يشعر الفرد المعتدي بالانزعاج غالباً عندما يقوم بسلوك عدواني تجاه الآخرين، كما يشعر بالضيق والانفعال، وقد يجد صعوبةً في التحكم في تصرفاته؛ الأمر الذي يُفقده القدرة على التمييز بين التصرف اللائق اجتماعياً وغير اللائق، وقد يقوم بعض الأشخاص أحياناً بتعمُّد القيام بالسلوكات العدوانية لأغراض الانتقام أو لاستفزاز الغير.
تعريف السلوك العدواني:
في علم النفس، يشير مصطلح العدوان إلى مجموعة من السلوكيات التي يمكن أن تؤدي إلى ضرر جسدي ونفسي لنفسك أو للآخرين أو الأشياء في البيئة. يركز العدوان على إيذاء شخص آخر جسديًا أو عقليًا. في حين أننا جميعًا قد نشعر بالعدوانية في بعض الأحيان، عندما ينتشر العدوان أو يتطرف، فقد يكون علامة على حالة صحية عقلية أساسية أو اضطراب في تعاطي المخدرات أو مشكلة طبية أخرى.
مقدمة عن السلوك العدواني:
نظرًا لأن السلوك العدواني يهدف إلى إيذاء شخص لا يريد أن يتعرض للأذى، يجب أن ينطوي على فعل - مجرد التفكير في إيذاء شخص ما أو الشعور بالغضب لا يكفي، وإيذاء شخص ما عن طريق الخطأ غير مؤهل.
يمكن أن تكون السلوكيات العدوانية جسديًا، مثل الضرب أو الضرب أو الركل أو طعن شخص آخر، كما يعد إتلاف الممتلكات أيضًا شكلاً من أشكال العدوان المادي.
ويمكن أن تكون السلوكيات العدوانية لفظية، والتي قد تشمل السخرية، والشتائم، والصراخ، والتي تهدف إلى الإضرار بعلاقات شخص آخر. يمكن أن يشمل ذلك نشر الشائعات وإخبار الأكاذيب عن شخص آخر.
بينما نفكر غالبًا في العدوان بأشكاله الجسدية، يمكن أن يكون العدوان النفسي أيضًا ضارًا جدًا. ترهيب شخص آخر أو توبيخه لفظيًا، على سبيل المثال، هي أمثلة على العدوان اللفظي والعقلي والعاطفي. التنمر عبر الإنترنت هو شكل آخر من أشكال العدوان غير الجسدي الذي يمكن أن يسبب ضررًا جسيمًا للآخرين.
أنواع السلوك العدواني:
1. العدوان الاندفاعي:
يُعرف العدوان الاندفاعي أيضًا باسم العدوان العاطفي أو التفاعلي، ويتميز بمشاعر قوية. يؤدي العدوان الاندفاعي، خاصة عندما يكون ناتجًا عن الغضب، إلى تشغيل نظام الاستجابة للتهديد الحاد في الدماغ، بما في ذلك اللوزة، وتحت المهاد، والرمادي حول القناة.
هذا الشكل من العدوان غير مخطط له وغالبًا ما يحدث في خضم هذه اللحظة. إذا قطعتك سيارة أخرى في حركة المرور وبدأت في الصراخ وتوبيخ السائق الآخر، فأنت تعاني من عدوان مندفع.
2. العدوان الآلي:
يُعرف أيضًا باسم العدوان المفترس، يتميز العدوان الآلي بالسلوكيات التي تهدف إلى تحقيق هدف أكبر، غالبًا ما يتم التخطيط للعدوان الآلي بعناية وعادة ما يكون موجودًا كوسيلة لتحقيق غاية.
إن إيذاء شخص آخر في عملية سطو هو مثال على هذا النوع من العدوان. هدف المعتدي هو الحصول على المال، وإيذاء فرد آخر هو الوسيلة لتحقيق هذا الهدف.
3. السلوك العدواني عند الكبار:
لا يولد الإنسان وهو ذو سلوك عدواني، فالسلوك يتولد في الإنسان نتيجة مجموعة من العوامل التربوية الخاصة بالأهل، والعوامل الاجتماعية المحيطة، وكذلك المدرسة وجو العمل، وكل تلك العوامل تظهر سلوكيات عند الكبار في مرحلة ما من ا لعمر، فالإيجابية منها لها مرتكزاتها، وأسبابها، وكذلك السلبية منها، وكل تعود في النهاية إلى تلك العوامل، فالتعرض للتنمر أو الظلم في مرحلة من مراحل العمر المتقدمة بكل تأكيد ستنتج سلوكاً عدوانيا في مرحلة الكبر من العمر.
