كيف تقدم أداءً جيداً تحت تأثير الضغوطات؟

مهما كان مجالك في الحياة، سواء كنت رياضياً محترفاً أم هاوياً أم رجل أعمال أم مدرساً أم تعمل في أي مجال آخر، فمن المؤكد أنَّك تشعر بالضغط الناتج عن توقعاتك وتوقعات الآخرين لما تنجزه، لكنَّ معظم الناس يتفاعلون مع مواقف محرجة لا يملكون المهارات المطلوبة لاجتيازها وتلبية التوقعات المرهقة المرتبطة بها، ويساعد علم النفس الرياضي على تعلُّم تقنياتٍ ذهنية للتعامل مع هذا النوع من الضغوطات، وقد تبيَّن لاحقاً أنَّه يحمل قيمة كبيرة للعاملين في مجالات أخرى كالتجارة والمسرح.



"القوة الذهنية" هي نهج خاسر:

تتطلب الاستجابة إلى ضغوطات العمل في الثقافات الغربية المعاصرة تفكيراً أكثر قوة وصرامة، الذي من المفترض أن يوقف توتر الأعصاب وتقليل الإحباط والانزعاج الناتجين عن خروج الشخص من منطقة الراحة الخاصة به.

يُعَدُّ اتباع نهج "القوة الذهنية" أمراً عظيماً، ويعتمد الرياضيون والمغامرون ورواد الأعمال هذا النهج على نطاق واسع، في الوقت الذي تدفع فيه الشركات أموالاً طائلة لتقديم محاضرات لموظفيها تشرح فيها كيفية استعمالها.

يجمع مفهوم القوة الذهنية في علم النفس الرياضي بين صفات الثقة بالنفس، والتصميم، والشعور بالتحكم في المصير. قد يبدو الأمر جذاباً للوهلة الأولى، لكنَّ النهج المتبع في العمل مختلف تماماً، فالمبالغة في تقدير الثقة بالنفس، إضافة إلى التصميم، والسيطرة، وإنكار الذات، والتضحية، والشجاعة، تحمل كثيراً من الأضرار. قد تبدو هذه العقلية صلبة ومنيعة، لكنَّها تدفع مؤيديها إلى حالة من الإنكار عند مواجهة تحدياتٍ مخيفة في الواقع؛ فالمتدربون على القوة الذهنية يتمرنون على تجاهل مخاوفهم، لكنَّهم يتسببون بتدمير أنفسهم في كثير من الأحيان. وإن كنتَ ممن وقعوا في شرك المبررات والأعذار؛ كالمحاضرة التي تمتنع عن التدرب عليها، أو مسودة البحث أو المشروع الذي أنجزتَ نصفه فقط، فستكون نتيجة عملك قليلة الجودة. ويسفر إتقان القوة الذهنية إلى اكتساب آليات تكيف غير مفيدة وغير صحية، مثل القواعد الصارمة المفروضة ذاتياً، والسعي إلى المثالية والافتقار إلى التعاطف مع الذات وعدِّ الأهداف مخاطر يجب مجابهتها بدلاً من تحدياتٍ يمكن قبولها.

يشكل خوض المجالات التي تتطلب أداءً عالياً مع عدِّها تهديداً، أمراً صعب الحل؛ لأنَّها بكل سهولة تعني أنَّك تفكر في أجزاء دماغك التي يحركها الخوف عادة، بدلاً استعمال نهج التفكير المنفتح الموجه؛ ففي حالة الخوف، لا يسعك التفكير أو التفاعل بشكل مبدع؛ وإنَّما اتباع نمطٍ مسبق يخضع لقواعد صارمة؛ وهذا يعني أنَّك غير قادر على التكيف جيداً بوجود بيانات جديدة، أو عند تغيير بيئتك المريحة التي اعتدتها.

تخيَّل راكب دراجات ذا قوةٍ ذهنية عالية، قد يكون مذهلاً في القيادة عند صعود سفوح الجبال، لكنَّه سيشعر بالهلع إن ثقبت عجلة دراجته أو إن دخل أحد المتفرجين مضمار السباق. أو تخيل ممثلاً يمكنه تحمُّل ضغوطات الجمهور المباشر حتى اللحظة التي يشوشه فيها رنين هاتف أحد الحاضرين لينسى السطور التي عليه أداؤها. تعني القوة الذهنية الصمود في اللحظة الحاسمة، لكنَّ جودة الأداء ستنخفض، وتتلاشى معها متعة العمل.

فوائد المرونة الذهنية:

يعتمد نهج المرونة الذهنية على تنمية التفكير للتغلب على الضغط (بالاعتماد جزئياً على مبادئ العلاج بالقبول والالتزام (ACT)؛ وهو من أنواع العلاج النفسي المتفرع من نهج العلاج السلوكي التفاعلي). وتُعَدُّ مرونة التفكير أسلوباً حيوياً للتأقلم مع الضغوطات؛ لأنَّك تحتاج إلى المهارة للتعامل مع جميع المواقف التي تواجهك لتقديم أداء رائع، وبشكل خاص، مع المواقف التي لا تتوقع حدوثها.

أما بالنسبة إلى المجال الرياضي، قد يتغير مجرى الأحداث في الدقائق الحاسمة، أو قد يأتي أحد مكتشفي المواهب لمشاهدة أدائك تلك الليلة. وعلى خشبة المسرح، قد يكون الحدث دخول أحد الطلاب خلال استراحة العرض. وفي مكتب العمل، قد يأتيك طلبٌ للانضمام إلى فريق عمل جديد في اللحظات الأخيرة، وستساعدك تنمية مرونة التفكير على إدارة هذه المواقف إدارةً أفضل.

يقدم "ستيفن هايز" (Steven Hayes) عالم النفس السريري الأمريكي (مؤسس مساعد لنهج العلاج النفسي بالقبول والالتزام) التعريف الأفضل للمرونة الذهنية بقوله: "هي القدرة على التواصل مع اللحظة الحالية بشكل كامل، واستعمال التغيير والإصرار عندما يخدم ذلك غايات قيِّمة". ويُعَدُّ ذكر "الغايات القيِّمة" هنا أمراً ضرورياً. فعندما تكون متصلب الذهن (أو غير مرن حسب علم النفس)، فأنت تقاوم أفعالك إن لم تُعَدُّ فعالة في تحقيق مبتغاك بعد الآن.

وبالمقابل، يمكنك التبديل بسرعة بين الاستراتيجيات بناءً على متطلبات كل موقف بشكل منفرد باستعمال مرونة التفكير، واتخاذ قرارات متعلقة بأسلوب التصرف وفقاً لقيمك الخاصة.

ترتبط المرونة بالأداء المتفوق وتحسين الصحة العقلية، وقد نشر "هايز" (Hayes) وزملاؤه عام 2006 تحليلاً يشمل 32 دراسة تضمنت 6628 مشاركاً خضعوا لاستبانة لقياس مرونتهم الذهنية. وتبيَّن من خلال تلك الدراسات أنَّ الأشخاص الذين سجلوا درجات أعلى هم أقل عرضة للإصابة بالاضطرابات النفسية، ويتمتعون بصحة ذهنية عامة أفضل.

ومن بين المرضى المصابين بآلام مزمنة، تمكَّن من يتصف منهم بالمرونة النفسية من العمل لوقت أطول، واحتاجوا إلى المسكنات وزيارات الرعاية الصحية بشكل أقل. وفي مكان العمل، ارتكب الحاصلون على معدلات مرتفعة الحد الأدنى من الأخطاء، وحصلوا على مناصب أفضل مقارنة بغيرهم.

يأتي التوجه نحو المرونة الذهنية كهدف علاجي للأساليب النفسية؛ مثل العلاج النفسي بالقبول والالتزام الذي يوجَّه نحو الفهم أنَّ لكل امرئ مخاوفه ومشكلاته وقلقه، وأنَّ الناس يتصرفون بشكل أفضل عند معرفة ومواجهة هذه المشاعر بدلاً من مجابهتها. وقد لاحظ علماء النفس أنَّ محاولات حجب الأفكار والعواطف الصعبة تزيد من ظهورها. وفي الحالات التي يحاول فيها الشخص تقبُّل هذه الأفكار بدلاً من قمعها، فإنَّه سيستمر بملاحظتها، ولكنَّ تأثيرها سيكون أقل حدة، وسيكون التشتيت الناتج عنها ضئيلاً؛ وهذا يساعد على التفكير بشكل أكثر فائدة وتركيزاً على الحلول، مع تقليل شدة تأثير آليات التأقلم القائمة على التجنب؛ هذا يعني أن ينأى الإنسان بنفسه عن السلوكات التي لم تعد تساعده على العمل بما تقتضيه قيمه في الحياة.

تُعَدُّ هذه المبادئ هامة بشكل خاص عند الشعور بالضغوطات، فقد يفاجئ ربُّ العمل موظفاً بطلبه تقديم عرض ترويجي للمنتج أمام عدد من الزبائن المحتملين، أو قد يشعر الشخص بالتوتر عند الاستعداد لمقابلة عائلة شريكه للمرة الأولى. وقد تكون الفكرة الشائعة أنَّ طريقة التفوق في حالات التوتر الشديد هي الصرامة، لكنَّ نهج المرونة الذهنية أكثر فائدة، خصوصاً عندما يكون الشخص واضحاً بشأن قيمه ومدركاً لما يهمه.

وتساعد القيم على التوجه إلى اتخاذ قرار تحت الضغوطات عند وجودها، فهي تعمل كمقياس لها في أوقات الحاجة. ويساعد نهج المرونة الموجَّه بالقيم على تقديم أداء جيد؛ لأنَّ أسلوب التعامل سيكون ذكياً وسيكون العمل موجهاً لتلبية معاييرك الخاصة في الحياة، مهما كان تأثير الآخرين أو الخوف أو الآمال كبيراً.

ماذا عليك أن تفعل؟

أنت بحاجة إلى التأكد من العديد من الأمور لتقدم أداءً أفضل تحت الضغوطات، وهي قدرتك على إبعاد الأفكار الهدامة عن ذهنك، والتحدث مع نفسك، وإيجاد وسيلة للتفاعل مع المشاعر المربِكة، والتدرب على المرونة الذهنية للاستجابة بأفضل الطرائق الممكنة، وأخيراً، أن تعرف الأمور الهامة بالنسبة إليك.

فيما يأتي خمس خطوات لبناء نهج سلوكي جديد تحت تأثير الضغوطات:

1. فصل نفسك عن أفكارك:

بدايةً، من الضروري أن تتذكر أنَّ الأفكار التي تراودك عندما تشعر بالضغط غالباً ما تكون غير صحيحة على أرض الواقع، فقد يخطر لك عند وقوفك على أرض ملعب التنس مثلاً أنَّك غير مفيد وأنَّ أداءك سيكون محرجاً، أو أنَّك غير ناجحٍ في تقديم عروض العمل، وأنَّك ستشعر بالإحراج. لكنَّها أفكار مدفوعة بالعواطف ليس لها أساس من الصحة.

ومن خلال التعرف إلى "فصل الأفكار" (كما يُدعى في العلاج بالقبول والالتزام)، لن تشغلك المشاعر السلبية والأحاديث الذاتية غير المفيدة، وبدلاً من ذلك، ستمتلك المرونة الكافية لاتخاذ قرارات أفضل تدفعك نحو الأمور الضرورية، وليس بعيداً عن كل ما يثير مخاوفك.

إليك هذا التدريب لمساعدتك على الابتعاد عن أفكارك. لاحظ أفكارك غير المفيدة، ليس بهدف التركيز عليها؛ وإنَّما لزيادة وعيك بها. توجد طريقة بصرية للتفكير بهذا الأمر؛ وهي أن تتخيل حياتك كحافلة تقودها، تحدد قيمك اتجاه مسيرها، بينما يحاول الركاب (الأفكار أو المشاعر) توجيهك إلى طرائق خاطئة، ومهمتك كسائقٍ هي منع ضجيج الركاب ومحادثاتهم من تشتيت انتباهك، لكنَّك غير قادر على طردهم أو إيقافهم عن الحديث.

لذا، لا يتطلب تقدم المسير منع الأفكار من الظهور؛ بل ملاحظة ما يقوله الركاب (أفكارك)، والإيماء برأسك كما لو كنت مستمعاً، مع استمرارك في التركيز على الطريق والمكان الذي تود الذهاب إليه.

اتبع هذه الطريقة للحصول على شعور مدهش بالانفصال عن أفكارك عبر تكرارها باستعمال أصوات طريفة كصوت الشخصية الكرتونية "ميكي ماوس" أو بصوت رجل الإعلانات؛ إذ سيساعدك ذلك على امتصاص السلبية من الفكرة، حتى يصبح جلياً أنَّها مجرد تشتيت غير مفيد.

جرب في أثناء العمل تغيير فكرة "دائماً ما أبدأ العروض التقديمية الخاصة بي بشكل سيئ" إلى "أظن أنَّني أبدأ العروض التقديمية بشكل سيئ" وهكذا، حتى تخلق بعداً عن الأفكار السلبية.

شاهد: كيف تتعامل مع ضغوطات العمل؟

2. التدرب على التعبير عن مشاعرك بدقة:

يمكن أن تشعر بالإرهاق بوجود الضغوطات، وقد تلاحظ لغة عدوانية تتردد في عقلك، مثل "أنا غاضب" أو "أشعر بالهلع". يبدو الأمر كما لو أنَّ ركاب حافلتك يستعملون لغة عاطفية للغاية في أثناء محاولتهم لفت انتباهك، ويمكن أن يؤدي تفسير مشاعرك بهذه الطريقة إلى إثارة استجابة الكر أو الفر تلقائياً لمساعدتك على النجاة من الخطر، ولكنَّها غير مفيدة في تحسين أدائك عند مواجهة العديد من مواقف الحياة المعاصرة.

وبدلاً من تهويل هذه المشاعر أو كبتها تماماً، يحتاج تطوير نهج المرونة الذهنية إلى زيادة مفرداتك العاطفية كي تتمكن من وصف مشاعرك بمزيد من الدقة. وهو أمر هام؛ لأنَّ الناس معظمهم يميلون إلى الكسل فيما يتعلق باللغة، ويعتمدون على 6 إلى 8 كلمات لوصف المشاعر الأساسية (عادة ما تركز على الفرح، والحزن، والتقبل، والاشمئزاز، والخوف، والغضب، والمفاجأة، والترقب). ويساعد استعمال كلمات أكثر دقة لوصف شعورك الفعلي على اختيار آلية أكثر فاعلية للتكيف مع هذا الشعور (يوجد في الواقع مئات من الكلمات التي تصف المشاعر).

على سبيل المثال، لنفترض أنَّك تشعر بالضغط بعد فقدانك فرصة تأسيس فريقك الأول في رياضة ما، أو بسبب حصول زميلك في العمل على الترقية التي تطمح لها. فإن قررت أنَّك شخص غاضب، فمن المرجح أنَّ استجابتك تقود إلى العنف أو التهرب، ومن المرجح أن تأتي بنتائج عكسية.

ولكن إن لاحظت أنَّك شخص حسود (وهو أحد المشاعر ضمن الغضب)، فيمكنك تحديد أي عنصر يثير الحسد لديك في أي موقف لمساعدتك على اتخاذ إجراءات إيجابية، مثل التخطيط لمزيد من التدريبات للفريق الرياضي، أو ترتيب مراجعة شخصية مع مديرك. وبوسعك أن تكون أكثر وضوحاً في أهدافك وعملك سعياً إلى تحقيقها بفاعلية كبيرة عند تحديد أسباب الحسد.

3. استبدال أشكال الحديث الذاتي التي تزيد الشعور بالضغط:

إنَّ طريقة تفكيرك في مشاعرك وعواطفك هي أحد جوانب الحديث الذاتي، لكنَّ نوعاً آخر منها يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية عند وقوعك تحت تأثير الضغوطات، فالكلمة الوحيدة التي ينبغي أن تحذر من استعمالها بشكل خاص هي "يجب"؛ كأن تقول: "يجب أن أكون قادراً على تقديم هذا العرض بسهولة"، أو أن تقول: "يجب عليَّ الانتهاء من تحضير هذا المشروع الليلة". تحمل هذه الكلمة كثيراً من التوقعات والضغط، وتمنعك من الانفتاح على جميع الخيارات المتاحة أمامك.

ومثال آخر عن رياضة التنس، عندما يتحقق أحد اللاعبين من تصنيف خصمه ليجد أنَّه أقل من تصنيفه بكثير، يمكن أن يباشر المباراة بقوة ذهنية مفادها أنَّ من واجبه تحقيق الفوز، ولسوء الحظ، سيولِّد هذا التفكير رد فعل تهديدي إن لم يربح؛ لأنَّه سيفشل مرتين، ليس بسبب خسارة المباراة فحسب؛ بل لخسارتها أمام خصم يُفترَض أنَّه أضعف منه.

وعلى النقيض من ذلك، عندما يتمتع بالمرونة الذهنية لرؤية الصورة الأكبر، قد يلاحظ أنَّ خصمه لم يشارك في الأحداث المصنَّفة مؤخراً (بمعنى آخر، الأحداث التي تندرج في الترتيب الرسمي)، أو أنَّه لعب مباريات كثيرة خارج التصنيف. ومن خلال هذا التفكير المنفتح، سيمنح خصمه الاحترام الذي يستحقه، وسيضع توقعات شخصية أقل بكثير، وقد يقول لنفسه إنَّ لديه فرصة ليبلي حسناً في المباراة هذه، بدلاً من أن يكون عليه تقديم أداء جيد، وسيساعده ذلك على الاسترخاء في أثناء اللعب سعياً إلى تحسين أدائه.

استعمل مجموعة كبيرة من مصطلحات اللغة العاطفية، وتجنَّب الحديث الذاتي المسبب للضغط، واستبدل بكلماتٍ مثل "يجب" و"يتوجب" و"عليَّ أن" مصطلحات أخرى مثل "لاحظ" و"انتبه" و"فرصة". ومن خلال تطوير هذه اللغة اللطيفة، يمكنك التكيف مع متطلبات الموقف دون السماح للعاطفة بالسيطرة لتعزيز تركيزك على الإجراء (الطريقة التي تؤدي بها) أكثر من النتيجة (من حيث النجاح أو الفشل)، وسيتيح لك ذلك النظر إلى ما يمكنك فعله للعيش وفقاً لقيمك، بدلاً من الخوف أو تجنب الفشل المحتمل.

بعيداً عن المجال الرياضي، تخيَّل قدوم مدير جديد أكثر خبرة منك إلى العمل في زيارة لفريقك، ليسألك عن المشاريع التي تعمل عليها. يمكنك إخبار نفسك أن تكون قوياً وأنَّ من واجبك القيام بذلك دون تحضيرات، وأنَّك قادرٌ على تقديم أداء رائع لإبهاره (حديث ذاتي من المرجح أن يشعرك بالذعر)، لكن وبدلاً من تلك الأفكار، جرِّب إخبار نفسك "هذه فرصة لأشارك ما أعمل عليه" أو "سيكون ذلك طريقة رائعة للحصول على دعم أكبر لمشروعي". ينبغي لهذه الطريقة أن تخفف الضغط وتساعدك على التفكير تفكيراً دقيقاً.

فإن شعرتَ أنَّه أسلوب غير مألوف للتفكير، فتستطيع تسهيل الأمور من خلال الممارسة. اكتب بعض الأمثلة عن الحديث الذاتي المسبب للضغط مثل "يجب عليَّ أن أكون الأفضل"، ثم اشطب كلمة "يجب" واستبدلها بكلمة أقل تقييداً مثل "أملك فرصة لتقديم أداء أفضل من المرة السابقة".

4. تجاوُز بعض قواعدك الخاصة:

يمكن أن يزيد أسلوب التفكير والروتين الصارمين شعورك بالضغط، لكنَّ تطوير مرونة التفكير هي الترياق، وإحدى الطرائق الفعالة هي تحدي وسائلك المعتادة لإنجاز العمل بتأنٍ. قد يبدو الأمر غاية في السهولة، لكن إن كنت تحب الروتين الصارم وتعتمد عليه، فستجد ذلك قاسياً.

جرب شيئاً لست معتاداً عليه في كل يوم من أيام الأسبوع المقبل؛ قد يكون أمراً غير هام كالاستحمام مباشرة بعد تناول العشاء بدلاً من تأجيله حتى الصباح، أو اتباع دروب مختلفة تماماً في أثناء عودتك من العمل. ثم توقف في كل يوم من الأسبوع الذي يليه عن فعل أمرٍ اعتدت عليه (كالامتناع عن ارتداء ساعة اليد، أو تجنَّب ترتيب سريرك بعد استيقاظك من النوم مباشرة إن كنت معتاداً على ذلك كل صباح).

ليس من الضروري أن يكون النشاط درامياً أو مؤذياً؛ وإنَّما شيئاً يجعلك أقل راحة من المعتاد؛ وسيتعلم عقلك الهروب من الروتين وسرعة البديهة عند كسر قواعدك الخاصة، وستدرك عند إهمالك للروتين أنَّ كل شيء سيكون على ما يرام عموماً.

حافظ في المرة المقبلة التي تتعامل فيها مع موقف يسبب لك الضغط الشديد على المرونة الذهنية التي اكتشفتها حديثاً، وكبديل للتراجع عن أساليبك واستراتيجياتك عديمة الجدوى، كن أكثر استعداداً لتجربة حلول بديلة، أو لتفسير النتائج المحتملة للموقف بعقلية أكثر انفتاحاً. افترض أنَّك تدرس لتعزيز مؤهلاتك، وأنَّ روتينك يقتضي تأخير تقديم الأوراق البحثية قدر الإمكان للحصول على أقصى قدر من الوقت لتحضير بحثٍ مثالي.

ستدرك أنَّ البحث لا يجب أن يكون مثالياً؛ وإنَّما مقبول فحسب عند التفكير بمرونة، وأنَّك تملك الوقت الكافي للاسترخاء أو ممارسة بعض العادات الصحية أو البدء بالبحث التالي عند تقديم الأول قبل الوقت المحدد بجودة كافية فقط. وستحافظ على أدائك الجيد تحت الضغوطات، وستساعد نفسك على تقليل الضغط عبر الابتعاد عن الروتين الصارم.

5. تحديد قيمك وتذكُّرها:

إنَّ الخطوة الأخيرة والأكثر جوهرية للأداء الجيد تحت الضغوطات هي معرفة "لماذا" يُعَدُّ الأداء هاماً في المقام الأول، وهنا يأتي دور القيم. ويُعَدُّ التمييز بين القيم والأهداف أمراً ضرورياً، فالأهداف هي ما تسعى إلى تحصيله على الأمد البعيد، بينما تعمل على تطبيق قيمك في كل لحظة من يقظتك.

قد يكون هدفك أن تصبح الهداف الأعلى تقييماً في فريق كرة القدم الذي تلعب لصالحه، لكن قيمك المتعلقة برياضة كرة القدم تتمثل ببذل قصارى جهدك، مع السعي الدائم إلى تحسين أدائك ولتكون زميلاً جيداً لأعضاء فريقك. وستحصل على فائدتين أساسيتين عندما تكون واضحاً للغاية بشأن قيمك، وهي حرية تجاهلها، واستعمالها كمقياس لكيفية الاستجابة عند شعورك بالضغوطات للحفاظ على التناغم معها.

تتوفر بعض الأوراق البحثية على شبكة الإنترنت تتضمن بعض الاقتراحات والتدريبات لتحديد قيمك، وتوجد طريقة أخرى ممتعة لتحديد الأساسية منها، وهي تقليب الصور المحفوظة على هاتفك، هل تتضمن موضوعاً محدداً أو تكراراً لبعض العناصر المحددة، سواء كانت تتعلق بقصص النجاح أم العائلة أم الجمال أم المجتمع أم الروحانيات؟ وبمجرد تحديد قيمك الأساسية، عليك قضاء بعض الوقت للتفكير في كيفية اتخاذ بعض القرارات المتعلقة بحياتك بما يتماشى مع تلك القيم.

وإن كنت تشعر بالضغط في مجال معين من حياتك، كالرياضات الجماعية أو أدائك في العمل أو حياتك العائلية في المنزل، فربما عليك التفكير بارتباط القيمة التي حددتها مع هذا السياق. حافظ على قيمك في عقلك الواعي عند شعورك بالضغط، وسيضمن ذلك الحفاظ على مسارك الصحيح.

ومن الأمثلة الملموسة بعيداً عن المجال الرياضي، تخيل أنَّك بدأت التطوع في جمعية محلية مهتمة بالحياة البرية، وطلب منك المدير فجأة أن تقدم خطاباً قصيراً حول المؤسسة الخيرية أمام عدد من الزوار، مجدداً، قد تفكر أنَّ الحل هو أن تكون صارماً وشجاعاً، لكنَّ ذلك من شأنه أن يخلق تهديداً للهروب من الموقف. وبدلاً من ذلك، أعد النظر في قيمك مرة أخرى، فقد تكون عاشقاً للطبيعة، أو أنَّ شغفك يتضمن تنمية شعورك بالمجتمع المحلي، وستَعُدُّ الأمر فرصة عند وجود هذه الأفكار في عقلك الواعي (عُدَّها تحدياً وليست تهديداً)، وستشعر بمزيد من الاسترخاء، وستفكر بشكل أكثر سلاسة عند وقوفك للتحدث.

إقرأ أيضاً: 5 طرائق للتخلص من ضغط العمل

عندما تتغلب المرونة على الصرامة:

تتضمن إحدى طرائق تحفيز النفس وتطوير مرونة التفكير لديك على معرفة قصص الآخرين الذين انتقلوا من نهج القوة الذهنية إلى المرونة سعياً إلى تحسين أدائهم تحت تأثير الضغط. وقد اتضح من العمل مع فتيات مراهقات، كنَّ متفوقات في الرياضات والدراسة والموسيقى، أنَّهنَّ يكافحن الخوف من الفشل. فالأشخاص الذين قدموا أداءً متفوقاً في جميع نواحي الحياة خلال السنوات الخمس عشرة الأولى من حياتهم، يخافون من الأخطاء، وما تعنيه بالنسبة إليهم بشكل كبير. ويدفع الخوف هؤلاء الفتيات إلى وضع قواعد وإجراءات صارمة للحفاظ على السيطرة لحماية أنفسهن من الشعور بالتقصير، لكنَّه يسبب التوتر والقلق وعدم القدرة على تجربة كل ما هو جديد، ويمنعهن من الإبداع وخوض التجارب.

وبما أنَّ سنين المراهقة تتمحور حول تجربة الخصائص والأفكار والنشاطات بمستويات مختلفة، فقد تفوتك فرصة العثور على ما تحب إن كنت ممن يمنعهم الخوف من تجربة أي شيء جديد.

يمكن أن تتعامل الفتيات مع الأمر بشكل آخر من خلال التمتع بمزيد من المرونة الذهنية؛ ويعني ذلك بالنسبة إلى أولئك الفتيات تقبُّل تعرُّضهن للفشل أحياناً، والوعي أنَّ الهدف هو تحصيل منفعة أكبر، وحياة تتيح الاستكشاف على نطاق واسع، وأداء أفضل مع الرغبة في تجربة أشياء لم يختبرنها سابقاً.

تستفيد فئة أخرى من مرونة التفكير لتقديم أداء جيد تحت الضغط، وهم اللاعبون الرياضيون المصابون، سواء كانوا محترفين يكسبون رزقهم من الرياضة، أم لاعبين هواة، فإنَّ الإصابة هي النكسة التي يخشاها الجميع. وقد وجد الباحثون المختصون في هذا المجال أنَّ الرياضيين الذين يسجلون درجات عالية في القوة الذهنية لديهم عتبات أعلى للألم، ومن المرجح أن يستمروا في اللعب مع وجود الإصابة. فهي تساعدهم على اللعب حينها، لكنَّها تخاطر بمسيرتهم الرياضية على الأمد البعيد.

فقد تمكَّن اللاعبون المصابون من رؤية الصورة الأكبر للأمور عند تفكيرهم بمرونة أكبر، وأنَّ واجبهم يقتضي التركيز على مسيرتهم كاملة بدلاً من التركيز على مباراة واحدة فقط؛ وذلك من خلال الاعتراف بمعلومة هامة للغاية، وهي أنَّ الألم أمرٌ لا يجب تجاهله. يمنحهم هذا الاعتراف مجالاً أوسع من الخيارات التي يجب مراعاتها، مثل تبنِّي التدريبات متعددة الاختصاصات أو بدء رياضة جديدة، ويُكسبهم آليات تكيفٍ أكثر فاعلية وملائمة لقيمهم الخاصة.

المصدر: 1




مقالات مرتبطة