ما هي الثقة بالنفس؟
هي صفة من صفات الإنسان المُكتسبة، حيث يكتسبها الإنسان خلال مراحل حياته من التَّجارب والخبرات الَّتي يختبرها، كأن يكون لدى الشَّخص إيمان بذاته وبقدراته، وتقبُّل لكلِّ ما فيه حتَّى السَّلبيَّات والعيوب، فلا يتأثَّر بكلام وتقييم الآخرين، ويتصَّرف بكل استقلاليَّة وحريَّة، ويتَّخذ قراراته بدون تردُّد وبكامل المسؤوليَّة، وينظر لنفسه وللعالم بإيجابيَّة، ويحترم ذاته ولا يسمح لأيٍّ كان أن يقلِّل من احترامه.
يختلف تأثُّر الشَّخصيَّة وردَّات فعلها مع الآخرين ومواقف الحياة من شخص لآخر، فهناك مَن آمن بنفسه وبقدراته، واختار النَّجاح مساراً لحياته، وهناك مَن لم يؤمن بنفسه وأضاع وجهة طريقه.
شاهد بالفيديو: 8 أشياء لا يقوم بها الواثقون من أنفسهم
أسباب ضعف الثقة بالنفس:
- وجد علماء النَّفس أنَّ أغلب أسباب انعدام أو ضعف الثِّقة بالنَّفس تكون متجذِّرة في مرحلة الطُّفولة أو المراهقة، والبيئة التَّربويَّة المُتسلِّطة غالباً ما تُنتج شخصيَّات غير سويَّة تُعاني الخوف والضعف، أيضاً الانتقاد الدَّائم للطِّفل أو المراهق والسُّخرية منه ومعايرته بأخطائه أو فشله، كلُّ هذا يخلق إنساناً مهزوزاً ويُشوِّه نظرته لنفسه وشعوره بقيمتها.
- يزرع التَّعرُّض للعنف الجسديِّ أو النَّفسي في نفس الإنسان شعور الذُّلِّ والانكسار.
- تُنمِّي المقارنة مع الآخرين الإحساس بالنَّقص والدُّونيَّة وفقدان الثِّقة بالنَّفس تدريجيَّاً.
- سعي الإنسان ليكون مثاليَّاً وعدم تقبُّله للفشل، فعند أيِّ إخفاق أو تعثُّر في الحياة يُصيبه الإحباط والشُّعور بالعجز.
- فقدان العمل، عندما يخسر الإنسان عمله أو يُطرد من وظيفة ما، قد تختلُّ ثقته بنفسه ويبدأ لوم نفسه والإحساس بأنَّه غير كفء.
مخاطر ضعف الثِّقة بالنَّفس:
يتعرَّض غير الواثق من نفسه لمخاطر كثيرة، منها:
- قد يكره نفسه ولا يحترمها؛ لأنَّه غير راضٍ عنها، وينظر لها نظرة سلبيَّة.
- ممكن أن يكره شكله الخارجيَّ؛ إذ غالباً ما يكون غير راضٍ عن شكله ولا ينظر إلَّا للعيوب فيه.
- الشُّعور بانعدام القيمة يسمح للآخرين بانتقاده، أو التَّقليل من شأنه واحترامه.
- الحساسيَّة الزَّائدة من أكثر ما يُعانيه مَن لا يثقون بأنفسهم؛ فأيُّ نقد أو ملاحظة تُوجَّه لهم، يعدُّونها أنَّها إهانة لهم وتمسُّهم شخصيَّاً، ويشعرون بالكثير من الألم النَّفسيِّ.
- الشُّعور بالقلق والخوف الدَّائم من المستقبل؛ لشعوره بأنَّه غير قادر على السَّيطرة على أمور حياته، أو إحداث أيِّ تغيير فيها، وغالباً ما يفشل في إنجاز أعماله، لأنَّه غالباً ما يستبعد احتمال نجاحه فيما يقوم به.
- التَّردد في اتخاذ القرار من أكثر المخاطر الَّتي تنتج عن ضعف الثِّقة بالنَّفس، فمَن لا يثقون بأنفسهم لا يملكون جرأة اتِّخاذ القرار، ويلجؤون لغيرهم لاتِّخاذ القرار بدلاً عنهم.
- تبنِّي رأي الآخرين؛ فمَن لا يثق بنفسه لا يكوِّن رأيه الخاص به، ويُحاول أن يُعطي رأياً موافقاً لرأي الأكثريَّة، لخوفه من ألَّا ينال رضاهم.
