كيف تطور مهارة قوة الملاحظة لديك وتزيد انتباهك؟

تُعدُّ قوة الملاحظة من المهارات التي تتوافر لدى بعض الأشخاص فقط، حيث نجد أنَّ هؤلاء شديدوا الملاحظة والانتباه إلى كلِّ ما يدور حولهم، وقادرون أيضاً على التركيز في كلِّ ما يُحيط بهم من أحداث، مع جاهزيتهم التامة للتعامُل مع أيِّ أحداثٍ طارئة، أو حتَّى التنبُّؤ بوجود مشكلةٍ ما بمجرد إلقاء نظرةٍ واحدةٍ على شيءٍ مُحدد.



لكنَّ الأخبار السارة أنَّ مهارة "قوة الملاحظة" من المهارات التي يُمكن اكتسابها بالتدريب والتعلُّم؛ ذلك لكونها مهارة عقليةً يمكن اكتسابها وتطويرها بالتدريب، تماماً مثل المهارات الجسدية. وعلى العكس أيضاً، يؤدِّي إهمال هذه المهارة إلى تقلُّصها لدينا، كما تؤدِّي قلَّة أو عدم ممارستها والتدرب عليها إلى ضعفها وتلاشيها؛ وهذا ليس بالأمر الهيِّن بالتأكيد، حيث يتطلَّب اكتسابنا هذه المهارة بعض الوقت والجهد والصبر حتَّى نرى النتيجة، وقد يملُّ الكثير منَّا ويستسلم ويترك التمرُّن قبل أن يصل حتَّى إلى النتيجة المرجوَّة.

ما الذي نعنيه بقوة الملاحظة؟

تُعرَّف قوة الملاحظة بأنَّها: قُدرة الشخص على مُلاحظة التغيرات البسيطة والتفاصيل الدقيقة والخفية الموجودة في مُحيطه، والتي تمكِّنه من التعامل مع المواقف بحذرٍ أكبر، وبالتالي بحكمةٍ وتأنٍ أكثر. تختلف قوة الملاحظة عن التفكير النقدي الذي يُعَدُّ مهارةً تتيح للفرد تحليل المواقف والمعلومات من حوله للوصول إلى نتيجةٍ معيَّنة، في حين تنطوي قوة الملاحظة على عملية قراءة أشخاص أو مواقف أو عملياتٍ معينةٍ لاستخلاص معلومةٍ محددة منها، حيث يستطيع الأشخاص الذين يتمتعون بالملاحظة القوية غالباً رؤية وملاحظة تفاصيل يغفل عنها الآخرون ويعجزون عن رؤيتها. ترتبط مهارة قوة الملاحظة بعدة مهاراتٍ ذهنيةٍ أخرى، مثل: القدرة على الفهم، وقوة الذاكرة، وغيرها.

ما أهمية مهارة قوة الملاحظة؟

تُعدُّ قوَّة الملاحظة من المهارات الهامَّة التي نحتاجها في حياتنا، كما أنَّ الملاحظة أيضاً واحدةً من أهمِّ سمات القيادة.

رغم كون التركيز من نقاط القوة التي يتمتع بها القادة المتميِّزون غالباً، إلَّا أنَّه لا يكفي وحده؛ لأنَّه ينصبُّ على اللحظة والقريب والواضح؛ لذلك علينا أن نرفع رؤوسنا، ونفتح عيوننا لننظر حولنا، ونتطلَّع بعيداً، ونفكِّر في الممكن والصعب والمستحيل.

قد يرينا التركيز ما يحدث حولنا بوضوحٍ، وداخل دائرة عملنا، وعلى أطرافها؛ أمَّا الملاحظة، فهي عميقةٌ وبعيدة المدى، وتكشف لنا ما سيحدث خارج دائرتنا، وتخترق جدران مكاتبنا وعملنا. يمسُّ التركيز الواقع، وتُطلِق الملاحظة العنان للخيال، ومن الصعب أن نُفضِّل أحدهما على الآخر، فلكلٍّ دوره وفعله، وأفضل القرارات هي التي تمزجهما معاً.

إقرأ أيضاً: مهارات التواصل وطرق تطويرها وتنميتها

فيما يأتي بعض إيجابيات امتلاك مهارة قوة الملاحظة في بيئة العمل:

  • القدرة على تحديد ما يجب فعله أو تجنُّبه:يجعل امتلاك مهارة قوَّة الملاحظة من الفرد شخصاً أكثر انتباهاً إلى كلِّ ما يُحيط به، بدلاً من التركيز على المهمَّة التي بين يديه؛ ممَّا يجعله أكثر قدرةً على اتخاذ القرارات السليمة، وتحديد ما يجب عليه فعله وما يجب تجنُّبه استناداً على الظروف المحيطة.
  • تعزيز عملية التعلُّم:تُسهِم مهارات قوة الملاحظة في تعزيز عملية التعلُّم لدى الشخص وجعلها أكثر كفاءةً؛ وذلك لكون الشخص الذي يمتلك هذه المهارة والذي ينتبه إلى أدقِّ التفاصيل سيكون قادراً بشكلٍ أكبر على فهم المهارات والمعلومات التي تصل إليه، وبالتالي يحصد نتائج أفضل في عملية التعلُّم.
  • الخروج من الروتين اللاواعي:يميل أغلب الأشخاص -بحكم العادة والروتين- إلى إنجاز أعمالهم اليومية بلا وعي، ورغم أنَّ هذا الأمر جيدٌ نوعاً ما على مستوى العادات الإيجابيّة، إلَّا أنَّه قاتلٌ في عملية التعلُّم والعمل. يجعل الروتين اللاواعي من الفرد محدود التطوُّر، ويَحُولُ دون ارتقاء الفرد بمهاراته وتطوره؛ لذلك فإنَّ قوة الملاحظة والانتباه إلى التفاصيل من أهمِّ المهارات التي تُساعد على خروج الأشخاص من الروتين اللاواعي، والبدء بإنجاز المهام والأمور المختلفة عن وعيٍ وانتباه، وبالتالي تحقيق التطوُّر المستمر.
  • التركيز على الآخرين، بدلاً من التفكير في الذات:تسمح قوة الملاحظة للشخص بالتركيز تركيزاً أكبر على الآخرين، بدلاً من التركيز على نفسه فحسب؛ ممَّا يطور مهاراته في الإصغاء والتواصُل، فيُصبح قادراً على معرفة ما يحتاجه الآخرون، وجاهزاً لمنحهم ما يحتاجونه من رأي أو مساعدة أو خدمة؛ سواءً كان ذلك مُساعدةً تطوعية، أم جزءاً من المهام الوظيفية في مكان العمل.

كيف تطور مهارة قوة الملاحظة لديك، وتزيد انتباهك؟

1. درِّب نفسك على البحث عن الأشياء التي تهمُّك:

غالباً ما نركِّز في حياتنا على أشياء مُحددة، ونُلغي كلَّ شيءٍ آخر؛ لأنَّ أدمغتنا ليست مدربةً على رؤية كلِّ شيء، وهو أمرٌ جيدٌ غالباً؛ لأنَّه في حال أولينا انتباهنا إلى كلِّ شيء، فإنَّنا قد نفقد ما هو هام. يمكننا مع قليلٍ من التمرين والممارسة أن نضبط عقولنا لإيلاء الاهتمام تجاه أشياء جديدة. ابدأ اليوم، وقرِّر ما تُريد أن تبحث عنه لتدريب عينيك؛ فسواءً كنت تبدأ وظيفةً جديدة، أم تستكشف هوايةً جديدة؛ فإنَّك تحتاج إلى إعادة تدريب دماغك على إيلاء الاهتمام لما هو هامٌّ في تلك اللحظة؛ وفي حين قد يبدو هذا بسيطاً، لكنَّه يتطلَّب القليل من الجهد.

2. تَحَدَّ نفسك للانتباه إلى أشياء جديدة:

قد لا يبدو الأمر سهلاً لتقول لنفسك: " سأبدأ رؤية العالم بعيونٍ جديدةٍ انطلاقاً من اليوم"، وتتوقَّع أن يحدث ذلك.

يمكنك بدلاً من ذلك أن تتحدَّى نفسك من خلال عددٍ من التحديات الآتية:

  • راقب الناس في الأماكن المزدحمة: في حال كنت في مكانٍ مزدحم، فبدلاً من أن تنشغل بهاتفك الذكي كما يفعل العديد منَّا، حاول ملاحظة الناس من حولك ومراقبتهم. استوعب ما يجري حولك، وشاهد الناس، وانظر إلى كيفية تصرُّفهم في الأماكن المزدحمة، وكيف يتفاعلون مع الآخرين، وكيف يندفعون في صخب الزحمة.
  • لاحظ شيئاً جديداً كلَّ يوم: يُعدُّ هذا من التدريبات التي تساعدك على تعزيز وتقوية مهارة قوة الملاحظة لديك. يمكنك أن تعوِّد نفسك على ملاحظة شيءٍ جديدٍ كلَّ يومٍ، سواءً كان ذلك اسم مطعم أم شارع أم حتَّى مدرسةً تمر بها في طريقك، أم عدد إشارات المرور التي تمرُّ بها في أثناء ذهابك إلى مكانٍ مُحدد، أم مُلاحظة لون المقاعد في حديقةٍ مُعينة؛ فكلُّها أمورٌ بسيطةٌ يمكن ألَّا تكون قد انتبهت إليها سابقاً.
  • اجلس في مكانٍ عامٍّ ودوِّن ملاحظاتك: حاول أن تختار مكاناً عاماً، ثمَّ اجلس ولاحظ كلَّ ما حولك من ناس وأشياء وسيارات متزاحمة، ثمَّ صِفْ ما تراه أمامك، ودَوِّن ملاحظاتك وتفاصيل ما تراه من حولك؛ بالإضافة إلى وَصفِ ما ينتابك من مشاعر تجاهها. ستجد فيما بعد أنَّ قدرتك على الملاحظة قد تطوَّرت، وأنَّ عقلك أصبح أكثر انتباهاً وملاحظةً للأشياء من حولك.
إقرأ أيضاً: أساليب تطوير الذات: 14 طريقة لتطوير مهاراتك الشخصية

3. مارس التأمُّل:

يُعدُّ التأمُّل من بين الأمور الهامَّة التي تُساعد على تقوية الملاحظة، ويعتمد في جوهره على تصفية الذهن من كلِّ ما يمكن أن يعكِّر صفوه ويثير قلقه، وترك كلِّ ما يشغل البال؛ لذا حاول بدءاً من اليوم ممارسة التأمُّل بانتظام. يمكنك أن تجلس في وضعيةٍ مُريحةٍ صباحاً، أو في أيِّ وقتٍ تكون فيه معزولاً في مكانٍ هادئ، وبعيداً عمَّا يشتِّتُك أو يزعجك؛ ثمَّ أغلق عينيك، وركِّز على تنفسك. تنفَّس بهدوءٍ واسترخاء، وابقَ على هذه الحال لخمسِ دقائق فقط، ثمَّ زِد المدة كلَّ يوم.

عند ممارسة التأمُّل لأول مرة، ستلاحظ أنَّ الكثير من الأفكار تتدفَّق في رأسك؛ لكن لا تقلق، واتركها تتهادى أمامك، وستجد مع الوقت أنَّ هذه الأفكار أصبحت أقل، فتصل بعدها إلى مرحلة الصفاء الذهني دون أيِّ أفكار مُزعجة. الغاية من هذا أن تصل من خلاله إلى القدرة على التركيز بشكلٍ أكبر، فتسرِّع العمليات الذهنية التي تجري في عقلك، الأمر الذي يؤدِّي بدوره إلى تطوير قدرتك على قوة الملاحظة، والانتباه إلى التفاصيل بشكلٍ أكبر.

4. لاحظ الناس بشكلٍ أفضل:

إنَّ مُلاحظة الناس وفهمهم أمرٌ مختلفٌ تماماً عن ملاحظة الأشياء، وهو علمٌ قائمٌ بذاته. قد يكون أغلبنا جيداً جداً في الملاحظة في أثناء الأوقات أو المواقف العصيبة، سواءً كان ذلك في حالات الطوارئ أم اجتماع عملٍ أم مقابلة توظيف؛ إلَّا أنَّنا نتراخى خلال حياتنا اليومية وأوقات الراحة عن القيام بذلك. الأفضل لك هو أن تعمل على الملاحظة في كلٍّ من أوقات الراحة وعدم الراحة، ويُمكنك من خلال ملاحظة الناس وإيلاء الانتباه لهم، أن تلاحظ أيضاً جميع أنواع الأشياء الجديدة عنهم. يجب بالطبع أن تُولي اهتماماً للشخص عندما يُحادثك، لكن يجب أيضاً ألَّا تغفل عن أيِّ شيءٍ آخر يحدث خلال ذلك. على سبيل المثال: يمكنك أن تسأل نفسك في حال وجودك مع شخصٍ جديد: "هل يجعلني هذا الشخص أشعر بالراحة في كلِّ الأوقات؟"، وفي حال لم يكن يشعرك بالراحة، اسأل نفسك: "لماذا؟". يجب علينا ألَّا نتجاهل أبداً الإشارات التي تخبرنا أنَّ هناك شيئاً ما ليس على ما يرام، بغضِّ النظر عن مدى رغبتنا في إنجاح تلك العلاقة؛ فدائماً ما يعمل لاوعينا على حمايتنا، وهو موجودٌ لسببٍ وجيه؛ ولكن علينا أن نكون على استعدادٍ للانتباه، والتعرُّف على ما نشعر به.

