كيف تتواصل بفاعلية في جميع المواقف؟ (الجزء الثاني)

لقد تحدَّثنا في الجزء الأول من المقال عن مفهوم التواصل الفعَّال، وكيفية تعبير الفرد عن نفسه، ثمَّ انتقلنا إلى مناقشة طرائق تواصل الأفراد فيما بينهم ونظرنا في التواصل الكلامي وغير الكلامي والتواصل باستخدام الوسائل المرئية والتواصل الكتابي والجماهيري والجماعي، وسنكمل حديثنا في الجزء الثاني والأخير من المقال عن موضوع الإصغاء، وكيف تصبح مستمعاً ماهراً، وعوائق التواصل، ونناقش نصائح لتطوير مهارات التواصل عبر الإنترنت، فتابعوا معنا السطور الآتية.



الإصغاء:

يشكل الإصغاء جزءاً أساسياً من عملية التواصل الفعال، وإنَّ كونك مستمعاً ماهراً لا يقل أهمية عن قدرتك على التعبير عن نفسك، كما أنَّه يمكن أن يُحدِث فارقاً كبيراً في بناء العلاقات على الصعيدين الشخصي والمهني على حدٍّ سواء، فيمكنك تحديد الجوانب الهامة بالنسبة إلى محاورك من خلال الإصغاء إليه، أو قراءة رده على بريدك الإلكتروني، أو رسالتك النصية، أو تعليقك.

يُعَدُّ هذا النوع من التواصل أساسياً في أثناء المفاوضات، وجلسات حل المشكلات، وتسوية الخلافات، وغيرها من المواقف التي تُشارَك فيها أفكار جميع الأطراف ومشاعرهم، ويمكِّنك الإصغاء من تقييم مدى فهم الطرف الآخر لفكرتك، وتحديد الحاجة لمزيد من التوضيح.

كيف تصبح مستمعاً ماهراً؟

لا يتعلق الإصغاء الفعال بمجرد سماع كلمات الطرف الآخر؛ بل إنَّه يقتضي الاستماع الفاعل لكلامهم والانتباه لمشاعرهم وعواطفهم، وملاحظة لغة جسدهم، والتأني حتى يحين دورك في الكلام، وعندما يكون اهتمامك بالطرف الآخر وبنتيجة عملية التواصل حقيقياً، فإنَّ التواصل الفعال يغدو بسيطاً.

إليك فيما يأتي نصائح إضافية لتعزيز مهارات التواصل القائمة على الإصغاء وممارسة الإصغاء الفعال:

1. انتبه جيداً:

من الهام أن تكون حاضراً وتركز على كلام الطرف الآخر والإشارات غير اللفظية التي يشاركها معك، وأن تحدَّ من مصادر التشتت الخارجية ما أمكن من خلال إيجاد بيئة تواصل تتيح إمكانية التحدث بصدق واحترام، تشمل مصادر التشتيت الداخلية التي عليك تهدئتها أيضاً التفكير بموضوعات أخرى أو المشاريع اللاحقة، وأحياناً يكون الإصغاء للمتحدث أهم جوانب التواصل الفعال.

إقرأ أيضاً: قبل أن تُحدِث فارقاً، عليك بناء العلاقات أولاً

2. لا تقاطع:

يمكن أن تعرب عن اهتمامك بحديث الطرف الآخر وقبولك لمشاعره وأفكاره عبر الامتناع عن مقاطعته، يتيح هذا السلوك للطرف الآخر إمكانية إنهاء فكرته قبل أن تتفاعل وتصدر حكمك، وعندما يشعر الطرف الآخر بأنَّك تصغي إلى كلامه وتهتم به، فإنَّه سيمتنع عن مقاطعتك بدوره، وتصبح عملية التواصل متوازنة وتتوصلان إلى قرار.

عليك الانتباه إلى الإشارات غير اللفظية أيضاً؛ فإذا تشتَّتَتْ أفكارُك أو شعر المتحدث بأنَّك تفقد صبرك فإنَّ أفكاره ستتشتت وقد يهم بالسكوت.

3. حافظ على التواصل البصري:

يُعَدُّ التواصل البصري عاملاً أساسياً في الإصغاء الفعال؛ وذلك لأنَّه يبين اهتمامك وانشغالك بحديث الطرف الآخر؛ لذا عليك الامتناع عن تفقد الوقت أو هاتفك المحمول؛ لأنَّ هذه التصرفات تدل على عدم اهتمامك بالحديث.

4. قدِّم تغذية راجعة:

عليك أن تظهر اهتمامك وإصغاءك إلى الحديث من خلال الأساليب غير اللفظية كإيماء الرأس أو إظهار الموافقة على الكلام؛ كأن تقول: "أجل"، أو حثِّ المتكلم على قول المزيد، ويمكنك أن تقوم بتلخيص الأفكار المطروحة بأسلوبك وتسأل المتحدث عن صحتها للتأكد من أنَّك فهمت المغزى على نحو صحيح.

5. استخدم لغة جسد مفتوحة:

يجب أن تُعَبِّر عن اهتمامك بالحديث باستخدام لغة الجسد، وتقتضي لغة الجسد المفتوحة مواجهة المتحدث مباشرة بحيث تلتفت نحوه وتبقي على التواصل البصري معه.

عليك أن تتجنب وضعية شبك الذراعين، والإبقاء على سلوكك هادئاً ومسترخياً، وهو ما يساعد المتحدث على المحافظة على هدوئه، ومن الهام أن تراقب عواطفك حتى يتسنَّى لك ضبط ردود فعلك عند الشعور بالإحباط، أو الغضب، أو نفاد الصبر، أو غيرها من العواطف المشتتة للانتباه.

6. اطرح أسئلة توضيحية:

عندما تعجز عن فهم فكرة المتحدث، يمكنك أن تستفسر منه عن مقصده، أو أن تطلب منه تقديم مثال عليها أو مزيد من التفاصيل، فيتيح لك طرح الأسئلة فهم الموضوع وإظهار اهتمامك بالمتحدث.

شاهد بالفيديو: ما هي مهارات التواصل الفعال؟

عوائق التواصل:

يمكن أن تتعرض عملية التواصل الفعال لشتى أنواع العوائق التي يمكن أن تؤثر سلباً في علاقاتك الشخصية والمهنية مع الآخرين، ويمكن أن يؤدي سوء التواصل في مكان العمل إلى فشل المشاريع وحدوث خسائر في الإيرادات، في حين ينجم عن سوئه على صعيد الحياة الشخصية فشل وتداعي العلاقات.

يمكن تجنب هذه الخسائر من خلال تحديد عوائق التواصل ومعالجتها؛ إذ قد تشمل هذه العوائق الاختلافات الثقافية واللغوية والضجيج، ويمكن أن ينجم الضجيج عن أسباب طبيعية كأصوات الشاحنات، أو التلفزيون، أو تحدُّث الناس، أو غيرها، ويمكن أن يكون في بعض الأحيان داخلي المنشأ؛ إذ قد يكون أحدكما أو كلاكما جائعاً أو مشتتاً، وثمة ضجيج عاطفي أيضاً؛ إذ يمكن للفرد أن يكون تعيساً أو متحمساً.

قد يعاني أحدكما من الضجيج؛ ممَّا يؤدي إلى سوء فهم وجهة نظر الطرف الثاني، كما يمكن أن تعوق مشكلات الصحة النفسية قدرة المرء على الإصغاء وتأسيس علاقات سليمة.

تدلُّ لغة الجسد المتحفظة على أنَّك لا تصغي إلى الطرف الآخر وتؤدي إلى توقف عملية التواصل، كما أنَّ عادات التواصل السقيمة من قبيل الجدال، أو اللوم، أو محاولة تجنُّب الخلاف عوضاً عن حله، أو التفكير السلبي، تحول دون إجراء عملية تواصل فعَّالة.

يتطلب التواصل إرسال الرسالة وتلقيها، ويستحسن التأكُّد في كل مرحلة من عملية التواصل أنَّ الأفراد يرسلون ويتلقَّون بوضوح ومن دون أي عوائق.

مهارات للتواصل الفعال عبر الإنترنت:

يشيع استخدام التواصل عبر الإنترنت في مجال الأعمال وجميع جوانب حيواتنا، فبات الفرد ينجز صفقات تجارية عبر المكالمات المرئية، ويجري اتصالات مبيعات عبر البريد الإلكتروني، ويروِّج لخدماته ومنتجاته عبر المواقع الإلكترونية، والتدوينات الصوتية (podcast)، ومواقع التواصل الاجتماعي؛ إذ تُرسَل ما يزيد عن 18 مليار رسالة في مختلف أنحاء العالم يومياً.

