كيف تتجنب الإنتاجية السامة؟

قد يبدو وكأنَّ مفهوم الإنتاجية مفهومٌ جديد، ولكنَّنا نسعى جاهدين إلى تحقيقها منذ قرون عدَّة، ومثال على ذلك: عُثِر على أحد أقدم الدلائل على وجود الإنتاجية في نص علم الاقتصاد الكلاسيكي "ثروة الأمم" (Wealth of Nations)، الذي كتبه "آدم سميث" (Adam smith) عام 1776، كما اخترعَ "بنجامين فرانكلين" (Benjamin Franklin) أول قائمة مهام في عام 1791، وحتى أنَّ المُخطَّط اليومي كان موجوداً منذ عام 1850.



ولكن في القرن الحادي والعشرين، جعلَتنا التكنولوجيا مهووسين بالإنتاجية تقريباً؛ وللتحقُّق من ذلك، ابحث عن كلمة "إنتاجية" في محرك البحث "غوغل" (google)، وستحصل على حوالي 561 مليون نتيجة؛ حيث إنَّه بشكل يومي، نُخدَعُ بالأدوات والحيل التي تدَّعي جعلنا أكثر إنتاجية، والمشكلة هي أنَّنا في نهاية المطاف نتعرَّض إلى الخداع.

ومن ثم بدأَت الجائحة؛ وبالنسبة إلى الكثيرين منا، كان هذا يعني أنَّ لدينا وقتاً إضافياً بين أيدينا، فمع توقُّفنا عن التنقل اليومي، وانحسار الفعاليات الاجتماعية، وعدم وجود أي شيء آخر نفعله، يمكن أن نكون حتى أكثر إنتاجية؛ ولجعل الأمور أسوأ، هذا ما كان ينصح به الخبراء؛ حيث امتلأَت وسائل التواصل بأشخاص أصبحوا فجأة خبازين أو موسيقيين أو مقاولين، فلم يَعُد هناك عذر لعدم إنجاز الأمور.

ما هي الإنتاجية السامة؟

قال استشاري الإنتاجية ومؤلف كتاب "فرط التركيز: كيفية إدارة انتباهك في عالم يملؤه التشتيت" (Hyperfocus: How to Manage Your Attention in a World of Distraction)، "كريس بيلي" (chris bailey) لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية (The New York Times): "من الصعب أن نكون منتجين في أفضل الأوقات، ناهيك عندما نكون في أزمة عالمية".

وقال: "فكرة أنَّ لدينا الكثير من الوقت المتاح خلال اليوم هي فكرة رائعة، لكنَّها في هذه الأيام عكس الرفاهية، ونحن في المنزل لأنَّنا يجب أن نكون في المنزل، وتركيزنا أضعف بكثير لأنَّنا نواجه العديد من المشكلات"، وفجأة تصبح لديك مسؤوليات والتزامات جديدة.

وفي النهاية، ستشعر بالإرهاق الشديد وقلة الحيلة، وفي الواقع أصبح لديك وقت أقل للراحة والاسترخاء، والأسوأ ربما كنتَ قد شعرتَ بالفشل إذا لم تكن تُحقِّق أقصى استفادة من كل دقيقة في فترة الحجر الصحي؛ حيث "إنَّها تسمى الإنتاجية السامة"، وتوضِّح الممرضة الخبيرة "إيما سيلبي" (Emma selby)، المديرة في علامة الصحة واللياقة البدنية السريرية في منصة "ريزولتس ويلنس لايف ستايل" (Results Wellness Lifestyle): "يمكن تعريفه على أنَّه هوس بالتحسين الذاتي الجذري أكثر من أي شيء آخر".

وتضيف "سيلبي": "في النهاية، إنَّه هدف غير قابل للتحقيق"، ومهما يكن "بغض النظر عن مدى إنتاجيتك، فإنَّ النتيجة المتبقية لك هي الشعور بالذنب؛ وذلك لأنَّك لم تفعل الكثير"؛ فمن الواضح أنَّ هذا يأتي بنتائج عكسية، والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أنَّ هذا يمكن أن يؤثر في صحتك وعافيتك خلال هذه الأوقات المضطربة.

علامات الإنتاجية السامة:

ليست كل الإنتاجية سامة؛ حيث إنَّه طوال فترة الجائحة، اكتشفَ الكثير منا كيفية إنجاز المزيد في وقت أقل، والسبب، من خلال تحديد أولوياتنا وعدم التعامل مع الأمور المشتتة مثل الاجتماعات الشخصية؛ حيث وجدَت دراسة في منصة "برودو سكور" (Prodoscore) أنَّه في الواقع انخفض الوقت المخصص للعمل بنسبة 23% تقريباً مقارنة بالعام السابق.

ومع ذلك، في الفترة من مايو إلى أغسطس 2020، ارتفعت مستويات الإنتاجية بنسبة 5% مقارنة بعام 2019، فما هو الجانب السلبي للأمر؟ كان الناس يعملون خلال عطلة نهاية الأسبوع؛ حيث تشير الدراسة إلى أنَّه "عام بعد عام من مايو إلى أغسطس، يعمل الموظفون بنسبة 42% أكثر في أيام السبت و24% في أيام الأحد في 2020 مقارنة بعام 2019"، وهذا الأمر هو مثال على الإنتاجية السامة.

وبما أنَّ هذا الأمر يختلف من شخص إلى آخر، فإليك بعض العلامات الشائعة لتحديد ما إذا كانت إنتاجيتك سامة:

  • قد أثرت إنتاجيتك في صحتك العقلية، وتشعر بمزيد من القلق والاكتئاب والتعب.
  • قد نسيتَ الالتزامات والمسؤوليات الشخصية، ومن الأمثلة على ذلك: عدم تذكُّر عيد ميلاد أحد أفراد الأسرة ونسيان وقت التمرين أو تناول وجبة صحية أو النوم الجيد ليلاً.
  • أصبحَت علاقاتك سيئة؛ حيث إنَّك لست "حاضراً" بشكل كامل عند التعامل مع الآخرين، فهل قيل لك إنَّك تعمل كثيراً؟ وهل أبعدتَ أولئك المقربين منك، مثل عدم الرد على الرسائل النصية أو تخصيص الوقت لهم؟
  • أن تكون لديك توقعات غير واقعية، وعلى سبيل المثال: تخصيص كميات أعمال لا تتناسب مع وقتك حتى عندما تكون مضطراً إلى تعليم أطفالك في المنزل.
  • الشعور وكأنَّك على وشك الإنهاك، وعادةً هذا يشمل الشعور بأنَّك أقل نشاطاً وتركيزاً.
  • ربط تقدير الذات بساعات العمل، ولا يعني أنَّك كنت منتجاً؛ فقط لأنَّك عملتَ لمدة 8 ساعات، في الواقع إذا كنتَ تعمل أكثر من 55 ساعة في الأسبوع، ستبدأ الإنتاجية بالانخفاض بشكل حاد.

شاهد بالفديو: 10 طرق لزيادة الإنتاجية في العمل

كيفية تجنب الإنتاجية السامة:

هل لاحظتَ أياً من علامات الإنتاجية السامة المذكورة أعلاه؟ إذا أجبتَ بـ "نعم"، فلا تقلق؛ حيث إنَّ هناك طرائق بسيطة لوضع حد للإنتاجية السامة قبل أن تتعارض مع صحتك وأدائك في العمل وعلاقاتك.

1. العمل بذكاء لتحقيق الإنتاجية:

تركز الإنتاجية على الأشياء التي تهمك كثيراً؛ حيث إنَّها تلك الخطوات الصغيرة التي تخطوها للوصول إلى الهدف، وبالتأكيد ليست محاولتك لتتبُّع ما ينشره أصدقاؤك على وسائل التواصل الاجتماعي، وباختصار، لا تكن منتجاً لمجرد أن تكون منتجاً.

وبدلاً من ذلك، كن أكثر ذكاء وافعل المزيد في وقت أقل من خلال:

  • جدولة أهم أعمالك تبعاً لساعتك البيولوجية.
  • استخدام قانون "باركنسون" (Parkinson’s Law) لصالحك، مثل اختصار المواعيد النهائية إلى النصف أو القيام بمهامك بطريقة مسلية.
  • اتباع قاعدة 80/20 حتى تركز على المهام الهامة.
  • التحكُّم بطاقتك وليس بوقتك.
  • التوقُّف عن السعي إلى الكمال.
  • إعادة استخدام المواد السابقة.
  • المحافظة على عواطفك من التعب.
  • المحافظة على فطنتك عن طريق أخذ فترات راحة وتعزيز مهاراتك.
  • تحديد جدولك الزمني المثالي وبذل كل ما في وسعك.

2. ضبط أهدافك وتوقعاتك:

من الممتع العمل من المنزل، وبالنسبة إلى بعض الأشخاص، تزيد إنتاجيتهم بسبب قلة التنقل والاجتماعات وزملاء العمل الثرثارين، وفي الوقت نفسه، هناك أيضاً أيام لن تنجز فيها الكثير من العمل في المنزل، فقد يكون لديك أطفال لرعايتهم أو أعمال منزلية لتتابعها؛ حيث ستكون هناك مهام معينة لا يمكنك فعلها في المنزل؛ وذلك لأنَّك لا تمتلك الأدوات أو المعدات المناسبة، وبالإضافة إلى ذلك، هناك أكثر مما يمكنك فعله فعلياً في يوم واحد، فلا تبالغ بالالتزام، وكن صريحاً بشأن ما يمكنك تحقيقه بشكل واقعي.

إقرأ أيضاً: 9 أقوال من الخبراء لكي تكون ناجحاً في العمل من المنزل

3. إعادة تعريف الراحة بالنسبة إليك:

لا يعني أخذ فترات راحة أنَّك متراخٍ، فهذه ضرورة إذا كنت تريد البقاء منتعشاً ومتجدداً، وبالإضافة، هناك مزايا لكونك كسولاً بين الحين والآخر، فإلى جانب أخذ فترات راحة متكررة طوال اليوم، توقَّف عن العمل في عطلة نهاية الأسبوع، وإذا كنتَ تشعر بأنَّك بحاجة إلى يوم لنفسك، فلا تتردد في ذلك.

4. تقبُّل البساطة:

"سواءً كنتَ تسميها تبسيط الأمور أم العيش ببساطة، فتوجد بالتأكيد فوائد لهذا النوع من نمط الحياة"؛ حيث كتب المؤسس المشارك في تطبيق التقويم "جون هول" (john hall): "بشكل رئيس، إنَّها ليست فقط توفيراً للوقت والمال؛ وإنَّما أيضاً مفيدة لصحتك وإنتاجيتك"، فبدلاً من إضافة المزيد من الأعمال إلى حياتك، قلِّل من هذه الإضافات.

وعندما تفعل ذلك، ستستمتع بالمزايا التالية:

  • يسمح وجود أوقات فراغ في تقويمك بوقت للتأمل الذاتي.
  • ستقلل من الإجهاد الناتج عن اتخاذ القرار.
  • ستتاح لك أخيراً فرصة العناية بنفسك.
  • سيكون هناك عدد أقل من العناصر العشوائية.
  • يزيل الخلافات والصراعات من حياتك.
  • يقوي العلاقات والتركيز والفاعلية.
  • سيكون لديك منزل ومساحة عمل نظيفة ومنظمة.

5. وضع حدود واضحة:

هذا ليس ممكنا دائماً، ولكن حاول أن تلتزم بالروتين؛ حيث تكون لديك ساعات عمل واضحة وساعات فراغ، فحتى إذا كان جدولك مرناً أو متغيراً، فانسَ العمل عند الانتهاء منه، وبالطبع، إنَّه أمر صعب، ومع ذلك ليس مستحيلاً؛ حيث يمكنك تعيين أماكن خالية من التكنولوجيا في منزلك أو وضع هاتفك في وضع "الرجاء عدم الإزعاج" أو تعيين حدود زمنية للبريد الإلكتروني أو مطالبة أحد أفراد العائلة بمحاسبتك إذا استخدمتَها.

6. التركيز على الحديث الإيجابي مع النفس:

تسأل الدكتورة "تيريز ماسكاردو" (Dr. Therese Mascardo)، مؤسِّسة شركة "ديجيتال نومادز" (Digital Nomads) في "لوس أنجلوس" (Los Angeles)، والرئيسة التنفيذية ومؤسسة شركة "أكسبلورنغ ثيربي" (Exploring Therapy): "هل تُحدد إحساسك بقيمتك الذاتية بمدى إنتاجيتك؟ إذا كان الأمر كذلك، فقد تجد نفسك عالقاً في دوامة السعي إلى الإنجازات التي تمنحك إحساساً مؤقتاً بالقيمة حتى يتلاشى ذلك، وستحتاج إلى إنجاز آخر يجعلك تشعر بقيمتك".

وتنصح الدكتورة "ماسكاردو": "لكي تُحسِّن حديثك الذاتي، ابدأ برؤية أنَّ قيمتك لا تكمن فيما تنتجه أو تنجزه، ولكن فيك شخصياً"، واسأل نفسك "هل لدي هذه التوقعات نفسها لشخص أهتم به بشدة؟"، "إذاً لا ينبغي أن تكون لديك هذه التوقعات لنفسك أيضاً".

وفي الواقع، تعوَّد على التحدُّث إلى نفسك كما تفعل مع صديق، وإذا كنتَ تعاني حقاً من التحدث مع نفسك، فاحصل على دعم من معالج؛ حيث يمكنه مساعدتك على "الشفاء من دوامة الإنجازات التي علقتَ بها".

إقرأ أيضاً: 3 أدوات لتعزيز الحديث الذاتي الإيجابي

7. عدم المقارنة مع الآخرين:

كتب محلِّل أعمال: "وسائل التواصل الاجتماعي دائماً سلاح ذو حدين"، فمن ناحية، تتيح لنا وسائل التواصل الاجتماعي مثل منصة "لينكد إن" (LinkedIn) استكشاف الفرص بشكل لم يسبق له مثيل، وبمساعدة هذه الأدوات، أصبح من السهل في الوقت الحاضر توسيع شبكة علاقاتنا والحصول على أحدث المعلومات من الشركات، ومن ناحية أخرى؟ "تشجع هذه المنصات نوعاً من المنافسة بين الأقران أو حتى بين الغرباء".

ويضيف: "خلال فترة الإغلاق هذه، من الشائع أن نرى أنَّ العديد من الأشخاص ينشرون عبر الإنترنت الدورات التي أجروها أو المهارات التي اكتسبوها، أو - عموماً - كيف استخدموا هذه الفترة بحكمة، ولكنَّني لا أقول إنَّنا لا ينبغي أن نجهز أنفسنا بمهارات مختلفة أو لا نقدم المشورة للآخرين.

وعموماً، لا توجد مشكلة في هذه التجارب على الإطلاق، ولكن تأتي الإنتاجية السامة عندما نفرط في مقارنة أنفسنا بالآخرين بسبب هذه المعلومات، وسيصبح تفكيرنا خاطئاً، ومن الجيد بالطبع أن تكون قد قمتَ بخمس دورات عبر الإنترنت في شهر واحد، ولكنَّك لن تُعَدَّ "خاسراً" لمجرد أنَّك قد أكملتَ ثلاث دورات بدلاً من خمس".

المصدر




مقالات مرتبطة