فائض الطاقة مقابل العجز: عامل صحتك كما تعامل حسابك المصرفي

يعدُّ العمل لساعاتٍ طويلةٍ في هذه الأيام وسامَ شرف، وبات الحصول على القليل من الوقت للاسترخاء مبعثَ فخرٍ يشير إليه الناس عند الحديث عن العمل؛ إذ قد تسمع عن عاملٍ في المستشفى يناوب لمدة 36 ساعة، أو شركاتٍ ناشئةٍ تستغلُّ كافة العمال لتحقيق التقدُّم، أو موظفَ شركةٍ يعمل لوقتٍ متأخرٍ من الليل ليُبقي نفسه "موظفاً تنافسياً". يبدو أنَّ الناس قد بات شعارهم اليوم: "سأظل أعمل إلى أن أموت".



إنَّ الكثير من العلاجات الفورية التي نستخدمها لمواجهة انخفاض الطاقة لها تأثيرٌ قصير المدى، فعلى سبيل المثال: نتدارك عمل أسبوعٍ مرهقٍ من خلال الإكثار من مشروبات الطاقة، بينما نتغلَّب على جوعنا عن طريق طلب البيتزا على العشاء.

إنَّ هذه لطرائقُ سريعةٌ تجعلنا نُمضِي ساعاتٍ طويلةٍ في العمل، وتكمن المشكلة في أنَّها ليست مستدامةً على المدى الطويل. بيد أنَّ الأمر أشبه بمعالجة الجرح باستخدام ضمادة.

لا بأس في ذلك في الوقت الحالي، ولكن يجب القيام بشيء حياله عاجلاً أم آجلاً.

أدخِل إلى حياتك مفهوم "زيادة طاقة الجسم، مقابل العجز فيها":

فكِّر في مستويات طاقتك كما تفكر في حسابٍ مصرفي؛ إذ يحتوي الحساب السليم على مبلغٍ كافٍ من الأموال، حيث تُودَعُ أموالٌ أكثر من التي تُسحَب. في حال أدرت حسابك بشكلٍ سلبي، فإنَّك ستواجه عقوباتٍ تستنزف حسابك أكثر، وقد يُغلَق بالكامل في حال التوقف المتكرر عن الدفع.

دعونا نشير إلى رصيد الحسابات على أنَّه يمثل الفائض والعجز في الطاقة، فيكون:

  • فائض الطاقة: هو الإجراءات التي تتخذها، والتي تؤدِّي إلى مستويات طاقةٍ إيجابيةٍ على مدى فترةٍ من الزمن. على سبيل المثال: يمنحك الحصول على قسطٍ من الراحة فائضاً في الطاقة، وعندما تكون قادراً على النوم بسرعةٍ وعمق، فإنَّ هذا يحسّن صحتك العامة ويمنحك الطاقة اللازمة خلال النهار.
  • العجز في الطاقة: إجراءاتٌ تؤدِّي إلى مستويات طاقةٍ غير كافيةٍ على مدى فترةٍ من الزمن. على سبيل المثال: يمكن أن يؤدِّي العمل لساعاتٍ طويلةٍ كلَّ أسبوعٍ إلى استنفاد طاقتك وصحتك العامة، كما هو الحال مع العديد من العاملين الذين يُنقَلون إلى المستشفى بسبب الإرهاق. إلى جانب ذلك، يتدنَّى مستوى العمل بشكلٍ حادٍّ بعد 50 ساعة عملٍ أسبوعياً، ما يجعل تلك الساعات الإضافية التي نقضيها في العمل غير مجديةٍ في أغلب الأحيان. يمكن أن يحدث نقص الطاقة عقلياً أيضاً، وذلك نتيجةَ مشاعرَ مثل التوتر والقلق، إذ يستنزف المزاج السيئ والقلق قدرتنا على التركيز على الأنشطة، ويمكن أن يؤدِّي إلى ألمٍ جسدي، مثل حرقةٍ وآلامٍ في المعدة.

والآن، سواءً أَأَمددت الجسم بالطاقة أم استهلكتها، فليس الأمر سيئاً بحدِّ ذاته -لأنَّ كلاهما ضروريٌ للعمل يومياً وإحراز تقدُّمٍ في الحياة- وإنَّما الفكرة الأساسية هنا هي التوازن، ففي حين تشير زيادة الطاقة إلى أنَّك تمارس عاداتٍ تحافظ على صحتك، فأنت تريد أيضاً التأكُّد من أنَّك تستهلك طاقتك على الأشياء التي تساعدك في التحسن على المدى الطويل. وعلى الرغم من ذلك، فإنَّ التقدُّم نحو نقصٍ متزايدٍ في الطاقة يعني أنَّك تجهِّز نفسك للانهيار.

إنَّ التفكير والعمل المتزايدان يستنزفان من صحتك وطاقتك دون الحصول على موارد تعوِّض ذلك، ونحن بحاجةٍ من وقت إلى آخر إلى أن نخطو خطوةً للخلف ونقيّم مواردنا.

إقرأ أيضاً: انخفاض طاقة الجسم عند المراهقين والشباب: الأسباب والحلول

كيف تعرف ما هي كمية الطاقة في جسمك؟

لسوء الحظ، وعلى خلاف الحساب المصرفي، ليس لدينا رقمٌ يوضح لنا مدى إدارة عملنا؛ ولكن إذا نظرنا بدقة، فيمكننا رؤية علاماتٍ تشير إلى المكان الذي نحن فيه:

زيادة الطاقة:

  • إذا كنت تميل لتتطلَّع إلى صباحك في كلِّ يوم، فأنت لديك نظرةٌ إيجابية تُتَرجم إلى مستقبلٍ أفضل، وصحةٍ ورفاهية أكثر.
  • تعني القدرة على التركيز في أنشطتك اليومية أنَّ لديك الوقت الكافي للاسترخاء.
  • إذا كنت تركز على الحاضر بدلاً من القلق من الماضي أو المستقبل، فهذه علامةٌ تدل على أنَّك تستهلك طاقتك بشكلٍ مثمرٍ على المهام التي تقع تحت سيطرتك.
  • يؤدي الاعتياد على تناول الأطعمة السريعة والوجبات الجاهزة في أغلب الأوقات إلى التعب والمشاكل الصحية المزمنة.
  • يمكن أن يكون الشعور بأنَّك على حافة الهاوية والغضب بسرعة سبباً للقلق والتشتت، ويظهر أنَّ بعض الأحداث في حياتك تسبِّب مستوياتٍ عاليةً من الضغط النفسي.
  • يعني الدوار وصعوبة التركيز أنَّك ربَّما تحتاج إلى مزيدٍ من النوم، وأن تحظى بوجباتٍ صحية أكثر.

نقص الطاقة:

في حين نمرُّ جميعاً بلحظاتٍ نشعر فيها بالتعب أو بالتوتر، فإنَّ وجود هذه المشاعر إلى حدّ الاكتئاب أو الإرهاق هو طريقة جسمك لإخبارك بأنَّك بحاجةٍ إلى تجديد مخزونك من الطاقة.

إقرأ أيضاً: كيف يمكن رفع الطاقة؟ من كتاب المفاتيح العشرة للنجاح لإبراهيم الفقي

ارفع رصيدَ طاقتك إلى الأعلى:

لا يجعلك إرهاق نفسك بالعمل والتوتر المستمر أكثر إبداعاً أو إنتاجاً أو سعادةً؛ بل يفعل عكس ذلك. لذا، إذا كنت ترغب بالعمل بأفضل ما لديك، مارس استراتيجيات التدريب التي تبقيك في حالةٍ ذهنيةٍ إيجابية، وتمكِّنك من التحكّم بما يحدث.

إليكَ ما يمكنك فعله:

  • تخَّلص من التوتر: أوجد طريقةً لتفريغ القلق الذي يمنعك من القيام بأيِّ شيء، فذلك يساعد في التركيز أكثر على ما يمكنك التحكُّم به. جرب تمرينات التنفس، أو اكتب الأشياء التي تقلقك، أو دوِّن الأشياء التي تشعر بالامتنان لها في حياتك.
  • استرح: إذا كنت لا تستطيع التفكير في مشكلةٍ أو تشعر بدوار، فإنَّ القيلولة قد تجعلك تشعر بتحسنٍ كبير، وتساعدك في التفكير بشكلٍ أكثر وضوحاً بعد ذلك. من ناحيةٍ أخرى، فإنَّ النوم لمدة 8 ساعاتٍ على الأقل في الليل يحسّن مهاراتك في اتخاذ القرار والتركيز.
  • مارس الرياضة: عندما تمارس الرياضة، يطلق جسمك الإندورفين، ممَّا يؤدِّي إلى مشاعر إيجابية. فإذا كنت تشعر بالإحباط، فحاول المشي في الخارج لتعزيز مزاجك ومستويات الطاقة.
  • كن انتقائياً: إذا كان لديك شيءٌ ما في قائمة المهام ليس بهذه الأهمية، فلا بأس أن تقول "لا". يمنحك رفض الأنشطة التي لا تدفعك في الاتجاه الصحيح، أو ليست ممتعةً للغاية، مجالاً أكبر للتركيز على الأنشطة التي ستوصلك إلى حيث تريد أن تكون.

تخلَّ عن الأفكار والأنشطة التي تَشعُر أنَّك ملزمٌ بالتمسك بها "بدون سبب"، فليس هناك حاجةٌ إلى الشعور بالذنب أو عدم المسؤولية.

لدينا جميعاً طاقةٌ محدودة، وأشياء غير محدودةٍ يمكننا القيام بها؛ والسؤال هو: ما هي الأشياء القليلة التي يمكنك القيام بها وتريد تركيز طاقتك عليها؟

 

المصدر




مقالات مرتبطة