يتيح التواصل عبر الإنترنت خاصية إخفاء الهوية في العديد من الحالات وقدرة الفرد على الاختباء خلف الشاشات، من الهام أن تدرك أنَّه ثمَّة إنسان في الجانب الآخر من عملية التواصل، وأن تركز على بناء العلاقات والتواصل بفاعلية.

عليك أن تضع في حسبانك أنَّ معظم المعلومات التي تقدمها عبر الإنترنت دائمة؛ لذلك عليك أن تستفيد من ذلك في تكوين صورة متكاملة عن ذاتك، وتجنب الإحراج أو المواقف المؤسفة.

نقدم فيما يأتي نصائح تطوير مهارات التواصل الفعَّال مع الآخرين عبر الإنترنت:

1. كن مهذَّباً:

تنطبق هذه القاعدة في كلا نوعي التواصل عبر الإنترنت والشخصي، عليك أن تعامل الآخرين باحترام عندما ترسل رداً لعميل مستاء من خدماتك أو في أثناء تصادمك مع أحد زملائك مثلاً، فمن الهام أن تنتبه للانطباعات التي تخلِّفها ردودك، وتعابير وجهك، ولغة جسدك خلال المؤتمرات المرئية.

2. أصغِ للآخرين بجديَّة:

يجدر بك أن تنتبه للإشارات غير اللفظية الصادرة عن الآخرين في أثناء الاجتماعات عبر الإنترنت، وفي حال بدت عليهم إشارات الملل، أو الارتباك، أو الانزعاج، عندها يمكنك طرح أسئلة، أو بدء محادثة جماعية لتشعرهم بالراحة والسكينة.

عليك أن تصغي إلى الردود الكتابية عبر النظر في اختيار الكلمات، وطول الرد، واللهجة، وتحرص على الرد بأسلوب يهدف لبناء العلاقات، وحل الخلافات، وتجنُّب سوء الفهم.

3. دقق نص التواصل الكتابي لغوياً:

تترك الأخطاء اللغوية انطباعاً بعدم الاحترافية أو الاتساق ويمكن أن تؤدي للارتباك؛ لذلك عليك أن تخصِّص بعض الوقت لقراءة نصك قبل إرساله لتعطي انطباعاً مناسباً، ومن الهام أن تقرأ رسالتك النصية من وجهة نظر المتلقي للتأكد من أنَّها تنقل الفكرة المطلوبة.

شاهد بالفيديو: مهارات التواصل مع الآخرين

4. قدِّم معلومات وافية:

في حال طُرِحَت مجموعة من الأسئلة، عليك أن تجيب عنها كاملة دون تجنب الأسئلة التي لا تعتزم التطرق لها؛ أي يجب تقديم معلومات وافية تتيح للمتلقي اتخاذ قرار مناسب أو تلبية حاجة معينة.

5. كن مقتضباً:

من الهام استخدام لغة واضحة وصريحة؛ أي عند كتابة بريد إلكتروني، أو نص، أو تعليق طويل عليك تنظيمه ضمن فقرات قصيرة حتى لا يكون مربكاً من الناحية البصرية، ومن ناحية أخرى قد تكون الاجتماعات الطويلة عبر الإنترنت مرهقة؛ لذلك عليك الاقتضاب في طرحك ما أمكن، وتغطية التفاصيل الأخرى بواسطة التواصل الكتابي إذا أمكن.

6. طوِّر مهارة الإدراك العاطفي:

يتطلب التواصل الفعَّال الانسجام مع مشاعرك ومشاعر الآخرين، وهو ما يدعى الإدراك أو الذكاء العاطفي، وهو مهارة ضرورية لفهم نفسك والآخرين، وبناء علاقات سليمة، وهادفة، ومثمرة.

في أثناء عملية التواصل مع أحدهم عليك أن تنظر في المشاعر التي يعيشها في لحظة التواصل؛ إذ تؤثر العواطف في مدى تركيز الفرد في كلامك وطريقة تفاعله معك.

لنفترض أنَّ محاورك يواجه مشكلة شخصية، عندئذٍ سيكون حواره مقتضباً بصرف النظر عن انفتاحك في التعبير عن نفسك، فيمكنك استخدام التعاطف في بناء الثقة وتصحيح الالتباسات عبر فهم عواطف الطرف الآخر وتقدير مشاعره أو الأزمات التي يواجهها.

يؤدي هذا السلوك إلى تعزيز المودة، ومن ثمَّ تخفيض مستويات التوتر، وإتاحة فرصة التشجيع، والمساعدة على حل المشكلات، أو بناء الثقة.

عليك أن تدرك عواطفك أيضاً، وتدرس الأمور التي تحفزها حتى يتسنى لك التحكم بردود فعلك؛ إذ من الطبيعي أن تشعر بالتوتر وتتخذ موقفاً دفاعياً عندما يواجهك المشرف بمشكلة؛ لكنَّك تستطيع التحكم بطريقة استجابتك لهذه المشاعر.

عليك أن تمارس تمرينات اليقظة الذهنية والسكينة، وتطور مهارة التفكير قبل التحدث أو إبداء رد فعل، بحيث تمنح نفسك الوقت اللازم للتفكير ملياً، ومن الهام تجنب اتخاذ القرارات عند الانفعال؛ فحتى العواطف الإيجابية كالحماسة وفرط السعادة يمكن أن تدفعك للموافقة على قرارات كنت سترفضها في مواقف أخرى.

لا بد أن تحدد مواضع سوء الفهم وتعمل على حلها بواسطة الحوار الصريح والصادق، وتلحظ تعابير الوجه كالعبوس، أو الابتسام، أو تقطيب الجبين، أو نظرات العيون؛ إذ تكشف هذه الملاحظات عن مشاعر المرء الحقيقية، وعندها عليك أن تطرح عليهم أسئلة تساعدهم على الإفصاح عن مشاعرهم وتوضيح وضعهم عبر النقاش الصريح.

إقرأ أيضاً: أهمية التواصل في تنمية الذات

كيف تتمُّ عملية التواصل في المواقف الصعبة؟

قد تضطر أحياناً إلى نقل أخبار مزعجة أو التعامل مع موقف صعب مع فرد أو مع مجموعة من الأفراد، فتساعدك طريقة الحوار، ولغة الجسد، والإشارات غير اللفظية على تخفيف حدة التوتر والعواطف القوية في المواقف الصعبة.

عندما تكون العواطف محتدمة عليك أن تحرص على الإصغاء، والملاحظة، والتأني قبل أن تبدي رأيك وتتحدث، فيمكنك أن تستخدم التواصل البصري لإبراز اهتمامك بالحديث، والصوت الهادئ لتخفيف التوتر، أما بالنسبة لتهدئة أعصابك فيمكنك أخذ نفس عميق لعدة مرات وجمع أفكارك.

عليك أن تكون هادئاً وصريحاً في حالات الطوارئ والخطر، وتتولى المسؤولية من خلال إعطاء إرشادات واضحة ومختصرة باستخدام نبرة صوت تنم عن الثقة بالنفس ورباطة الجأش؛ وذلك لأنَّ ظهورك بصفتك فرداً جديراً بالثقة ومطمْئِنَاً سيساعد الآخرين على الهدوء واتخاذ قرارات سليمة.

في حالات الحزن يمكن أن تكون أفعالك وصمتك أبلغ وأكثر فاعلية من كلامك؛ وذلك لأنَّ مجرد الجلوس بجانب الفرد ولمس ذراعه، أو إمساك يده، أو إحاطته بذراعك في أثناء إصغائك يمكن أن يكون جل ما يحتاج إليه.

عندما تجد نفسك في مناقشة محتدمة عليك أن تتجنَّب اتخاذ القرار وتؤجل النقاش لحين تهدأ العواطف؛ إذ لا يمكن اتخاذ قرارات حكيمة عندما تحتد المناقشات، في حال أراد أحد الأفراد الذهاب فلا بأس بذلك؛ لأنَّه سيكون أكثر هدوءاً عندما يعود، وسيتسنى لكما التحاور بفاعلية أكثر.

إياك أن تستخف بقدرة الفكاهة على تلطيف المواقف الصعبة؛ إذ بوسع حس الفكاهة اللائق أن يخفف من توتر وحدة الموقف، ويساعد الأفراد على التواصل والتركيز على الحلول بدل المشكلة.

في الختام:

عندما تكون ماهراً في التواصل سيتسنى لك بناء علاقات شخصية ومهنية بارزة، واستقطاب عدد أكبر من الفرص المصيرية لنفسك وللمؤسسة.




مقالات مرتبطة