إدمان العمل: أعراضه، وأسبابه، وكيفية التعامل معه

يتطلب التطور في العمل، والنجاح فيه، وتحقيق الأهداف، أن تحب عملك بالدرجة الأولى، ثم تتفانى من أجله، ولكن إذا وصل الأمر بك إلى حب هذا العمل على حساب أيِّ شيء آخر، وبدأ هذا الحب يؤثر سلباً في كل مجالات حياتك، وفي علاقتك بأسرتك وأصدقائك، وحتى في صحتك، وبدأت تعيش تحت وطأة ضغط العمل، فلا تجد أي وقتٍ للراحة أو للهدوء والشعور بالسكينة، وأصبح هو فسحب نافذتك الوحيدة على العالم؛ طبعاً، في هذه الحالة تكون قد تجاوزت حب العمل، ووصلت إلى حالة من الإدمان على العمل، فما هذا الإدمان إذاً؟ وما أسبابه؟ وكيف نتعامل معه تعاملاً صحيحاً؟



إدمان العمل وآثاره السلبية:

بدايةً علينا التفريق جيداً بين مصطلح جدِّية العمل، ومصطلح إدمان العمل؛ إذ إنَّ الأول يشير إلى الالتزام الطبيعي بعملك، وضمن الحدود الطبيعية، أمَّا المصطلح الثاني، فيشير إلى الرغبة الدائمة في العمل من دون الشعور بالاكتفاء، حتى يسيطر العمل ونجاحاته وصعوباته ومشكلاته على كل نواحي الحياة الخاصة بك، مع شعور دائم بالتقصير والإحساس بضرورة العمل بشكل أسرع.

هو نوع من حبِّ العمل حباً إدمانياً، فلا يجد الشخص راحته إلا في أثناء الانخراط فيه، حتى أنَّ الأمر قد يصل به إلى الحدِّ الذي يُشعره بالتوتر في أثناء الإجازات، وحتى في أثناء المرض، بانتظار العودة إليه بكل لهفة.

عرَّف قسم علم النفس في جامعة بيرجن في النرويج إدمان العمل، فقالوا: هو أن تدور حياة الشخص بالكامل حول العمل؛ بحيث يؤثر ذلك في حياته الشخصية وعلاقاته.

يُعرف إدمان العمل أيضاً باسم آخر؛ حيث يُطلق عليه مُسمَّى "كاروشي" ويعني التفكير الدائم بالعمل حتى في أوقات العطلة.

إدمان العمل هو أحد صور الإدمان السلوكي المنتشر في المجتمعات، وخاصةً المجتمعات الغربية، وبمجرَّد تحول أي سلوك نمارسه إلى إدمان، فهذا يعني شيئاً واحداً فقط، وهو أنَّه سيكون سبباً لكثير من المخاطر والأضرار، وسينتج عنه كثيرٌ من التصرفات الخاطئة التي ستؤثر سلباً في نمط حياتنا.

إقرأ أيضاً: الشخصية الإدمانية: تعريفها، وأشكالها، وأسبابها، طرق التعامل معها

الآثار السلبية لإدمان العمل:

كما ذكرنا سابقاً، كثيرةٌ هي الآثار السلبية لإدمان العمل على مجالات الحياة المختلفة، وسنعرض أهمها فيما يأتي:

  • انعدام أوقات الراحة، والشعور بالتوتر والضغط معظم الوقت؛ حيث تغدو الحياة في ظلِّ الشعور المستمر بعدم القدرة على الاسترخاء، وكأنَّ شخصاً ما يلاحقنا دائماً، وفي كل مكان.
  • الانقطاع عن العمل بسبب ظرف ما، أو حادث طارئ، سيوصل الشخص إلى الاكتئاب، إضافةً إلى أنَّ الاندماج المبالغ فيه في العمل سيؤدي إلى قطع معظم علاقات الشخص الاجتماعية، ويؤثر حتى في علاقته مع أسرته وأصدقائه، وقد يصل به الأمر إلى عدم المشاركة بأي نشاط اجتماعي، كمراسم الزفاف أو الموت، وهذا كله سيؤدي إلى تعميق شعور الوحدة لديه.
  • الإدمان على العمل يُسبب الشعور بالإرهاق والتعب دائماً، كما أنَّه السبب في كثير من المشكلات الصحية، كالإصابة بالصداع أو القولون العصبي أو زيادة الوزن أو النحافة زائدة، فضلاً عن مشكلات النوم والأرق، وقد أثبتت الدراسات أنَّ مدمني العمل أكثر عرضةً للإصابة بالأزمات القلبية والدماغية.
  • يصبح الشخص المدمن على العمل، قاسياً وحازماً ومتسلطاً خارج أوقات العمل، فهو ينقل - من دون أن يشعر - هذه السلوكات التي يمارسها في العمل إلى أسرته ومحيطه، وهذا يؤدي إلى النفور منه وعدم الرغبة في التعامل معه.
  • المدمن على العمل، ونتيجةً لرغبته الشديدة في إنجاز كل الأعمال وحده من دون مساعدة، ينمِّي روح التواكل لدى زملائه في العمل، وهذا ما يزيد من العبء والضغوطات عليه، كما أنَّه قد يُكلَّف بإنجاز أعمال غير مطلوبة منه، بالإضافة إلى عدم قدرته على نقل مهاراته إلى بقية العاملين معه، وهذا ما يؤثر سلباً في المؤسسة أو الشركة التي يعمل بها.
  • إذا كنت مدمناً على العمل، هذا سيجعلك أكثر عرضةً من غيرك للإصابة بالأمراض النفسية، كالوسواس القهري، والقلق، وفرط النشاط، وقلة التركيز، وهذا ما أكده مجموعة من الباحثين في جامعة بيرجن في النرويج.

