نظرة عامة حول الاضطرابات النفسية:
وعي الناس ليس كافياً بأهمية الصحة النفسية للإنسان وعلاقتها الوطيدة بالصحة الجسدية، فنلاحظ دائماً الحزن أو التعب المستمر أو الفقدان وغيرها من المشاعر السلبية تترافق باضطرابات في النوم والأرق وبأوجاع الرأس والمعدة وفقدان الوزن أو زيادته والشعور بالتعب العام والإجهاد، وخلاف ذلك أيضاً فعندما يتعب الجسم نتيجة وجود آلام في مكانٍ معيَّنٍ، تصبح الحالة النفسية مضطربة ويفقد الإنسان رغبته بالعمل أو التنزُّه أو التعامل مع الآخرين، كما يفقد الشعور بالرضى عن الذات ربَّما لأنَّه يحتاج إلى رعاية من قِبَل المُحيطين فيه فيشعر بأنَّه عالة عليهم.
كلُّ ذلك يُفسِّر الاضطرابات النفسية التي يعاني منها الكبار في السِنِّ، فإن نظرت حولك تجد كثيراً من الأمثلة، فمثلاً يتذمَّر الأبناء أو من يرعى كبير السِنِّ من تصرفاته التي لا يمكن التعامل معها بسهولة، ولأنَّنا جميعنا معرَّضون لخوض تلك التجربة.
الاضطرابات النفسية عند كبار السن:
يواجه كبار السِنِّ مجموعةً من التحديات النفسية التي يصعب فهمها في بعض الأحيان ولكن أبرزها ما يأتي:
1. الاكتئاب:
من أكثر المشكلات شيوعاً بين كبار السِنِّ وبين مختلف الأعمار في حال تراجع الصحة الجسدية، ولكنَّ كبار السِنِّ هم الأكثر عرضة له، لأنَّ حالتهم الصحية تستمر بالتراجع يوماً بعد يوم، وأعراض الاكتئاب تختلف من شخصٍ إلى آخر وَفقَ الظروف المحيطة به، إضافة إلى وضعهم الصحي كما ذكرنا.
من أبرز أعراض الاكتئاب عند كبار السِنِّ الشعور بالحزن، فلا يوجد نشاط مفرح كثيراً، وحالات الفرح تستمر لوقت قصير، إضافة إلى الشعور بفقدان الطاقة، وهذا ما يُفسِّر محبَّة كبار السِنِّ للبقاء في المنزل وتجنُّب الحضور في التجمُّعات الاجتماعية وعدم الخروج إلى الأماكن العامة، إلَّا إن اضطرَّ الأمر.
كما يرتبط الاكتئاب في كثير من الحالات بفقدان الوزن أو زيادته زيادةً غير مُبرَّرةً، فعادة الإنسان المكتئب إمَّا أن يلجأ إلى تناول الطعام بشراهة، أو يمتنع عن تناول الطعام فلا يجد لذَّةً في تناول أي شيء، وأيضاً صعوبة في النوم والشعور بعدم الراحة.
2. مشكلات في الذاكرة:
يرتبط التقدُّم بالعمر بضعف الذاكرة، فالإنسان يمرُّ بكثير من الأحداث والتجارب التي تُتعِب عقله وتُضعِف مهاراته، لذلك يبدأ كبير السِنِّ بفقدان الذاكرة قصيرة الأمد، وهذا الأمر يُعدُّ مُحرجاً للجميع، فمثلاً يتعرَّف المُسِنُّ إلى شخص وتمرُّ عدَّة أيام فينسى أنَّه تعرَّف إليه ويرتبك عندما يراه مرة أُخرى، وقد تنتج المشكلات في الذاكرة عن صدمة نفسية أو حالة مَرضيَّة مُعيَّنةٍ.
3. الخرف:
أيضاً الخَرَف من المشكلات الشائعة بكثرة بين كبار السِنِّ، والذي يُسبِّب كثيراً من المشكلات النفسية، والخرف هو عدم قدرة كبار السن على أداء الوظائف أداءً طبيعياً، ويظهر الخَرَف بعدَّة أشكالٍ، فمرض "باركنسون" هو شكلٌ من أشكال الخَرَف وكذلك مرض "هنتنغتون" و"الخرف الوعائي" و"الخرف الجبهي الصدغي".
عموماً السبب وراء حدوث الخرف هو الأورام أو الالتهابات أو نقص الأوكسجين أو نقص التغذية، فتؤدي تلك الأسباب إلى موت خلايا الدماغ، ويَظهر الخَرَف على شكل تقلُّبات مزاجية ولامبالاة وعشوائية في التصرُّفات وسلوك غير مفهوم، ومع تقدُّم الحالة تزداد الأعراض، فلا يُدرك المريض الوقت والمكان الحاضِر فيهما ويصعب عليه المشي والتعرُّف إلى الناس، ويَطرح كثيراً من الأسئلة المُكرَّرة، وقد يُصبح سلوكه عدوانياً دون وجود مُبرِّر لذلك.
4. الزهايمر:
من الأمراض التي تُصيب كبار السِنِّ وتترك أثراً نفسياً كبيراً بقدر التعب الذي يسبِّبه للمحيطين به، ومرض الزهايمرر يؤدِّي لاعتقاد المريض بأنَّه موجود في مكان آخر أو فترة زمنية أخرى، فيعود كبير السِنِّ مثلاً إلى منزل والديه أو المنطقة التي سكن فيها في شبابه أو مكان عمله السابق الذي مضى سنوات على تغييره، وينسى موت بعض الأشخاص ويصعب عليه التعرُّف إلى أفراد أسرته في كثير من الأحيان.
هي فترة صعبة جداً في حياة المُسِنِّ وترتبط بتدهور حالته النفسية كثيراً، فغالباً يُعارض أفراد أسرته خروجه من المنزل وتلبية طلباته الغريبة، مثل الذهاب إلى صديق قديم أو الاتصال به.
شاهد بالفيديو: كيف تقي نفسك من الإصابة بمرض الزهايمر؟ " Lisa Genova" "ليزا جينوفا"
5. الأرَق:
الأرق من الحالات التي يمكن تصنيفها على أنَّها مرضٌ نفسيٌّ وجسديٌّ أيضاً، فلا يتمكَّن من النوم العميق ليلاً فيتقلَّب لساعات طويلة في السرير قبل النوم، أو قد يظهر على شكل نوم مُتقطِّع، فيستيقظ عدة مرات ليلاً أو قد يستيقظ مُبكِّراً، ولا توجد حالة مُحدَّدة لذلك، فربَّما يعيش كل يومٍ شكلاً معيَّناً من أشكال الأَرَق، وهذا الأمر متعِبٌ نفسياً لكبار السن، فيُسبِّب لهم توتراً غير مفهوم بالنسبة إلى المحيطين بهم، وكذلك قلق مستمر ومخاوف نتيجة التفكير الزائد بمشكلات عائلية أو مالية أو نتيجة التفكير بالماضي والتغيُّرات التي حدثت في الحياة ولا يمكن تغييرها الآن.
كيفية مواجهة التحديات النفسية وتقديم الدعم اللازم للكبار في السن:
لا يمكن إهمال كبير السِنِّ؛ بل هو يحتاج إلى رعاية خاصة تجعل المرحلة التي يمرُّ بها أسهل، وفيما يأتي أهم النقاط للمساعدة:
1. الاستماع النشط لهم:
يحتاج المُسِنُّ إلى أن يشعر بأهمية وجوده بعد التقدُّم في العمر، فمعظمهم يعتقد بأنَّه أصبح عالةً على المحيطين به ويُسبِّب لهم الإرباك بدلاً من تقديم الدعم والمساندة، وهذا الشعور يزيد من حدَّة الاضطرابات النفسية لدى كبار السِنِّ، والحلُّ هو الاستماع النشط سواءً بالاستماع لهم عند التحدث عن التجارب السابقة والأعمال التي عملوا بها والخبرات التي اكتسبوها أم الاستماع لهم عند تقديم الملاحظات.
لا تُظهِر التذمُّر إن انتقد أحدهم طريقة عملك أو حياتك عموماً، وحاول توجيه الأسئلة الهامة له، واطلب منه المساعدة بأن ينصحك بشأن مشكلة ما، فإن أردت تكريم كبير السِنِّ، استمع له جيداً.
2. الاحترام:
كما ذكرنا آنفاً إنَّ كبار السِنِّ قد تكون لديهم سلوكات وتصرفات غير مفهومة، وربَّما مُحرِجة بالنسبة إلى كثيرين منَّا، ولكن كل ما يجب فعله هو احترامهم دائماً فلا تخجل من تصرفاتهم ولا تحاول إبقاء كبار السن في المنزل خوفاً من قيامه بأمر محرج، فلا تنس أنَّك قمت بكثير من التصرفات المحرجة عندما كنت صغيراً، وعلى الرَّغم من ذلك لم يخجل بك والديك، والآن عليك القيام بالأمر ذاته سواءً مع والديك أم أي كبير سِنٍّ آخر تعتني به، وعندما تُقدِّم أية خدمة له، يجب تقديمها باحترام شديد لحساسية الأمر الكبيرة.
3. التحفيز:
يجب مواجهة الاكتئاب الذي يشعر به كبار السِنِّ من خلال تحفيزهم للقيام بنشاطات مفيدة، ويكون ذلك بمشاركتهم النشاطات المسلية ودعوتهم للخروج في نزهات ورحلات إلى أماكن مناسبة لهم ومحاولة تعريفهم بالأشياء الرائجة ومشاركتهم الأعمال التي تتعلَّق بمواهبهم؛ ليشعر المُسِنُّ بأنَّه ما زال قادراً على الاستمتاع بالوقت والاستفادة من أوقات الفراغ.
4. التواصل الاجتماعي:
يحتاج كبار السِنِّ وجميع الناس وخاصة من لديهم حالات نفسية مضطربة أن يختلطوا بالناس، لذلك يجب تنظيم لقاءات تجمعهم بالأصدقاء وتنظيم نشاطات يمكن أن يقوموا بها معاً، ويجب على العائلة الاجتماع دائماً مع كبير السِنِّ وخاصة في المناسبات، مثل الأعياد؛ لأنَّه يصعب عليه جداً قضاء تلك الأوقات وحيداً.
5. الحماية:
يجب أن يشعر كبير السِنِّ أنَّه بأمان دائماً، فلا يعاني من خوف أو توتر نتيجة حالة معيَّنة، لذلك احرص دائماً على توفير جو من الأمان له.
6. العناية بنظافتهم:
الحالة الجسدية والنفسية التي يمرُّ بها كبير السِنِّ تمنعه غالباً من العناية بنفسه بالشكل المناسب، فلا يتمكَّن من تنظيف المكان حوله أو غسل ملابسه، وربَّما لا يتمكَّن من الاستحمام وحده أو تبديل ملابسه عندما يريد أو تناول الطعام، فلا تجعله ينتظر كثيراً وحافِظ على نظافة المكان الذي يكون فيه، ونظافة ملابسه ولا تنتظر حتى يطلب منك تنظيفه أو يطلب الاستحمام، بل بادر دائماً حتى لا يشعر بأنَّ الأمر محرجٌ بالنسبة إليك.
7. المراقبة:
يجب ألا يُترَك كبير السِنِّ لوقت طويل حتَّى ممَّن لديه حالة صحية مستقرة وقدرة جسدية على تدبير حاجاته، فعلى الرَّغم من ذلك قد يحتاج إلى مساعدة في أيِّ وقتٍ، وربَّما يحدث معه طارئ؛ لذلك الأفضل مراقبة حالته في المنزل ومراجعة الطبيب باستمرار للاطمئنان عن حالته الصحية.
اقرأ أيضا:
في الختام:
يرتبط تَقدُّم الإنسان في العمر بظهور عددٍ من الأمراض والحالات الصحية التي ترافقها اضطرابات نفسية تجعل التعامل مع كبار السِنِّ أمراً صعباً في كثير من الأحيان، وقد ذكرنا في مقالنا أبرز الحالات النفسية التي يعاني منها كبار السِنِّ مثل الاكتئاب الذي يرافقه شعور مستمر بالحزن واضطرابات النوم والرغبة بالعزلة عن المجتمع، وأيضاً مشكلات الذاكرة التي تعد أمراً محرجاً بالنسبة إليه أو إلى المحيطين.
كذلك الخرف الناتج عن موت خلايا الدماغ، أو مرض ألزهايمر الذي يؤدي إلى فقدان ذكرياته الحديثة، وأيضاً الأرَق الذي يمنعه من النوم بعمق ليلاً، وتقديم الدعم لكبار السِنِّ الذي يجعلهم قادرين على مواجهة تلك التحديات، والاستماع النشط لهم وإظهار الاهتمام لأحاديثهم، والحفاظ على نظافتهم الشخصية وتأمين المساعدة لهم وحمايتهم من المخاطر، وأيضاً تحفيزهم على الاستمتاع بالوقت وعلى الاختلاط بالآخرين، ومراقبتهم باستمرار لضمان سلامتهم قدر الإمكان.
أضف تعليقاً