الشغف هو ذلك الإحساس الآسر الذي يسيطر عليك في أثناء قيامك بشيء تحبه، فتشعر بالكثير من الحماسة والطاقة والانطلاق والسعادة، وأن تسهر من أجله، وتصحو باكراً لإتمامه، ويجعل منك إنساناً ناجحاً، ولا تلتفت إلى انتقادات الآخرين؛ وذلك لأنَّك شغوف ومؤمن بما تفعل، ويجعلك أكثر إبداعاً وابتكاراً، وهو مصدر سعادتك.
فمتطلبات الحياة الآن، والوتيرة المتسارعة التي نعيشها والمشتتات التي ننجرف إليها، تمنعنا من عيش لحظة الهدوء التي نحتاج إليها للتأمل فيما نريد؟
إذا كنت لا تعلم ما هو شغفك، فلا بأس بذلك لأنَّك لست الشخص الوحيد، فأغلب الناس لا يعلمون ما هو شغفهم، ولكنَّ الفرق هو هل أنت مستعد لأن تبحث عن شغفك؟
ولأنَّك لم تكتشف شغفك بعد، فستظل تدور في دوائر التسويف ونقص الحافز وقلة الإنتاجية، والسبب في ذلك أنَّنا بطبعنا ننجذب تلقائياً إلى ما نحب ونعشق وننفر مما لا نشعر فيه باندماج شعوري قلبي، إنَّه الشغف الذي يفجِّر الطاقات ويلهم الذات للإنتاج والعمل الدؤوب، فعندما تكتشف شغفك فإنَّك ستطبِّق مواهبك وقدراتك بسهولة فيما تحب، وسيكون شغفك انعكاساً لمواهبك الدفينة، وتذكَّر دائماً لا يوجد إنسان لا يمتلك مواهب أبداً، ولكن يوجد إنسان لم يكتشفها بعد؛ لذا اسعَ بقوة إلى إيجادها وحارب من أجلها، ولا تمُت قبل أن تعزف موسيقاك الفريدة للعالم كله، ولا تجعل مواهبك وأحلامك تُدفَن مع جسدك عند الرحيل.
إليك الخطوات الذهبية لاكتشاف شغفك:
واحدة من أهم صفات القادة، والأشخاص الناجحين في شتى مجالات الحياة، أنَّهم يعرفون مَن هم وماذا يريدون وما الذي يؤمنون به؛ لذا يجب أن تعيش حياتك من الداخل إلى الخارج، اعرف قيَمك واستمع لحدسك، واعرف ما تؤمن به.
أولاً، حدد قيَمك:
ما هي القيم؟ ببساطة هي معتقدات الشخص عما يرى أنَّه مهم، فقيَمك هي معتقداتك بشأن ما هو صحيح وما هو خطأ، وما هو خير وما هو شر.
إن لم تكن لديك قيم واضحة فلن تشعر بتحقيق الذات والتناغم والانسجام مع نفسك.
إنَّ تأثير قيَمك فيك لا نهائي، فهي تؤثِّر في كل شي بدءاً من اختيار ملابسك التي ترتديها، والسيارة التي تمتلكها، والمكان الذي تعيش فيه، وشريك الحياة الذي ترتبط به، والطريقة التي تربِّي بها أبناءك، والقيم هي التي تحدد ردود أفعالك تجاه المواقف.
وتلعب البيئة التي نشأت فيها دوراً مهماً في تكوين قيَمك منذ الطفولة، ويلعب الوالدان دوراً أساسياً في تكوين قيمنا ومعتقداتنا، فقد كانوا يعبِّرون دائماً عن قيَمهم بإخبارنا بما يريدون وبما لا يريدون أن نقوم به ونفعله ونؤمن به.
وقد تتغير قيمنا عندما نكبر، إن قرَّرنا ذلك، وذلك عندما نغيِّر أهدافنا ونظرتنا إلى أنفسنا.
الجوهر الأساسي لشخصيتك هو قيَمك، وهي التي تجعل منك الشخص الذي أنت عليه الآن؛ حيث إنَّ أي سلوك تقوم به يكون نابعاً منها، سواء كنت تعرف ما هي قيَمك أم لم تعرفها، وكلما كانت قيَمك واضحة أمامك؛ أصبحت تصرفاتك الخارجية أكثر دقة.
إنَّ قدرتك على تحديد قيَمك تحديداً واضحاً هي نقطة الانطلاق لكي تُنمِّي نمط الشخصية التي تجذب إليك الأشخاص لتُكوِّن علاقات معهم، وهي التي ستقودك إلى التمتُّع بحياة طيبة، وعندما تكون ذا شخصية نبيلة ورائعة، وتنهض على أساس من قيَم راسخة، ستكون سعيداً من الداخل، بصرف النظر عما يحدث حولك.
إليك بعض الأسئلة التي قد تساعدك على تحديد قيَمك، أجب عن هذه الأسئلة في ورقة خارجية.
- ما المهم بالنسبة إليك في الحياة؟
- عند الانتهاء من قراءة القصص، أو مطالعة النشرة الإخبارية، أي نوع من القصة التي تجذبك أو ما هو السلوك الذي يلهمك؟
- ما هو نوع القصة أو السلوك الذي يغضبك؟
- لو كان العالم مكاناً مثالياً ما هي القيم التي ستسوده؟
- ما الذي تفتخر به أكثر من أي شيء آخر؟
- ما هي اللحظات التي تكون فيها سعيداً؟
أنموذج إجابات:
رقم السؤال |
القيم |
1 |
مهم أن يكون أبنائي في أحسن حال. |
2 |
الحب والإخلاص والأخلاق النبيلة. |
3 |
عقوق الوالدين والظلم. |
4 |
الحب، والتعاون، والإخلاص. |
5 |
أفتخر بما أعمل به، وإخلاصي في العمل، وحب الآخرين. |
6 |
عندما أكون وسط عائلتي. |
والآن نحدد القيم من إجابات الأسئلة: قيمي هي: عائلتي، الحب، الإخلاص، الأخلاق النبيلة، بر الوالدين، العدل، التعاون، المهنية.
ولربما توجد قيم أخرى لم تنتبه لوجودها، يمكنك كتابتها وتحديدها فيما بعد.
وإليك أنموذجات بعض القيم التي قد تساعدك: الإنجاز، المغامرة، الشجاعة، الإبداع، الاستقلالية، التصميم، الصداقة، الصحة، الصدق، العدالة، العطف، التعلُّم، الحب، السلام، الكمال، الأمن، البساطة، الإخلاص، العفوية، النجاح، المال.
والآن اكتب القيم التي تؤمن بها.
ثانياً، رتِّب قيَمك:
يجب عليك ترتيب قيَمك وفق الأولوية، وستكون بحاجة إلى جعل أهم 5 قيم تؤمن بها لتجعل منها حجر الأساس لشخصيتك؛ حيث إنَّ ترتيب قيَمك له أهمية بالغة لتُكوِّن شخصيتك المستقبلية، وأي نوع من الحياة تعيش.
عندما ترتِّب القيم التي ترغب في أن تكون عليها، فإنَّ كل اختيار أو عمل تقوم به يكون بناءً على قيَمك. إليك مثال لتوضيح ذلك: لو أنَّ شخصين قاما باختيار القيم نفسها التي يؤمنان بها، ولكن بترتيب مختلف، كيف يمكن أن يؤثر ذلك في حياتهما وقراراتهما؟
- اختار الشخص الأول القيم التالية، بالترتيب التالي: العمل، الأبناء، الصحة. فلو أنَّ هذا الشخص أتته فرصة للعمل بدوام إضافي مقابل أرباح مالية، وفي الوقت نفسه الأبناء يحتاجون إلى وجوده معهم في تلك الفترة، فإنَّه سيُفضِّل الدوام الإضافي بدلاً من أن يقضى بعض الوقت مع أبنائه؛ وذلك لأنَّه يعدُّ العمل أهم من الأبناء.
- وأما الشخص الثاني اختار القيم نفسها بترتيب مختلف: الأبناء، الصحة، العمل. فلو أنَّ هذا الشخص أتته الظروف نفسها التي مر بها الشخص الأول، فإنَّه سيختار أبناءه؛ وذلك لأنَّه يعدُّ الأبناء أهم بكثير من العمل.
فحياتنا تسير وفق قيَم نؤمن بها.
ثالثاً، راقب سلوكك:
كيف يمكنك أن تعرف حقيقة قيَمك؟ الإجابة بسيطة؛ أنت دائماً تُظهر قيَمك الحقيقية في أفعالك، وخصوصاً أفعالك التي تظهر تحت الضغط، فعندما تكون مجبراً على اختيار سلوك وآخر، فإنَّك ستتصرف دائماً وفق ما يتَّفق مع الأشياء الأكثر أهمية وقيمة بالنسبة إليك في تلك اللحظة.
رابعاً، اعرف ما تؤمن به:
ما هي قيَمك اليوم فيما يتعلَّق بعملك ومستقبلك المهني؟ هل تؤمن بقيمة النزاهة (الاستقامة) والعمل الجاد والجدارة والإبداع والتعاون والمبادرة والطموح؟ إنَّ الأشخاص الذين يطبِّقون هذه القيَم في عملهم، يكونون أكثر نجاحاً وتقديراً للذات من الآخرين الذين لا يقومون بذلك.
ما هي قيَمك فيما يتعلَّق بأسرتك؟ هل تؤمن بأهمية الحب غير المشروط والتشجيع والتعزيز والصبر والتسامح؟ إنَّ الأشخاص الذين يطبِّقون هذه القيَم باستمرار مع أسرتهم، يكونون أكثر سعادة.
ما هي قيَمك فيما يتعلَّق بالمال والنجاح المالي؟ هل تؤمن بأهمية الأمانة والإتقان والادخار والتوفير والتعليم والأداء المميز والمثابرة؟ إنَّ الأشخاص الذين يطبِّقون هذه القيَم، يكونون أكثر نجاحاً في حياتهم المالية من الآخرين، ويحققون أهدافهم تحقيقاً أسرع.
ماذا عن صحتك؟ هل تؤمن بأهمية انضباط الذات وضبط النفس والتحكُّم بها فيما يتعلَّق بالغذاء، والتمرينات الرياضية والراحة؟ إنَّ الأشخاص الذين يطبِّقون هذه القيَم، يعيشون حياة أطول وأكثر صحة من الآخرين.
شاهد بالفيديو: كيف تكتشف شغفك وتصل إليه؟
خامساً، حدد موهبتك:
لقد قال مايكل جوردان: "كل شخص لديه موهبة، ولكنَّ القدرة تحتاج إلى عمل شاق"، وكتب الشاعر لونجفيلو: "إنَّ المأساة الكبيرة للشخص العادي هي أنَّه يذهب إلى قبرة ومواهبه لا تزال بداخله ولم يخرجها للناس".
من الممكن أن تصارع لسنوات في وظيفة لم تكن تلائمك ثم تجد نفسك بعدها في المجال المناسب وتحقِّق تقدُّماً في بضعة سنوات أكثر من ذلك الذي حققته في العشرين سنة الماضية.
إنَّ مفتاح النجاح هو أن تعمل ما تحب، حتى تحب ما تعمل.
يقول العديد من أصحاب الملايين العصاميين: "أنا لم أعمل يوماً واحداً في حياتي"؛ إنَّ ما يقومون به أنَّهم اكتشفوا ما يستمتعون به حقاً، ثم قاموا بفعل المزيد والمزيد منه.
هناك ثماني طرائق لكي تحدد موهبتك الخاصة والأشياء التي يمكنك فعلها فعلاً مميزاً، إليك الطرائق:
- تكون سعيداً دائماً في الأشياء التي تحب القيام بها، وقد تقوم بها دون مقابل مادي، وتشعر بعدها بقدر هائل من الرضا والاستمتاع عندما تنخرط في هذا العمل.
- تُجيد القيام به، وكأنَّ لديك قدرة فطرية للقيام به.
- هذه الموهبة كانت هي المسؤولة عن معظم نجاحك وسعادتك في الحياة، حتى الآن، فمنذ سن مبكر، كنت تستمع بفعل هذا الشيء وقد جلب لك المكافآت والمجاملات من الآخرين.
- كان من السهل عليك تعلُّم هذا الشيء والقيام به، لدرجة أنَّك نسيت متى وكيف تعلَّمته، لقد وجدت نفسك تقوم به بسهولة وتجيده في يوم من الأيام.
- تستحوذ على انتباهك؛ إنَّها تسحرك وتشغلك، وتحب التفكير فيها، والقراءة عنها، والتحدث عنها، واكتشاف المزيد عنها؛ إنَّها تجذبك.
- أنت تحب أن تتعلَّم المزيد عنها ولديك رغبة داخلية في أن تتفوق في هذا المجال.
- عندما تقوم بها لا يتحرك الوقت، ويمكنك أن تعمل في مجال موهبتك الخاصة لفترة طويلة دون أن تأكل أو تنام؛ وذلك لأنكَّ تنشغل فيها كثيراً وتنسى نفسك.
- أنت تحترم وتعجب بالأشخاص الآخرين الذين يجيدون فعل الشيء الذي ترى أنَّك ملائم للقيام به.
في الختام:
إذا كان الوصف السابق ينطبق على شيء تقوم به الآن، أو على شيء قمت به في الماضي، فمن الممكن أن يقودك إلى الشيء الاستثنائي الذي خُلِقت من أجل القيام به.
إنَّ الشغف هو شيء خُلِقت من أجل القيام به في هذا الكون؛ حيث إنَّ مهمتك أن تكشفه ومن ثم تقوم بتطويره.
ابدأ من الآن بمعرفة قيَمك، ومراقبتها لتحدد أولويتها، وتكون لديك المعرفة بما تؤمن به، ومن ثم تكون جاهزاً لاكتشاف شغفك لتبدأ مشوار تحقيق أحلامك، وقرِّر من الآن أن تكون شخصاً مختلفاً، فحين تكتشف شغفك تدرك أنَّك مختلف عن الآخرين، وأن تعمل بشغف أي أن تكون مرتاحاً نفسياً وجسدياً وناجحاً اجتماعياً ومهنياً.
المراجع:
- قدرات غير محدودة (أنتوني روبينز).
- الأهداف (براين تريسي).
- الأشياء الأولى أولاً (ستيفن كوفي).
أضف تعليقاً