ما هي أسباب فقدان الشغف وعلاماته وكيف نعالجه؟

قد تستيقظ في أحد الصباحات وتشعر بأنَّ كل شيء من حولك لا لون له ولا طعم، وأنَّ كل فعل تقوم به، أنت مُجبرٌ عليه وليست لديك أدنى رغبة أو حماسة إلى أدائه، ولو كان الخيار بيدك، لفضَّلتَ البقاء في السرير والتحديق بالجدران كل اليوم، إذاً أنت تمرُّ بحالة فقدان الشغف، وهي حالة شائعة كثيراً في مجتمعاتنا المعاصرة، وتحدث نتيجةً للضغوط الكثيرة التي يعاني منها الفرد؛ لذلك سنتكلَّم أكثر في هذا المقال عن حالة فقدان الشغف وعن أسبابها وعلاماتها وطرائق علاجها.



ماذا يعني فقدان الشغف؟

الشغف هو الدافع الذي يمتلكه الإنسان، والرغبة الملحة التي تحفزه إلى إنجاز عمل ما؛ إذ إنَّ الشغف يملأ الإنسان بالطاقة والحيوية ويزيد إيمانه بقوَّته وقدرته على النجاح والوصول وتحقيق الأهداف، وفي مرحلة ما يفقد الإنسان كل تلك المشاعر ويعيش في حالة فقدان الشغف.

حيث تغلب على الإنسان مشاعر الإحباط والتعب والإرهاق، ويشعر وكأنَّه عاجز عن الاستمرار في طريق تحقيق أحلامه أو حتى عاجز عن مواصلة حياته اليومية، فهو حالة من الملل وقلَّة الحماسة وعدم القدرة على لمس السعادة حتى في الأشياء التي كانت مصدراً لها في الماضي.

يمكن أن نقول إنَّ هذه المرحلة من أخطر المراحل التي تصيب الإنسان؛ وذلك لأنَّها توصله إلى حالة من العدمية ومن عدم الإحساس بأي شيء يحيط به ولا حتى بالوقت الذي يمضي؛ إذ إنَّها حالة من الضياع وكأنَّ أسوأ ما يمكن أن يحدثَ، يحدثُ الآن بالفعل؛ لذلك لا فائدة تُرجى من صديق أو من حبيب أو من عمل، فكل ما تشعر أنَّك بحاجة إليه هو الجلوس وحيداً وبعيداً، وكأنَّ أحدهم أطفأ النور داخلك.

لا يوجد أحد من الناس بمعزل عن الإصابة بهذه الحالة، ولو لمرَّة واحدة في حياته، وتسمَّى هذه الحالة في علم النفس حالة "فقدان الدافعية".

إقرأ أيضاً: ما هو الشغف؟ وكيف نكتشفه ونصل إليه؟

أسباب فقدان الشغف:

الأسباب التي تقف وراء فقدان الشغف كثيرة ومتعددة ومختلفة من شخص إلى آخر؛ لذلك لا يُمكن حصرها في مجموعة محددة من الأسباب أو في سبب واحد، فغالباً ما يكون الوصول إلى هذه المرحلة ناتجاً عن مجموعة كبيرة من العوامل والأسباب المتراكمة التي أدت في النهاية إلى فقدان الإنسان شغفه، ومن هذه الأسباب:

  • الفشل: عندما يتكرر فشل الإنسان لأكثر من مرَّة في إنجاز هدف أو رغبة ما؛ فإنَّه يبدأ فقدان الثقة بنفسه، كما يشعر بالإحباط، ويرسم في نفسه تصوراً على أنَّه شخص فاشل ولن يتمكَّن مهما بذل من جهدٍ أن يُحقِّقَ أحلامه وأهدافه، وهذا ما يدفعه إلى الانعزال والتوقف عن القيام بأي شيء.
  • رفع سقف توقعات الإنسان وعدم القدرة على الوصول إلى تلك التوقعات مهما تقدَّم وتطوَّر، وبالطبع هذا من شأنه توليد شعور الإحباط وقلَّة الإنجاز؛ مما يسبب فقدان الشغف بمتابعة الطريق.
  • الملل: تحقيق الأهداف والوصول إلى نتائج مُرضية لا يحدث بسرعة؛ بل يحتاج إلى وقت طويل وجهد مستمر ومتواصل، ولكنَّ بعض الناس يشعرون بالملل في منتصف الطريق؛ وذلك بسبب الصعوبات التي يواجهونها للمتابعة، فيسيطر عليهم الإحساس بالعجز؛ مما يمنعهم من التقدم والاستمرار في طريقهم.
  • تكرار الأعمال اليومية وسيطرة الروتين نفسه على حياة الإنسان أحد الأسباب الهامة لفقدان الشغف، فالإنسان يشعر بأنَّ حياته ليس لها أي معنى، وأنَّه على علم مُسبق بكل ما سيحدث معه في اليوم التالي، وهذا ما يُسبب مللاً وكرهاً للحياة التي يعيشها فيفقد الرغبة في متابعتها.
  • غياب الأهداف: حالة من التشتت يعيشها الناس الذين لا يملكون هدفاً بسبب عدم القدرة على الإنجاز، وهذا سيكون سبباً رئيساً للشعور بالإحباط.
  • عدم وجود مُشجِّع ومُحفِّز لتحقيق الشغف، فعندما يغيب هذا الحافز ستصبح أهدافنا مجرد أمنيات لا قدرة لنا على تحقيقها.
  • الاستمرار بمقارنة حياتك مع حياة الآخرين الذين تمكنوا من تحقيق أهدافهم، يُعطيك شعوراً بأنَّك الوحيد الذي عجزتَ عن تحقيق هدفك، وهذا يؤثِّر بشدة في ثقتك بنفسك وفي رغبتك في تحقيق أحلامك.
  • وسائل التواصل الاجتماعي اليوم قد تكون سبباً آخر لفقدان الشغف؛ وذلك لأنَّ الناس فيها وخاصةً المشاهير الذين يملكون تأثيراً في الناس يميلون إلى عرض النواحي الإيجابية من حياتهم؛ مما يُشعِر الإنسان العادي بأنَّ الجميع يمتلكون السعادة، في حين هو منغمس بصعوبات الحياة اليومية.
  • التعب والإرهاق وفقدان الطاقة بسبب الظروف الصعبة التي يعيشها الإنسان تُفقده الشغف.
  • ومن أخطر ما يحدث أن يكتشف الإنسان بعد رحلة طويلة من التعب أنَّ ما يبحث عنه لن يجده في نهاية هذا الطريق الذي يسلكه، وأنَّ ما يبحث عنه هو شيء آخر تماماً.

من الهام أن نُشير إلى أنَّ فقدان الشغف قد يكون ناتجاً عن الإصابة ببعض الأمراض، مثل الانفصام العقلي أو اضطراب ثنائي القطب، وغيرها من الأمراض.

إقرأ أيضاً: كيف تُنشِئ قائمة بالأمور التي تمتلك شغفاً نحوها لتطوير حياتك

علامات فقدان الشغف:

الشخص الذي يمرُّ بحالة فقدان الشغف تظهر عليه مجموعة من العلامات والدلائل وقد تتشابه هذه الأعراض مع أعراض الاكتئاب، وسنذكر فيما يلي أهمها:

  • التشاؤم وعدم القدرة على التفكير بإيجابية مع فقدان الثقة بالقدرة على الوصول إلى ما نبحث عنه؛ إذ تصبح الحياة مجرَّد مكان سيئ والأهداف غايات لا معنى لها.
  • الشعور بالقلق الذي ينتج عنه إحباط وشعور بالدونية والفشل.
  • يسيطر على حياة الشخص المصاب بهذه الحالة شعور مستمر بالملل وبأنَّ جميع الأعمال التي يقوم بها غير هامة ولا يملك ذرة حماسة تجاهها.
  • الرغبة في البقاء في السرير وعدم خوض الحياة ولا مزاولة الأعمال، إضافةً إلى الشعور بعدم الرغبة في الحديث والتواصل مع الآخرين.
  • الندم على القرارات السابقة المُتخذَة، والشعور بأنَّها كانت خاطئة وأنَّها السبب الرئيس وراء كل هذه المشاعر، ولو أنَّه اختار شيئاً آخر، لكان في مكان أفضل الآن.
  • عدم استقرار العلاقات مع المحيط وتعدد المشكلات وظهور الخلافات وخاصةً مع المقربين.
  • الأرق وعدم القدرة على النوم.

وهنا تجدر الإشارة إلى أنَّ فقدان الشغف هو مصطلح مختلف عن الاكتئاب، وأنَّه قد يكون أحد علامات الاكتئاب، وللتفريق بين المصطلحين يمكن الانتباه إلى النقاط التالية:

  1. يختلف الاكتئاب عن فقدان الشغف بالأسباب كما يختلف بطرائق العلاج.
  2. فقدان الشغف ليس مرضاً أو اضطراباً نفسياً مثل الاكتئاب؛ بل هو عبارة عن مرحلة مؤقتة يمرُّ بها الإنسان خلال حياته.
  3. لا يحتاج المصاب بحالة فقدان الشغف إلى جلسات علاج طبي أو أدوية أو البقاء في المستشفى كما يحدث في الاكتئاب؛ بل كل ما يحتاج إليه المريض هو بعض الدعم والإرشادات والنصائح.
  4. الاكتئاب قادر على تفجير الحالات الإبداعية لدى الشخص المصاب به من شعر أو نحت أو رسم، أمَّا فقدان الشغف فهو حالة من الخواء التي تصيب الشخص لتشعره بأنَّه عاجز عن أي إنجاز.