- ضعف الدِّفاع عن النَّفس، حيث قد يسمع من لا يثق بنفسه الكلام المسيئ له، أو يتعرَّض لقلَّة احترام من الآخرين ولا يُدافع عن نفسه، فهو يعتقد أنَّ الآخرين لا يمكن أن يرَوا فيه شيئاً مميَّزاً، لشعوره بالنَّقص وبأنَّه أقلُّ من غيره.
- قد يلجأ مَن يفتقر للثِّقة بالنفس إلى التَّظاهر بالقوَّة المُبالَغ فيها أمام النَّاس، والتَّحدث عن أعمال وإنجازات كاذبة، في محاولةٍ منه لكسب إعجاب النَّاس.
كيف أُنمِّي ثقتي بنفسي؟
ينصح علماء النَّفس بالنَّصائح التَّالية لتنمية الثِّقة بالنَّفس:
1. قبول الذَّات:
يجب أن يقبل الإنسان نفسه بكل إيجابيَّاته وسلبيَّاته، ويتصالح مع عيوبه، ولا يعدها نقطة ضعف، إنَّما تحدٍّ لنفسه لتجاوزها وتطوير نفسه.
2. التَّحدُّث مع النَّفس بإيجابيَّة:
ينصح خبراء التَّنمية البشريَّة أن نتحدَّث مع أنفسنا كلاماً إيجابياً، في قرارة نفسنا أو حتَّى بصوت مسموع عندما نكون وحدنا أو أمام المرآة كلام من قبيل "أنا قويٌّ"، "أنا أستطيع"، "أنا سأنجح"، والابتعاد كليَّاً عن الكلام السَّلبيِّ مثل " أنا ضعيف"، "أنا لا أستطيع"، لأنَّ العقل الباطن يتأثر بهذا الكلام ويعده حقيقة ويميل إلى تحقيق هذه الصِّفات من خلال سلوكيَّاتنا.
محمد علي كلاي بطل الملاكمة المعروف كان دائماً ما يقول جملة عن نفسه اسمها: "I am the greatest"؛ وتعني: "أنا الأفضل"، فهذه الكلمات لها مفعول سحريٌّ علينا، لأنَّها تُلهمنا وتُقوِّينا من الدَّاخل لمُواجهة التَّحديِّات.
3. تذكُّر الإنجازات:
من المفيد أن نتذكَّر بين الفترة والأخرى ما حقَّقناه من إنجازات، ومن الممكن عمل قائمة بهذه الإنجازات والاحتفاظ بها والاطِّلاع عليها كل فترة، لتعزيز ثقتنا بأنفسنا، وتحفيزنا لإنجاز المزيد.
4. عدم المقارنة مع الآخرين:
من أكبر الأخطاء الَّتي نرتكبها وتؤثِّر سلباً على الثِّقة بالنَّفس؛ لأنَّها تُولِّد المشاعر السِّلبيِّة، وتجعل الإنسان يشعر أنَّ الآخرين أفضل منه، ممَّا يفقده ثقته بنفسه ويجعله دائم الشَّك بقدراته.
5. تحديد الأهداف:
لتنمية الثِّقة بالنَّفس من الضَّروري تحديد أهدافنا بوضوح، وأن نشعر أنَّ لوجودنا هدف ومعنى، ونضع خطَّة لتحقيقها، ومن الطَّرائق الناجحة في هذا الصَّدد أن نُذكِّر أنفسنا دائماً بأهدافنا، ونسأل أنفسنا في نهاية كلِّ يوم ماذا حقَّقنا اليوم في سبيل تحقيق أهدافنا؟
6. تقبُّل الفشل:
من أهم خطوات تعزيز الثِّقة بالنَّفس وحبِّ الذَّات، تقبُّل الفشل واعتباره مرحلة من مراحل النَّجاح، وأنَّ لا إنجاز يتمُّ دون المرور بالفشل، وعدُّه درساً وفرصة للتَّعلم للوصول للنَّجاح بخطىً ثابتة، فالفشل الحقيقيُّ ليس في عدم تحقيق النَّجاح، ولكن في اعتقادنا بأنَّنا لا نستطيع.
شاهد بالفيديو: 7 خطوات لتقبّل الفشل والنهوض لتحقيق النجاح
7. اعرف ميزاتك:
لكل إنسان هويَّة خاصَّة به مختلفة عن الجميع، لذلك يجب عليه أن يقتنع بأنَّه لا يُشبه أحداً، فلكل منَّا ميزة تجعل له بصمته الخاصَّة في الحياة، ومن الضَّروري أن يعرف الإنسان ما هي ميزاته الَّتي تميِّزه عن الآخرين، ويعمل على صقلها وتطويرها، ويشعر بالثِّقة بنفسه لامتلاكه ما يُميِّزه مهما كانت هذه الميزة بسيطة وصغيرة في عين الآخرين، مثل ميزة حُسن الإنصات للآخرين، أو ميزة كون المرأة ماهرة في الطبخ.
8. تقديم الدَّعم النَّفسيِّ للآخرين:
يشعر الإنسان بالسَّعادة والثِّقة بالنَّفس عندما يدعم غيره ويكون سبباً في نجاحه، فكلُّ ما نمنحه لغيرنا من مشاعر وطاقات، تعود إلينا بلا شكٍّ سواء كانت إيجابيَّة أم سلبيَّة.
9. تجاهُل كلام الآخرين:
مَن منَّا لم يتعرَّض لتهكُّم أو لألقاب استهزائيَّة في مرحلة الطُّفولة أو المراهقة، سواء من الأهل أم من المحيط عموماً، كأن يُعايروا الطِّفل مثلاً بأنفه الكبير أو بفشله في الدِّراسة أو بأيِّ شيء سلبيِّ يتَّصف به، بدلاً من أن يُحاولوا العمل على تصحيحه وتشجيعه على التَّحسُّن، والخطأ أن نترك هذا الأمر يُؤثِّر فينا وفي ثقتنا بأنفسنا، والصَّحيح أن نتجاهل أيَّ كلام سلبيٍّ ونعده لا يخصُّنا.
10. عدم تبنِّي آراء الآخرين:
لكلٍّ منَّا شخصيَّته الخاصَّة وأراؤه الخاصَّة، وهذا حق طبيعيٌّ، ولا يجوز تبنِّي آراء الآخرين دون نقاش أو انتظار أفكارهم لتكوين مواقفنا، ويجب أن تكون لنا أراؤنا الخاصَّة وأن نعبِّر عنها بكل جرأة ووضوح، ولا نتظاهر بالموافقة على أراء الآخرين خوفاً من السُّخرية من أرائنا، بل نُدلي برأينا ولو كان لا يتَّفق مع رأي الأغلبيَّة.
11. أن نكون أنفسنا:
من الأخطاء القاتلة للثِّقة بالنَّفس أن ننزلق في تقليد الآخرين، في محاولة منَّا لنكون نسخة منهم، فالنسخة أبداً لا تكون مثل الأصل، وبهذا نخسر أنفسنا ولا نعود نعرف استرجاعها.
12. تصوُّر النَّفس بالوضع الَّذي نحلم به:
يقول نابليون هيل: "كل ما يُمكن للعقل تصوُّره وتصديقه، يُمكن تحقيقه"، لذا علينا تصوُّر وتخيُّل ما نحلم أن نكون عليه، فيتبنَّى عقلنا الباطن هذه الصُّورة ويعمل على تحقيقها من خلال أفعالنا، كأن يتخيَّل الشَّخص نفسه وهو صاحب شركة كبيرة، أو أنَّه يملك منزلاً فخماً مُطلَّاً على البحر الَّذي يحبُّه، أو يتخيَّل العائلة الَّتي يحلم بتكوينها.
13. عدم التَّردُّد في اتِّخاذ القرار:
يجب أن ندرِّب أنفسنا على اتِّخاذ القرار بجرأة وحسم، مع الابتعاد عن التَّردُّد الَّذي يقضي على الثِّقة بالنَّفس.
14. إحاطة أنفسنا بالأشخاص الإيجابيِّين:
أي الَّذين يقدِّمون الدَّعم النَّفسي والكلام الإيجابيَّ، والابتعاد عن الأشخاص السَّلبيِّين الَّذين يُعانون من عقد نفسيَّة ويريدون نقلها لغيرهم.
15. تغذية الفكر:
من المهم الحرص على المطالعة الدَّائمة، وقراءة المجلات والكتب، واتِّباع دورات في شتَّى المجالات، لتوسيع المدارك وصقل الشَّخصيَّة.
16. الاهتمام بالمظهر الخارجيِّ:
أي الاهتمام بالملابس، وبالنَّظافة الشَّخصيَّة، وباللَّياقة البدنيَّة، نظراً لتأثير المظهر الخارجيِّ على تحسين الحالة النفسيَّة للواحد فينا وعلى الثِّقة بالنَّفس.