للسلوك العدواني عوامل ثلاثة تختلف في أثرها وكينونتها، وهي:
1. العوامل البيولوجية للسلوك العدواني:
تعود هذه العوامل إلى الجنس والنوع، وتنقسم إلى نوعين هما الذكر والأنثى، ولقد أثبتت الدراسات أنَّ الذكور هم من يسلكون مسلك السلوكات العدوانية الجسدية في الغالب، كما أثبتت الدراسات أنَّه على الرغم من أنَّ الإناث قد يلجأن إلى السلوك العدواني بشكل أقل منه عند الذكور، إلا أنَّهن يستخدمن السلوكات العدوانية غير الجسدية، مثل السلوكات العدوانية اللفظية، أو سلوكات الرفض الاجتماعي.
2. العوامل البيئية للسلوك العدواني:
وتتمثل في بيئة المنشأ للفرد؛ إذ إنَّ البيئة التي ينشأ فيها الشخص تؤثر كثيراً في قيامه بالسلوكات العدوانية من عدمه، وذلك الفرد الذي تربَّى على مشاهدة الكثير من السلوكات العدوانية في الصغر، غالباً ما سيصبح في الكبر على يقين بأنَّ هذه السلوكات مقبولة اجتماعياً.
3. العوامل الجسدية للسلوك العدواني:
تتمثل العوامل الجسدية في العوامل الصحية والنفسية، والتي قد تؤثر كثيراً في قيام الشخص بانتهاج السلوكات العدوانية، مثل الإصابة بالصرع أو الخرف أو الذهان أو تعاطي الكحول أو المخدرات أو الإصابة بتشوهات وإصابات الدماغ.
مفهوم السلوك العدواني:
عرَّفه الكثيرون من خبراء وعلماء علم النفس، ونذكر من تلك التعريفات الآتي:
- عرَّفه العالم "ماسان" على أنَّه "سلوك يتخذه الفرد لإلحاق الأذى بأيٍّ من الكائنات الحية، أو لإفساد وتحطيم كائنات غير حية".
- عرَّفه "أرجيلي" على أنَّه "السلوك الذي يوجِّهه القائم به إلى إيقاع الأذى بالأشخاص الآخرين أو ممتلكاتهم، وقد يكون هذا الأذى بدنياً أو لفظياً".
- عرَّفه "إدموند" أيضاً على أنَّه "أيُّ أذى بدني أو مادي أو معنوي، يُلحقه شخص ما بشخص آخر".
يمكننا إجمال التعريفات السابقة في تعريف أكثر دقة وأقرب إلى الوصف الدقيق للسلوك العدواني، وهو كما الآتي: "أيُّ سلوك يقوم به الفرد لإلحاق الأذى بالأفراد الآخرين أو ممتلكاتهم، ومحاولة أولئك الأفراد تجنب هذا الإيذاء سواءً كان بدنياً أم لفظياً".
خصائص السلوك العدواني:
من أهم خصائص السلوك العدواني أنَّه يتعمَّد إيذاء شخص ما، ويعتمد على أسلوب الشخص الذي يقوم بالسلوك العدواني وتمكُّنه في الإيذاء عن عمد، أمَّا في حالة حدوث صدام مع شخص آخر أدى إلى إلحاق الأذى به، فإنَّ هذا لا يُعَدُّ سلوكاً عدوانياً.
تتمثل أبعاد العدوان السلوكي فيما يأتي:
- العدوان البدني.
- العدوان اللفظي.
- العدوان المباشر.
- العدوان غير المباشر.
تصنيف "بوس" لأبعاد السلوك العدواني:
- رغبة المُعتَدى عليه في تجنب هذا الإيذاء؛ إذ إنَّه بالطبع لا يوجد شخص سويٌّ قد يرغب في التعرض للإيذاء؛ وإنَّما سيفعل كل ما في وسعه لتجنب هذا العدوان الموجه إليه، وقد يؤدي هذا التجنب إلى تحقيق هدف المعتدي من الإيذاء.
- توجد حالات لا تُعَدُّ عدواناً، وقد تكون متمثلة في إيذاء الذات، كأن يصل شخص ما إلى حالة من الغضب الشديد يقوم معها بإيذاء نفسه دون شعور، وهذا لا يُعَدُّ عدواناً، ومن ثمَّ، فإنَّ إيذاء الذات غالباً ما يكون بسبب الاكتئاب الذي تتعدد أسبابه؛ الأمر الذي يثبت أنَّ إيذاء الذات ليس من صور العدوان السلوكي.
- يتضح الهدف من العدوان فيما يأتي:
- العدوان العدائي: ينتج العدوان العدائي عن الغضب الشديد الذي قد يتعرض له الشخص، ولتكون نتيجة هذا الغضب إيذاء الشخص الذي أوصله إلى هذه المرحلة من الغضب الشديد؛ حيث يصبح هدف الشخص الغاضب إيقاع الآلام والتعذيب على الطرف الآخر.
- العدوان الوسيلي: يكون هدف العدوان هنا الوصول إلى تحقيق هدف معيَّن، وليس إلحاق الأذى بالشخص الآخر على وجه الخصوص، وذلك مثلما يحدث في الحروب، حيث يكون الهدف الأساسي احتلال مكان معين. ومن هنا نرى أنَّ التمييز بين العدوان العدائي والعدوان الوسيلي يكون صعباً إلى حدٍّ ما، فقد يتحول العدوان العدائي إلى عدوان وسيلي.
- السلوك العدواني والمعايير الاجتماعية؛ حيث توجد كثير من الاعتداءات التي تنتهك معايير وقيم المجتمعات مثل القتل، والاغتصاب، والضرب، واعتداءات العصابات؛ فهي ضد قيم المجتمع.
ومن الناحية المقابلة، هناك بعض الأفعال العدوانية التي تكون مساندة لمعايير المجتمع، مثل تنفيذ القانون من خلال محاكمة المذنب، فهذا لا يُعَدُّ عدوان ما دام مسانداً للمجتمع، وكذلك عقاب الأب لابنه، فهو من أجل التربية وتحسين السلوك للأفضل، وعند إطلاق رجل الشرطة النيران، وقتل الإرهابيين والمجرمين، فهذا لا يُعَدُّ عدواناً؛ بل هو حماية للمجتمع.
شاهد بالفديو: صفات الشخصية العدوانية وكيفية التعامل معها
العدوان المجاز قانوناً:
هو ذلك العدوان المتمثل في الرد على أفعال عدوانية لا يفرضها المجتمع، ولا تمس المعايير الأخلاقية، مثل رجل الأمن الخاص بالمحلات التجارية عند تعرُّض المكان للسرقة وقيام رجل الأمن بإطلاق النار على المعتدي، أو إصابة امرأة لشخص يعتدي عليها.
أسباب السلوك العدواني:
العنف والسلوك العدواني لا يأتي من فراغ، بل تقبع خلفه العديد من المسببات والعوامل المؤثرة، وفيما يلي نتعرّف على أهم أسباب السلوك العدواني:
1. الغضب:
يُعَدُّ الغضب من أهم العوامل التي قد تسبب السلوك العدواني، كما توجد أيضاً أسباب تسبب حدوث حالة الغضب، مثل الإحباط أو الهجوم والغزو.
2. الإحباط:
يحدث الإحباط عندما يصطدم الشخص بشيء ما، مثل العمل على الوصول إلى شيء ما ولم يحدث؛ فيصاب بالإحباط، أو عند وقوف شيء ما بين الشخص وبين ما يريد تحقيقه، وقد تكون هذه الإعاقة داخلية مثل الشعور بعدم كفاءة الشخص أو الشعور بالقلق وهذا يعوق بينه وبين تحقيق أهدافه.
3. الهجوم:
قيام فرد بالهجوم على فرد آخر في موقف ما، مثل قيام فرد في أثناء نقاش ما بالهجوم اللفظي على الشخص الآخر، أو حدوث موقف مفاجئ للفرد يؤدي إلى حدوث غضب عند الآخر.
4. الغزو:
هو ظاهرة نتيجة إدراك الشخص أنَّ الهجوم أو الإحباط الموجَّه ناحيته مقصودٌ وممنهجٌ من قِبل الشخص الآخر.
العوامل المؤثرة في السلوك العدواني:
1. العوامل الشخصية:
تتمثل العوامل الشخصية في الآتي:
- أسباب عصبية وكيميائية: شرب الكحول على سبيل المثال؛ حيث توجد دلائل عملية عديدة تؤكد على ارتباط شرب الكحول بالسلوك العدواني، مثل نسب حدوث المشاجرات في الأماكن المرخص بها شرب الكحول.
- الاتجاهات التعصبية: توجد اتجاهات تعصبية سلبية وإيجابية، وعند التحدث عن السلبية منها، نجد أنَّها قد تصل إلى العنف الشديد، ومن صوره الإبادة الجماعية لفئة معيَّنة في المجتمع، أو الإعدام دون محاكمة قانونية.
2. العوامل الاجتماعية:
- المعايير الاجتماعية: تتمثل في المعايير الخاصة بالمجتمع عند حدوث فعل عدواني بين أفراد المجتمع، مثل تشاجر شخص مع آخر؛ فهذا ينتج عنه عنف، لكنَّه يكمن في إطار معايير المجتمع المقبولة نوعاً ما، ولكنَّ غير المقبول على الإطلاق قيام مشاجرة بين ذكر وأنثى أو شاب وعجوز أو فرد سليم بدنياً وآخر عاجز، فهذا ضد معايير المجتمع.
- التنشئة الاجتماعية: توجد علاقة وثيقة بين السلوك العدواني والتنشئة الخاصة بالفرد؛ إذ يرتبط السلوك العدواني ارتباطاً سلبياً بأسلوب السماحة المرشدة، ويرتبط ارتباطاً إيجابياً بأسلوب التشدد وعدم الاتساق في المعاملة؛ بمعنى آخر، تربط السلوك العدواني والتشدد علاقة طردية، بينما تربط السلوك العدواني والسماحة علاقة عكسية.
- الظروف السيئة في المجتمع: مثل غياب العدالة الاجتماعية، فهي من الظروف السيئة، وكذلك فقد القيم الحقيقية للعمل وغياب السلطة وتركيزها بيد شخص واحد أو فئة قليلة وغياب حرية التعبير عن الرأي لأفراد المجتمع.
3. عوامل أخرى مسببة للسلوك العدواني:
- مشاهدة العنف في وسائل الإعلام: وضَّح العالم النفسي (ألبرت باندورا) أنَّ مشاهدة بعض الأشخاص لآخرين يقومون بأعمال العنف، فهذا قد يؤهلهم للقيام بالسلوك العنيف نفسه، سواءً كان المشهد من البالغين أم الأطفال.
- المنبهات الكريهة: يكون لها آثار ضارة في الصحة العامة للفرد، ومن هذه المنبهات الطبيعية الكريهة التي تؤدي إلى وجود السلوك العدواني، ارتفاع درجات الحرارة وتلوث الهواء والضوضاء والازدحام، فهذه المنبهات تمثل ضغوطاً نفسية.
كيفية الوقاية من السلوك العدواني:
- تفادي الممارسات الخاطئة في تنشئة الأطفال: وذلك بعدم التساهل الشديد مع الطفل حتى يصل إلى حد الإهمال لغياب الضوابط، وعدم التشدد الزائد عن الحد الذي يؤدي إلى وجود العنف وشعور الطفل برفض المجتمع له.
- تقليل تعرض الأفراد لمسببات السلوك العدواني: وذلك بالبعد عن أهم العوامل المسببة للعدوان، وهي الإحباط والهجوم.
- تعلُّم قمع التعبير عن السلوك العدواني: هي معرفة الفرد وإدراكه متى يكون السلوك العدواني مسموحاً به أو غير مسموح به، وعند إدراك هذا يقوم الفرد بقمع السلوك العدواني.
- ضبط الوالدين للسلوك العدواني لأبنائهم: وذلك من خلال اتباع الإجراءات الآتية:
- مكافأة الوالدين نجلهم عند القيام بسلوك مرغوب فيه، مثل حسن التعامل مع طفل آخر دون ظهور أيِّ سلوك عدواني.
- عدم تجاهل الوالدين قيام الطفل بسلوك عدواني، وإذا كان السلوك العدواني عنيفاً، فلا بُدَّ من الوقوف عنده بحزم وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب.
- تقليل عرض الأفلام وبرامج العنف التي تُبَثُّ في وسائل الإعلام.
- حثُّ الحكومات على التغيُّرات الملائمة في ظروف البيئة؛ حيث تهتم نظرية التعلم الاجتماعي لهذا الأمر، ثم إنَّ ملاحظة نماذج السلوك غير العدواني تؤدي إلى اكتساب سلوك غير عدواني، ولهذا وجب على المجتمع العمل على إقصاء النماذج العدوانية فيه كافة.
- تنمية سلوك المساعدة والتعاون عند الأطفال.
الكاتب: د. عمر فهمي عمر
المصادر:
- د. إلهام عاشور، "أساسيات علم النفس وعلم الاجتماع"، جامعة القاهرة – كلية التجارة.
- د. معتز سيد عبد الله، 2018، "مدخل إلي علم النفس الاجتماعي"، جامعة القاهرة – كلية التجارة.
- د. عبد الستار إبراهيم، 2012، "أسس علم النفس"، عالم المعرفة.
أضف تعليقاً