عندما يتعلق الأمر باضطرابات القلق، فإنَّنا نركِّزُ بدرجة أقل على الجانب الجسدي، بينما نولي مزيداً من الاهتمام لتأثيرات الكرب والخوف العقلية.
إنَّه لمن الهام التعرف عموماً على هذه الأعراض الجسدية على حقيقتها؛ فإذا كنت لا تعرف ما الذي تتعامل معه، فمن الصعب البحث عن العلاج الذي تحتاجه كي تتحسن.
ما هو القلق؟ وهل القلق مرض نفسي؟
إنَّ "القلق" مصطلحٌ يشملُ مجموعة من المشاعر غير المريحة، مثل: الخوف والكرب والتوتر، وله معنىً عام وآخر سريري.
يصف الناس أحياناً نوبات متنوعة من التوتر على أنَّها قلق، لكنَّهم يتمكَّنون من التعامل معها والتخلص من آثارها دون أن يكون التوتر طاغياً؛ بينما، يكون القلق طاغياً ومُجهِداً في أوقات أخرى، ويُمكن هنا اعتباره حالة مرضية صحية عقلية -أو نفسية- قابلةً للتشخيص والعلاج.
أنواع القلق:
وفقاً لمايو كلينيك (Mayo Clinic): يوجد العديد من اضطرابات القلق التي يمكن أن تؤرِّق حياة شخصٍ ما، منها:
1. اضطراب القلق المُعمَّم:
الذي يتظاهرُ بالشعور بخوفٍ عارمٍ غير متناسب مع عدد من الظروف والأحداث.
2. اضطراب القلق الاجتماعي:
الذي يتجلَّى بالشعور بالقلق تجاه التفاعلات الاجتماعية والإحراج المحتمل فيها، أو حكم الآخرين عليك.
3. اضطراب الهلع:
الذي يظهر بنوبات هلع متكررةٍ تنطوي على ذعرٍ لا يمكنُ السيطرة عليه؛ إذ تكون نوبات الذعر هذه شديدةً جداً لدرجة أنَّ الأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب يقلقون غالباً من التعرُّض إلى نوبات الهلع نفسها في المستقبل، ويتجنَّبون أيَّ شيء يعتقدون أنَّه قد يتسبَّب بتحريضها.
رغم أنَّ مُسببات اضطرابات القلق المتعددة يمكن أن تختلف كثيراً، إلَّا أنَّ هناك عاملاً رئيساً مشتركاً بينها، وهو: إمكانية التسبب بأعراض جسديةٍ مرتبطةٍ بالقلق.
لماذا يسبب القلق أعراضاً جسدية؟
سواءً كنت تتعامل مع القلق الاعتيادي أم مع أحد اضطرابات القلق، فقد تُعاني من أعراضٍ جسديةٍ متعددة؛ فكما تقول مونا بوتر (Mona Potter)، المديرة الطبية في برنامج ماكلين للسيطرة على القلق في بوسطن: "يمكن أن تتأثَّر كلُّ أنظمة أجسامنا تقريباً -من الرأس إلى أخمص القدمين- بسبب طبيعةِ أجسادنا التي تطلق الكثير من هرمونات التوتر في هذه الحالات"؛ لكن لماذا يحدث ذلك؟
حسناً، يكمن السبب وراء الأعراض الجسدية للقلق في استجابة الكر والفر؛ إذ يُفترضُ بهذه الاستجابة عادةً أن تساعدك في النجاة من التهديدات بالهروب أو مواجهتها، وبالعودة في الزمن إلى إنسان الكهف: كان هذا التهديد على شكلِ أسدٍ ينقضُّ لافتراس وجبةِ عشائه.
ومع ذلك، إذا كنت تعاني من القلق، فإنَّ خوفك وقلقك يُشبهان الاستجابة لذلك التهديد، ممَّا يُثيرُ الجهاز العصبي الودي -وهو الجهازُ الذي يتحكَّم في العمليات اللاإرادية مثل: التنفس، ومعدل ضربات القلب- ليجعلكَ في حالةِ تأهبٍ قصوى، حيثُ تفرز الغدة الكظرية هرمونات التوتر -الأدرينالين والكورتيزول- التي تكون السبب وراء الأعراض الجسدية للقلق.
تقول البروفيسورة نيدا جولد (Neda Gould)، الأخصائية النفسية السريرية والمديرة المساعدة لعيادة جونز هوبكينز لاضطرابات القلق (Johns Hopkins Anxiety Disorders Clinic): "عندما يعاني شخصٌ ما من القلق، يتفعَّل نظام الكر والفر مُنذراً بقدوم الخطر".
اعراض القلق والتوتر والاكتئاب الجسدية:
1. تسرُّع نبضات القلب:
تُعدُّ هذه علامةً نموذجيةً للقلق، وفقاً للمعهد الوطني للصحة العقلية (NIMH).
تُظهِر الأبحاث أنَّكَ عندما تتعامل مع شيء مرهق وتفرز الغدد الكظرية هرمونات مثل الأدرينالين (المعروف أيضاً باسم الإبينفرين)، تتفعَّلُ بعض المستقبلات في قلبك، وتعمل على تسريع معدَّل النبض.
توضح "غولد" أنَّ هذا يمكِّن القلب من ضخ مزيدٍ من الدم إلى العضلات الكبيرة حتى تتمكَّن -نظرياً- من الهروب أو مواجهة التهديد؛ ولكن عندما تعاني من القلق، فإنَّ تسارع نبضات القلب قد يجعلك تشعر بمزيدٍ من التوتر، ممَّا يُدخِلكَ في حلقةٍ مُفرَغة.
2. ضيق التنفس:
يوزِّعُ الدمُ الأكسجينَ إلى كافة أنحاء جسمك؛ لذا عندما تزيدُ استجابتك للضغط من سرعة دوران الدم في جسمك، فقد يزداد معدل تنفسك أيضاً لتزويدك بمزيدٍ من الأوكسجين.
قد يؤدي التنفس بسرعة كبيرة (فرط التهوية) إلى تفاقم الكثير من أعراض القلق الجسدية في هذه القائمة، بسبب اضطراب التوازن بين الأوكسجين وثاني أكسيد الكربون.
تشرحُ الدكتورة بوتر قائلةً: "لهذا السبب نتحدث غالباً عن أهمية التنفس البطني، أو التنفس الحجابي"؛ وهو التنفس ببطءٍ وعمق عن طريق استخدام عضلة الحجاب الحاجز، حيثُ تتوضعُ هذه العضلة الرئيسة المشاركة في التنفس تحت الرئتين مباشرةً؛ إذ من خلال إبطاء سرعة التنفس، يُصبحُ لديك فرصة أكبر للحصول على الأوكسجين الذي تحتاجه.
3. الإرهاق والتعب الدائم:
وفقاً للمعهد الوطني للصحة العقلية والنفسية (NIMH)، فإنَّ الشعور المستمر بالتعب علامةٌ شائعة للقلق، وتُقسم أسبابه إلى شقين:
الأول: يمكن أن تؤدي زيادة هرمونات التوتر المُحرَّضة بالقلق إلى إبقائك متنبِّهاً دوماً، الأمرُ الذي قد يكون مُرهِقاً للغاية.
الثاني: يرتبطُ النوم والقلق بعلاقةٍ معقدة، ممَّا يقود إلى أحد الآثار الجانبية الجسدية النموذجية للقلق، وهو صعوبات النوم.
4. صعوبات النوم:
وفقاً للمعهد الوطني للصحة العقلية والنفسية (NIMH)، قد يواجه الشخص القلِقُ وقتاً عصيباً في محاولة النوم أو البقاء نائماً، وقد يُعاني من نومٍ مضطرب وغير كافٍ.
تجعل المستويات المرتفعة من هرمونات التوتر الحصول على نومٍ هانئٍ صعباً للغاية، لكون جسدَك المُضطرب غير قادرٍ على الاسترخاء بدرجة كافية للنوم؛ كما أنَّ الأفكار المتصارعة في ذهنكَ ليستَ وصفة رائعة للنوم أيضاً.
لا يقتصر الأمر على أنَّ القلق يساهم في مشكلات النوم، فبحسب مايو كلينيك (Mayo Clinic)، قد تجعلكَ مشكلات النوم -مثل الأرقح أكثرَ عرضةً إلى القلق أيضاً، وهذه حلقةٌ مفرغةٌ لا ترغبُ دخولها بالتأكيد.
شاهد بالفيديو: 8 نصائح لتحظى بنوم عميق.
5. آلام العضلات:
وفقاً لجمعية الأمراض النفسية الأمريكية (APA)، تتوتر عضلاتك كجزءٍ من استجابتك للتوتر، وتقول الدكتورة بوتر أنَّ تشنج أجزاء من جسمك بشدة لفترات طويلة يمكن أن يُسبِّب الألم، مشيرةً إلى أنَّ العديد من الأشخاص الذين يعانون من القلق أفادوا بأنَّهم يشعرون بالتشنج والألم في الرقبة أو الظهر أو الكتفين؛ كما قد تشعر بتوترٍ في عضلات ظهركَ حتى رأسك، ممَّا قد يؤدي إلى الصداع.
6. التخبُّط المعوي المعدي:
تقول الدكتورة بوتر: "يُؤثر القلق في الجهاز الهضمي بشدة"، فقد يُعاني الأشخاص القلقون من آلام في المعدة، والإمساك، والإسهال، أو أنواع أخرى من عسر الهضم.
قد يتلخَّص سبب هذا في ما يسميه الخبراء "المحور الدماغي الهضمي"، وهو نظام وصلٍ بين الدماغ و"الجهاز العصبي المعوي" الذي يتحكم في عملية الهضم؛ حيثُ يُفسر هذا الاتصال الأعراض الهضمية المرافقة للتوتر والقلق.
بالإضافةِ إلى ذلك، يُمكنُ أن تؤثرَ خيارات الناس القلقين في نمط حياتهم، مثل: تناول الأطعمة غير الصحية، أو عدم ممارسة الرياضة.
7. التعرُّق بغزارة:
إذا كنت تعاني من القلق بالفعل، فقد يزيد مجرَّد التفكير في التعرق بغزارة الأمر سوءاً؛ إذ لا أحدَ يُريدُ التصبب عرقاً عندما يكون قلقاً بالفعل. لكن لسوء الحظ، التعرق هو أحد الآثار الجانبية الشائعة لاضطرابات القلق، وذلك وفقاً للمعهد الوطني للصحة العقلية والنفسية (NIMH).
عندما يُنشَّط جهازك العصبي الودي، فإنَّه يستثيرُ الغدد العرقية في جميع أنحاء جسمك؛ ووفقاً لمايو كلينك، فنحنُ نمتلكُ نوعين من الغدد العرقية:
- الأول: هو "الغدد الفارزة"، وهي تغطي معظم بشرتك.
- الثاني: هو "المفرزة"، التي توجد فقط في أجزاء الجسم التي تحوي الكثير من بصيلات الشعر، مثل منطقة تحت الإبطين.
يمكن أن يسبب كلا النوعين التعرق الناجم عن القلق، ولكنَّ السائل اللبني الذي تنتجه الغدد المفرزة على وجه الخصوص هو الذي قد يجعل رائحته كريهة ومُزعجة.
8. الارتعاش:
إذا وجدتَ نفسك ترتجف من الخوف قبل حدث كبير، فأنت تعلم كيف يتفاعل جسمك تحت الضغط.
لقد تبيَّن أنَّ ذلك لا يحتاج إلى مُحفِّز خارجي مثل: عرض تقديمي مخيف، أو اجتماع هام؛ إذ يمكن أن يكون الارتعاش والارتجاف نتيجةً ثانوية لزيادة الهرمونات الناجمة عن القلق.
9. الإجفال المفاجئ:
تعدُّ محاولة استباق التهديدات سمةً شائعةً للقلق؛ فوفقاً للأبحاث، جرى ربط هذه الحالة من التأهبِ الدائم بزيادة "استجابة الإجفال (المفاجئة)"، وقد يكون هذا السبب في أنَّك تقفز حرفياً من مكانك إذا ربَّت شخص ما على كتفك عندما تكون قلقاً.
10. الشعور بضيق في البلعوم:
قد تواجه صعوبةً في البلع، حيثُ يمكن أن يتسبب القلق في شعور بعض الأشخاص بضيقٍ في الحلق أو الشعور بأنَّ شيئاً ما عالقٌ في البلعوم، مثل: حبوب الدواء، أو الطعام، أو حتى القشع؛ وهذا ما يسمَّى "إحساس الكرة" (globus sensation).
رغم أنَّ السبب الدقيق وراء حدوث ذلك غير واضح تماماً، إلَّا أنَّه قد يجعل القلق أسوأ بالتأكيد؛ حيث تقول الدكتورة بوتر: "تشعر أنَّك لا تستطيع الحصول على ما يكفي من الهواء".
11. زيادة الإصابة بنزلات البرد:
تقول الدكتورة بوتر أنَّ بعض الناس يمرضون كثيراً في فترات القلق الشديد، حيثُ يتأثر عمل جهازك المناعي سلباً عندما تعمل استجابة الكر والفر لفترة طويلة جداً.
قد يعني هذا التعرض إلى مشكلات صحية مثل نزلات البرد، على الرغم من أنَّ الكثير من العوامل الأخرى تلعب دوراً هنا أيضاً، مثل: قوة نظام المناعة لديك بشكل عام، ومدى وعيك بشأن النظافة الشخصية، وطرائق الوقاية من الأمراض المُعدِية.
متى تشير أعراض القلق الجسدية إلى نوبة هلع؟
غالباً ما تشمل نوبات الهلع بعض أعراض القلق الجسدية، مثل: التعرق، والارتجاف، وسرعة نبض القلب؛ ولكن كما ذكرنا سابقاً، هناك اختلافٌ رئيس واحد بينهما، حيثُ تُسبب نوبات الهلع إحساساً شديداً بالذعر ينطلق من العدم، وهذا الرعب هو جزء لا يتجزأ منها.
علاوةً على ذلك، تشمل نوبات الهلع أربعةً على الأقل من الأعراض الآتية، والتي ذكرناها كآثار جسدية للقلق:
- خفقان القلب، أو تسارع معدل نبضات القلب.
- التعرق.
- الارتجاف والارتعاش.
- الإحساس بضيق التنفس، أو عدم القدرة على التنفس.
- الشعور بالاختناق.
- الألم، أو الانزعاج في الصدر.
- الغثيان، أو الاضطراب الهضمي.
- الشعور بالدوار، أو عدم التوازن، أو خفة الرأس، أو الإغماء.
- الإحساس بالحرارة، أو القشعريرة.
- الشعور بالخدر أو الوخز.
- الشعور بتبدد الواقع (الشعور بأنَّ الواقع محيِّر)، أو تبدد الشخصية (الانفصال عن الذات).
- الخوف من فقدان السيطرة أو "الجنون".
- الخوف من الموت.
كيف ومتى تحصل على مساعدة اختصاصية؟
لقد وصلنا الآن إلى الجانب المُشرق من الموضوع، إذ من الممكن دوماً علاج القلق ونوبات الهلع.
غالباً ما يكون العلاج النفسي جزءاً هاماً للتعافي، وبالأخص العلاج السلوكي المعرفي الذي يُساعدكَ على إعادة تدريب أفكارك الباعثة على القلق؛ كما قد يساعدك العلاج الدوائي -مثل الأدوية المضادة للقلق- على التحسن؛ وكذلك تغيير نمط الحياة، بما في ذلك: الانضمام إلى مجموعة دعم، أو اختيار ممارسة بعض تقنيات إدارة التوتر.
تختلفُ خطة العلاج من شخص إلى آخر، وهي تعتمد على أعراضك الخاصة؛ وبالنسبة إلى العديد من الأشخاص، يُمكنُ الجمعُ بين بعض أساليب العلاج هذه للتعافي بشكل أفضل.
بالحديث عن المساعدة الاختصاصية، قد تتساءل متى تعرف أنَّ الوقت قد حان للبحث عن بعض الأعراض الجسدية للقلق. بصراحة، لا توجد إجابةٌ قاطعة هنا، ولكنَّ القاعدة العامة التي يجبُ اتباعها هي: إذا كانت هذه الأعراض تعيق أو تؤرقُ حياتك، فعليكَ التفكيرُ في طلب المساعدة؛ وحتَّى لو لم تشعر بالاضطراب الشديد، فلا ضيرَ من مراجعة طبيبٍ أو تحديد موعد مع معالج نفسي، حيثُ يمكنكَ دائماً الشعور بالتحسن عند لقائهم.
نصائح للتغلب على القلق النفسي:
رغم أنَّ المساعدة الاختصاصية هي الطريقة الأكثر فعاليةً لعلاج الأعراض الجسدية للقلق، إلَّا أنَّ العلاج أو الدواء لا تتوفر للجميعِ دوماً؛ لذا فقد يكون من المفيد في هذه الحالة معرفة بعض الطرائق الشائعة التي يُمارس بها الأشخاص المصابون بالقلق الرعايةَ الذاتية ويساعدون أنفسهم على الشعور بالتحسن.
يعدُّ التنفس العميق مهدِّئاً عظيماً لأعراض القلق، حيث يمكن أن يؤدي فرط التهوية إلى تفاقم العديد من الأعراض المذكورة في القائمة السابقة.
تذكَّر دائماً ما يلي: يمكن أن يُشعركَ القلق بالارتباك لدرجةِ أنَّه يبدو خارجاً عن إرادتك تماماً، ولكن هناك دوماً طرائق لإدارته؛ فاعلم أنَّك لست وحدك؛ لذا لا تتردد في طلب المساعدة التي تحتاجها.
أضف تعليقاً