تجدر الإشارة إلى أنَّ نسبة الإدمان على العمل عند الأشخاص الذين يعملون في وظائف إدارية، أكبر من نسبته عند الأشخاص الذين يعملون لحسابهم الخاص، كما أنَّ الإدمان على العمل، يُعدُّ أحد أسباب الإدمان على الكحول

أعراض ومظاهر الإدمان على العمل:

كثيرة هي الصفات والسلوكات التي ستظهر عليك، إذا ما كنت مصاباً بالإدمان على العمل، وفيما يلي سنعرض أكثرها شيوعاً:

  1. الشعور بالتوتر والقلق والانزعاج خارج أوقات العمل، فأنت شغوف بعملك ولا تشعر أبداً بالملل منه.
  2. يخبرك الجميع أنَّك تعمل أكثر بكثير من المفروض، فأنت منشغل دائماً به، سواءً كنت داخل أوقات دوامك أم خارجها.
  3. الشعور بأنَّ الآخرين غير مؤهلين للقيام بأعمالك، وأنَّ أي عمل أو مهمة يجب أن تُطلب منك أنت فحسب.
  4. تقضي أوقاتاً في العمل أكثر ممَّا يقضيه الآخرون، وتمكث في مقر عملك ساعات إضافية بعد انتهاء موعد الدوام الرسمي.
  5. شعورك الدائم بأنَّ هناك شيئاً ما عليك إنجازه، على الرغم من إنهائك كل أعمالك.
  6. لا تحب أيام العطلة، وتبتعد عن أخذ الإجازات، وفي حال اضطرارك إلى ذلك، تقضي فترة إجازتك بالعمل.
  7. تحاول استشارة الآخرين دائماً، وأخذ رأيهم بما تقوم به، وتَعدُّ آراءهم مقياساً لتقدير ذاتك.
  8. تُخفف عن نفسك بالعمل؛ فإذا شعرت بالحزن، أو الاكتئاب، أو الضغط، أو التوتر، فأنت تلجأ إلى العمل للتخلص من كل هذا.
  9. ترغب في إنجاز أعمالك بأسرع وقت ممكن، وإذا ما حاول أحدهم مقاطعتك عن عملك، أو جذب انتباهك، أو فتح حديث معك، تكون عدائياً معه، فضلاً عن شعورك بالتوتر طوال فترة العمل.
  10. الابتعاد عن النشاطات الاجتماعية والأصدقاء، وكثرة الخلافات والمشكلات مع العائلة، وقد تُصاب في نهاية المطاف بما يُسمَّى بالشلل العاطفي.
  11. يأخذ الجانب الشخصي من حياتك حيزاً صغيراً جداً، فأنت لا تمارس الرياضة ولا تقوم بالنشاطات ولا تُخصص وقتاً لهواياتك؛ ببساطة، تغوص في العمل فحسب.

إذا ما ظهرت عليك مجموعة من النقاط التي سبق ذكرها، فأنت مُصاب بإدمان العمل، وعليك أن تبدأ البحث عن حل لمشكلتك، حتى لا يتفاقم الوضع، ويصبح خطيراً على صحتك، ويصل إلى حياتك الشخصية فيدمرها.

شاهد بالفيديو: كيف تعرف أنَّك مدمن على العمل؟

أسباب الإدمان على العمل:

هناك كثيرٌ من الأسباب التي تؤدي إلى الإدمان على العمل، وسنعرض أهمها فيما يأتي:

  • ترجع أسباب الإدمان على العمل إلى الطفولة، شأنه شأن مختلف أنواع المشكلات والأمراض النفسية الأخرى؛ حيث تجد هؤلاء الأشخاص في طفولتهم، مصرِّين على أداء الأعمال، والابتعاد عن أماكن اللعب والألعاب المختلفة، التي يحبها ويمارسها الأطفال في أعمارهم، في الحقيقة، هم يعملون بهذا الشكل، ويحاولون التفرُّد والتميُّز عن غيرهم، ليتمكنوا من لفت الانتباه إليهم؛ ذلك لأنَّهم لا يثقون بأنفسهم، ويجدون في الانكباب على العمل طريقةً لتعويض قلة ثقتهم، وللحصول على كلمات الإطراء والدعم.
  • الضغوط النفسية والاجتماعية والعصبية التي يتعرض لها الشخص يومياً في حياته، تدفعه في نهاية الأمر إلى الهروب من كل هذه المعاناة التي يشعر بها، فيجد في العمل وضغوطاته المكان الآمن الذي يُبعده ويشغله عن كل تلك الأفكار التي تراوده؛ لذا تجده يقضي كثيراً من الوقت في العمل.
  • الخيبة التي تعرَّض لها الشخص في مرحلة من مراحل حياته، تدفعه إلى الابتعاد عن الناس والأصدقاء، واستبدال العلاقات بالعمل؛ فالعمل إذاً بديلٌ عن الوحدة التي يعيشها.
  • وسيلة يستخدمها بعض الأشخاص للحصول على الاهتمام من المديرين أو حتى من زملاء العمل، والسبب في ذلك، معاناتهم من نقص الاهتمام من الأشخاص المقربين منهم، فيجدون بالإفراط في العمل طريقةً لكسب تعاطف الزملاء والمديرين معهم.
  • خسارات مالية تعرَّض لها الشخص في حياته، جعلته في حالة خوف دائم من الخسارات المالية، أو الخوف من الفقر والعوز والحاجة، فيلجأ الشخص إلى الإفراط في العمل كوسيلة دفاعية تحميه من خوفه هذا.
  • يرى كثير من الناس أنَّ قيمتهم مرتبطة بالعمل، فيبالغون بالانخراط فيه لاعتقادهم أنَّ ذلك سيرفع قيمتهم ويساعدهم على تحقيق ذاتهم.

كيف نتعامل مع الإدمان على العمل؟

الإدمان على العمل دليل على وجود كثير من الصفات الإيجابية لديك، كالطموح والصبر وحُبِّ العمل والنشاط، ولكنَّ هذا لا ينفي كونه مشكلة حقيقة يجب معالجتها والتعامل معها تعاملاً صحيحاً، لتسخير الصفات السابقة في مصلحتك ومصلحة نجاحك في عملك؛ وهذا يعني بالضرورة، فهم الأسباب التي أوصلتك إلى هذه الحالة، واتخاذ مجموعة من الإجراءات لعلاجها؛ حيث سنذكر فيما يلي بعضاً منها:

  • خصص جزءاً من وقتك للعلاقات الاجتماعية ولقاء الأصدقاء والأقارب، وافرض هذا الوقت على نفسك فرضاً، حتى يُصبح مثله مثل العمل؛ جزءاً من سلوكاتك وتصرفاتك.
  • خذ استراحات في أثناء عملك ولو كانت قصيرة، ولا تعوِّد نفسك على العمل ساعات طويلة ومتواصلة من دون أخذ نفس، فأنت تستطيع التحدث مع أحد زملائك لدقائق، أو الخروج واستنشاق الهواء قليلاً.
  • خصص جزءاً من الوقت في يومك لممارسة الرياضة في المنزل أو في الهواء الطلق، فالرياضة ضرورية جداً للحفاظ على صحة جسمك وعقلك معاً، كما أنَّه من الضروري أيضاً، تخصيص وقت للقراءة أو مشاهدة الأفلام؛ هكذا ستبدأ الخروج تدريجياً من سيطرة العمل على كل يومك.

وفي النهاية، إذا لم تنجح معك العلاجات السابقة والإجراءات التي تكلمنا عنها، وشعرت بأنَّك تغوص أكثر وأكثر في إدمانك، عليك مراجعة معالج مختص لمساعدتك؛ وذلك لأنَّه في حال ساءت الأمور أكثر، قد تحتاج إلى زيارة مراكز علاج الإدمان.

إقرأ أيضاً: 5 حلول تخلص مدمني العمل من الإحساس بالتوتر

في الختام:

يقول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لربك عليك حقاً، وإنَّ لنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، فأعطِ كل ذي حقٍّ حقه"، يستطيع هذا القول المختصر للنبي محمد صلى الله عليه وسلم تلخيص ما نريد قوله في النهاية.

مجالات الحياة متعددة ومتنوعة، وعلينا تحقيق التوازن في حياتنا، وإعطاء كل مجال حقه من دون زيادة أو نقصان، فالانخراط والانكباب على فعل شيء دون آخر، سيؤدي بالتأكيد إلى التقصير في مكان ما، وهذا ما لاحظناه من خلال حديثنا عن إدمان العمل، الذي يجعل الشخص أشبه بآلة مجردة من المشاعر والعواطف، وبعيدة عن كل علاقات وتواصل مع الآخر، وهذا ما يجعل الحياة صعبة وموحشة وخالية من أي متعة أو سعادة.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة