كيف تدرب دماغك على التفاؤل؟

لنكن صادقين: عندما تمر بوقتٍ عصيب في الحياة، ألا تشعر بالغيظ عندما ينصحك أحدهم قائلاً: "كن متفائلاً"؟ كل شخص لديه ذلك الصديق الواثق والمفرط في التفاؤل، ذاك الذي يرى الخير في كل شيء؛ ولكنَّ محاولتك العثور على أي شيء يُسعدك عندما تعاني، هو أمر غير واقعي. يبقى السؤال إذاً: لماذا يصعُب التعامل مع الأفكار السعيدة عندما يبدو كل شيء في الحياة مُنهاراً؟



يكمن أصل المشكلة في الدماغ، فدماغك غير مصمم للسعادة لأنَّه يُركِّز دائماً على تعزيز البقاء؛ فهو يحتفظ بالمواد الكيميائية التي تثير الإحساس بالسعادة (الدوبامين والسيروتونين والأوكسيتوسين) لاستعمالها في المناسبات التي يحتاج فيها إلى الحفاظ على حياة الإنسان.

ومع أنَّ كل هذا صحيح، لا يزال بإمكانك تدريب عقلك على التفاؤل حتى تتمكن من إيجاد الجانب المشرق وسط أكبر محن الحياة.

لا يمكنك البقاء إيجابياً طوال الوقت:

قبل الشروع في الحديث عن كيفية القيام بذلك؛ يجب أن تُدرك أنَّه من غير المتوقع أن تكون إيجابياً بنسبة 100٪ من الوقت، فأنت بشر والحياة مليئة بالمصاعب.

هل سبق لك أن وضعت خطة مُحكَمة، ولكنَّك أخفقت في تحقيقها؟" لا تقلق إذاً؛ إذ يتطلب الأمر أحياناً الشعور بالحزن أو الغضب أو السلبية؛ ومع ذلك، فإنَّ الحيلة هي الحرص على عدم ترك هذه المشاعر تسيطر على عقلك لفترة طويلة؛ إذ تؤدي المشاعر المحبطة غرضها على الأمد القصير، ولكنَّها تصبح مُدمِّرة لجودة حياتك -عموماً- على الأمد الطويل.

عندما يتعلق الأمر بالتفكير الإيجابي؛ أعتقد أنَّ الكثير من الناس يفهمون الإيجابية فهماً مشوَّهاً؛ إذ ليس عليك الغناء تحت المطر أو الابتسام على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع حتى تكون شخصاً إيجابياً، فقد يصنع تقديرُك لأبسط الأمور العجائبَ لعقلك؛ فتبدأ مع مرور الوقت ببرمجة عقلك على البحث عن المزيد من الإيجابيات وتوقعها، وهذا يُعبِّر عن القوة التي يمنحك إيَّاها التحلي بسلوكٍ يعكس الإحساس بالامتنان؛ إذ أظهرت الأبحاث أنَّ الامتنان يُحسِّن الصحة والسلامة العامة، ويزيد المُرونة، ويُقوِّي العلاقات الاجتماعية، ويُقلِّل من التوتر والاكتئاب؛ فكلما زاد امتنانك، زادت سعادتك.

إقرأ أيضاً: كيف تتجاوز مصاعب الحياة وتعيش بسعادة

3 طرائق يمكنك من خلالها تدريب دماغك على التفكير بإيجابية:

كأي عادة أخرى، يُهيئ دماغُك نفسَه للتفكير والتصرف بطرائق معينة من خلال التكرار؛ وبالتالي، إذا كنت تشارك في طقوس يومية تُعزِّز تفكيرك الإيجابي، فمع مرور الوقت ستعيد تنشيط وتدريب عقلك ليصبح أكثر إيجابية؛ لذا نقدم إليكَ هذه الطرائق المجربة في هذا الصدد:

1. تحدي الأفكار السلبية:

إنَّ عقلك أداة قوية، ولك الخيار في أن تملأه بأفكار إيجابية أو سلبية؛ فالشخص العادي لديه آلاف الأفكار يومياً، 80٪ منها سلبية، و95٪ منها هي أفكار اليوم السابق نفسها؛ فإذا كنت مثل معظم الناس، فمن المحتمل أنَّك تُطيل التفكير، الأمر الذي يُتيح الفرصة لناقدك الداخلي بالتدخل لإقناعك بأنَّك لست جيداً، ودفعك إلى التفكير في الأسباب التي أدَّت إلى إخفاقك؛ فلا عجب إذاً إن تركت الأفكار السلبية المُحبطة تدور في رأسك طوال الوقت، أن ينتهي بك المطاف إلى تصديقها.

يقع الناس في المتاعب عندما يَدَعون طرائق تفكيرهم تحدد أشكال شخصياتهم؛ فأنت لست أفكارك، لذلك لا تصدق كل ما تفكر به؛ وهذا هو سبب أهمية تحدي أفكارك السلبية.

