ما هي آليات الدفاع النفسية؟
إنَّ آليات الدفاع النفسية هي آليات سيكولوجية لا إرادية أو غير واعية، يستعملها الجهاز النفسي لدى الإنسان، من أجل التخفيف من القلق الناتج عن الصراعات الداخلية بين أطراف متعددة، أهمها، الحاجات الفطرية الغريزية والمُثل الأخلاقية، والقوانين الاجتماعية.
تُعَدُّ آليات الدفاع النفسي، وسائل دفاعية هامة لا شعورية، تدافع فيها عن الأنا من النزاع الدائر بين حاجات اللهو، ومطالب الأنا العليا، وهذه الآليات هي جزء طبيعي من الجهاز المناعي النفسي؛ حيث تقلِّل من تأثيرات الدوافع المولِّدة للقلق من أجل الحفاظ على التوازن الداخلي للنفس، ولكن من الوارد أن تتحول هذه الوسائل الطبيعية إلى آليات مَرَضية تُصعِّب على الإنسان إكمال حياته، والنجاح في عمله، وبناء علاقات اجتماعية مع محيطه.
هل آليات الدفاع النفسية وسائل صحية أم مَرَضية؟
قد نستطيع أن نقول إنَّ آليات الدفاع هذه، هي آليات طبيعية يقوم الجسم باللجوء إليها، من أجل حماية الجهاز النفسي الخاص بالإنسان؛ لذلك هي مفيدة عند استخدامها لوقت قصير، ولكن عندما يطول استخدامها لفترات أطول من اللازم، فإنَّها تتحول إلى أمراض نفسية، في هذه الحالة يجب اللجوء إلى المعالج النفسي من أجل الوصول إلى حل حقيقي، والتخلص من المشكلة من جذورها؛ وذلك لأنَّ آليات الدفاع الطبيعية تكون غير قادرة على التغلب على المشكلة.
ينتج عن هذه الآليات الدفاعية سلوكات دفاعية متنوعة ومختلفة، مثل سلوك العدوان والانسحاب والتراجع، وغيرها من السلوكات الدفاعية الأخرى، التي تتشارك جميعها في الغاية نفسها؛ ألا وهي إبطال مفعول التهديدات الخارجية، والتخفيف من حدة الاضطرابات الداخلية.
ويمكننا أن نَعُدَّ آليات الدفاع النفسية بمنزلة الجهاز المناعي الذي يعمل على قتل أو تثبيط نمو الجراثيم والفيروسات التي تدخل إلى جسم الإنسان، كذلك آليات الدفاع النفسية، فهي نظام الدرع الصاروخي في مواجهة المواقف الصعبة أو الأفكار السلبية.
فرويد وآليات الدفاع النفسية:
لقد كان الفيلسوف الشهير "سيغموند فرويد" أول مَن طرح فكرة آليات الدفاع النفسية، بالإضافة إلى العديد من المفاهيم التي أغنى بها مدرسة التحليل النفسي وعلم النفس، وثَبُتَ أنَّ بعض هذه المفاهيم لم يكن دقيقاً بما فيه الكفاية، ومنها لا يزال معتمَداً بعد مرور كل هذه السنوات الطويلة على طرحه لها، ومن أهم مفاهيمه التي صمدت وأُثبِتَت صحتها وأهميتها هي آليات الدفاع النفسية، التي أثبتها علماء كثيرون بدراساتهم وأبحاثهم وأضافوا عليها وأغنوها، ومن أهمهم وأشهرهم ابنته "آنا فرويد".
أهم آليات الدفاع النفسية:
1. التسامي:
يُعَدُّ التسامي من أكثر آليات الدفاع النفسية نضجاً وإيجابيةً؛ حيث يقوم الإنسان بإعادة صياغة دوافعه ومشاعره الخطرة أو الضارة، وتحويلها إلى فعاليات ونشاطات مقبولة من البيئة المحيطة به؛ بحيث لا يؤذي بها أي إنسان آخر.
على سبيل المثال: أن يقوم الشخص باستيعاب دوافعه العدوانية وتفريغها في إحدى الرياضات القوية مثل الملاكمة أو الكاراتيه أو الجودو أو كرة القدم الأمريكية؛ وبذلك يكون قد تخلَّص من طاقاته الضارة في مكان غير ضار؛ بل ربما يحصل منه على فوائد وجوائز وحوافز مادية أو معنوية عدة.
2. التهرُّب:
وهي حيلة دفاعية سلبية وسيئة يلجأ إليها الشخص من أجل التملُّص من المسؤولية والتخلص من شعور الفشل عندما لا يستطيع إنجاز مهامه بالشكل المثالي، ويقوم من خلالها بالعودة إلى مراحل طفولية من حياته؛ حيث يعود ليتحدث بالأسلوب نفسه، أو يمكن أن يعود الطفل الكبير الذي دخل إلى المدرسة إلى عادة التبول اللاإرادي في الفراش ليلاً إذا تعرَّض لشدة أو موقف مزعج.
أما البالغ حين يجد صعوبات وإحباطات في عمله ويعجز عن مواجهتها أو حلها، فإنَّه ينكفئ على ذاته داخل غرفته، ويرفض تماماً رؤية أي شخص آخر، أو يتظاهر بالمرض بحيث لا يعرف أحد سبب غيابه عن العمل؛ لذا إنَّ اللجوء الدائم إلى حل المشكلات، يمكن أن يؤدي بالإنسان إلى اضطرابات نفسية جدية، فقط بسبب أنَّه غير قادر على إتمام واجباته ومهامه بشكل مثالي.
شاهد بالفيديو: 6 نصائح للتخلص من مشاعر الخوف من الفشل
3. الانشقاق:
وهي آلية دفاعية يقوم فيها الإنسان بهجر واقعه، والذهاب إلى عالم آخر منعزل، يبتعد به عن جميع بواعث الحزن والذكريات السيئة والأليمة، على سبيل المثال: عندما يتعرض طفل لعنف أو اعتداء جسدي أو معنوي شديد، فلا يعود يتذكَّر هذا الحدث من أساسه.
وهنا يقوم الإنسان باختيار صورة جديدة لنفسه، تختلف بشكل كامل عن صورته في الواقع، تتيح له عدم تذكُّر أي شيء عن الحوادث أو الذكريات البشعة التي كانت تؤلمه؛ فهو بذلك يعتمد على فكرة محو ذاته من تلك الذكريات والخواطر، طالما أنَّه غير قادر على محوها هي.
4. تشكيل رد الفعل:
يمكننا القول إنَّ قانون "لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه"، ليس قانوناً رياضياً فقط؛ بل يمكن تطبيقه في مجالات علم النفس؛ حيث ترتكز عليه آلية الدفاع النفسية هذه، والتي تتجلى بأن يقوم الإنسان برد فعل غريب أو غير متوقع تجاه موضوع ما، مثل أن يرفض تلقِّي مساعدة من جيرانه على الرغم من حاجته المُلِحَّة للمساعدة، كي لا يشعر بالدُّونيَّة أو الضعف أو أنَّهم يشفقون عليه، ومن جهة أخرى فهو يقوم بأعمال مضنية كي لا يطلب المساعدة.
5. الكبت:
يمكن أن نَعُدَّ الكبت من أكثر الوسائل الدفاعية استخداماً في المجتمعات الملتزمة بشدة أو المتزمتة، والتي تُبالِغ في وضع الضوابط والقواعد، وهو لجوء الشخص إلى تجاهل أو نسيان الأحداث والذكريات المؤلمة التي حدثَت في الماضي، عن طريق قمعها ونقلها إلى اللاوعي، ويحاول حذف مرحلة صعبة من حياته أو مواقف مؤلمة وعدم تذكُّرها بمحض إرادته، وهي آلية نفسية دفاعية هامة ومفيدة.
6. الإزاحة:
تُعَدُّ الإزاحة واحدة من آليات الدفاع النفسية السلبية والضارة التي يقوم بها اللاوعي؛ حيث يقوم الإنسان بإزاحة مشاعره أو أفكاره السلبية والمؤذية من إنسان قوي لا يستطيع مجابهته، إلى شخص آخر ضعيف يستطيع التطاول عليه.
على سبيل المثال: الأب الذي يتعرض لمعاملة سيئة وإهانات متكررة من قِبل رئيسه في العمل، وهو غير قادر على الدفاع عن نفسه؛ وذلك لأنَّه في حاجة ماسَّة إلى العمل؛ لذا يعود إلى بيته ويقوم بتفريغ سخطه وغضبه على أطفاله وزوجته، وربما على الحيوانات المنزلية الأليفة، وعلى الرغم من أنَّ هذه الآلية الدفاعية تخضع للسيطرة الواعية، إلا أنَّها في بعض الأحيان تكون خارجة عن إرادة صاحبها.
7. الإسقاط:
يُعَدُّ الإسقاط آلية دفاعية نفسية اكتُشِفَت حديثاً في علم النفس؛ حيث إنَّها وسيلة لا واعية تلجأ لها الأنا كي تدافع عن نفسها، ويقوم الشخص المصاب بها بإنكار عيوبه وسلبياته وإلصاقها على أشخاص آخرين لا علاقة لهم بها؛ وذلك لكي يتخلص من شعوره بالذنب حيال هذه الأخطاء أو العيوب، وكأن يقوم بتفريغ سخطه على عيوبه الذاتية بعد فصلها عن ذاته وتركيبها في شخصية أخرى.
8. الإنكار:
يُعَدُّ الإنكار آلية دفاعية نفسية سلبية، تدفع صاحبها إلى إنكار الواقع الصعب وتجاهله، بدلاً من تقبُّله ومواجهته والتفكير في الحلول المناسبة التي يمكن أن تخلِّصه من المشكلة الواقع بها.
على سبيل المثال: عندما يمرُّ الشخص بحالة صحية سيئة، فيرفض قبول هذه الحقيقة ويمتنع عن تناول الدواء ولا يلتزم بإرشادات الطبيب، ليثبت لنفسه أنَّه قوي وعلى ما يرام، أو عندما يمر بضائقة مادية، فلا يواجهها ولا يتحرك لحلها، وحتى لا يعترف بوجودها أصلاً.
إنَّ سبب كل هذا، هو أنَّ الإنسان يهرب من كل ما من شأنه أن يشعره بالضعف، فيلجأ إلى إنكاره، وقد يكون للإنكار بعض الفوائد على الأمد القصير، ولكن حتماً سيقع في مشكلات واضطرابات عدة على الأمد البعيد.
يكون الإنكار وسيلة مفيدة في حال استعماله لوقت قصير ليأخذ الإنسان بعض الوقت ليستوعب حجم المشكلة، ويعيد ترتيب الأمور في ذهنه باحثاً عن حلول وأدوات تجعله يتعامل مع الحدث الصادم تعاملاً صحيحاً، وتكون فائدة الإنكار قصير الأمد، بأن يُجنِّب الشخص الانهيار النفسي عند تلقِّيه للخبر الصادم مثلاً، ولكن وبكل تأكيد إنَّه من الخطير جداً أن يكون الإنكار طويل الأمد؛ بحيث يبقى الإنسان رافضاً أن يتلقَّى العلاج أو يتقبَّل الواقع ويتعامل معه.
في الختام:
يجب أن نتيقَّن أنَّ آليات الدفاع النفسي ليست أعمالاً إرادية ولا أفعالاً واعية أو مقصودة؛ حيث إنَّها تحصل خارج وعينا وإدراكنا، دون أن نقرر تبنِّيها أو جعلها آلية دفاعية أو غير منطقية، فنحن لا نرى ذواتنا؛ بل ننكر الصعوبات أو نقوم بمنطقتها، كما أنَّنا لا نعلم أنَّنا في مرحلة التهرُّب أو التراجع لمرحلةٍ ماضية من حياتنا، وهذه الآليات وغيرها ممَّا لم نتطرق إليه في هذا المقال، ليست الغاية منها أن تصل إلى الحقيقة؛ بل أن تتعايش مع مواقف الحياة الصعبة وتتفادى مشكلاتها ومِحَنِها
المصادر: 1، 2، 3
أضف تعليقاً