كيف تتقن الترجمة وتكون مترجماً محترفاً؟

ثمَّة شيئان أساسيان أريد أن أفعلهما في هذه المقالة: أريد أولاً أن أقول بعض الأمور للأشخاص الذين يفكرون في الدخول إلى عالم الترجمة وأن أصحح بشكلٍ خاص بعض المفاهيم الخاطئة، لكن ثمَّة بعض الأمور التي أعتقد بأنَّ الشخص الذي يفكر في أن يكون مترجماً أو الذي يمارس الترجمة بالفعل يحتاج إلى سماعها. ثانياً بالنسبة إلى الأشخاص الذين يسألون باهتمامٍ عن نوع المعلومات التي يحتاجون إليها، أو الخطوات التي يجب عليهم القيام بها حتى يكونوا مترجمين بارعين، أريد أن أُحَدِّثَهم قليلاً عن المهارات التي يحتاجون إليها وكيف يمكنهم اكتسابها.



هذه المقالة مترجمة عن المُتَرْجِمَة ساره ليندهولم.

لم أكتب هذه المقالة لأنَّني أبرع مترجمةً على مرّ العصور، بل لأنَّني أعلم أني لا زلت أتطور وأنَّ كل شيءٍ سأقوله لا يزال ينطبق عليَّ وسيبقى دائماً كذلك. أن آمل في الواقع أن أكون مترجمةً دائمة التطوّر وهو ما يُفتَرَض أن يحدث، لكنَّني في أثناء مشواري المهني حصلت على فرصة التواجد في طَرفَي العملية إذ إنَّني كنت المترجمة التي تُقوَّم عملها ويخضع للإشراف. وكنت على الجانب الآخر الشخص المسؤول عن تقويم المترجمين، إمَّا من خلال تقديم توصيات بشأن توظيفهم، وإمَّا من خلال التأكُّد من جودة العمل الذي يؤدونه، وقد أكْسَبَني هذا مجموعةً فريدةً من الخبرات نوعاً ما وأتاحت لي رؤية الكثير من الأمور المرتبطة بعمليات الترجمة، سواءً التي أديتها أنا أو التي أداها الآخرون، أو المرتبطة بالمترجمين الذين دخلوا حديثاً إلى مجال العمل.

الجزء الأول: ملاحظات أولية حول الترجمة:

طُرِحَتْ عليَّ خلال العقد الماضي الكثير من الأسئلة عن الترجمة والمترجمين، حيث كان بعض من طرَحها أشخاصٌ يطمحون للعمل مترجمين، وبعضهم الآخر أشخاصٌ كانوا يعملون حينها مترجمين، وبعضهم الآخر أشخاصٌ معجبون بأفلام الأنيمي، وبعضهم أشخاصٌ دفعهم اهتمامهم بالترجمة فقط إلى طرح تلك الأسئلة، وقد رأيْتُ تعليقاتٍ حول الترجمة في الانتقادات التي وُجِّهت لأفلام الأنيمي، وفي منتديات الجماهير، وفي غيرها من الأماكن وقد راسلْتُ أيضاً أشخاصاً يبحثون عن وظائف في مجال الترجمة.

لقد أطْلَعَتْني جميع هذه التجارب على أفكارٍ لها علاقة بالترجمة يؤمن بها الناس، وعلى أفكارٍ أخرى لا يؤمنون بها. وقد رأيْتُ بعض الفجوات بين الطموح والواقع في عالم الترجمة وأنا أرغب في سد هذه الفجوات.

1- عملك ليس عملك:

أن تُترجِم يعني إمَّا أن تستعير وإمَّا أن تسرِق، إذ إنَّ كل شيءٍ تتعامل معه يملكه أشخاصٌ آخرون، فالبرنامج التلفزيوني الذي تترجمه هو برنامج شخصٍ آخر، والرواية التي تترجمها هي أيضاً رواية شخصٍ آخر. قد تبدو هذه الحقيقة واضحةً بشكلٍ فظ لكن ثمَّة الكثير من النتائج التي يجب عليك أن تأخذها في الحسبان، إذ إنَّ ممارسة الترجمة تحتاج إلى التحلي بدرجةٍ كبيرةٍ من الاحترام. تخلَّ عن أيَّة رغبةٍ في التدخل بالعمل الأصلي وحارب أيَّة فكرةٍ حول جعل المادة المُترجَمة أفضل من الأصلية. فالرسام العظيم يُعَدُّ عظيماً لأنَّ عمله يشبه الواقع ولا يُطابقه، والمترجم الماهر يُعَدُّ ماهراً لأنَّك لا تستطيع أن ترى في المادة المترجمة ما يدل على وجوده. يجب عليك ألَّا تُقْحِم نفسك في المادة المُترجمة وألَّا تغير فيها شيئاً مهما كان بسيطاً فأنت لا تملك الحق في ذلك. ينطبق المبدأ نفسه على رجلٍ أوكلت إليه مهمة حراسة سيارة رجلٍ آخر، حيث إنَّ عمله وواجبه الأخلاقي يحتمان عليه هنا أن يعيدها مثلما استلمها قدر المُستطاع. وسواءً أعجبتك السيارة أم لم تعجبك أم لم تكترث لها أبداً تبقى وظيفتك هي حماية هذه السيارة وهي ليست سيارتك. يجب عليك أن تفكر جدياً بهذه الطريقة وإذا لم تكن مستعداً دائماً لتحمل المسؤولية الأخلاقية التي يفرضها عليك العمل مترجماً يجب عليك ألَّا تمارس هذه المهنة.

2- بعض الأشخاص يمكن أن يكونوا مترجمين ماهرين وبعضهم الآخر لا يمكنهم ذلك:

لأنَّ الترجمة تحتاج إلى تحمُّل قدر كبير من المسؤولية الأخلاقية، ولأنَّ ثمَّة العديد جداً من الثغرات التي يمكن أن يتسرب منها معنى المادة المترجمة، يجب على المترجم أن يكون حذراً تماماً. إنَّ نوعية الأشخاص الذين يمكن أن يكونوا مترجمين بارعين هي نفس نوعية الأشخاص الذين يستطيعون أن يكونوا مديري مكتبات: إنَّهم أشخاصٌ كثيرو التفكير. ليس من الضروري بكل تأكيد أن تكون شخصاً يعاني من اضطراب الوسواس القهري حتى تصبح مترجماً، لكن إن لم تكن شخصيتك كذلك يجب على سلوكك أن يكون كذلك، إذ تحتاج الترجمة إلى تركيز الاهتمام تركيزاً شديداً فتراتٍ طويلةً من الزمن والانتباه إلى أدق التفاصيل، ويجب عليك إمَّا أن تكون دقيقاً بشكلٍ كامل وإمَّا أن تكون شغوفاً بكلٍ شيءٍ له علاقة بالعمل. من الذي يهتم كيف يبدو شكل حياتك الشخصية! لكن إذا كنت شخصاً لا يتمعن بالتفاصيل في أثناء العمل، ويتجاهل إجراء عمليات البحث، ويكتفي بتلبية أدنى المعايير فإنَّ هذا الخيار المهني لا يناسبك. أنا لا أقول هذا لأنَّني أرغب في أن أتشدق بالكلام وأنا لا أحاول أن أخيفك، أنا أحاول فقط أن أعرض الحقيقة حتى تتمكن من اتخاذ قرارٍ مدروس. أنا لا أجلس خلف كمبيوتري كل يومٍ وأنا أرتجف كورقة خريفٍ ولا أتحمل عبء مسؤوليةٍ تكاد تسحق روحي ولا أبذل جهد رجلٍ خارق، وأنت أيضاً لست مضطراً إلى أن تفعل ذلك. لكن نحتاج جميعاً إلى أن نعي أهمية ما نفعل وأن نكون جادين وصادقين في تحديد إذا ما كنا نستطيع أن نؤدي عملنا بشكلٍ جيدٍ أم لا.

3- المعرفة أقل أهميةً ممَّا تعتقد:

إيَّاك أن تعتقد بأنَّك لن تكون مترجماً جيداً لأنَّك تنسى دائماً معنى تلك الكلمة المعروفة، وبأنَّ نسيان معاني تلك الكلمات العشر أو العشرين سيجعلك مترجماً سيئاً، فالكمبيوتر موجودٌ بين يديك، لذلك أنت لست مضطراً إلى تذكر معاني الكلمات بلمح البصر. المفردات مهمة بكل تأكيد لكنَّ الأهم منها هو أن تعرف ما تعلم وما لا تعلم، هذا في الواقع هو الشيء الأهم لأنَّه إذا كان ثمَّة شيء لا تعرف معناه وأدركت ذلك يمكنك دائماً أن تبحث عن المعنى، وإذا كنت تستطيع البحث بطريقةٍ مناسبة يمكنك أن تكتشف معنى الأشياء التي لا تعرفها.

إقرأ أيضاً: أفضل تقنيات البحث في جوجل Google Search

4- المعرفة أهم ممَّا تعتقد:

لا تعتقد أنَّ في إمكانك ترجمة برنامج تلفزيوني باللغة اليابانية بعد أن تُنْهِي المستوى الأول من دروس تعلُّم اللغة اليابانية من خلال الاستعانة بالقاموس، الأمور لا تسير بهذه الطريقة لا مع اللغة اليابانية ولا مع غيرها من اللغات. القاموس يستطيع أن يعرف -دائماً- معاني الكلمات لكنَّ اللغة ليست مجموعةً من التعاريف التي تربط القواعد البسيطة بعضها بالبعض الآخر. أنت في حاجةٍ إلى امتلاك أساسٍ متين في قواعد اللغة اليابانية وأن تكون لديك فكرة جيدة عن الطريقة الفعلية للفظ اللغة وكتابتها. سيكون ثمَّة دائماً بعض الجُمَل الغريبة ستحتاج إلى المساعدة في اكتشاف معانيها مهما كان مستوى المهارة التي وصلْتَ إليها. وإذا كنت لا تمتلك من الدقة والبراعة في فهم قواعد اللغة اليابانية ما يكفي لفهم معنى معظم الجُمَل (لا بأس في البداية أن تتوقف برهةً لتفكر وتتذكر المعاني)، ستفسر المعاني بشكلٍ سيء ولن ينقذك قاموسك.

5- أنت في حاجةٍ إلى أن تجيد لغتك الأم:

أيَّاً كانت اللغة التي تتُرجِم إليها أنت في حاجةٍ إلى أن تكون بارعاً حقاً في تلك اللغة. فلنفترض أنَّك تترجم مواداً من اليابانية إلى الإنكليزية، إذا كانت مهاراتك في اللغة الإنكليزية ليست جيدةً بما فيه الكفاية، ولم تكن تستطيع اتخاذ قرارات مناسبة فيما يتعلق بالتعبير عن شيءٍ ما باللغة الإنكليزية لن يكون مهماً مدى إتقانك اللغة اليابانية.

إقرأ أيضاً: 8 نصائح تسهل عليك تعلّم اللغة الإنكليزية

6- "أنا أتحدث اللغتين" أم "أنا مترجمٌ بارع":

يبدو أنَّ بعض الناس يعتقدون لسببٍ أو لآخر بأنَّ الشخص الذي تكون لغةٌ ما لغته الأم سيكون أمهر في ترجمة المواد نقلاً عن تلك اللغة (في الحقيقة يتفق أصحاب النظريات على أنَّه من الأفضل أن تتحدث أساساً باللغة التي تترجم إليها)، أو بأنَّ الشخص الذي يتحدث لغتين سيكون بارعاً في الترجمة من إحداهما إلى الأخرى، لكنَّ هذا ليس صحيحاً فالترجمة مهارةٌ وفن وتحدُّثُ عدة لغات لن يجعلك مترجماً بارعاً، مثلما أنَّ القدرة على رؤية عدة ألوان لن تجعلك رساماً ماهراً. ومثلما هو الحال مع أيَّة صنعة ترتبط المهارة في الترجمة في:

  • جزءٍ منها بالموهبة.
  • جزءٍ ثانٍ بالسلوك.
  • جزءٍ ثالثٍ بالتعلم.
  • جزءٍ رابع بالممارسة.

7- تَحَدُّثُ لُغَةٍ ما مثلما يتحدث بها من تكون هذه اللغة لغتهم الأم ليس معجزةً:

تُعَدُّ هذه النقطة بشكلٍ جزئي امتداداً للنقطة السادسة، إذ مثلما قلنا لن يجعلك تحدث لغةٍ ما مترجماً ماهراً إلى تلك اللغة، وبناءً عليه فإنَّ تحدث لغةٍ ما لا يعني بالضرورة أن تكون قادراً على الإجابة بشكلٍ جيد عن الأسئلة التي تُطرح حول تلك اللغة. يُعَدُّ بعض من يتحدثون لغتهم الأم مصادر رائعةً لمعاني الكلمات والمسائل اللغوية الأخرى، في حين أن بعض الذين يتحدثون لغتهم الأم يُعَدّون مصادر سيئةً لتلك الأمور، والكثيرون لا يُعَدَّون جيدين ولا سيئين؛ هم في مكانٍ ما بين الفئتين، الأمر يعتمد على مدى براعتك في طرح الأسئلة المناسبة. إذا لم تكن اللغة التي تترجم منها لغتك الأم من المهم أن تستعين بأشخاصٍ تكون هذه اللغة لغتهم الأم، لكن من المهم أيضاً أن تختار مستشاريك هؤلاء بعناية، وأن تستفيد من خبرتهم بحكمةٍ، واحترامٍ، ولُطف. وأخيراً تذكَّر أنَّه لا يوجد أحدٌ معصومٌ عن الخطأ إذ إنَّنا جميعاً نرتكب الأخطاء، وتذكَّر أنَّ لدينا جميعاً أفكاراً مغلوطةً حول بعض الأمور وأنَّ ثمَّة أموراً نجهلها تماماً أيضاً. وعلى الرغم من أنَّ اللغة الإنكليزية هي لغتي الأم وأنَّني حائزةٌ على شهادة بكالوريوس في علم اللغويات، إلَّا أنَّ ثمَّة بكل تأكيدٍ كلماتٍ إنكليزيةً لا أعرفها أو أخطئ فيها.

الجزء الثاني: ما الذي تحتاج إليه لتطوير مهاراتك:

أعتقد أنَّ هذه القائمة الرائعة تنتطبق على أي مترجمٍ في أي مجال، على الرغم من أنَّني أعترف أنَّني كمترجمة لأفلام أنيمي لا أشعر أنَّني مضطرّةٌ إلى قراءة المجلات المكتوبة باللغة اليابانية، لكنَّني أحِسُّ أنَّ هذا الشيء مهمٌ بالنسبة إلي، لأنَّني أتطلع في النهاية إلى العمل في مشاريع تختلف عن المشاريع التي تتعامل مع الثقافة الشعبية، وفي تلك المرحلة سيصبح امتلاك الخبرة مهماً كأهمية أي شيء آخر في تلك القائمة، فاستوعب هذه القائمة جيداً، لكن اعرف أيضاً ما أهدافك. ثمَّة أسباب قوية تدعو إلى الاقتناع بكل ما هو مذكور في هذه القائمة وكل شيءٍ فيها سيمنحك قوةً أكبر. والآن من أجل توضيح هذا الأمر بشكلٍ أكبر وإضافة بعض النقاط التي اكتسبْتُها من خلال تجاربي الشخصية إليك هذه القائمة التي تتألف من عشر نقاط:

10 طرائق لتصبح مترجماً متمرساً:

1- أتقن اللغة التي تترجم منها بشكلٍ جيد:

تُعَدُّ هذه النقطة نقطةً واضحةً يعرفها الجميع، لكنَّ الذي يجعلها واضحةً هو أنَّها صحيحةٌ بالفعل فمن أجل أن تكون مترجماً بارعاً يجب عليك أن تمتلك مهاراتٍ قويةً في اللغة التي تترجم منها. ثمَّة العديد من المواقع الإلكترونية التي تستطيع أن تخبرك كيف تطور مهاراتك في لغةٍ ما، لذلك سأقول لك باختصار استفد من تلك المواقع فاقرأ، واكتب، وادرس، وابحث، وتحدث، واستمع. ثمَّة أمرٌ آخر أيضاً لن تجده بالضرورة في أماكن أخرى: لقد وجدْتُ أنَّ المعلومات الأساسية التي لديّ في علم اللغة أتاحت لي التقدم في تعلم اللغة بشكل أسرع من أقراني أصحاب الاختصاصات الأخرى.

إقرأ أيضاً: إلى هواة الكتابة بالإنكليزية: 11حساب على تويتر ستجعلك كاتباً أفضل

2- أتقِن اللغة المستهدفة:

اللغة المُستهدَفة هي اللغة التي يُترجم الشخصة المواد إليها لذلك تُعَدُّ اللغة الإنكليزية بشكلٍ عام اللغة المستهدفة بالنسبة إلي. لا يمكن أن أُعبِّر بما فيه الكفاية عن أهمية فهم اللغة التي تترجم إليها فهماً دقيقاً مهما تحدثت عن ذلك، إذ من أجل أن تتقن الترجمة إتقاناً حقيقياً أنت في حاجةٍ إلى أن تتقن فعلاً مهارات اللغة المُستهدَفة (مهما كانت هذه اللغة بالنسبة إليك). فإذا لم تفعل ذلك لن تكون قادراً على إيصال أفكارك بوضوح ولن تكون قادراً على انتقاء الخيارات المناسبة التي تثير الإلهام وتُعبِّر عن روح النص وبُنْيَته؛ يُعَدُّ إتقان اللغة المُستهدفة أهم من إتقان اللغة التي تترجم منها.

  • إذا لم تكن اللغة المُستهدفة لغتك الأم:
    اقرأ نصوصاً مكتوبةً بتلك اللغة، واستخدمها في الكتابة، وادرسها دراسةً مستفيضة وتعرّف إلى الروائع الأدبية المكتوبة بتلك اللغة وإلى استخداماتها الشعبية، وتأكَّد من أن يكون لديك أشخاصٌ موثوقون تستشيرهم في استخدامها. ألقِ نظرةً أيضاً على النصائح المُقدَّمة في الأسفل للأشخاص الذين تُعَدُّ اللغة المستهدفة لغتهم الأم.
  • إذا كانت اللغة المستهدفة لغتك الأم:
    يُعَدُّ هذا جيداً لأنَّ هذا الوضع هو الوضع المثالي، لكنَّ هذا وحده لا يُعَدُّ كافياً، حيث يجب عليك أيضاً أن تكون بارعاً في ممارسة تلك اللغة. أفضل طريقةٍ لتطوير مهارتك أن تقرأ بكثرة وأن تكتب أنواعاً مختلفةً من المقالات. واكتب أيضاً قصائد وقصص إذا كنت تستخدمها في أنواع الترجمة التي تمارسها، ليس ضرورياً أن تكون من النوع الذي يمكن نشره في الصحف فالقصد هو أن تتعامل معها فقط بشكلٍ يكفي لفهم الأسلوب المُتَّبع فيها، وسيكون من الأفضل أن تتلقّى عليها بعض النقد البنَّاء أيضاً. وإذا كنت لا تزال في المرحلة الثانوية أو في الجامعة فأنت في أفضل وضع ممكن لتعزيز مهارتك في اللغة الانكليزية أو العربية (أو أيَّة لغة أخرى)، احضر دوراتٍ تركّز الاهتمام بشدة على الكتابة، وحاول أن تحضر دورةً واحدةً على الأقل تتحدث عن المواضيع الأدبية ودورة واحدة أيضاً على الأقل تتطرق إلى مواضيع علميةٍ أو تقنية تدفعك إلى ممارسة الكتابة بشكلٍ فعلي، وأعِر انتباهك فعلاً إلى التغذية الراجعة التي تتلقاها من أساتذتك وأقرانك (من المفيد حقاً أن تسأل قليلاً عن الأساتذة قبل أن تلتحق بالدورات، حيث يستطيع الطلاب الأعلى مرتبةً منك أن يخبرونك عن الأساتذة الذين سيكونون مفيدين لك وعن أولئك الذين لن يكونوا مفيدين).

3- ابحث، وابحث، وابحث:

تحتاج العديد من أنواع الترجمة، لا سيما ترجمة الكتب، والأفلام، وبرامج التلفزيون، إلى أن يكون لديك قليل من الاطلاع على كل شيءٍ يحدث حول العالم. إذ خلال الأسبوع الذي أقضيه عادةً في ترجمة أفلام الأنمي قد أُضطرُّ إلى البحث عن معلوماتٍ حول عناكب الغابات المطرية، والأسماء الباكستانية، والمسلسلات التلفزيونية اليابانية في ستينات القرن الماضي، وحركة الإصلاح البروتستانتي، وتقنيات الفضاء، والعادات اليومية التي يمارسها أتباع البوذية التبتية. لن يكون في إمكانك أن تعرف جميع تلك الأمور بكل تأكيد لذلك يجب عليك أن تكون بارعاً في البحث، ويجب عليك أن تحصل على الأجوبة من مصادر موثوقةٍ قدر الإمكان، لذلك من أهم المهارات التي يجب على المترجم أن يطورها مهارات البحث. إذا كنت طالباً في المرحلة الثانوية أو في الجامعة جَرّب أن تُسَجّل في دوراتٍ تساعدك في ذلك أو أن تحضر اليوم المخصص لتقديم التوجيهات المتعلقة بالأعمال المكتبية (في معظم الجامعات تحيي المكتبات الرئيسة هذا اليوم مرةً واحدةً كل فصل، ويتضمن غالباً نصائح حول إجراء عمليات البحث. الشيء الوحيد الذي يجب عليك أن تفعله على الأرجح هو البحث عن موعد ذلك اليوم من خلال الذهاب إلى أمين المكتبة المسؤول وسؤاله عن ذلك). حاول الحصول على وظيفةٍ في المكتبة تجمع بين العمل والدراسة فقد تتعلم بعض الأشياء (مثلما فعلْتُ أنا) وتجني المال أيضاً. وإذا لم تكن في المدرسة و/ أو لم تكن تعمل في المكتبة لا تقلق حيث تقدم العديد من الجامعات والمكتبات العامة بين الحين والآخر دوراتٍ في طرائق البحث يمكنك البحث عنها والتسجيل في إحداها. وإذا كان ذلك غير ممكن يمكنك الذهاب إلى الجامعة أو المكتبة العامة والبحث عن أمين المكتبة المسؤول عن شؤون الفهرسة والمراجع، إذ إنَّ وظيفة هذا الشخص هي أن يعرف طريقة البحث عن الأشياء، فإذا كنت طالباً سيساعدك أمين المكتبة في المدرسة أو الجامعة بكل سرور، أمَّا إذا كنت في مكتبةٍ عامة حاول أن تذهب في يومٍ قليل الازدحام وأن تأخذ موعداً. اذهب إليه بعد ذلك وعرفه عن نفسك واطلب منه أن يساعدك في تعلّم مهارات البحث عن طريق الإنترنت وفي المواد الورقية (وإذا كنت تعتقد أنَّك ستؤدي معظم عمليات البحث عبر الإنترنت أخبره ذلك).

نصيحة: سيكون من المفيد أن تُحْضِرَ معك نماذج عن أسئلة وجوانب بحث حتى يتمكن أمين المكتبة من مساعدتك، ويمكنك أن تضرب عصفورين بحجرٍ واحدٍ أيضاً من خلال إحضار أسئلة عن عمليات بحث أجريتها في أثناء عمليات الترجمة التي تقوم بها.

تحذير: تذكَّر أنَّ أمين المكتبة ليس مساعدك الشخصي وأنَّه موجودٌ ليساعدك فقط في عمليات البحث التي تجريها، ولا يوجد شيء يمكن أن يجعل أمين المكتبة يَنْفِر منك أكثر من أن تنتظر منه أن يجيب عن جميع الأسئلة التي لديك.

من المفيد أن نرجع خطوةً إلى الوراء ونقول، إذا فرضنا أنَّك مترجم أفلام أنمي وتمتلك بالفعل بعض الخبرة في إجراء عمليات البحث، أنَّه قد يكون ذلك الوضع مقبولاً ولا حاجة إلى أن تكون محترفاً في البحث. يمكنك أن تلبي جميع الأمور التي تحتاج إليها في أثناء إجراء عمليات البحث -لكن ليس كلها بكل تأكيد- من خلال بناء علاقة أفضل مع جوجل، إيَّاك أن تظن أنَّ استخدام جوجل لا يُعَدُّ مهارةً إذ ثمَّة العديد من الطرائق للاستفادة من محركات البحث للعثور على أشياء خاصة أو الحصول على نتائج مفيدةٍ وموثوقة. وثمَّة أيضاً طرائق أخرى سيجعلك اتباعها تجلس ثلاث ساعاتٍ دون الحصول على أيَّة نتائج مفيدة. ربما تكون في حاجةٍ إلى الحصول على بعض النصائح أو ربما يكون كل ما تحتاج إليه أن تضع بنفسك قائمةً طويلةً تتضمن أسئلةً صعبة وأن تحاول تحسين مهارتك في العثور على إجاباتها، وربما تكون ملك البحث باستخدام جوجل. على أي حال الحقيقة تقول أنَّ إتقان إجراء عمليات البحث سيحتاج إلى قليلٍ من الوقت.

4- ابحث عن أصدقاء:

أتَذْكُر حينما قلت أنَّ الترجمة تعني أن تكون لديك خبرة في كل شيء؟ إذاً أفضل خطوةٍ قادمة يمكنك أن تفعلها هي أن تتعرف إلى شخصٍ خبير لديه اطلاع على كل شيء، إذ يُعَدُّ بناء العلاقات إحدى الطرائق التي تستطيع من خلالها أن تصبح مترجماً. فحينما أكون مضطراً للحصول على معلوماتٍ حول اللغة اللاتينية أتصل بصديقي الذي يُدَرِّسُ اللاتينية، وحينما أحتاج إلى معلوماتٍ حول ديانةٍ ما أتصل بصديقي الخبير بالديانات. ثمَّة بعض الأمور التي لن ينفعك فيها استخدام جميع التقنيات المتبعة للبحث عبر جوجل حول العالم مثلما سينفعك طلب المشورة من شخصٍ واسع الاطلاع فعلاً، وإذا لم يكن لديك شخصٌ تلجأ إليه في هذه المواقف ستُضطَّر إلى قضاء يومٍ كاملٍ في المكتبة وأنت لا تريد أن يحصل هذا إذا كان الموعد النهائي لتسليم المادة المترجمة هو غداً. لذلك كن مستعداً دائماً للاستعانة بالخبرات التي يتمتع بها الأصدقاء وأفراد العائلة وتذكر الأشخاص الذين تعرفوا إليك وكن لطيفاً معهم، وتذكر حينما تتصل بأحد الأشخاص في منتصف النهار وتقول له "أنا في حاجةٍ إلى معرفة معنى هذه الكلمات اليونانية الآن فوراً" أن تشكره دائماً قبل إغلاق سماعة الهاتف. لقد أنقذ هؤلاء حياتك فتأكَّد من أن تُظْهِر تقديرك لهم.

إقرأ أيضاً: قواعد في الإتيكيت خلال التعامل مع الآخرين

5- فكر في هدفك:

أعتقد أنَّ الشخص الذي يفكر في النظرية التي يتبعها في أثناء الترجمة، وفي معنى الترجمة بالنسبة إليه، وفي الشيء الذي يحاول فعلاً أن يؤديه بشكلٍ عام من خلال العمل مترجماً، سيؤدي أداءً أفضل في عمله لذلك اقرأ قليلاً عن نظرية الترجمة ثمَّ اقضِ بعض الوقت في التأمل في نظرتك إلى الترجمة والفلسفة التي تتّبعها في أثناء الترجمة. ومن أجل الحصول على مزيدٍ من الفائدة يمكن أن تمنحك قراءة ما كتبه الآخرون عن الترجمة فكرةً عن الطريقة التي يمكن أن تتعامل بها مع المشاكل التي تواجهك.

6- تعرف إلى المجالات المهمة بالنسبة إليك:

قد تبدو هذه النقطة بديهية، فإذا كنت ستقضي مشوارك المهني في ترجمة الوثائق القانونية أنت في حاجةٍ إلى الاطلاع على القوانين. لكنَّني أرى أنَّ الناس لا يفكرون دائماً بهذه الطريقة حينما يتعلق الأمر بالمجالات المعروفة، فمترجم المواد الأدبية على سبيل المثال يجب أن يكون لديه خلفية أدبية قوية وأن يكون مطلعاً اطلاعاً عميقاً على الأعمال الأدبية الأساسية ومدارس الفكر الأدبي، كما أنّ مترجم أفلام الأنمي يجب أن يكون لديه بكل تأكيد اطلاع على عالم الأنمي؛ يجب عليك في الواقع أن تدرس مجالك بطريقةٍ مُنَظّمة. وأخيراً من الضروري أن يتعرف جميع المترجمين إلى الثقافات والأحداث التاريخية المرتبطة بمجالاتهم، إذ ليس مهماً إن كنت تترجم عملاً أدبياً عظيماً أم قائمة طعام، حيث يجب أن يكون لديك بعض المعلومات حول الثقافات المرتبطة باللغات أو المواقع التي تتعامل معها بما في ذلك لغتك والمكان الذي تعيش فيه.

7- اطلع قليلاً على المجالات التي لا تتعامل معها:

مثلما قلْتُ سابقاً يجب على المترجمين أن يكون لديهم اطلاع على كل شيء، لذلك أي شيءٍ تتعلمه مهما كان حجمه سيكون مفيداً لك في النهاية، فاغتنم فرصة التعلّم وأعِر اهتمامك بشكلٍ عام إلى ما يجري حولك (لا سيما الأشياء التي يتحدث عنها الناس) واحفظ بما تسمع فقد تحتاج إليه في وقتٍ لاحق.

8- اطلع على الثقافة العامة:

قد تجد صعوبةً في مواكبة الثقافة العامة والأحداث التي تجري حالياً، لكنَّك في الحقيقة ستحتاج إلى ذلك إذ إنَّ أي شيءٍ يشغل العالم سيجد طريقه إلى كل شيءٍ في الحياة، لذلك أبقِ عينيك مفتوحتين واستمع إلى الراديو في أثناء الذهاب إلى العمل وابحث عن طريقةٍ للاهتمام قليلاً بما يجري حولك.

9- تعلّم الإبداع (نعم الإبداع يمكن أن يكون مهارةً مُكتَسَبة):

لقد أخبرنا العلماء دائماً أنَّ الإبداع سلوكٌ مُكْتَسَب وهذا صحيح إذ كلما فكرت في مزيدٍ من الأفكار الجديدة والمختلفة ازدادت ترجمتك إبداعاً. ما المشاكل الشائعة التي تواجه المترجمين؟ ما المشاكل الشائعة في الترجمة في لغتك الأم التي تتحدث بها؟ حينما تصادف نماذج مثل هذه في حياتك اليومية توقف لحظةً وحاول أن تفكر في طرائق التعامل معها. في بعض الأحيان ستفكر في مسائل الحياة اليومية بشكلٍ أفضل من تفكيرك في مسائل العمل الفعلية لأنَّك لن تكون تحت الضغط. ما أفعله أنا حينما أقرأ مجلةً مصورةً باللغة اليابانية وأواجه مسألةً شائكةً فعلاً هو أنَّني أسأل نفسي كيف كنت سأتعامل أنا مع تلك المسألة. وإذا فكّرت في دعابةٍ باللغة اليابانية أسأل نفسي كيف يمكن أن أنقلها إلى اللغة الإنكليزية. ربما تتعامل أنت مع الكلمات بالطريقة نفسها دائماً، لكن أيتعامل معها المترجمون الآخرون بطريقةٍ مختلفة؟ ربما يمكن أن يجعلك هذا تفكر خارج الصندوق وتبحث عن طرق جديدة في التفكير.

شاهد بالفيديو: 9 طرق لتنمية الإبداع في نفسك

10- اهتم بأجواء عملك:

تُعَدُّ الترجمة أصلاً مهنةً غير مريحة لأنَّها تحتاج غالباً إلى الجلوس ساعاتٍ طويلةً من الزمن جاثماً وراء الطاولة ومحدقاً بالنصوص. ويمكنها أن تكون غير مريحةٍ أبداً إذا كان ثمَّة مشكلةٌ ما في مكان العمل أو المعدات. يجب عليك أن تبقى في مكانٍ ما بعضاً من الوقت لتتأكَّد من أنَّ الجلوس فيه لن يكون مؤذياً، أو لترى إذا ما كان تحريك الكمبيوتر بضعة إنشات سيكون مريحاً أكثر بالنسبة إليك. ومن أجل الحفاظ على الصحة يُفضَّل أن تنهض وتمشي على قدميك بين الفينة والأخرى إذ إنَّ ذلك سيحمي عمودك الفقري وسيعيد النشاط إلى عقلك. ويجب عليك أيضاً أن تخصص بعض الوقت للعثور على برامج كمبيوتر مريحة ذهنياً، فإذا كنت تترجم فيديو قد يكون ثمَّة برامج لتشغيل الفيديوهات تناسبك بشكلٍ أفضل على سبيل المثال حيث إنَّ تغييراتٍ بسيطةً كهذه يمكنها أن تعزز كفائتك. وثمَّة في الحواسيب الكثير من المشاكل المرتبطة بالأبجديات الأخرى لا سيما الأبجديات الآسيوية وتختلف هذه المشاكل بين نظام تشغيلٍ وآخر وبرنامجٍ وآخر. فتأكَّد من أنَّ تحل جميع هذه المشكلات في متصفحات الإنترنت التي تستخدمها مهما كان نوعها وفي برنامج (Microsoft Word).

حسناً إذاً لقد أجملنا في هذه المقالة كل ما له علاقة بموضوع الترجمة لكن إذا بقي شيء يجب عليَّ أن أقوله فأعتقد بأنَّه سيكون أن تخضع لدورةٍ في علم اللغويات. إنَّ أي مترجمٍ طموح لا يزال يدرس في الجامعة يمكنه أن يستفيد على الأرجح من بعض الدورات الأساسية التي تُقدَّم حول علوم اللغة. فقد ساعدني تعلُّم النظام العام للغة في تطوير مهاراتي في جميع مجالات الترجمة بدءً من أشياء بسيطة كتعلم اللغة ووصولاً إلى أمورٍ متقدمة كالعثور على نقاط التلاقي والاختلاف بين اللغات.

المصدر




مقالات مرتبطة