5. ركِّز على الأنماط المُمَيِّزَة من حولك:

إنَّ القدرة على الملاحظة شيءٌ عظيم، وكلَّما مارستها بشكلٍ أكبر، أصبحت قوة ملاحظتك أفضل؛ ومع ذلك، فإنَّها تغدو أفضل بكثيرٍ عندما تُصبح قادراً على فهم وتمييز الأنماط من حولك. قد تُساعدك الملاحظات العشوائية نوعاً ما، إلَّا أنَّها لن تفيدك كثيراً على الصعيد الإبداعي أو الفكري، وذلك في حال لم تكن تملك نظرةً أوسع عن الطريقة التي يعمل بها العالم. وبالمُقابل، يسمح لك اكتشاف الأنماط وملاحظتها ومزجها مع تجربتك بمعرفة آلية عمل الأشياء من حولك، والتنبُّؤ بما سيحدث فيما بعد، أو بما سيأتي لاحقاً؛ فكلَّما لاحظت العالم والناس أكثر، أصبحت أفضل في اكتشاف الأنماط، وأفضل في التنبُّؤ بما سيحدث لاحقاً. مثلاً: يمكنك ملاحظة تصرُّفات شخصٍ معين على المدى الطويل، ويمكنك خلال ذلك اكتشاف نمطٍ معينٍ في لغة جسده، وتكوينَ نظريتك على هذا الأساس؛ ولتنجح في ذلك، عليك أن تنتبه وتُلاحظ.

قد تعني كلمة واحدة أو حركة معينة شيئاً بالنسبة إلى شخصٍ ما، بينما قد تعني أمراً آخر تماماً بالنسبة إلى شخصٍ آخر؛ لذلك يجب أن تبحث عن النمط، فمثلاً: ربَّما يَحكُّ شخصٌ أنفه عندما يتوتَّر، بينما يقوم شخصٌ آخر بالحركة نفسها عندما يحاول الخداع في أثناء لعب الشطرنج، ويقوم آخر بها عندما يغضب. ستصبح بذلك قادراً على التنبُّؤ بما سيفعله أو يقوله هذا الشخص في المواقف المختلفة، ويُمكنك على هذا الأساس أن تطبِّق ذلك على أيِّ شيءِ تراه في العالم.

إقرأ أيضاً: 4 خطوات أساسية لتنمية وتطوير المهارات الشخصيّة

تمريناتٌ لقوة الملاحظة:

تُركِّز هذه التمرينات على حواسك، وتعتمد عليها لتقوية مُلاحظتك.

  • يُمكنك بدايةً النظر لعدة ثواني إلى صورةٍ عشوائية، ومن ثمَّ محاولة تذكُّر تفاصيل هذه الصورة بأكبر دقةٍ ممكنةٍ من خلال سؤال نفسك -أو جعل صديقٍ لك يسألك- أسئلةً عن الصورة، وعن شكلها العام، والأشكال الرئيسة فيها، وخلفيَّتها؛ ثمَّ التطرُّق إلى التفاصيل.
  • يمكنك أن تدرِّب حاسة الشمِّ أيضاً، وذلك من خلال استخدام روائح غير مألوفة بالنسبة إليك، مثل: روائح الزهور، أو روائح العطور الممزوجة معاً.
  • يمكنك أيضاً تدريب حاسَّة السمع على قوَّة الملاحظة، وذلك من خلال محاولة تمييز الأصوات من مقاطع الفيديو الموجودة على موقع يوتيوب، أو الاستماع إلى الأغاني ومحاولة تمييز الصوت بعد مرور فترةٍ من الزمن على سماعها اعتماداً على الذاكرة.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة