هذا يجعلنا نتساءل عن ماهية العلاقة بين الصحة النفسية والصحة الجسدية، وأي منهما تؤثر في الأخرى، وما هي نتائج ذلك؟ وكيف نحافظ ونعتني بصحتنا الجسدية والنفسية معاً؟
الجسد والنفس مرتبطان ببعضهما، فلا يقتصر مفهوم الصحة على الجسم المعافى فقط؛ بل يتضمن أيضاً الصحة النفسية، وينص دستور منظمة الصحة العالمية على أنَّ: "الصحة هي حالة من السلامة الكاملة جسدياً ونفسياً واجتماعياً، وليست مجرد انعدام المرض أو العجز"، فحتى يتمتع الإنسان بصحة جيدة، يجب ألا يعاني من مرض أو علة سواء كانت نفسية أم جسدية.
أولاً: الصحة الجسدية والصحة النفسية
1. مفهوم الصحة الجسدية:
هي التمتع بجسد سليم ومعافى من الأمراض والتوافق التام بين الوظائف المختلفة بحيث يقوم كل عضو في الجسم بوظيفته دون التأثير في وظيفة عضو آخر، والقدرة على مقاومة الأمراض والإحساس بالحيوية والنشاط ومحاربة التعب والإرهاق.
2. مفهوم الصحة النفسية:
هي حالة من التوافق النفسي للإنسان مع ذاته ومع الآخرين، والتمتع بالمناعة النفسية في مواجهة الضغوطات والأزمات النفسية المختلفة والتكيف مع الظروف الصعبة، والصحة النفسية أمر ليس من السهل المحافظة عليه للأسباب الآتية:
- ضغوطات الحياة الناتجة عن المشكلات العائلية أو في العمل والالتزامات المادية.
- التقلبات المزاجية الناتجة عن التغيرات العصبية أو الهرمونية.
- الأرق والتعب والإجهاد.
- الأحداث المفاجئة غير المتوقعة كفقدان شخص عزيز أو خسارة الوظيفة.
- الإصابة بالأمراض التي يصعب علاجها كالأمراض الخبيثة.
شاهد بالفيديو: 6 عادات خاطئة تقضي على صحتك النفسيّة
ثانياً: العلاقة بين الصحة الجسدية والصحة النفسية
توجد علاقة مترابطة بين كل من الصحة الجسدية والصحة النفسية؛ إذ أكدت إحدى الدراسات الأمريكية أنَّ نحو 80% إلى 87% من الأمراض العضوية ذات منشأ نفسي، إذن تؤدي الصحة النفسية دوراً كبيراً في الصحة الجسدية، وتفسير ذلك هو أنَّ المشاعر أو الأفكار التي نفكر بها تجعل الدماغ في حالة قلق وتوتر.
هذا يؤثر في نظام الغدد وإفراز الهرمونات لدينا، فيزداد إفراز هرمونات القلق "الأدرينالين والكورتيزول"، وهذا بدوره يؤثر سلباً في وظائف الأعضاء ويقلل مناعة الجسم للأمراض، إذن يمكن القول إنَّ العلاقة بين الصحة النفسية والصحة الجسدية علاقة طردية؛ فكلما ساءت إحداهما أثرت سلباً في الأخرى.
1. تأثير الصحة النفسية في الصحة الجسدية:
- توصلت أبحاث عديدة إلى الربط بين الاكتئاب والإصابة بالأمراض المزمنة مثل الربو وأمراض القلب والأوعية وداء السكري والتهاب المفاصل، وكما ذكر علماء من مدينة "ميونخ" الألمانية: "إنَّ 15% من الوفيات بسبب أمراض القلب كان يمكن تجنُّبها لو لم يعانِ أصحابها من مشكلات الاكتئاب".
- ينتج عن الحالة النفسية السيئة ضعف في جهاز المناعة لدى الإنسان، وهذا يزيد من احتمالية الإصابة بالأمراض المناعية كمرض السرطان أو التصلب اللويحي أو الأكزيما أو الصدفية والربو.
- تسبب الحالة النفسية السيئة الإصابة بأمراض سوء التغذية وفقر الدم نتيجة فقدان الشهية وقلة النشاط البدني والخمول.
- تنتج عن الاضطرابات النفسية الكثير من الأمراض الجلدية.
- تؤدي الحالة النفسية الجيدة إلى صحة الجهاز الهضمي، ويؤدي التوتر إلى أمراض المعدة والقولون العصبي.
