أعراض الصدمة النفسية وأسبابها وطرق علاجها

يعيش الإنسان في مختلف مراحله العمرية مواقف مختلفة؛ بعضها حزين وبعضها مُفرح فلا تمرُّ لحظة في الحياة دون ارتباطها بمشاعر معيَّنة، وبعض هذه المشاعر يزول بزوال الموقف أو يبقى لعدَّة أيام وأسابيع، وبعضها الآخر يبقى مرتبطاً بذكرى حدوثها، ويكون الإنسان قادراً على التعايش مع هذه المشاعر والمضي قدماً في حياته.



لكن يوجد بعض الأشخاص غير قادرين على التعايش مع المشاعر السلبية وتجاوز الأحداث الصادمة في حياتهم، لدرجة أنَّهم يقفون عاجزين عن المضي في حياتهم وغير قادرين على تجاوز مشاعرهم أو التأقلم معها؛ ففي هذه الحالة يمكننا القول إنَّ هذا الشخص يعيش صدمة نفسية.

مفهوم الصدمة النفسية:

هي استجابة بشكل لا إرادي لحدث مروِّع وصادم وتختلف هذه الاستجابة من شخص إلى آخر، وعلم النفس يُعرِّفها على أنَّها ضرر في العقل بسبب توتر نفسي شديد، ويتم المبالغة كثيراً في حياتنا باستخدام مصطلح صدمة نفسية؛ إذ يُربَط بأي حدث سلبي يواجه الإنسان، ولكنَّ هذا الوصف ليس دقيقاً، وتختلف الصدمة النفسية عن المشاعر السلبية التي نشعر بها تجاه الأشياء التي لا نحبها.

إقرأ أيضاً: الاضطرابات النفسية لدى النساء: تعريفها، أسبابها، وأشهر أنواعها

أسباب الصدمة النفسية:

توجد الكثير من الأسباب الموجودة في حياتنا الطبيعية، والتي تؤدي إلى حدوث صدمة نفسية ومنها ما يأتي:

  1. التعرَّض لحادث سير مروِّع له تأثير كبير في نفسية الشخص الذي يعيشه.
  2. انفصال الإنسان عن شريكه العاطفي وبشكل خاص إن كان رافضاً للانفصال والأمر مفروض عليه.
  3. التعرُّض لمواقف مخيفة جداً، وهذا ما يكثر حدوثه في الحروب؛ ففضلاً عن الدمار الناتج عن الحروب فإنَّ مشاهدة الإنسان للقصف أو الدماء أو التدمير ومحاولته الدائمة للهرب وخوفه من الإصابة يكون مؤذياً نفسياً لدرجة الصدمة النفسية، وأيضاً الحرب لها مخلفات كثيرة تسبب الصدمة النفسية، مثل فقدان المنزل، وفقدان الوطن، وفصل الأسر، وموت الأحبة، والفقر، وسوء التغذية.
  4. العيش في بيئة ليست آمنة؛ كأن تكون معرَّضة للكوارث الطبيعية دائماً كالزلازل أو البراكين أو الفيضانات.
  5. تعرُّض الإنسان للاعتداء سواء كان اعتداءً جنسياً أم جسدياً أم لفظياً؛ إذ إنَّ تعرُّض الإنسان للتنمر يكون مؤذياً كثيراً وهو منتشر بكثرة في حياتنا اليومية، والصدمة النفسية تكثر في حال كان الاعتداء من أحد أفراد العائلة.
  6. تعلُّق الأطفال بالوالدين يتسبَّب بحدوث صدمة نفسية عند انفصال الطفل عنهما أو عن أحدهما في حالة الطلاق أو في حال وفاة أحدهما أو مرضه، ويُعَدُّ الأطفال أكثر عرضة للإصابة بالصدمات النفسية، وقد يمتد أثر هذه الصدمة طوال حياته.
  7. المعاناة من مرض خطير فعند إصابة الإنسان بمرض مُميت ويحتاج إلى علاج طويل وصعب كالسرطان مثلاً؛ ينتابه الخوف والتوتر من هذه التجربة أو من اقترابه من الموت؛ وهذا يؤدي إلى الصدمة النفسية لاحقاً.

شاهد بالفيديو: 7 طرق تساعدك على التكيّف مع متغيّرات الحياة

أنواع الصدمة النفسية:

تختلف الصدمات النفسية باختلاف المسببات لحدوثها، ويمكن تصنيف الصدمة النفسية لعدَّة أنواع:

  1. الصدمة النفسية الحادة: وتُعرَّف على أنَّها الصدمة التي تحدث نتيجة تعرُّض الإنسان لحدث واحد صادم ومروِّع في حياته.
  2. الصدمة النفسية المزمنة: وتُعَدُّ من أقسى أنواع الصدمات النفسية؛ وذلك لأنَّها تحدث نتيجة لسلسلة من الأحداث المرهقة السيِّئة المتكررة مثل التعرُّض للتنمر باستمرار أو العنف المنزلي المتكرر أو التحرُّش.
  3. الصدمة النفسية المعقدة: والتي تحدث نتيجة تعرُّض الإنسان لأحداث صادمة بشكل متكرر ولعدَّة تجارب مؤلمة تجعله يشعر كأنَّه محاصر بالألم دوماً.
  4. الصدمة النفسية غير المباشرة أو تسمى الثانوية: والتي تحدث بسبب رؤية الإنسان لشخص آخر مقرَّب منه يتعرَّض لحادث أليم وصادم، وفي بعض الحالات يُصدَم الإنسان نفسياً جراء مشاهدته لتعرُّض إنسان لا يعرفه لموقف مروِّع، مثل مشاهدة مقاطع فيديو تظهر تعرُّض طفلة للاغتصاب أو قتل شخص أو الاعتداء الجسدي العنيف مثلاً.
إقرأ أيضاً: تعرّف على أكثر 6 اضطرابات نفسية شيوعاً

أعراض الصدمة النفسية:

رغم اختلاف أنواع الصدمة النفسية إلَّا أنَّ الأعراض التي تظهر على الإنسان المصاب بها غالباً تكون مشتركة، ومن هذه الأعراض ما يأتي:

  1. يعاني الشخص المُصاب بالصدمة النفسية من خوف شديد ورهاب دائم من تكرار حدوث نفس الأحداث التي سببت له هذه الصدمة.
  2. معاناة من توتر وقلق وقلة النوم؛ ويعود ذلك إلى التفكير المستمر والعقل المشوش نتيجة الصدمة النفسية؛ مما يتسبب لاحقاً بصعوبة في التركيز ومن ثم صعوبة في إنجاز أعماله.
  3. معاناة من العصبية والغضب حتى عند حدوث أبسط الأمور وتغير مزاجه باستمرار وبشكل مفاجئ وغير مبرر.
  4. الشخص الذي يعاني من صدمة نفسية ينظر إلى الحياة نظرة سوداوية، ويدل كلامه على إحباطه ويأسه من الحياة.
  5. معاناة من الحزن والاكتئاب باستمرار؛ لأنَّ الشخص المصدوم نفسياً لا يستطيع تجاوز المشاعر السلبية التي يعاني منها وخاصة عند فقدان شخص عزيز ومقرَّب.
  6. يعاني الشخص المصدوم نفسياً من وجود هواجس باستمرار، وعدم قدرته على التأقلُم مع حياته الواقعية في المنزل أو في مكان العمل.
  7. المعاناة من ملاحقة الذكريات المُرعبة له حتى بعد مرور وقت طويل على حدوثها، وقد تكون على شكل كوابيس مستمرة.
  8. الشخص المصدوم نفسياً في الغالب يفضِّل العزلة والابتعاد عن التجمعات والمناسبات؛ إذ لا يجد أيَّة متعة فيها فنجده يفضِّل الانسحاب إن كان موجوداً في احتفال مثلاً، ومن الممكن أن يعاني من الانفصال عن الآخرين عاطفياً وباستمرار حتى إن كان الشريك غير متداخل مع أزمته الأصلية، وحتى أنَّه قد يميل إلى إنهاء صداقاته مع الآخرين فجأة.
  9. يميل الشخص المصدوم نفسياً إلى تناول المشروبات الكحولية باستمرار، أو تناول المواد المخدرة؛ ليستطيع نسيان الأحداث التي حصلت معه كي يشعر بأنَّه في أحسن حال.
  10. للصدمات النفسية تأثيرات في الجسد أيضاً؛ إذ يعاني الشخص المصدوم نفسياً من صداع أو اضطرابات في الجهاز الهضمي أو تغيرات في شهيته للطعام فغالباً يكون شرهاً لتناول الطعام وخاصة الحلويات وأحياناً تكون شهيته منخفضة جداً، وقد يعاني من تسرُّع في دقات قلبه أو قد يُصاب بالتعرُّق المفرط.
  11. عدم قدرته على التعامل مع المشكلات التي يتعرَّض لها وإيجاد الحلول المناسبة.

شاهد بالفيديو: 12 نصيحة للحفاظ على الصحة النفسية

علاج الصدمة النفسية:

على الرغم من أنَّ المعاناة من صدمة نفسية ليست بالأمر السهل، لكن لا يوجد أمر ليس له علاج، فبعد التعرُّف إلى أسباب وأعراض الصدمة النفسية، يمكن اتباع التعليمات الآتية لتتمكن من التعامل مع الصدمة النفسية وتجاوزها:

  1. امنح نفسك الوقت الكافي بعد التعرُّض للصدمة، فقد يستغرق الأمر أسابيع أو حتى شهوراً حتى تستطيع أن تتقبَّل ما حدث، وأنَّه أصبح أمراً واقعياً لا يمكن المفر منه ويجب التعايش معه.
  2. يجب أن تفهم ما حدث بالتفصيل بدلاً من أن تسأل نفسك "لماذا حدث أو كيف حدث؟" عليك فهم حقيقة الموضوع فقد يكون فهمك للحدث خاطئاً.
  3. تحدَّث إلى أصدقائك المقربين عمَّا حدث معك وعن كل ما تشعر به وتفكر فيه؛ وذلك لأنَّ الحديث عن الهموم والأحزان والمخاوف يساعد على التخفيف منها، كما أنَّ دور الأصدقاء في تقديم الدعم لك هام جداً لتستطيع تجاوز المحنة والتأقلم مع مشاعرك، فلا تتردد في طلب الدعم، لكن احرص على طلبه من شخص تثق به كي ينصت إليك بتركيز ويعطيك النصائح التي تُفيد بعيداً عن الكذب ولا يحكم على ردود أفعالك.
  4. اعترف بمشاعرك السلبية بوضوح؛ وذلك لأنَّ الإقرار بها هو الخطوة الأولى والأهم في طريق العلاج من الصدمة النفسية، وليس كما يعتقد بعض من الناس بأنَّ عدم الاعتراف بالمشاعر السلبية وتجاهلها يؤدي إلى نسيانها؛ لأنَّ هذا التصرف يؤدي إلى دفن هذه المشاعر لفترة مؤقتة فقط لتعود وتظهر وتشعر بها عند كل موقف مزعج وسلبي.
  5. خذ قسطاً من الراحة تبتعد فيه عن الأعمال ومشاغل الحياة اليومية، وتتفرَّغ فيه لنفسك لتستعيد قوتك وتشحن طاقتك بعد نفاذها، ففي الكثير من الأحيان قد تشعر بأنَّ جلوسك مع نفسك وإعادة التفكير بصمت يساعدك على تقبُّل المصائب نوعاً ما والتعايش معها، واحرص جيداً على عدم اتِّخاذ أي قرار مصيري خلال هذه الفترة مثل الاستقالة في العمل أو الانفصال عن الشريك العاطفي.
  6. غيِّر نمط حياتك؛ لأنَّ الصدمات النفسية تجعلك إنساناً كئيباً كما قلنا سابقاً؛ لذلك اتبع حمية غذائية معيَّنة منتظمة ومتنوعة لتغني جسدك بكل ما يحتاج إليه لتبتعد عن البدانة، التي قد تنتج عن التعرُّض للصدمات النفسية؛ وذلك بسبب عدم القدرة على السيطرة على نفسك والتحكُّم بكميات الطعام التي تتناولها.

بالإضافة إلى ذلك، يجب عليك ممارسة التمرينات الرياضية باستمرار، وتجريب إحدى تقنيات الاسترخاء مثل اليوغا، وتخصيص وقت للمشي يومياً ويفضَّل المشي في الطبيعة؛ وذلك لدوره الكبير في تحسين الحالة المزاجية وإعادة النشاط والحيوية لك.

  1. ابتعد عن اليأس قدر الإمكان، وحاول التمسُّك بالأمل مهما كان الواقع مريراً، وتذكَّر دائماً أنَّ المحن التي تمر بها قد مرَّ بها الكثيرون من الناس واستطاعوا تجاوزها والمضي في حياتهم دون توقُّف، وتذكَّر أيضاً المحن السابقة التي مررت بها واستطعت تجاوزها رغم شعورك بصعوبة الأمر حينها.
  2. تجنَّب الانعزال عن الآخرين؛ وذلك لأنَّ الوحدة تجعل الذكريات المؤلمة تحاصرك وتزيد من مشاعرك السلبية، فعليك أن تجد دائماً ما يشغلك ويُبعدك عن التفكير في المصائب التي حدثت معك؛ وذلك من خلال قراءة الكتب أو متابعة البرامج أو مشاهدة الأفلام المسلِّية، ويمكنك التنسيق مع أصدقائك للقيام بنشاطات مسلِّية معاً تخفف من وقع الصدمة عليك.
  3. مارِس الهوايات المفضَّلة لديك أو النشاطات التي كنت تحب ممارستها قبل حدوث الصدمة لتستعيد طاقتك الإيجابية بسرعة.
  4. احرص على النوم لمدة كافية؛ لأنَّ النوم ضروري لاستعادة القدرة على التركيز والتفكير الصحيح، ومن ثم القدرة على النجاح في العمل.

قد تعالَج نفسياً، وهي الطريقة التي ينصح بها الأطباء النفسيين للتخلص من آثار الصدمة النفسية، وللعلاج النفسي عدَّة أنواع:

1. العلاج السلوكي المعرفي:

والذي يتم من خلاله مساعدة المريض على فهم مشاعره وأفكاره، وتعليمه كيف يمكنه التعامل مع هذه المشاعر المؤلمة حتى يستطيع التأقلم معها وتجاوزها.

2. العلاج الجسدي النفسي:

والذي يتم من خلاله التركيز في استجابة جسم المريض تجاه الحدث الصادم الذي تعرَّض له؛ وذلك كي يتمكَّن العلاج من مساعدة المريض على تحرر جسده وإطلاق ما بداخله من طاقات مكبوتة تشكلت نتيجة للصدمة التي تعرَّض إليها، ويحدث ذلك من خلال البكاء.

إزالة حساسية العين؛ ويعني ذلك العلاج الذي يساعد المريض على مواجهة الذكريات المؤلمة التي تهاجمه دائماً والتغلُّب عليها وتجاوزها.

3. العلاج باستخدام الأدوية:

لا يقوم الطبيب بوصف الأدوية لعلاج الصدمات العاطفية؛ وإنَّما يقوم بوصف الأدوية التي تمنح المريض القدرة على الاسترخاء والراحة والنوم بشكل كافٍ، ومن هذه الأدوية مضادات القلق ومضادات الاكتئاب، وتُعَدُّ العلاجات السابقة جميعاً أفضل من العلاج الدوائي؛ لأنَّ العلاج الدوائي لا يُفضَّل استخدامه لفترات طويلة.

إقرأ أيضاً: أغرب الاضطرابات النفسيّة التي تصيب الإنسان

في الختام:

جميعنا معرَّضون للإصابة بالصدمات النفسية نتيجة صعوبات الحياة المتعددة، لكن الهام أن نعرف كيف نتعامل مع الصدمة ونعالجها؛ لأنَّ الصحة النفسية هي أساس الصحة الجسدية وأساس نجاحنا وتطورنا في الحياة.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة