أسباب وعلاج ضعف ونقص التركيز عند الشباب

يتجول عقلك بين أفكارك دون ترتيب ولا يستقر في مكان واحد، فلا تستطيع البقاء منصباً على مهمة معينة بسبب تشتت انتباهك، وهل لديك صعوبة في التركيز وفكرك ينتقل من موضوع لآخر بسرعة دون أن تستطيع الانتباه بشكل كامل لأي منهما؟ إن كان هذا ما تعاني منه، فأنت لست وحدك.



مشكلة "نقص التركيز عند الشباب " مشكلة شائعة اليوم تثير القلق لكثير من الناس؛ إذ تؤثر في الأداء الدراسي والمهني وحتى في العلاقات الشخصية، فهل تساءلت يوماً عن ماهية أسباب هذا التشتت الذي يعوق القدرة على التركيز؟ وما هي الاستراتيجيات التي يمكن اتباعها لتحسين القدرة على التركيز وتحقيق الأهداف بفاعلية؟

يجب أن تعي بشكل جيد أنَّ الانتباه هو البداية لأي إنجاز، وتركيزك فيما تفعل هو سلاحك الأقوى لإتمام مهامك بأفضل شكل لها، وإنَّ فهم أسباب نقص التركيز عند الشباب واستخدام الأساليب الصحيحة لتحسينه هو أمر هام، فقد يؤدي ذلك إلى تحسين الأداء وتعزيز الإنجازات في مختلف مجالات الحياة.

ما هو التركيز؟ وماذا يعني نقص التركيز؟

يعني التركيز أن تعيش حياتك بوعي وتختار كيف تستثمر وقتك وطاقتك في الأشياء التي تهمك حقاً، والتركيز هو مفتاح إبداعك ومفتاح التمييز بين نجاحك وفشلك، وبين تفوقك أو انحدارك، والتركيز ليس مجرد القدرة على النظر إلى شيء واحد بشكل مكثف؛ بل هو أيضاً القدرة على تجاهل الملهيات والأفكار الجانبية والتفكير في الهدف بوضوح وتحقيق التوازن بين الجزئيات المختلفة للمهمة، وإنَّه عملية تتطلب تفرغاً ذهنياً وتصميماً لتحقيق الأهداف.

التركيز هو الوصول إلى لب الأمر وأهم ما فيه، وهو قدرتك على إصدار الأوامر للعقل والالتزام بها، وهو التركيز على أمور منتقاة وتجاهل الأمور الأخرى والأقل أهمية، وهو اختيار مشروع واحد فقط والالتزام بنظام يجعلك تركز على هذا المشروع وتتجاهل كل ما عداه وإنجازه بأفضل شكل ممكن، فإذا حاولت التفكير بموضوعات عدة في وقت واحد، فإنَّ هذا لا يُعَدُّ تركيزاً؛ بل هو تشتيت لجهودك وسلوكك وإضعاف قدرتك على الإنجاز.

أما نقص التركيز والمعروف بتشتت الانتباه فهو بخلاف ذلك حالة تصف الصعوبة التي يجدها الفرد في الحفاظ على تركيزه على مهمة أو نشاط معين لفترات زمنية طويلة، وقد يكون هذا الوضع مؤقتاً أو مستمراً.

أسباب ضعف التركيز عند الشباب:

تتسبب العوامل المحيطية والنفسية في تشتيت انتباه الشباب وفقدانهم للتركيز بشكل غير مرغوب، وسنذكر بعض الأسباب الشائعة التي قد تؤدي إلى فقدان التركيز لدى الشباب:

1. غياب الاستقرار الأسري والاضطراب في العلاقات الاجتماعية الأخرى للشاب:

قد يكون الشعور بعدم الأمان في البيئة الاجتماعية والضغوطات النفسية المصاحبة لهذه العلاقات من أسباب تشتت الانتباه وصعوبة التركيز؛ إذ تحرف الفرد لتوجيه انتباهه وتركيزه نحو مشكلاته الشخصية بدلاً من مهامه وواجباته ومهامه الأساسية.

2. القدرات العقلية:

إذا كانت القدرات العقلية قوية وصحية، فمن المرجح أن يكون للفرد القدرة على الحفاظ على التركيز والانتباه بشكل جيد، وإذا كانت توجد تشوهات أو اضطرابات في القدرات العقلية، فسوف تسبب فقدان التركيز والانتباه.

3. غياب الدافع والحافز:

إن كنت تؤدي عملاً لا يملك أيَّة جاذبية بالنسبة إليك، فعقلك سيقاوم كل تركيز عليه، وعندما لا يوجد دافع واضح أو مكافأة ملموسة لأداء مهمة ما، قد يفقد الفرد الاهتمام بسرعة ويبدأ بالتشتت وفقدان التركيز.

4. المبالغة في تقدير الأمور الذاتية:

المبالغة في تقدير الأمور الذاتية أو ما يُعرَف أحياناً بتمركز الفرد حول ذاته (النفسية النرجسية) لها علاقة بفقدان التركيز في بعض الحالات، فالأفراد الذين يتمركزون حول ذواتهم قد يكونون مشغولين بشكل زائد في التفكير في أنفسهم واحتياجاتهم ورغباتهم الشخصية، وهذا التركيز الزائد على الذات يؤدي إلى تشتت الانتباه وفقدان التركيز على المهام والنشاطات الأخرى.

5. اضطرابات الهرمونات:

تؤدي الهرمونات دوراً في تنظيم وظائف الجسم والعقل، وأي تغيير في مستويات الهرمونات قد يؤثر في الصحة العامة والوظائف العقلية، على سبيل المثال، الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الغدة الدرقية قد يشعرون بضعف في التركيز والتعب الذهني.

6. اضطرابات النوم:

يُعَدُّ نقص النوم والأرق وتوقُّف التنفس في أثناء النوم أسباباً في فقدان التركيز، فإذا لم يحصل الشخص على كمية كافية من النوم العميق والمريح، فقد يشعر بالتعب والإرهاق، ويفقد القدرة على التركيز والانتباه.

شاهد بالفديو: 4 أخطاء فادحة عليك أن تبتعد عن ممارستها قبل النوم

7. الإنهاك الجسدي:

قد يؤثر الإنهاك الجسدي تأثيراً كبيراً في القدرة على التركيز، فعندما تكون مرهقاً جسدياً، فغالباً ستكون مستويات الطاقة لديك منخفضة، وهذا يجعل التركيز والانتباه لفترات طويلة صعباً، وهذا السبب من بين أكثر الأسباب التي تسبب ضعف التركيز عند الشباب.

8. العوامل الفيزيقية:

بعض العوامل الفيزيائية التي قد تُحدِث ضعف التركيز عند الشباب، الإضاءة غير الكافية أو غير الملائمة، والضوضاء والأصوات المزعجة، والحرارة المرتفعة أو المنخفضة بشكل غير ملائم، والتهوية غير الجيدة، والجوع أو تناول الطعام الثقيل، كلها أسباب تؤدي إلى فقدان التركيز.

9. قلة التدريب والممارسة:

التركيز هو مهارة يجب تطويرها وتحسينها عبر التدريب المنتظم، فقد تؤثر قلة التمرين سلباً في الصحة العقلية عموماً، فغالباً ما يكون السبب في فقدان التركيز عند الشباب عدم انخراط الشباب في نشاطات تتطلب جهداً عقلياً أو نظاماً معيناً.

10. تزاحم الأولويات وانشغال العقل بأشياء عدة في وقت واحد:

عندما يكون لدينا بعض المهام والأهداف التي نحاول تحقيقها في نفس الوقت، يصبح العقل مكتظاً بالأفكار والتفكير حتى يصعب التركيز على مهمة واحدة بشكل فعال، وهذا التزاحم قد يسبب فقدان التركيز.

إقرأ أيضاً: التشتت وضعف التركيز: علاماته، وأسبابه، وطرق علاجه

11. المماطلة والتأجيل:

تعني المماطلة التأجيل غير المبرر لمهمة غير محبَّبة، فيقوم الشباب بتأجيل المهام والواجبات التي لا تروق لهم دون التفكير بنتائج هذا التأجيل، وغالباً ما يتجمع العمل الذي تم تأجيله مع مرور الوقت، وهذا يجعلهم يشعرون بالضغط والتوتر، وهذا بدوره يؤثر سلباً في تركيزهم وقدرتهم على القيام بالمهام كما يجب.

12. غياب الخطة والهدف أو عدم وضوحهما:

قد يكون سبب فقدان التركيز هو عدم تلقِّي العقل لأمر ما، فعندما يفتقد الشباب هدفاً واضحاً أو خطة محددة لتحقيق أهدافهم، قد يشعرون بالتخبط والضياع، وهذا الشعور بعدم التوجيه قد يؤدي إلى فقدان التركيز؛ إذ يجدون صعوبة في تحديد ما يجب عليهم القيام به أو التركيز على المهام الهامة.

13. وجود مشكلات بلا حلول:

عندما يكون لدى الشباب مشكلات غير محلولة أو يعانون من انفعالات قوية دون أن يجدوا حلاً لها، قد يؤثر هذا تأثيراً سلبياً في تركيزهم، فقد تأخذ هذه المشكلات والانفعالات الوقت والطاقة والانتباه الذي قد يكون مخصَّصاً لنشاطات أخرى، وهذا يؤدي إلى فقدان التركيز على المهام والنشاطات اليومية.

14. الموقف السلبي للإنسان:

يعمل الإنسان وفق ما يعتقد، فإذا كان عقلك يرى أنَّه لا يستطيع التركيز، فهو فعلاً لن يستطيع التركيز.

علاج فقدان التركيز عند الشباب:

لا بد لك من إزالة الشك كي تتعلم، فلا يولَد أحد ولديه قوة التركيز؛ بل هي مهارة متعلَّمة يمكن للإنسان تطويرها يوماً بعد يوم، فيجب البدء بالأساسيات والتمرين عليها بشكل يومي ولمرات عدة حتى الإتقان، وفيما يأتي خطوات لعلاج مشكلة فقدان التركيز:

1. التدريب على استخدام مهارة التركيز:

جاء في كتاب (التركيز: مهاراتك الثمينة للإبداع) تمرين لكيفية التدريب على التركيز، وهو عبارة عن خمس خطوات سوف تساعد الشباب على التدرب على اكتساب مهارة التدريب، وهذه الخطوات باختصار:

  • تمرين التركيز يبدأ بعزل نفسك والابتعاد عن مسببات التشتت (غرفة هادئة دون أجهزة هاتف وتلفاز وبإضاءة جيدة وألوان مريحة).
  • اختيار مهمة سهلة في المرة الأولى (مهمة أثبتت نجاحها لدى معظم الناس) مثل كتابة جملة (أنا جيد في التركيز)، فكررها مرات عدة حتى يتخذها عقلك الباطن حقيقة إيجابية.
  • ضبط المنبه وتوكيل عقلك بالمهمة المطلوبة والتركيز عليها دون غيرها، كما تجدر الإشارة إلى أنَّ التركيز هنا يكون بإعطاء المهمة كامل انتباهك وليس بالتوتر أو التحديق أو شد الجسم وغير ذلك.
  • تجنُّب التفكير بشيء آخر غير المهمة التي تقوم بها، فإذا حدث ذلك، فتدرَّب على وقف التفكير والعودة إلى مهمتك الأساسية، ويجب عليك الاعتياد على أن تقول "لا" للفكرة التي لا تريد التفكير بها، وأن تعود بسهولة إلى عملك الأساسي.
  • تطبيق التمرين على المهام اليومية.

شاهد بالفديو: 10 نصائح لتهدئة ذهنك وتصفيته

2. تحديد الأهداف والأولويات:

قد يساعد تحديد الأهداف وتحديد أولوياتها على توجيه الجهود وترتيب المهام بشكل مناسب، وهذا يقلل من التشتت ويسهم في تحسين التركيز.

3. تنظيم الوقت:

يسمح تطبيق جدول زمني بتخصيص وقت محدد للمهام المختلفة، وهذا قد يساعد على زيادة الإنتاجية وتحسين التركيز.

4. ممارسة التركيز الذهني:

يمكن تحسين التركيز من خلال ممارسة التمرينات الذهنية من خلال الألعاب الذهنية والتدريبات التي تعزز التركيز والانتباه، مثل لعبة الألغاز (السودوكو، والكلمات المتقاطعة)، ولعبة ذاكرة الصور، وتمرينات الأرقام والتسلسلات، وتمرينات التحليل اللفظي، ولعبة تعزيز التركيز البصري (تحديد الاختلافات بين الصور)، وحل الألغاز اللفظية أو لعبة تكملة الجمل، وتمرينات التفكير الإبداعي، وتحدي البحث عن الكلمات في شبكة من الحروف.

5. الاسترخاء وممارسة التأمل:

تساعد تقنيات الاسترخاء والتأمل على تهدئة العقل وتحسين القدرة على التركيز مثل التنفس العميق، والاستماع للموسيقى المهدِّئة، وتمرينات اليوغا، والتخيل الذهني.

6. الحفاظ على نمط حياة صحي:

النوم الكافي، والتغذية المتوازنة، وممارسة الرياضة بانتظام التي تعزز تدفق الدم إلى الدماغ وتعزز إفراز الهرمونات الهامة للتركيز والاستيقاظ، والمحافظة على الترتيب والتنظيم، وتقليل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون والألعاب الإلكترونية، وشرب الماء بكميات كافية، والاستراحة والاستجمام، جميعها ضرورية في دعم الصحة العقلية وتحسين التركيز.

7. تجنُّب المشتتات:

تجنَّب العوامل التي تسبب تشتت الانتباه مثل الأجهزة الإلكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعي عندما لا تكون ضرورية لإنجاز مهمة ما، وحاول إبقاء الهاتف المحمول بعيداً عن متناول اليد.

8. البحث عن مساعدة متخصصة:

في حالة استمرار صعوبات التركيز، قد تكون الاستعانة بمحترفي الصحة النفسية مفيدة، فقد يقدِّمون استراتيجيات وأدوات أخرى تساعد على تحسين التركيز.

إقرأ أيضاً: اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط، والفرق بينهما

مزايا استخدام مهارة التركيز وإتقانها:

  1. قد يزيد التركيز الجيد من إنتاجيتك في العمل أو في الدراسة، فعندما تتمكن من التركيز بشكل أفضل على المهام، يمكنك إنجاز مزيد من المهام في وقت أقل.
  2. تساعد مهارة التركيز على تحسين الأداء في مختلف المجالات.
  3. زيادة الثقة بالنفس.
  4. زيادة الفهم، عندما تكون قادراً على التركيز بشكل كامل، يمكنك فهم المعلومات بشكل أفضل وأعمق، وهذا يساعد على اتخاذ قرارات أفضل.
  5. تحسين الذاكرة، قد يسهم التركيز الجيد في تعزيز الذاكرة والقدرة على استرجاع المعلومات بسهولة.
  6. التعامل مع التحديات، تمنحك مهارة التركيز القوة للتعامل مع التحديات والضغوطات بشكل أفضل.
  7. الاستمتاع باللحظة الحالية للفرد وتحقيق راحة البال والهدوء.
  8. تحقيق الأهداف، تساعدك مهارة التركيز على تحقيق الأهداف الشخصية والمهنية بفاعلية.

في الختام:

نقص التركيز عند الشباب مشكلة شائعة قد تؤثر تأثيراً كبيراً في الأداء اليومي والتحصيل العلمي والنجاح الشخصي، وتظهر أسبابه بأشكال متعددة، منها التداخل بين عوامل البيئة والعوامل النفسية، لكن يمكن تحسين التركيز والتغلب على تشتت الانتباه من خلال تطبيق استراتيجيات وتقنيات تشمل التمرين العقلي، وتنظيم الوقت، ونمط الحياة الصحي، وبمزيد من التفكير الإيجابي والالتزام بتطوير مهارة التركيز، يمكن للشباب تحقيق النجاح والتفوق في مختلف جوانب حياتهم وبناء مستقبل أكثر إشراقاً.




مقالات مرتبطة