17. العلاقات الاجتماعيَّة:
من المهم أن تكون للإنسان علاقات اجتماعية غنيَّة، ومشاركة للنَّشاطات مع الآخرين، فشعوره أنَّه إنسان محبوب، وناجح في علاقاته، يُعزِّز ثقته بنفسه.
18. ممارسة الرِّياضة:
لممارسة الرياضة دور في تفريغ الطَّاقة السَّلبيَّة وتصفية الذِّهن، وتحسين الحالة النفسيَّة للإنسان عموماً، وبالتَّالي تحسين الثِّقة بالنَّفس.
لماذا الثِّقة بالنَّفس مهمَّة؟
هي مهمة للأسباب التَّالية:
- القدرة على الإنجاز، فالثِّقة بالنَّفس تجعل الإنسان مؤمناً بنفسه وبقدراته، وينظر للأعمال الَّتي يُكلَّف بها ولطموحاته على أنَّها تحدِّيات ويصمِّم على تحقيقها، فلا يحتوي قاموسه على كلمة استسلام.
- يُقدِّر نفسه ويحترمها، ولا يسمح لأحد التَّقليل من احترامه.
- لا يشغل بالاً بأراء النَّاس به، أو مقارنة نفسه بهم، فكلُّ تركيزه على نفسه فقط.
- القدرة على التَّعبير عن الرَّأي، واتِّخاذ القرارات وتحمُّل المسؤوليَّة بكل شجاعة وثقة.
- يتقبَّل الفشل والسُّقوط وينهض من جديد إيماناً منه أنَّه قادر، وأنَّ طريق النجاح محفوف بالعثرات، والقوُّة في النُّهوض والاستمرار في المحاولة.
- يتعامل الواثق من نفسه مع عمله بحماس وثقة، وبإيجابيَّة مع زملائه، ويشجِّعهم ويُصفِّق لنجاحهم، لأنَّه مليء بنفسه لا يرى في غيره خطراً عليه.
- ينجح الشَّخص الواثق من نفسه في القيادة والمناصب التَّنفيذيَّة، لقدرته على التَّأثير في الآخرين واتِّخاذ القرار الصَّائب، فحتَّى طريقة استخدام صوته تختلف عن غير الواثق من نفسه.
في الختام "سرُّ الحياة أن يؤمن المرء بنفسه":
في عام 1977م قامت السَّيِّدة الأميركيَّة "لورا شولتز" البالغة من العمر63 عاماً، برفع مؤخِّرة سيَّارة وحدها، لتُحرِّر ذراع حفيدها من تحتها. لم تكن لورا رافعة أثقال، ولم يسبق أن دخلت نادياً رياضيَّاً، بل كانت جدَّة تقليديَّة تشكو ألاماً في عظامها.
أجرى الصَّحفي "تشارلز جارفيلد" مقابلة معها، فتفاجأ أنَّها حزينة ولا ترغب بالتَّحدُّث بالأمر، وعندما ألحَّ عليها ليعرف سبب حزنها رغم أنَّها قامت بعمل بطوليٍّ أشبه ما يكون بمعجزة، وأنَّه لولا أنَّ الحادثة قد صُوِّرت لم يكن لأحد أن يصدِّق أنَّ هذه المرأة العجوز استطاعت أن ترفع مؤخِّرة السَّيَّارة وحدها، فقالت له: أنا حزينة لأنَّي اكتشفت في الوقت الضَّائع من حياتي سرَّ الحياة برمَّتها، نحن نستطيع أن نفعل المعجزات إذا آمنَّا بقدرتنا وكان لدينا الرَّغبة والحافز. وعندما رأيت يد حفيدي تحت إطار السَّيَّارة، لم أشكُّ للحظة أنِّي قادرة على رفعها، فلم أقم بالأمر من باب التَّجربة، بل على العكس تماماً لقد كنت في تلك اللَّحظة على يقين أنِّي قادرة على فعلها، وفي اليومين الماضيين استعرضت حياتي الماضية، أشياء كثيرة كنت أودُّ أن أفعلها ولكنَّ الخوف من الفشل منعني عنها، لقد اكتشفت أنِّي كنت قادرة لكنَّ بنفسي لم يكن موجوداً، أنَّ سرَّ النَّجاح أن يؤمن المرء بنفسه.
لذلك بعد قصَّة هذه العجوز تذكَّر دائماً أنَّه لا أحد يستطيع أن يُسقطك أرضاً إلَّا بمساعدتك، ولا أحد يستطيع أن يقودك للنَّجاح ما لم ترَ نفسك ناجحاً، إنَّ نظرتنا لأنفسنا هي الَّتي تُحدِّد مصيرنا.
أضف تعليقاً