموعة من هذه المهمات التفاعلية معاً.
11. خصص وقتاً لفترات الاستراحة:
نهمل عادة أهمية فترات الراحة في الاستراتيجيات التي تتمحور حول تحسين الإنتاجية، ولكن يجب علينا تخصيص بعض الوقت لفترات الراحة بالطريقة ذاتها التي نخصص فيها وقت المهمات الأخرى، وقد يعرِّضنا عدم القيام بذلك إلى خطر الإرهاق والإجهاد في العمل.
قد ينجح تقسيم الوقت إلى فترات زمنية قصيرة بصورة أفضل هنا، كفتراتٍ مدتها 10 أو 15 دقيقة؛ فإن كنت تستخدم فترات زمنية مدتها 30 دقيقة، فكر في دمج فترات راحة قصيرة بين فترات العمل.
12. أنشئ نموذجاً قابلاً للاستخدام في المستقبل:
بعد أن تقسِّم الوقت إلى بضعة فترات، حاول إنشاء نموذج يمكنك استخدامه لاحتياجات تقسيم الوقت كافة في المستقبل؛ حيث يمكنك تخصيص فترات زمنية للمهمات الروتينية المتوقعة كافة، ثم ترك مساحة فارغة في جدولك للأولويات الأقل قابلية للتوقع أو تلك التي تُخصَّص على أساس يومي.
13. كن مستعداً للتقدير الخاطئ في البداية:
لا يجيد معظم الأشخاص تتبع وقتهم بطبيعة الحال، وربَّما لا يكون بإمكانهم تقدير الوقت الذي قد تستغرقه المهمات؛ فعندما تكتب مسودتك الأولى لتقسيم الوقت، كن مستعداً للوقوع في خطأ تقدير الوقت الحقيقي لجميع المهمات، حتى أكثرها شيوعاً؛ وحاول أن تبالغ قليلاً في تقدير الوقت اللازم لكل مَهمَّة، وتخصيص فترة زمنية أكبر ممَّا قد تحتاجه.
قد يتداخل هذا مع إنتاجيتك قليلاً في الأيام القليلة الأولى لتجربة هذه الاستراتيجية، لكنَّك ستكون قادراً على تقدير الوقت الفعلي اللازم لكل مَهمَّة بدقة أكبر بمجرد اختبارك للمدة التي يستغرقها كل نوع من المهمات.
يمكنك استخدام تطبيق لتتبع الوقت من أجل حساب دقيق للمدة التي تقضيها بالفعل في المهمات الروتينية، وتتمكن من تحسين تقديراتك واكتساب معرفة أفضل خلال فترة أقصر.
14. أخبر الآخرين أنَّك تقسِّم الوقت:
أخبر رئيسك وزملاءك في العمل وشركاءك أيضاً أنَّك تتبع استراتيجية تقسيم الوقت؛ فعندما تبدأ تلك العملية، ستتغير عاداتك جميعها.
ربَّما قد تستغرق وقتاً أطول للرد على بعض رسائل البريد الإلكتروني، وتكون أكثر دقة وانتظاماً في توقيت اجتماعاتك المختلفة وأداء عملك على مدار اليوم؛ وسيتفهم الناس من حولك هذا التغيير إن عرفوا سببه.
شاهد بالفديو: 9 قواعد أساسية لزيادة الإنتاجية في العمل
15. خصص بعض الوقت لمتابعة الأمور والمهمات الأخرى:
قد تنسى بعض الأمور أو مجموعة من المهمات، وقد تحتاج وقتاً أكبر لإنهاء مشروع معين ذي أهمية كبيرة رغم اتباع استراتيجية تقسيم الوقت؛ لذلك يفضل دمج مهماتك المتبقية في مجموعة محددة لتجنب إجهاد نفسك وتخصيص يوم لمتابعة أعمالك ومهمَّاتك تلك، ولا تطبق استراتيجية تقسيم الوقت في هذا اليوم على الأقل؛ إذ من المفيد أن تمنح نفسك مرونة إضافية عند الانتهاء من أولوياتك.
16. استعد لمراجعة نهجك المتبع:
تشير الدراسات إلى أنَّ أفضل استراتيجية تقسيم وقت بالنسبة إلى الشخص العادي هي العمل لمدة 52 دقيقة، ثم الراحة لـ 17 دقيقة؛ ولكن لن ينجح هذا التقسيم بالضرورة بالنسبة إليك، فلكل شخص تفضيلاته وأساليب عمله الفريدة.
قد يحتاج بعض الناس فترات راحة أطول وأقل تكراراً، في حين قد يحتاج آخرون إلى فترات راحة أقصر ولكن أكثر تكراراً؛ لذا كن مستعداً لمراجعة نهجك كلما تعلمت المزيد عن نفسك.
17. وسِّع نطاق تقسيم الوقت ليشمل جوانب أخرى من حياتك:
استخدم استراتيجية تقسيم الوقت في حياتك المهنية لبضعة أسابيع وقيِّم مدى فاعليتها بالنسبة إليك، ولاحظ ما إذا كانت تحسِّن إنتاجيتك، أم أنَّها تشعرك بمزيدٍ من التوتر والضغط النفسي.
إن كانت هذه الاستراتيجية تزيد إنتاجيتك ولا تزيد توترك، ففكر في تطبيقها في مجالات أخرى من حياتك؛ إذ يمكنك تخصيص بعض الوقت لأداء الأعمال المنزلية والتواصل الاجتماعي مع الآخرين بالطريقة نفسها التي تتعامل بها مع المشاريع والمهمات في عملك؛ ولكن إذا كان مخطط تقسيم الوقت شديد الصرامة أو غير فعال بالنسبة إليك، فلا تخشَ أن تجعله مقتصراً على حياتك المهنية وعملك فقط، أو تخلَّ عنه تماماً.
الخلاصة:
لا يُعدُّ تقسيم الوقت الاستراتيجية المناسبة لكل موقف مهني أو اجتماعي؛ ولكن إذا نُفِّذت على النحو الصحيح، فيمكن أن توفر لك الكثير من الوقت، وتعزز إنتاجيتك بصورة ممتازة؛ لذا استخدم هذه الاستراتيجية لتفهم كيف تقضي وقتك على مدار اليوم، وتحسن تركيزك، وتحدد أولوياتك بفاعلية في الوقت نفسه.
أضف تعليقاً