- تزداد الإصابة بأمراض القلب وضيق الشرايين في حالة القلق والتوتر والإجهاد.
- تؤدي الاضطرابات النفسية إلى اضطرابات النوم والأرق أو توقف التنفس في أثناء النوم؛ إذ أظهرت إحدى الدراسات الأمريكية في جامعة هارفارد أنَّ: "نحو 50% إلى 80% ممن يعاني من الاضطرابات النفسية، يعاني أيضاً من مشكلات في النوم، في حين أنَّ 10% فقط من الأشخاص الطبيعيين يعانون من مشكلات في النوم".
- يميل الأشخاص غير المتمتعين بصحة نفسية إلى التدخين وإدمان الكحول أو المخدرات.
2. تأثير الصحة الجسدية في الصحة النفسية:
قد تؤثر الحالة الصحية غير الجيدة لجسم الإنسان في حالته وصحته النفسية، ومن أكثر الأمراض الجسدية التي تترك آثاراً سلبية في نفسية الإنسان السرطان وداء السكري والقصور الكلوي وأمراض المناعة الذاتية والربو والأمراض الجلدية وحب الشباب والصدفية.
بيَّنت الدراسات أنَّ ما يقارب ثلث الأشخاص الذين عانوا من هذه الأمراض أصيبوا بأعراض الاكتئاب والقلق والعزلة وصعوبات في التواصل مع المحيط.
ثالثاً: خطوات للعناية بالصحة الجسدية والنفسية
فيما يأتي أهم الخطوات للعناية بالصحة الجسدية والنفسية معاً:
1. ممارسة الرياضة:
لا يخفى على أحد الفوائد المذهلة للرياضة، وكما يقال: "العقل السليم في الجسم السليم"، فاجعل الرياضة أسلوب حياة لديك، ومارس التمرينات الرياضية أو المشي لمدة 30 دقيقة يومياً لتنشيط الدورة الدموية وتقوية عضلة القلب وتخفيف الوزن والحد من الدهون المتراكمة في الجسم.
هذا يؤدي إلى انخفاض الكوليسترول في الدم وتحسين عمل الجهاز الهضمي، إضافة إلى قدرة الرياضة المذهلة على تحسين المزاج وتفريغ المشاعر السلبية؛ إذ يفرز الجسم في أثناء الرياضة هرمون "السيروتونين"، وهو هرمون السعادة وتحسين المزاج.
2. اتباع نظام غذائي صحي:
من أهم النصائح للعناية بصحتك الجسدية والنفسية هي اتباع نظام غذائي صحي؛ إذ أشارت الدراسات إلى زيادة احتمالية الإصابة بالاضطرابات النفسية عند نقص مستويات فيتامينات (D) و(B12) في الدم؛ لذا يُنصح بتناول الأسماك الغنية بالأوميغا 3 والخضار والفواكه والشوكولاتة الداكنة الغنية بمضادات الأكسدة التي تساعد على تحسين المزاج، وتقليل السكريات والدهون المصطنعة، وشرب كميات كبيرة من الماء طوال اليوم، وتجنب التدخين والكحول.
3. النوم:
لا تستهن بأهمية النوم في الحصول على صحة جسدية ونفسية، واحرص على الحصول على قسط كافٍ منه لا يقل عن 7 إلى 8 ساعات يومياً دون زيادة أو نقصان، وحاول الاهتمام بنوعية النوم ووقته بحيث يكون ليلاً وبجو هادئ وإضاءة خفيفة ما أمكن، ويُنصح بأخذ قيلولة خلال النهار لمدة 30 دقيقة، فقلة النوم تكون نتيجتها جسداً منهكاً غير مقاوم للأمراض وحالةً نفسية سيئة نتيجة الشعور بالتعب والإرهاق وفقدان الطاقة والتركيز.
4. اليوغا والتأمل:
ينصح الأطباء والخبراء اليوم بممارسة اليوغا وتمرينات التأمل والتنفس العميق؛ وذلك لما أثبتته من فاعلية في الحصول على الاسترخاء والتركيز والتحرر من المشاعر السلبية.
5. بتر العلاقات السامة:
حتى تنعم بصحة نفسية وتشعر بالسعادة وراحة البال، اقطع أيَّة علاقة سامة في حياتك سواء كانت مع صديق أم زميل أم حتى شريك عاطفي، والعلاقة السامة هي العلاقة التي تجعل حالتك النفسية سيئة، أو تشعر فيها بالاستغلال أو الإهانة أو التهميش من قِبل الطرف الآخر، كما هي علاقة تمتص طاقتك؛ لذا لا تتردد في تنظيف حياتك من علاقات كهذه.
6. البحث عن الداعمين:
ابحث دائماً عن الأشخاص الإيجابيين الداعمين لك الذين يصفقون لنجاحك ويدعمونك ويشجعونك عند الفشل والمصاعب؛ إذ تجدهم مبتسمين دائماً ويؤمنون بطاقة الحب والعطاء، فتكون العلاقة معهم مصدراً للراحة والأمان.
شاهد بالفيديو: 12 نصيحة للحفاظ على الصحة النفسية
7. عدم البقاء وحيداً:
احرص على ألا تبقى وحيداً، نعم قد تحتاج في بعض الأوقات إلى الجلوس مع نفسك والابتعاد عن كل شيء، لكن انتبه لأن يكون ذلك لمدة قصيرة خلال يومك، أما باقي الوقت فاحرص على أن تقضيه مع من تحب من أفراد العائلة والأصدقاء؛ إذ أثبتت الدراسات أنَّ قضاء الوقت مع شخص نحبه يُحسِّن حالتنا النفسية ويحمينا من الإصابة بالاضطرابات النفسية.
8. النظافة الشخصية:
عليك الاهتمام بنظافة جسمك وأسنانك، فهي بمنزلة درع واقٍ لك ضد الجراثيم والبكتيريا المسببة للأمراض والالتهابات.
9. التفكير الإيجابي:
تعلَّم مهارة التفكير الإيجابي التي تحميك من الإصابة بالاضطرابات النفسية، وذلك بأن تُدرِّب نفسك على التفاؤل والإيجابية في كل الظروف، وأنَّك أنت من تتحكم بحياتك وتستطيع تغييرها بإرادتك وعزيمتك، وحتى الفشل هو محطة للتعلم منها والانطلاق بقوة.
10. الامتنان:
الامتنان هو أحد أسرار السعادة والصحة النفسية، فحاول أن تجعله عادة يومية في حياتك، بأن تنظر إلى النعم والأشياء الإيجابية في حياتك، مثل وجود عائلتك بجانبك أو وظيفة تحبها أو صديق وفي أو تمتُّعك بصحة جسدية جيدة، وذكِّر نفسك بها على الدوام واشعر بالامتنان لوجودها، فتملؤك مشاعر الرضى والسلام الداخلي.
11. التعامل مع الضغوطات:
الضغوطات جزء من الحياة شئنا أم أبينا، وخاصةً في عصر السرعة والإنترنت وكثرة الالتزامات الذي نعيشه اليوم، ومن الطبيعي جداً الشعور بها، لكن تظهر قوَّتنا في التعامل معها وعدم السماح لها بالتأثير في صحتنا النفسية أو إصابتنا بالتوتر والاكتئاب، ويكون ذلك من خلال تقبُّل الضغوطات والظروف السيئة، والحرص على تجاوزها والخروج منها سواء بممارسة الرياضة أم الاستماع للموسيقى أم الخروج إلى الطبيعة.
12. مراجعة الطبيب النفسي:
لا تتردد في زيارة الطبيب النفسي عندما تشعر أنَّك بحاجة إلى ذلك.
في الختام: الصحة الجسدية والنفسية وجهان لعملة واحدة
في ختام المقال نصل إلى نتيجة مفادها أنَّ الصحة الجسدية والصحة النفسية وجهان لعملة واحدة، فكل منهما تؤثر وتتأثر بالأخرى، فعندما لا يكون جسدك سليماً لن تكون نفسيتك بخير، وخلاف ذلك صحيح، فأي اضطراب في حالتك النفسية يجعل جسدك في حالة اضطراب أو ضعف وتبدأ الأمراض العضوية بالظهور.
لذا اجعل الاهتمام بصحتك الجسدية والنفسية أولوية في حياتك، وتابع ممارسة الرياضة، والتزم بنظام طعام الصحي، واحرص كل الحرص على تغذية روحك بالتفكير الإيجابي لتتمتع بالاستقرار النفسي والسلام الداخلي، فروحك مرآة لجسدك، وكما يقول الشاعر "إيليا أبو ماضي": "كن جميلاً ترَ الوجود جميلاً".
أضف تعليقاً