شاهد بالفديو: 8 أشياء يجب أن تقوم بها حتى تعيش شغف الحياة

علاج فقدان الشغف:

يؤدي فقدان الشغف إلى مجموعة من الآثار النفسية السيئة، فيصبح الشخص أكثر عصبية وأكثر حقداً، كما تزيد لامبالاته ويصبح عاجزاً عن اتخاذ القرارات ويبتعد عن الناس، وفي بعض الحالات يفكر جدياً في الانتحار؛ لذلك لا بدَّ من البحث عن طرائق العلاج للتخلص من هذه الحالة بأسرع وقت قبل أن تمتدَّ الآثار وتتغلغل في حياة الشخص وتخربها، ومن هذه الطرائق:

  • عليك أن تعرف ما تُحِبُّه فعلاً وما تريد تحقيقه، ويجب أن تضع أهدافاً عملية وقابلة للتحقيق.
  • لا تُصعِّب الأمر عليك ولا تحاول الوصول بسرعة؛ بل ضع في حسبانك أنَّ الرحلة طويلة، وحتَّى تتغلب على مشاعر الإحباط أو البرود الذي سيصيبك، حاول جعل هدفك مؤلفاً من خطوات عدَّة؛ حيث كلما نجحتَ في خطوة، فسوف تأخذ دافعاً وتشجيعاً لتقطع الخطوة الأخرى.
  • قراءة بعض أنواع الكتب والروايات ومشاهدة الأفلام التي تعطي حافزاً وتشجيعاً قد تكون من الطرائق المساعدة لك لتجاوز هذه المرحلة.
  • النوم لفترات كافية هام جداً للحفاظ على نشاطك وطاقتك، ومن ثم تزيد قدرتك على العمل والإنجاز.
  • لا تُنهِك نفسك في العمل وتُحوِّل حياتك إلى قائمة من المهام الكثيرة التي يتعيَّن عليك إنجازها؛ بل اعتد أن تأخذ استراحات بين فترة وأخرى، ومارس الهوايات والأعمال التي تحبها.
  • ابتعد عن الأشخاص السلبيين الذين لا يتوقفون عن التذمر ونشر الطاقة السلبية، واستبدلهم بأشخاص إيجابيين يعطونك التشجيع والتحفيز الذي تبحث عنه.
  • إذا كانت حياتك مملة وفيها الكثير من الروتين، فابحث عن طرائق جديدة ونشاطات غريبة عن أسلوب حياتك لتضفي بعض المتعة إلى حياتك؛ كأن تذهب في رحلة مفاجئة وتمضي وقتاً مسلياً دون عمل أو مسؤوليات.
  • لا تتعب نفسك كثيراً، ولا تجعل تحقيق إنجازات كثيرة هاجساً بالنسبة إليك، وتقبل أخطاءك وعدم قدرتك على النجاح دائماً، فهذا لا يعني أبداً أنَّك فاشل.
  • القيام بالتمرينات الرياضية كما أكد الكثير من الباحثين مرتبطٌ بالصحة العقلية وله دور كبير في تعديل المزاج.
  • إذا فَشِلَت كل النصائح السابقة في مساعدتك، فابحث عن الدعم من شخص قريب منك أو من اختصاصي نفسي ليقوم بتشخيص الحالة بشكل جيد، فمن المرجَّح أن يكون فقدان الشغف ناتجاً عن الإصابة بمرض ما.

في الختام:

تيقَّن دائماً من أنَّ السعادة لا تحتاج إلى الكثير من الإنجازات العظيمة، فأحياناً تستطيع إيجاد سعادتك في فعل أشياء بسيطة كمشاهدة فيلم أو الذهاب في رحلة أو قضاء الوقت مع الأصدقاء؛ لذلك لا ترهق نفسك كثيراً وتضيع حياتك وتهدر وقتك وأنت تحاول صنع المستحيل؛ بل على العكس استغل كل يوم يمرُّ لصالحك، واجعل أي نشاط مهما كان بسيطاً سبباً لسعادتك، ومن الهام جداً أن تبتعد عن القشور وتُدرِك المعنى الحقيقي للحياة، وتبتعد عن المقارنات؛ إذ إنَّ حياة أي شخص مهما بدت مثالية، سيكون فيها جانب سلبي لا تعرفه.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة