علاقة تقدير الذات بالصحة: 3 نصائح تزيد من احترامك لذاتك

إذا كانت نظرتك إلى نفسك تنطوي على مشاعر من عدم الاحترام، فيجب أن تعلم أنَّك لست الوحيد الذي يشعر على هذا النحو؛ حيث إنَّ أكثر الأشخاص الذين يبدون واثقين وناجحين، يشعرون بالشك في أنفسهم في بعض الأحيان.



تقدير الذات ليس ثابتاً؛ إذ وجدت بعض الدراسات أنَّ مشاعرنا تجاه أنفسنا تتغير مع التقدم بالعمر؛ حيث يتمتع الشباب والأشخاص في منتصف العمر بقدر أكبر من احترام الذات، مقارنةً بالأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً.

ثم إنَّ دراسة أُجرِيَت على أشخاص تتراوح أعمارهم بين 25 إلى 104 سنوات، ونُشِرَت في "مجلة علم النفس الاجتماعي والشخصي" (The Journal of Personality and Social Psychology)، وجدَت أنَّ تقدير الذات قد انخفض مع تقدم العمر، ويرجع هذا إلى انخفاض الموارد المالية والقدرات البدنية.

يقول الخبراء إنَّه توجد أشياء يمكنك فعلها لتحسين مشاعرك تجاه نفسك وتعزيز احترامك لذاتك، وهذا بدوره يساعدك على التعامل مع تحديات الحياة التي لا مفر منها؛ لأنَّك عندما تشعر بمزيد من الثقة ومزيد من التوازن، تصبح الحياة مثيرة للاهتمام وأكثر متعة.

علاوةً على ذلك، فإنَّ الأشخاص الذين يتمتعون بتقدير أكبر لذاتهم عادةً ما يعيشون مدة أطول ويتمتعون بصحة أفضل.

العلاقة بين تدنِّي احترام الذات والشعور بالوحدة:

تقول الدكتورة "روبن ميلر" (Robin Miller) المتخصصة في الطب الباطني والتكاملي في "ميدفورد" (Medford) بولاية "أوريغون" (Oregon): "الأشخاص الذين يعانون من تدنِّي احترام الذات عادةً ما يكونون غير سعداء، ومن ثمَّ غير أصحَّاء".

مارسَت "ميلر" الطب أكثر من 40 عاماً، وقامت مؤخراً ببحث عميق حول تقدير الذات من خلال دورة تدريبية أنشأَتها عبر الإنترنت، وتهدف إلى اكتشاف الحقائق العلمية التي تربط بين الصحة والسعادة.

تقول "ميلر": "يؤدي تدنِّي احترام الذات أيضاً إلى الشعور بالوحدة، وهو عامل خطير يؤدي إلى الوفاة المبكرة".

في عام 1938 أجرى العلماء دراسة شملت 268 طالباً في "جامعة هارفارد" (Harvard)؛ حيث كان العلماء يتابعون وضعهم الصحي، وكانت هذه الدراسة واحدة من أطول الدراسات في "الولايات المتحدة" (The United States).

تتبعت هذه الدراسة الصحة الجسدية والنفسية للمشاركين؛ حيث عاش 19 طالباً منهم حتى منتصف التسعينات، والنتيجة التي توصل إليها الباحثون هي أنَّ وجود علاقات عالية الجودة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالصحة الجيدة وطول العمر أكثر من ارتباطه بالمال والنجاح.

وفي الواقع، وجدت الدراسة أنَّ الرجال الذين قُبِلوا في "جامعة هارفارد"، والذين كانت علاقاتهم تجعلهم يشعرون بالرضى، تمتعوا بصحة جيدة وعاشوا حياةً أطول.

على الطرف المقابل، أظهرت أبحاث أخرى أنَّ الأشخاص الذين يعانون من تدنِّي احترام الذات يميلون إلى إقامة علاقات أقل جودة، والتفسير المُحتمل لذلك هو أنَّك عندما تمتلك مشاعر سيئة تجاه نفسك، فإنَّك تبحث عن إقامة علاقات مع أشخاص يعيشون القدر نفسه من التعاسة.

وفقاً لدراسة أُجرِيَت في العام 2018 ونُشِرَت في صحيفة علم النفس الشخصي والاجتماعي، فإنَّ السلوكات التي يتَّبعها الشخص عندما يعاني من تدنِّي احترام الذات، والتي تهدف إلى تجنب الرفض، مثل إظهار الاستياء أو الحزن، غالباً ما تؤدي إلى مزيد من الرفض من قِبل الآخرين.

شاهد بالفديو: 10 علامات تحذيرية تشير إلى تدني تقدير الذات وانعدام الثقة

العلاقة بين تدنِّي احترام الذات والصحة الجسدية:

يقول طبيب الأسرة "كولين لين" (Collin Lynn): "من الهام جداً أن يكون لدى الشخص تقدير لذاته".

يعمل "لين" في مركز صحي مُجتمعي؛ حيث يقوم بمعالجة المرضى الذين يعانون من الحرمان على صعيد العلاقات الاجتماعية، كما أنَّه يدرب متخصصي الرعاية الصحية.

ويضيف "لين" قائلاً: "إنَّ معرفة هدفك وشعورك بالاحترام تجاه نفسك يشبه المغناطيس؛ حيث يمكنك من خلال هذين العاملين تغيير العالم نحو الأفضل".

لاحظ "لين" أنَّ المرضى الذين يتمتعون بتقدير أفضل لأنفسهم، يشعرون بأنَّ وضعهم الصحي تحت السيطرة، وهم أكثر قدرة على إجراء تغييرات في نمط حياتهم، وغالباً ما يتعافون بسرعة بعد الانتكاسات الصحية.

في المقابل، يشرح "لين" أنَّ المرضى الذين يعانون من تدني تقدير الذات غالباً ما يُصنَّفون على أنَّهم لا يمتثلون للتوجيهات الطبية، لكنَّ "لين" يرفض هذا التصنيف ويقول إنَّ الأمر لا يعني أنَّ هؤلاء المرضى لا يريدون اتباع نصائح الطبيب؛ بل هم لا يعتقدون أنَّ بإمكانهم تحسين صحتهم.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح للحفاظ على الصحة الجسدية – تعرّف عليها

التقدير الجيد للذات لا يعني الغرور:

تقول "ميلر": "لا يجب الخلط بين النرجسية وتقدير الذات السوي، والحقيقة أنَّ الأشخاص المهووسين بأنفسهم هم على الأغلب يعانون من تدنِّي تقدير الذات، لكنَّهم يخفون هذه المشاعر بالتظاهر بالشجاعة والمبالغة في الأنانية؛ حيث يبدو هؤلاء الأشخاص وكأنَّهم يتمتعون بمقدار كبير من احترام الذات، لكنَّهم في الواقع ليسوا كذلك، وهذا ما يدفعهم إلى المبالغة في تعويض هذا النقص".

ولأنَّنا لا نريد أن نكون مبالغين في تقدير قيمتنا، ولا نريد أن نكون متفاخرين وأنانيين؛ بل نريد أن نتمتع بتقدير سوي للذات، يساعدنا على تحقيق النجاح في الحياة والصداقات والعلاقات العاطفية، فيجب اتباع عدد من النصائح التي يقدمها الأطباء:

1. تحدَّث مع نفسك بإيجابية:

يفكر الإنسان العادي بحوالي 6200 فكرة يومياً، وهذا وفقاً لدراسة أُجرِيَت في العام 2020 ونُشِرَت في مجلة "التواصل مع الطبيعة" (Nature Communications)، وهي دراسة أجراها باحثون في قسم علم النفس في "جامعة كوينز" (Queen’s University)؛ حيث جمع الباحثون بيانات 184 شخصاً، مستخدمين تقنيات تصوير الدماغ، لمعرفة وقت انتهاء فكرة ما وبداية فكرة جديدة.

إذن، نحن نفكر في الواقع في أكثر من 6000 فكرة، لكنَّنا حتماً لا نفكر من خلال كل هذه الأفكار بإيجابية عن الحياة، ولا نُثمِّن الجهود التي نبذلها؛ بل غالباً نحن نميل إلى التقليل من شأننا وإلى الاستسلام، ونلوم أنفسنا على كل الأشياء الخاطئة التي فعلناها؛ لذلك عندما نستبدل منهجية التفكير السلبية بمنهجية إيجابية، فإنَّنا نزيد من قدرتنا على التعامل مع تحديات الحياة.

من المؤكَّد أنَّ مشاعرنا تختلف من يوم إلى آخر، وحتى بين دقيقة وأخرى، لكنَّ حديثك الداخلي مع نفسك هو على درجة كبيرة من الأهمية؛ حيث يقول الطبيب "لين" إنَّ احترامه لنفسه قد ازداد وقد تحسنت حياته منذ أن بدأ يعامل نفسه باللطف والحنان نفسه الذي يقدمه إلى طفليه.

فبعد أن كان ينزع إلى الكمال أصبح اليوم يسامح نفسه عندما يرتكب خطأ ويتغاضى عنه، يقول "لين": "عندما أرتكب خطأ ما، أقول لنفسي مرات عدَّة لا بأس، وأنا أتعلَّم الآن كيف أتقبل الأمر".

2. استمتع بالمحاولة بدلاً من التركيز على النتيجة:

غالباً ما يحاول المعلِّمون وأولياء الأمور المساعدة على تعزيز احترام الأطفال لذاتهم عن طريق عبارات الثناء، ولكن وفقاً لعالمة النفس "مادلين ليفين" (Madeline Levine)، فإنَّ الثناء على إنجازات الطفل يمكن أن يكون ذا تأثير سلبي على تقديره لذاته.

توضِّح "ليفين" هذا في كتابها "ثمن الامتياز: كيف يؤدي الضغط من الآباء والمزايا المادية إلى خلق جيل من الأطفال الناقمين وغير السعداء" (The Price of Privilege: How Parental Pressure and Material Advantage Are Creating a Generation of Discontented and Unhappy Kids)؛ حيث تشير إلى أهمية ملاحظة جهود الشخص لا إنجازاته، وتصف "ليفين" الثناء الشامل بأنَّه "حنان سيئ" وتقول إنَّ هناك العديد من الأسباب التي تجعل عاطفة الحنان هذه ضارة أكثر من كونها نافعة، والسبب أنَّك عندما تمتدح شاباً باستمرار بخصوص شيء يجيده، فإنَّك تجعله عن غير قصد خائفاً من تجربة أشياء جديدة.

وعلى العكس من ذلك، فإنَّك عندما تثني على الجهود التي يبذلها بغض النظر عن النتيجة، فإنَّك تساعدهم على الشعور بالمزيد من تقدير الذات.

على سبيل المثال: بدلاً من أن تثني على طالب بسبب حصوله على علامة ممتاز في واجبه المدرسي، عليك أن تثني على جهوده التي بذلها لإنجاز هذا الواجب، مثل الصعوبة التي واجهها في جمع المعلومات، وإبداء إعجابك بالتفاصيل التي حصل عليها لينجز الواجب.

لذلك، يجب الاهتمام بجهود الشباب، فهذا يساعدهم على استيعاب أنَّ عملهم الدؤوب ذو قيمة، وهذا بدوره يشجعهم على العمل الجاد في مجالات أخرى، في حين أنَّ التركيز على الإنجازات وحسب، يُشعِرهم بأنَّ تقديرك لهم وحبك مشروطان بنجاحاتهم فحسب.

ينطبق الشيء نفسه على الكبار، فالكثير منَّا يشعرون بالخوف من تجربة شيء جديد خوفاً من الفشل، وفكرة أنَّنا ننجح في الأشياء التي نجيدها فحسب، تمنعنا من خوض تجارب جديدة والاستمتاع بها، وتمنعنا أيضاً من السعي وراء أحلامنا.

لكن عندما نتوقف قليلاً لنتذكر أنَّ الهام هو المحاولة في الحياة وليس النتيجة، فإنَّنا نمنح أنفسنا الفرصة للقيام بشيء جديد.

إقرأ أيضاً: 4 نصائح تساعد على زيادة ثقة الطفل بنفسه

3. جرِّب العلاج السلوكي المعرفي:

نظراً إلى أنَّ الجسد والعقل مرتبطان ارتباطاً وثيقاً، توصي الطبيبة "روبن ميلر" الأشخاص الذين يعانون من مشكلات صحية بتجربة العلاج السلوكي المعرفي لتعزيز تقديرهم لذاتهم.

يساعد هذا النوع من العلاج الأشخاص على تغيير أنماط تفكيرهم وتغيير وجهات النظر غير المفيدة لهم، وتنصح "ميلر" بهذا العلاج كون النتائج تبدأ بالظهور سريعاً؛ حيث تقول: "يمكنك رؤية النتائج الإيجابية للعلاج خلال 12 أسبوعاً وهي طريقة فعَّالة للغاية، ولقد رأيت العديد من المرضى يتماثلون إلى الشفاء من خلال العلاج المعرفي السلوكي، ولقد تمكَّنوا من إجراء تغييرات في حياتهم لم يكونوا ليفعلوها لولا خضوعهم لهذا العلاج، مثل الجرأة على التخلي عن علاقات هدامة أو وظائف سيئة".

وتؤكد "ميلر" أنَّه ما من شك في أنَّ تقدير الذات الجيد، وبغضِّ النظر عن كيفية تحقيقه، سيجعلك أكثر سعادة وصحة، وتضرب "ميلر" مثالاً عن امرأة في منتصف الأربعينيات، وقد كانت تكافح لتشعر تجاه نفسها بالاحترام؛ حيث إنَّها أصبحت مع مرور الوقت بدينة جداً؛ والسبب في هذا هو شعورها بتدنِّي قيمتها، فكانت تأكل كثيراً، ونادراً ما تمارس التمرينات الرياضية؛ بل وتعيش حياةً غير صحية بالمجمل.

لكن بعد أن أخبرها زوجها أنَّه سيتركها ليرتبط بامرأة أصغر سناً وأكثر رشاقة، أدركت عندها أنَّها بحاجة إلى إجراء بعض التغييرات في حياتها؛ حيث بدأت بالمشي في المبنى الذي تسكنه، وعلى الرغم من صعوبة هذه الخطوة بالنسبة إليها إلا أنَّها شعرت وكأنَّها حققت إنجازاً.

وفي اليوم التالي قامت بالمشي مسافةً تعادل طول بنائين، ثمَّ سرعان ما تمكنت من المشي مسافة ميل، وقد دفعها هذا النشاط البسيط المتمثل في المشي حول المبنى إلى تناول الطعام الصحي، وبعد بضعة أشهر ودون أن تبذل كثيراً من الجهد خسرت 15 رطلاً (7 كيلوغرامات)، وكانت تشعر بتحسن أكثر من أيِّ وقت مضى.

استغرق الأمر عاماً ونصف حتى وصلت إلى الوزن المثالي؛ حيث تقول "ميلر" إنَّها استعادت احترامها لنفسها، وفقدت الوزن غير الصحي، وكل ذلك كان سببه أنَّها غيَّرت مشاعرها تجاه نفسها.

المصدر




مقالات مرتبطة