في المرة القادمة التي تراودك فيها فكرةٌ لا تخدمك، توقَّف وفكِّر فيما إذا كانت هذه الفكرة دقيقةً أم لا، وما إن تحدد أين تكمن المغالطة في تفكيرك؛ تراجع واسأل نفسك: "هل هذه الفكرة تُحسِّنني أم تُيئسني وتدفعني إلى التشاؤم؟"  

إذا كان جوابك هو الجواب الأخير، فأعد صياغة الفكرة السلبية وحوِّلها إلى فكرة تجعلك أكثر قوة؛ إذ إنَّ أسرع طريقة لتغيير حياتك هي تغيير طريقة تفكيرك، فقد تؤدي التحولات الصغيرة في طريقة تفكيرك إلى تحولات هائلات في كيفية فهمك نفسك والآخرين والعالم من حولك.

نفهم من كل هذا أنَّ السعادة لن تكون -دائماً- رد فعلك التلقائي، فهي قرار عليك اتخاذه كل يوم.

إقرأ أيضاً: الأفكار الإيجابية تؤدي إلى نتائج إيجابية

2. إحاطة نفسك بأشخاص إيجابيين:

يعتمد نجاحك في الحياة -إلى حدٍ كبير- على البيئة المحيطة بك، فإن كنت تريد أن تكون شخصاً متفائلاً، فعليك أن تُحيط نفسك بأشخاص متفائلين.

وكما قال جيم رون (Jim Rohn) ذات مرة: "أنت متوسط ​​الأشخاص الخمسة الذين تقضي معظم الوقت معهم".

توقف لحظة وفكر في دائرة الأشخاص المقربين منك، هل هم من الأشخاص الملهِمين والمندفعين الذين يرفعونك ويمكِّنونك في الحياة؟ أم أنَّهم كسالى وسلبيون؟
إذا كانت الإجابة هي الإجابة الأخيرة؛ فقد حان وقت العثور على أصدقاء جدد.

عندما تحيط نفسك بأشخاص إيجابيين، من المرجح أن تتبنى معتقدات تجعلك أقوى، وأن ترى الحياة تقف إلى جانبك وليس ضدك؛ لذا حدِّد من تريد أن تكون وابحث عن الأشخاص الذين يُجسدون تلك السمات، فعندما ترفع معاييرك؛ يتغيّر الأشخاص المحيطون بك وكذلك حياتك أيضاً.

شاهد بالفديو: اقتباسات مُلهمة من رائد التنمية البشرية جيم رون

3. منح الأولوية لصحتك العقلية وسلامتك:

تسببت جائحة كوفيد-19 (COVID-19) بزيادة غير مسبوقة في مشاكل الصحة العقلية؛ إذ تُعدُّ مشكلات العُزلة والخوف والشك والاضطراب الاقتصادي التي واجهها الناس في جميع أنحاء العالم أرضاً خِصبة للاضطراب النفسي.

وبالنظر إلى الوضع الحالي لعالمنا، نجد أنَّه لم يكن هنالك وقت أكثر أهمية من هذا الوقت لجعل صحتنا العقلية وسلامتنا أولوية.

ولكن يبقى السؤال: "كيف تبقى إيجابياً عندما يسوء كل شيء؟"

تعتمد المسألة برمتها على كيفية نظرتك للأمور؛ فنحن نعلم أنَّ العقل والجسد يرتبطان ارتباطاً وثيقاً ببعضهما بعضاً، فإن تجاهلت أحدهما، سيعاني الآخر بنفس القدر؛ إذ وجدت الأبحاث أنَّ الاعتناء بأنفسنا بدنياً وعقلياً قد يؤثر في سعاداتنا ويدرب أدمغتنا بمرور الوقت على التفكير بإيجابية.

إنَّ الاعتناء بعقلك وجسدك يعني وضع طقوس يومية للرعاية الذاتية تتكون من تناول الأطعمة الصحية وممارسة الرياضة والتأمل، والبقاء على تواصل مع الأصدقاء وكتابة اليوميات والقراءة وممارسة التأكيدات الإيجابية.

إنَّ أي شيء يساعدك على إدارة توترك والتواصل مع اللحظة الحالية يعدُّ أمراً هاماً؛ فحتى في أحلك الظروف، يُمكنك العثور على شيء تشعر بالامتنان تجاهه، وباختيار التركيز على ما هو جيد في حياتك وعلى ما يجعلك سعيداً؛ تصبح أقوى في مواجهة المحن.

الخلاصة:

إنَّ طريقة تفكيرك هي كل شيء، فالتفكير الإيجابي هام بقدر أهمية مهاراتك أو مواهبك، وبما أنَّنا لا نستطيع التحكم بعالمنا الخارجي، يتوجَّب علينا تنمية عالم داخلي قوي.

يعتمد نجاحك في الحياة على طريقة استجابتك للمحن؛ لذا، تحلَّ بالإيمان، وثق بنفسك، وآمن بما هو ممكن؛ فعندما تفكر بإيجابية، تحدث أشياء إيجابية.

 

المصدر




مقالات مرتبطة