قد نمضي أسابيع أو حتَّى شهوراً في هاجس كيفية كتابة ورقة البحث هذه، أو التخلُّص من الديون تلك، أو استعادة حبِّ حياتنا؛ ولكن بدلاً من هذا الهوس، دعونا نلقي نظرةً على بعض تقنيات حلِّ المشكلات الفعَّالة التي يعتمد عليها الأذكياء.
التقييم أم التفكير:
من الهامِّ أولاً فهم مرحلتين من الإبداع وفصلهما، وذلك قبل النظر إلى التقنيات الفعَّالة لحلِّ المشكلات، وإنَّ ممارسةً فكريةً مثل العصف الذهني، لهي مرحلة إبداعٍ نبحث من خلالها عن أكبر عددٍ ممكنٍ من الحلول المحتملة التي يمكننا التفكير فيها، ولا يوجد في هذه المرحلة أيُّ حكمٍ أو تقييمٍ للأفكار.
لا يمكننا الانتقال إلى مرحلة التقييم إلَّا بعد أن نتوصَّل إلى أكبر عددٍ ممكنٍ من الحلول، وهذا هو الوقت الذي نحلِّل فيه كلَّ حلٍّ ممكن، ونفكِّر فيما قد ينجح وما لا ينجح؛ وهنا تظهر كلُّ هذه الأفكار الجيدة، وتُستبعد الأفكار غير العملية.
شاهد بالفيديو: 10 أساليب للتدرب على التفكير الإبداعي
7 تقنياتٍ ناجحة لحلِّ المشكلات:
لكلِّ شخصٍ طرائق مختلفةٌ لحلِّ المشكلات، يكون بعضها إبداعيَّاً، وبعضها الآخر منظَّماً؛ وبيمنا يفضِّل بعض الناس العمل على حلِّ المشكلات وحدهم، يفضِّل آخرون حلَّها مع مجموعة. لذلك، تحقَّق من تقنيات حلِّ المشكلات أدناه، وابحث عن الطريقة التي تناسبك:
1. اعتمد على فريقك:
إنَّ أول التقنيات السبع لحلِّ المشكلات لدينا هي إحاطة نفسك بأشخاصٍ تثق بهم.
قد يكون من الممكن حلُّ المشكلات بمفردك في بعض الأحيان؛ ولكن في أحيانَ أخرى، تحتاج إلى قليلٍ من المساعدة.
يوجد مفهومٌ يُفسِّر لمَ تكون المجموعات أفضل لأنواعٍ معينةٍ من حلِّ المشكلات، حيث يصف الصحفي الأميركي "ستيفن جونسون" (Steven Johnson) ذلك المفهوم بأنَّه يشبه إعادة تأسيس النظام من الأسفل إلى الأعلى، والمثال المفضَّل على ذلك هو "مستعمرة النمل"، حيث لا يملك النمل رئيساً أو قائداً يخبرهم ماذا يتعيَّن عليهم أن يفعلوا؛ بل إنَّ التنظيم المعقَّد للمستعمرة ينشأ من كلِّ نملةٍ منفردةٍ تؤدِّي دورها البيولوجي فقط.
كما يمكن للإبداع الجماعي أن يكون سبباً للجودة، فعندما يستمع الأفراد حقاً إلى أفكار بعضهم بعضاً ويدعمونها ويضيفون إليها، تكون نسبة إبداعات هذه المجموعة أعظم بكثيرٍ من عمل الفرد الواحد.
2. نظِّم مشاعرك:
إنَّ الطريقة التالية لحلِّ المشكلات: أن تكون صادقاً بشأن مشاعرك، فنحن لا نستطيع أن نحلَّ المشاكل بالقدر نفسه من الكفاءة حين ننزعج؛ لذا فإنَّ البدء ببعض الوعي العاطفي الذاتي يشكِّل وسيلةً مناسبةً لمساعدتنا في حلِّ المشكلة.
يقول الطبيب النفسي الشهير، الدكتور "دانييل سيجل" (Dr. Daniel Siegel): "امنح الشيء اسماً لترويضه". يتحدَّث دانييل هنا عن ذكر مشاعرنا، وهو ما يوفِّر لنا فرصةً أفضل لتنظيم أنفسنا؛ فإذا كنت راغباً في التحلِّي بالهدوء من أجل العودة إلى حالةٍ أكثر مثاليةً لحلِّ المشكلات، ينبغي عليك أن تعرف طبيعة المشاعر التي تُقلِقك.
بعد أن تعرف كيف تشعر، يمكنك اتخاذ الخطوات اللازمة لتنظيم هذا الشعور، فعلى سبيل المثال: إذا كنت تشعر بالإجهاد أو الانزعاج، يمكنك المشي أو ممارسة تمرينات التنفس؛ كما يمكن أن تساعدك تمرينات التأمُّل الواعي على استعادة شعورك.
3. أصغِ:
يعدُّ الإنصات إلى كلِّ ما يفعله البارعون في حلِّ المشاكل أمراً في غاية الأهمية، فهم يجمعون كلَّ المعلومات التي يمكنهم الحصول عليها، ويعالجونها بعنايةٍ قبل أن يحاولوا حلَّ المشكلة.
إنَّه لأمرٌ مغرٍ أن نتدخَّل في حلِّ المشكلات، وأن نبدأ حلَّها قبل أن يصبح نطاق المشكلة واسعاً؛ ولكن هذا خطأ.
يُصغي حلَّال المشكلات الذكيُّ بعنايةٍ للحصول على أكبر عددٍ ممكنٍ من وجهات النظر والآراء، وهذا من شأنه أن يساعده في الحصول على فهمٍ أفضل للمشكلة، وميِّزةٍ أكبر لحلِّها.
4. لا تحكم على الأفكار بأنَّها سيئة (في هذه المرحلة):
تتمثَّل رابع تقنيات حلِّ المشكلات السبعة بعد جمع أكبر عددٍ ممكنٍ من الحلول الممكنة، بألَّا تحكم على أيِّ أفكارٍ بأنَّها سيئة.
لنرجع إلى الإبداع: لا ينبغي لنا أن نقيِّم أفكار بعضنا بعضاً ومداخلات الآخرين وحلولهم الممكنة حين نكون في مرحلة التفكير؛ فعندما نقيِّم ونحكم وننتقد في أثناء هذه المرحلة، فإنَّنا نعوق الإبداع عن غير قصد، ومن النتائج المحتملة التي يمكن أن يتم التوصل إليها في أثناء تكوين الأفكار: "قمع الإبداع".
عندما يستجيب شخصٌ ما إلى المداخلات الإبداعية لشخصٍ آخر بإصدار الأحكام أو النقد، فقد يحدث "قمع الإبداع" إذا أُسكِت الشخص الذي كان لديه الفكرة بسبب هذا الحكم أو الانتقاد.
تخيَّل أنَّك في اجتماعٍ تضع فيه الأفكار حول طرائق تعزيز أرقام مبيعاتك، وتقترح تعيين فريقٍ جديد؛ ولكنَّ زميلك يتأفَّف، ويقول ساخراً أنَّ هذا لا يمكن أن يحدث؛ لأنَّ الأرقام قد انخفضت بالفعل.
قد يكون زميلك على صوابٍ تماماً؛ لكن ومع ذلك، يؤدِّي تعليقه إلى عدم استكمال الاجتماع، ممَّا يعني أنَّ فريقك لن يحصل على أيِّ حلولٍ ممكنةٍ منك.
لو انتظر زميلك لتقييم مزايا فكرتك بعد جلسة وضع الأفكار، فلربَّما كان من الممكن لفريقك أن يتوصَّل إلى حلولٍ محتملةٍ لمشكلته الحالية.
يكون طرح كثيرٍ من الأفكار أفضل في أثناء مرحلة تكوين الأفكار، فنحن نريد أكبر عددٍ ممكنٍ منها؛ لذا فعلينا أن نؤجِّل التقييم حتَّى لا يتبقَّى لدينا ما قد نعيده.
طريقة أخرى لتحسين التفكير: ممارسة مفهوم "نعم، وَكذا وكذا"، وهو مفهومٌ يقترح على المشارك قبول ما ذكره مشاركٌ آخر باستخدام كلمة "نعم"، ثمَّ توسيع خط التفكير بإضافة كلمة "وَكذا وكذا". يعني هذا المبدأ أنَّ واحداً ممَّن يطرحون حلولاً ارتجاليةً يجب أن يتَّفق مع فكرة الآخر للمشهد، ثمَّ يضيف تفاصيل جديدةً على هذا الواقع.
فعلى سبيل المثال: إذا قال شخصٌ ما: "لا يمكنني تحمُّل الموسيقى الصاخبة"، يحتاج الشخص الآخر إلى اتباع هذه الفكرة، ثمَّ الإضافة عليها؛ فقد يقول: "عذراً، سأطفئها؛ لكنَّني لا أعتقد أنَّ أيَّ شخصٍ آخر في الحفلة سيُقدِّر ذلك".
أصبح المشهد الآن مثيراً: فنحن في حفلة، وسيُخفَّض صوت الموسيقى، وقد جعل استخدام هذا المفهوم المشهد أفضل من خلال ملء التفاصيل حول من يعترض، وعلى ماذا.
يعمل هذا بشكلٍ جيدٍ في أثناء جلسات التفكير؛ فنظراً لأنَّنا أثبتنا بالفعل أنَّه لا يجب علينا تقييم أفكار بعضنا بعضاً حتى نهاية الجلسة، يمنحنا هذا المفهوم شيئاً يمكننا القيام به، ويمكِّننا من رؤية مزايا أفكارنا ومحاولة البناء عليها، ليجعلنا هذا ندرك جميع حلولنا الممكنة.
5. تعامل مع المشكلات بمرح:
يمكن أن يؤدِّي التعامل مع حلِّ المشكلات بجديةِ بالغة إلى تفاقم المشكلة، كما يحدث في بعض الأحيان حين نصبُّ تركيزنا بشدةٍ على إيجاد الحلول، ونفقد حسَّ الدعابة لدينا.
هذا منطقي، فعندما تكون هناك مواعيد نهائيةُ ويعتمد الناس علينا، يمكننا أن نحاول فرض الحلول؛ ولكنَّ التراجع والتعامل مع المشاكل من منظورٍ أكثر مرحاً قد يؤدِّي إلى حلولٍ أكثر إبداعاً.
فكِّر في كيفية تناول الطلَّاب لحلِّ المسائل، وهم لا يملكون ثروةً من الحكمة التي تمنحها عقودٌ من الزمان على هذا الكوكب؛ بل إنَّهم بدلاً من ذلك يلعبون في كلِّ مكانٍ ويحاولون تجربة أساليب مبتكرةٍ وغير عمليةٍ في بعض الأحيان.
هذا عظيمٌ في حلِّ المشكلات، فبدلاً من أن نقتصر على الكيفية التي كانت تسير بها الأمور دوماً، يقودنا الشعور بالمرح واللعب إلى الإبداع الحقيقي.
6. دع عقلك الباطن يعمل:
قد يبدو هذا غير بديهي، ولكن هناك طريقةٌ أخرى يمكن تجربتها عندما تصبح شديد التركيز على مشكلةٍ ما، وهي أخذ قسطٍ من الراحة للسماح للعقل الباطن بتولِّي زمام الأمور.
يمكن لعقلنا الواعي التعامل مع كميةٍ محدودةٍ من المعلومات في وقتٍ واحد؛ وبالإضافة إلى ذلك، إنَّه لمن المرهق للغاية استخدامه لحلِّ المشكلات. فكِّر في وقتٍ كنت تدرس فيه للاختبار، وستجد أنَّ استخدام العقل محدود.
لكنَّنا محظوظون لأنَّ هناك جزءٌ آخر من دماغنا لا يُستنزف، ويمكن أن يدمج الكثير من المعلومات في وقتٍ واحد؛ إنَّه الجزء اللاوعي.
لهذا السبب تتوصَّل إلى أفضل أفكارك في الحمام، أو في طريقك للعمل، أو في أثناء الركض؛ فعندما تعطي دماغك الواعي استراحة، فإنَّ لاوعيك لديه فرصةٌ لتدقيق أكوامٍ من المعلومات للوصول إلى حلولٍ مقترحة.
كيف تُكتَب المقالات؟ بدماغنا الواعي، حيث نفكِّر في المقالة التي سنكتبها. تكمن مشكلتنا في كيفية كتابتها؛ لذلك بمجرَّد أن نفكِّر بعنايةٍ في الموضوع، نأخذ استراحة، مثلاً: نستلقي على السرير، أو نستحم، أو نمشي في الغابة؛ وبعد ذلك، يُنجَز قالب المقالة والمصادر والمحتوى -وأحياناً الصياغة- بشكلٍ مناسب، وتماماً في الوقت الذي لا نفكِّر فيه في هذه الأشياء على الإطلاق.
الحلُّ هو التعوُّد على ممارسة هذا التناوب في حلِّ المشكلات بين الوعي واللاوعي، وعدم فرض الحلول على الإطلاق؛ إذ كلُّ ما تحتاجه في بعض الأحيان، هو: أخذ قسطٍ من الراحة.
7. كن صريحاً:
آخر تقنيات حلِّ المشكلات: ما نفعله خلال مرحلة التقييم؛ فإذا كنَّا سنصل إلى أفضل حلٍّ ممكنٍ لمشكلاتنا، فيجب أن نكون قادرين على تقييم الأفكار بصراحةٍ وأمانة.
يجب تقديم النقد والتعليقات بصدقٍ واحترامٍ خلال مرحلة التقييم؛ فإذا لم تنجح الفكرة مثلاً، فيجب توضيح ذلك. الهدف هو أن يهتمَّ الجميع ويتحدَّون بعضهم، حيث يخلق هذا بيئةً يتحمَّل الناس فيها المخاطر ويتعاونون؛ لأنَّهم يثقون بأنَّ كلَّ شخصٍ يضع مصلحتهم في الاعتبار، وأنَّه لن يسبِّب لهم أيَّ ضرر.
أفكارٌ أخيرة:
من أجل التوصُّل إلى أفضل الحلول للمشاكل، يجب أن يكون التفكير والتقييم خطوتين مميَّزتين في العملية الإبداعية، ومن ثمَّ يجب الاستفادة من بعض التقنيات المذكورة أعلاه لتنظيم أفكارك وحلِّ مشكلاتك.
نأمل أن تساعد تقنيَّات حلِّ المشكلات السبع هذه في أن تكون مشاكلك أقلَّ "إشكالية".
أضف تعليقاً