متلازمة جانسر: أسبابها، وأعراضها، وعلاجها، وأوجه تشابهها مع مرض الفصام

تعدُّ اللامبالاة عنواناً لحياته، وتتصدر كلمة "لا" جميع نقاشاته وأجوبته، ويهرب من المسؤولية ليعلق في متاهة اللاوجود؛ فيكون موجوداً شكلياً فقط، لكنَّ تركيزه وقدراته المعرفية والإدراكية تنخفض إلى أدنى المستويات.



قد تستغرب من شرود ذهنه الدائم وتلبُّك أجوبته وعدم منطقيتها، وينتابك الخوف عندما تجده يتحدث إلى أشخاص غير موجودين حقيقة، وكأَنّه غارق في خيالات وهمية ينسجها دون أن يكون لها صلة بالواقع البتة؛ كما أنَّه يميل إلى الصمت دوماً، ويكون دائم الشك في تقبُّل الآخرين له ولأفكاره، ممَّا يجعله مرتاباً وقلقاً من الانخراط مع البشر.

ينبع انعزاله الدائم وضعف مهارات التواصل لديه من ثقته المهزوزة بنفسه من أيام الطفولة، فقد يكون ضحية ظلم أسري وغياب الحنان والاهتمام، ولكنَّه عوضاً عن التكيف مع الواقع واكتساب المهارات التطويرية التي تساعده في المضي قدماً، يغرق في ماضيه المؤلم، مُصعِّداً الأمور إلى أقصاها، ومتخلياً عن متعة الحياة في سبيل تبني الأوهام والهلوسات والرفض واللامبالاة والانعزالية والسوداوية.

يعيش في حالة من التناقض المؤلم؛ فبينما يُظهِر عدم قبولٍ ورفض مطلق لكل شيء، يتمنى الوصول إلى حالة من الأمان والرعاية والحب المفقود في حياته، فيميل إلى ادعاء المرض والوهن والاضطرابات الحركية في سبيل الفوز بمشاعر الآخرين الإيجابية ونيل اهتمامهم وحبهم.

إنَّه صديق التيه والضياع والسلبية والهشاشة، وهو بأمسِّ الحاجة إلى الاحتواء والمساعدة؛ فهو طفل هش من الداخل، وينشد الأمان والتوازن النفسي.

ما هي متلازمة جانسر؟

اضطراب نفسي نادر الحدوث، يميل صاحبه إلى ادعاء المرض والضعف في سبيل تغذية المشاعر الناقصة في داخله؛ فهو بحاجة إلى أن يشعر باهتمام الناس به وخوفهم عليه وحبهم له، ويقوم بتلك التصرفات التي تستجدي مشاعر الآخرين في باطنها بهدف تعويض ما فقده خلال حياته من مشاعر صحية ضرورية؛ إلَّا أنَّه ينزع في الوقت نفسه إلى الانعزال عنهم، ويُؤثِر البقاء وحيداً على الوجود ضمن مجموعة من الناس، الأمر الذي يدل على وجود صراعات نفسية خطيرة تعصف به.

إنَّه شخص مفلس، ولا يأبه بصحته، ولا يمانع إدمان الكحول والذهاب بدماغه ووعيه إلى الهاوية؛ فقد سلَّم عجلة قيادة حياته إلى الوهم، وأصبح عبداً لهلاوسه وأفكاره اللامنطقية، واحترف حالات الشرود الذهني السلبية، ولم يسعَ إلى القيام بأي خطوة تعيده إلى التواصل الفعال معهم، وتُرمِّم ثقته المهزوزة بذاته، وتُنقِذ ما تبقى من قدراته المعرفية والإدراكية التي تضررت بفعل سلبيته المطلقة واستهتاره الكبير.

ما هي أعراض متلازمة جانسر؟

1. العدوانية:

يميل مريض متلازمة جانسر إلى إظهار سلوك عدائي تجاه المجتمع، فلا يثق بأشخاصه، ويتوقع منهم أسوأ الأمور؛ ويرجع هذا إلى ضعف ثقته بذاته ونظرته الداخلية المشوهة.

يحترف الرفض في كل شيء، حيث يتبنَّى كلمة "لا" في جميع أحاديثه وأجوبته، وينبع رفضه من حالة الكبت النفسي والظلم التي اختبرها طوال حياته، الأمر الذي صنع لديه ردة فعل عكسية، ونمَّى مشاعر عدم التصالح مع الذات والواقع والآخرين.

2. التلذّذ بلعب دور الضحية: 

يحترف مريض متلازمة جانسر لعب دور الضعيف والمريض رغم عدم ظهور أيِّ أعراض مَرضِية عليه، وذلك طمعاً في كسب اهتمام الناس كوسيلة تعويض عن النقص العاطفي الذي عانى منه طوال حياته؛ فهو لا يشعر بقيمته ووجوده، بل يميل إلى صنع قيمته من الآخرين.

3. الانعزالية وعدم التواصل:

لا يحب مريض متلازمة جانسر الانخراط مع المجتمع، فهو لا يملك الثقة الكافية للتعبير عن ذاته وأفكاره، ولا يثق بالآخرين، ويخاف من نظرتهم السلبية عنه؛ لذا يميل إلى البقاء وحيداً رفقة أفكاره وتفاصيله الخاصة.

إقرأ أيضاً: دور الضحية

4. اللامنطقية:

تتأثر المحاكمة المنطقية لدى مريض متلازمة جانسر، الأمر الذي يجعله غير قادر على ترتيب أفكاره وربط معلوماته من أجل الإجابة عن سؤال بسيط جداً.

5. الهلاوس:

يتبنى مريض متلازمة جانسر حياة أخرى من صنع خياله، بحيث تنتابه هلاوس سمعية وأخرى بصرية، كأن يسمع ويرى أشياء لا وجود لها في الواقع؛ إضافة إلى تفكيره في أفكار غير منطقية، كفكرة كونه مراقَباً على مدار الساعة من قبل جهاز مخابراتي.

6. تدهور القدرات المعرفية: 

يتعرض دماغ مريض متلازمة جانسر إلى الأذية من جراء السلبية المفرطة والصدمات النفسية المتكررة دون محاولة التعامل معها على نحو مختلف، والخلفية الأسرية القاسية وغير الآمنة، أو تعرِّضه إلى مشكلات عضوية خطيرة؛ الأمر الذي يؤثر في وظائف المخ المعرفية، فينخفض تركيزه، ويزداد شروده وتلبكه الذهني، ويعاني من فقدان ذاكرة وتشوه في الوعي والإدراك.

7. الاضطرابات الحركية:

يشتكي مريض متلازمة جانسر من اضطرابات في الحركة، وقد أطلق عليها العلماء اسم "الشلل الهيستيري"، حيث يفقد الإحساس بجسده أو بجزء من أعضائه؛ لكن غالباً ما تكون هذه الاضطرابات في أغلب الأوقات وهمية، ولا ترجع إلى أسباب عضوية حقيقية.

8. اللامبالاة:

يتهرب مريض متلازمة جانسر من المسؤوليات أو الأعمال الملقاة على كاهله، ويُعلِن عدم اكتراثه أو رغبته في فعل أي شيء، ويفقد المتعة بالأمور التي كانت تسعده فيما مضى، ولا يأبه بإدمان الكحوليات أو السجائر، ولا يفكر في أمر صحته المهدورة.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح فعالة لعلاج الاكتئاب النفسي

ما هي أسباب متلازمة جانسر؟

1. ضعف الإرادة وقلة المهارات:

لا يمتلك الكثير من الناس مهارة التعامل مع ضغوطات الحياة والقدرة على رؤية الجانب المشرق ممَّا يختبرونه من تجارب سلبية، الأمر الذي يُبقِيهم تحت رحمة المشكلات المحيطة بهم، عالقين في ثناياها دون حول ولا قوة، ممَّا يجعلهم أكثر عرضة إلى الإصابة بمتلازمة جانسر؛ حيث تتراكم الصدمات النفسية المتكررة غير المعالجة وغير المستفاد منها في اللاوعي، وتُلقِي بظلالها على الإنسان مشوهة استقراره الداخلي.

شاهد بالفديو: ماذا يجب عليك أن تفعل عندما تكون غارقاً في ضغوطات ومشاغل الحياة؟

2. الاستسلام والإدمان:

قد يرفع الإنسان راية الاستسلام أمام تحديات الحياة، ويُعلِن تبنِّيه طريق الإدمان لكي يهرب من واقعه ومشكلاته؛ الأمر الذي يعرِّض دماغه إلى الأذية والضرر، ويمهد الطريق إلى الإصابة بمتلازمة جانسر.

3. الإصابات الدماغية:

تزداد نسبة الإصابة بمتلازمة جانسر لدى أولئك الذين أُصِيبوا بسكتات دماغية أو ممَّن تعرَّضوا إلى حوادث سبَّبت الضرر للدماغ.

4. الكبت النفسي:

ينبع رفض الشخص للمجتمع وعدم قدرته على الانخراط مع أشخاصه من تبنِّيه أسلوباً سلبياً في تعاطيه مع الحياة، وتأتي سلبية الشخص من نشأته في بيئة أسرية قاسية لا تراعي حق الطفل في التعبير عن آرائه وأفكاره، وتتبع معه أسلوب الفرض والقسر بدلاً من أسلوب الإقناع والتبيان؛ الأمر الذي يخلق إنساناً هشاً ومهزوزاً وغير واثق بنفسه وغير متوازن نفسياً وغير قادر على التعبير والتواصل مع الآخرين.

إقرأ أيضاً: تعبير الأطفال عن مشاعرهم: خطوة مُنجية من الوقوع في شرك الكبت

ما أوجه الشبه بين متلازمة جانسر ومرض الفصام؟

تتشابه متلازمة جانسر مع مرض الفصام في الكثير من الأعراض منها:

  1. التوتر والقلق وانعدام الاستقرار.
  2. الانعزالية والانطوائية وعدم القدرة على التكيف مع البيئة.
  3. الهلاوس السمعية والبصرية.
  4. الأفكار غير المنطقية وتشوه الإدراك.
  5. فقدان الذاكرة.
  6. غياب الوعي لدرجة فقدان الهوية الشخصية.
  7. اللامبالاة وفتور المشاعر والخمول.
  8. التهرب من المسؤولية وفقدان الرغبة في القيام بأي شيء.
  9. الشرود والتلبك الذهني وفقدان المحاكمة المنطقية والتركيز وسلاسة الإجابة.
  10. الاضطرابات الحركية الناتجة عن تغير في توتر العضلات ونشاطها، وقد تكون على شكل جمود عضلي (شلل هستيري) أو استثارة هيستيرية تزيد من النشاط والحركة.

ما علاج متلازمة جانسر؟

يعتمد العلاج على السبب الرئيس الكامن وراء الأعراض المصاحبة للمرض، حيث يختلف العلاج من حيث الأدوات والمدة الزمنية في حال كان المرض ناتجاً عن ردة فعل الشخص عن تجربة نفسية مُجهِدة، أم ناتجاً عن نمط طويل الأمد في السلوك غير الملائم، أو ناتجاً عن أسباب عضوية.

يعتمد العلاج الحديث على استخدام مضادات الذهان بحيث تكون على شكل حقن تُؤخَذ في مدة زمنية معينة، مع مراعاة الوضع الصحي لمرضى متلازمة جانسر من حيث الأمراض المزمنة كالسكري والضغط؛ كما ينبغي:

  • العمل على مساعدة المريض في الوصول إلى الاعتراف بمرضه، فهو لا يشعر أنَّه مريض بالفعل.
  • مراقبة المريض بحيث لا يتسبب بالأذى لنفسه أو للآخرين، وقد يستدعي الأمر نقله إلى المستشفى في الحالات الشديدة من المرض.
  • احتواء المريض نفسياً، والعمل على إغداقه بالحب والرعاية والحنان؛ ذلك لأنَّه في أمس الحاجة إلى المشاعر الصادقة والدافئة.
  • إخضاع المريض إلى جلسات نفسية يستطيع من خلالها أن يُفرِّغ مكنوناته ويشارك ألمه ويُعبِّر عمَّا اختبره من تجارب وظروف وتفاصيل في حياته، بحيث يكشف الطبيب النفسي الأسباب العميقة التي أدت إلى إصابة الشخص بمتلازمة جانسر.
إقرأ أيضاً: أهم المعلومات عن الشخصيات في علم النفس

الخلاصة:

يودي كبت المشاعر بحياتكم إلى الهاوية، ويُعرِّضكم إلى الإصابة بأمراض خطيرة؛ لذلك عبِّروا عن أنفسكم، وشاركوا مَن تثقوا به ألمكم، على أن تكون مشاركة بهدف التفريغ وإيجاد حلول وأفكار جديدة مثمرة، وليست بداعي الاستسلام والخنوع وقلة الحيلة.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة