بناء علاقات إنسانية ناجحة مع الآخرين

لطالما كانت العلاقات بين الناس المحرِّك الأساسي للحياة، فلا طعم لنجاحك إن لم تشاركه مع الآخر، ولا أهمية لأفكارك إن لم تناقشها مع الآخر، ولا رونق لمشاعرك إن لم تبُح بها للآخر، ولا حاضن لحزنك إن لم تفضفض به للآخر.



نحن لا نستطيع إنكار أهمية وجود الآخر في حياتنا، فعلى الرغم من دعوة كل كتب التنمية البشرية إلى الرفع من سوية التوكيد الذاتي للإنسان، إلَّا أنَّنا لا نستطيع تجاهل الدور الأساسي لعلاقات التواصل في حياة الإنسان، فقد تُبقيك بسمة لطيفة وصادقة من صديق مقرَّب؛ سعيداً نهاراً كاملاً، وقد يمنحك تعليق رقيق من أحد أفراد العائلة على تفصيل من تفاصيلك؛ كامل الثقة والتألق.

يتعرَّض الكثير من الناس إلى مدمني المصلحة، الأمر الذي يشوِّش نظرتهم إلى العلاقات بحيث يجدونها مرهقة ومتعبة وغير آمنة، ويميل بعض الناس إلى تعظيم المحيطين بهم، فيُدمنون العطاء ويخجلون من الأخذ، فيَضطرب ميزان الحياة لديهم، تاركاً إياهم في حالة سلبية من المشاعر.

كيف تبني علاقات ناجحة مع الآخرين، بحيث تكسب أنتَ والطرف الآخر؛ هذا ما سنعرفه من خلال هذا المقال.

ما هي أركان العلاقة؟

لا تستطيع بناء علاقات ناجحة مع الآخرين؛ إن لم تبنِ علاقة وطيدة مع رب العباد ومع ذاتك، وتشمل العلاقة مع الله؛ التصديق بأقداره والرضا بها، والعمل بما أمر به، والابتعاد عمَّا نهى عنه، وتمنحك العلاقة مع الله تعالى؛ سلاماً داخلياً وإحساساً بالأمان الداخلي العظيم، كما تنعم بمشاعر من التسليم المطلق في وسط يعج بسوء الظن والشكوك.

من جهة أخرى، يساعدك تقديرك لذاتك، وما تحمله من صورة ذهنية إيجابية؛ على الاستعداد النفسي لبناء علاقات صحية مع الآخرين، ولا نستطيع أن ننسى علاقاتك مع الأشياء؛ حيث تمنحك التَّأملات الصباحية مع الطبيعة والزهور، والرغبة في فَهْم الكون والتفكُّر فيه؛ مشاعر إيجابية غاية في الروعة.

ما هي أنواع العلاقات الإنسانية؟

1. العلاقات العميقة والسطحية:

نحن نبني معظم علاقاتنا في الإطار السطحي، معتقدين أنَّها في المستوى العميق، في حين أنَّ هناك فرقاً شاسعاً ما بين النمطين؛ حيث تقوم العلاقة على المستوى العميق على مشاركة الاهتمامات ما بين الأشخاص، وعلى البوح الصادق والصريح عمَّا في داخل النفس من أفكار وأسرار، بينما تقوم العلاقة السطحية على جمع المعلومات والبيانات ليس أكثر.

على سبيل المثال: ستكون علاقتك مع والدتك علاقة سطحية في حال قيامك بزيارتها بجسدك فقط، وفي حال استجوابها عن صحتها وأيامها ونظامها الغذائي بطريقة روتينية مملة، في حين تكون العلاقة عميقة في حال قيامك بمشاركتها اهتماماتها؛ كأن تتحدث معها عن شغفها في الخياطة، أو تتذكر معها ماضيها المليء بالأحداث والتجارب، وتُشعِرها بأهمية وجودها في حياتك، فتقول لها على سبيل المثال: "لولا نصائحك السديدة لي؛ لما استطعت أن أختار مساراتي الهامة في الحياة".

2. العلاقة الدائمة والمؤقتة:

يجب ألَّا تعوِّل على ديمومة علاقة مؤقتة، فالأصل في تلك العلاقات هي اللاديمومة، مثل علاقات العمل؛ حيث تجتمعون في زمن معين ومكان معين، ولهدف معين، ومن ثمَّ يعود كل شخص إلى حياته وأهدافه وتفاصيله، بينما تتَّسم العلاقة الدائمة، كالعلاقة مع الأهل، بالديمومة، والتقاطع؛ حيث تتقاطع مصالح الطرفين وقيمهم وأهدافهم.

إقرأ أيضاً: كيف تحافظ على علاقات شخصية قوية؟

3. العلاقة القائمة على المصالح:

ننفر من كلمة "مصلحة" باللاوعي، في حين يتمتع "المصلحجي" بالكثير من الذكاء والحكمة، فهو يعمل على الاستفادة من الفرص المتاحة له، كما أنَّه يحيط نفسه بمَن تتقاطع مصالحهم مع مصالحه، ولكن تتحوَّل المصلحة إلى أمر ضار للغاية؛ في حال ألغى الطرف الأول التفكير في مصلحة الطرف الآخر، وركَّزَ على مصلحته الشخصية فحسب.

4. العلاقات القديمة:

يكون عمر هذه العلاقات كبير، ويحافظ أشخاصها على الود والاحترام فيما بينهم على الرغم من ضعف التواصل بينهما في الوقت الحاضر، على سبيل المثال: أن تلتقي بصديقك المقرب منذ أيام الدراسة، فتُلقِي عليه التحية بحرارة وتجلس معه لساعات وتتحدث معه عن كل تفاصيل الحياة وكأنَّكما لم تبتعدا عن بعضكما يوماً.

ماهي الأمور المُثبِّطة للعلاقات الإنسانية؟

1. الغضب:

إن كنتَ لا تستطيع السيطرة على نوبات غضبك؛ فاعلم أنَّك ستخسر كامل علاقاتك؛ حيث سَينفر الناس منك، ويتخلون عن ثقتهم بك؛ لذلك اعمل جاهداً على السيطرة على انفعالاتك وتهوُّرك، فقد خُلِق الإنسان مكرماً، وعزيزاً، لذلك ابحث عن الطرائق الملائمة للتعبير عن سخطك عن شيء ما - دون أن تبث جام غضبك على الآخرين - كأن تستمع إلى الموسيقى، وترقص، وتصرخ في غرفتك، وما إلى ذلك.

2. كثرة اللوم:

تُحبِط كثرة اللوم عزيمة الإنسان، وتُحجِّم من إنتاجيته، لذلك لا تلُم الآخرين؛ بل ركز على إيجابياتهم بدلاً من سلبياتهم، وانتبه إلى أسلوبك في أثناء توجيهك ملاحظات على سلوك الآخرين، واعلم أنَّ الكمال لله وحده، فلا تتوقع وجود بشري كامل بمَن فيهم أنت.

3. سوء الظن:

يقطع سوء الظن الود في العلاقات، ويطرح جواً من السلبية وعدم الارتياح ويُبقِي الإنسان بحالة من الترقُّب والتوجس القاسية، والأصل في بناء العلاقات أن يكون الطرفان من أصحاب حسن الظن، فما تتوقعه تحصل عليه؛ فتوقَّع الإيجابي دوماً، وابنِ علاقاتك على أساس سليم، ولا تكن فريسة للشك وسوء الظن، ولكنَّ هذا لا يمنع أن تبقى متيقظاً وواعياً لتصرفات الآخرين، بحيث تبني وجهة نظر سليمة حولهم وبحيث تتأكد من استحقاقهم لتلك العلاقة.

4. الكذب:

يعد الكذب من أكثر منغِّصات العلاقات بين البشر، فلا يمكن أن تُبنى علاقة متينة على الكذب، ويأتي الكذب من مشاعر اللَّأمان التي يشعر بها الإنسان، فيميل إلى الكذب معتقداً أنَّه سيقيه من الآخرين على افتراض أنَّهم وحوش وذئاب، كما يأتي من عدم التصالح مع الذات، ومن ضعف توكيد الذات؛ إذ يرسم صورة ذهنية مشوهة لذاته، بحيث يجد قيمته من ضخامة الأكاذيب التي يخترعها، وليست من رقي القيم التي يتبنَّاها وسموِّها.

5. السخرية وعدم الاحترام:

ستكسب الآخرين لا محالة في حال اعتمادك أسلوب محترم معهم، وفي حال تقديرهم والاهتمام بهم، في حين ستخسرهم في حال الاستخفاف بهم وبقدراتهم، والسخرية من اهتماماتهم وأهدافهم، فقد يعتمد بعض الناس أسلوب السخرية من الآخرين كنوع من أنواع إضفاء البهجة على الجو، معتقدين أنَّهم أذكياء اجتماعياً، غير واعين إلى حجم الفجوات التي يصنعونها بينهم وبين الآخرين.

شاهد بالفديو: 15 قاعدة بسيطة لكسب احترام الآخرين

6. الحساسية:

تسبب الحساسية الزائدة الكثير من المشكلات بين الناس، فكم نُستَفز وننزعج من ذلك الإنسان الحساس الذي يمطرنا بوابل من الملاحظات الصغيرة والتافهة في كل مرة! لذا تتطلب الحياة التغافل عن الأمور الصغيرة، والتركيز على الأمور الجوهرية؛ فلا تقضي وقتك في مطاردة تفاصيل لا تضيف إلى حياتك أي قيمة.

7. الغرور:

تتورَّم الذات لدى الكثير من البشر، الأمر الذي يجعل التعامل معهم صعباً للغاية، فتجدهم ينظرون إلى الناس من حولهم بفوقية، وكأنَّهم الأكثر نجاحاً وذكاءً وجمالاً منهم، ولا يعترف هؤلاء بمسألة تكريم الله لكل البشر، فتجدهم يخصون أنفسهم بالتكريم دون سواهم؛ الأمر الذي يُنفِّر الجميع منهم.

8. التعلق:

"لا أستطيع العيش بدونه" جملة يقولها الكثير من البشر بعفوية وتلقائية، معتقدين أنَّها تجسيد حقيقي للحب بأبهى صوره، إلَّا أنَّها في الحقيقة مثال واقعي لحالة التعلق المَرَضي.

عندما تجد نفسك لا تستطيع الاستمرار في الحياة إلَّا بوجود شخص معين معك، وعندما تجد أنَّ كل منابع السعادة والأمان والبهجة ستختفي باختفائه، وعندما لا تشعر بقيمة ذاتك وشخصيتك وأهميتك إلَّا من خلال وجود ذاك الشخص في حياتك؛ فهذا يعني أنَّك في حالة تعلق مَرَضي.

فالحب اكتفاء؛ ووفرة، وأمان؛ وليس احتياج وضعف وانكسار، وعندما تحب؛ تصبح أجمل وأقوى وأنضج، ويصبح الآخر إضافة جميلة إلى حياتك ولكنَّه ليس الحياة بكاملها، ففي إمكانك التوازن بغيابه، وفي إمكانك الوصول إلى أهدافك حتَّى بغياب تشجيعه لك؛ أي أنَّك لن تنهار بغيابه، نعم، من المؤكد أنَّك ستشتاق إليه كثيراً، ولكنَّك ستواصل الحياة والسعي والنجاح والسعادة.

إقرأ أيضاً: 10 أسباب رئيسية وراء نجاح العلاقات

كيف أبني علاقات إنسانية ناجحة؟

1. ركز على نفسك:

أعطِ نفسك الأولوية، واعتنِ بها، ودلِّلها، فهي تستحق الأفضل؛ استثمر في مهاراتك ومواهبك، وركز على الأنشطة المولِّدة لِطاقتك وحيويتك لا المثبطة لأحلامك وشغفك، ويتطلب هذا الأمر اتخاذ قرارات مصيرية وجريئة في حياتك؛ لذا كن واثقاً بالله وبنفسك وقرر ما فيه صلاحك وما يقرِّبك من ذاتك وحقيقتك بغض النظر عما يقوله الآخرون.

2. الصدق:

كن صادقاً مع نفسك ومع الآخر، فالصدق عماد العلاقات الإنسانية، وتستطيع أن تبني علاقات قوية ودائمة وجادة ومتميزة مع الآخر؛ إن التزمت بالصدق كقيمة عليا ضمن هرم قيمك، وسيبتعد عنك أولئك المرضى المواظبين على الكذب في حياتهم.

شاهد بالفديو: أقوال وحكم رائعة عن أهمية الصدق والأمانة

3. مشاركة الاهتمام:

لكي تبني علاقات ناجحة مع الآخرين، عليك أن تهتم لاهتماماتهم، فلا تجلس مع صديقك وتتحدث معه عن كرة القدم في حين أنَّه لا يملك أدنى اهتمام لهذه الرياضة؛ بل ابحث عن الموضوع الذي يحرِّك شغفه وتكلَّم عنه، فكم هو جميل أن تتحدث مع صديقك في المجال الذي يعشقه وهو علم النفس وتطوير الذات!

4. الإشعار بالأهمية:

من الهام جداً أن تستمع إلى الآخرين بقلبك وليس بأذنيك فقط، وأن تمنحهم الوقت الكافي للتعبير عن مشاعرهم وأفكارهم، وأن تمنحهم كامل تركيزك ووقتك عندما يحتاجون إليك.

5. إسعاد الآخر:

لكي تبني علاقات ناجحة مع الآخرين، عليك أن تتخلى عن أنانيتك، وأن يكون هدفك تحقيق المكاسب لك وللآخر.

6. المبادرة:

كن مبادراً، وتغافل عن أخطاء الآخرين، وكن واعياً إلى اختلاف مستويات الوعي بين البشر، وكن مسامحاً وكريماً، فالعلاقات الإنسانية تحتاج  إلى الكثير من الوعي والنضج.

7. النية السليمة وحسن الظن:

حافظ على النية السليمة وأحسِن الظن بالآخر، فلا يوجد أسوأ من مشاعر الشك والريبة والتوجس، واعلم أنَّ الأصل في العلاقات هو الثقة والوضوح والطيبة؛ لذلك حافظ على عفويتك وطيبتك مع القليل من الحيطة والحذر الواجبَين، ولا ترفع سقف توقعاتك بالآخرين؛ بل ارفع سقف توقعاتك بنفسك فقط .

8. الاعتراف بالخطأ:

لا تكن مغروراً ومتكبراً مع الآخرين، وتذكر أنَّنا جميعاً خلفاء الله في الأرض، فلا تسخر من خليفة الله على الأرض أو تقلِّل من شأنه، واعلم أنَّ ما من حال يدوم على ما هو عليه، فقد يتحول الفقير الذي تسخر منه اليوم إلى أغنى أغنياء العالم غداً، ولا تتردد في الاعتذار في حال قيامك بتصرف خاطئ مع الآخر، فالإنسان الممتلئ من الداخل هو القادر على الاعتراف بخطئه والاعتذار للآخر.

9. الاحتواء:

احتوِ مشاعر الغضب الصادرة عن الآخر، فلا يوجد شخص كامل، ولكل منَّا مخاوفه وآلامه وأحزانه، فلا تنسف أحداً من حياتك لمجرد أنَّه غضب في وجهك؛ بل اسأل نفسك: "ما الأمور التي يعاني منها في حياته، حتى وصل إلى هذه المرحلة من المشاعر السلبية؟".

الخلاصة:

لا يوجد أجمل من جملة "إنَّني محظوظ لوجودك في حياتي"، لذلك اسعَ جاهداً لتكون نعمة حقيقية في حياة الآخرين.

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة