ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب داريوس فوروكس (Darius Foroux)، ويُحدِّثنا فيه عن تجنب هدر حياتك.
لقد قرأت ذلك الكتاب على الأرجح خمس أو ست مرات، لكن عندما أعدت قراءته مرة أخرى منذ فترة، صدمني هذا السطر حقاً، فهل حقاً نضيع حياتنا عندما نطارد كلَّ هذه الأشياء؟
في خضم سعينا وراء الأمور، من السهل أن يتشتت انتباهنا لدرجة أنَّنا نغفل عن الأمور الهامة حقاً، فنضيع وقتنا في مطاردة الأشياء الخاطئة دون أن ندرك ذلك.
من الجيد تحديد الأهداف والسعي وراء بعض الأشياء في الحياة، ومع ذلك عليك أن تدرك أنَّك لا تحتاج إلى كلِّ ما تسعى إليه لتعيش حياة ذات معنى، وإليك السبب:
لا تحدد قائمة أهدافك هويتك:
عندما تعتقد أنَّ قيامك بأشياء مجنونة يجعل حياتك ذات قيمة، فإنَّك تخدع نفسك، فلا جدوى من الانتقال من هدفٍ إلى آخر فقط لكي تشطب هذه الأهداف من قائمتك وتتباهى بها أمام الناس.
إنَّنا نشتري معظم الأغراض ونحتفل ونعيش المغامرات ونسافر في الإجازات، وننتقل إلى مدن مختلفة ونبدل وظائفنا، لكن لا شيء يتغير داخلنا بعد أن نقوم بهذه الأشياء.
لا يعني ذلك أنَّه ينبغي ألا يكون لديك قائمة أهداف، لكن يجب أن ندرك أنَّنا نستطيع أن نعيش حياة ذات معنى دون هذه القائمة؛ لذا لا تضغط نفسك لكي تقوم بالأشياء؛ فحياتك ليست شعاراً تحفيزياً.
يمكنك أن تمتلك القليل جداً وتعيش سعيداً؛ فعندما تضع ذلك في الحسبان، يمكنك القيام بالأشياء التي تريدها حقاً دون الحاجة إلى تعليماتٍ تبين لك ما يجب أن تفعله، يقول الإمبراطور الروماني ماركوس أوريليوس (Marcus Aurelius): "لا تحتاج سوى إلى القليل جداً لتعيش حياةً سعيدة؛ عليك أن تجد ذلك في نفسك، وفي طريقة تفكيرك".
شاهد بالفيديو: 8 نصائح فعالة لإدارة الوقت وتحقيق الإنجازات
لا يحدد وضعك الاجتماعي هويتك:
إنَّ الشهادة الجامعية والمسمى الوظيفي وعدد الأصدقاء والمتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي كلَّها معايير نستخدمها لتقييم أنفسنا؛ لأنَّنا بطريقةٍ ما نشعر بحاجة إلى تحديد مكانتنا في المجتمع.
إنَّنا نفعل تلك الأشياء فقط لملء سيرتنا الذاتية وتعزيز شبكتنا الاجتماعية؛ إذ نريد أن نتباهى بأنَّنا درسنا في تلك الجامعة أو عملنا في تلك الشركة، لكن هل أنت شخصٌ منتصرٌ أو منهزم؟ هذا هو السؤال الأهم.
بصرف النظر عن وضعك الاجتماعي، فإنَّك لست أفضل من أيِّ إنسان آخر، فلم نعد نعيش في الماضي، ولم يعد أحد يهتم بوضعك الاجتماعي؛ بل يهتم الناس بشخصيتك ومهاراتك.
لا تحدد أموالك هويتك:
لنكن صادقين، المال هو وسيلةٌ رائعة ودونها لا يمكنك فعل الكثير، وإذا كنت ترغب في الابتعاد والعيش في الغابة وتحقيق الاكتفاء الذاتي، فلا تتردد في القيام بذلك، لا أحد يوقفك، لكن إذا أردت أن تكون جزءاً من المجتمع، فإنَّك بحاجةٍ إلى المال للبقاء على قيد الحياة؛ لكنَّ المشكلة هي أنَّنا نعطي المال قيمةً أكبر ممَّا ينبغي، ونترك المال يحكم قرارات حياتنا، وهذا خطيرٌ للغاية.
الحقيقة هي أنَّ المال يأتي ويذهب، وإن خسرت مالاً كثيراً في حياتك، فلا تحزن؛ إنَّ المال مجرد سلعة، فلا تدعه يحكمك، يقول الروائي الأمريكي هنري ميلر (Henry Miller): "ليس لدي مال ولا موارد ولا آمال؛ لكنَّني أسعد رجل على قيد الحياة".
توقف عن السعي الأعمى:
إذا كنت دائماً تطارد الأشياء التي تعتقد أنَّها ستجعلك في النهاية سعيداً، فستنتهي حياتك في غمضة عين، بخلاف ما يعتقده معظمنا، حياتنا طويلةٌ بما يكفي، كما قال الفيلسوف سينيكا (Seneca): "إنَّ الحياة طويلة بما فيه الكفاية، إذا أحسنت عيشها"، لكن إذا أردنا أن نعيش حياةً جميلة، فعلينا أن نتعلم كيف نستمتع بأوقات فراغنا ونعيش اللحظة الحالية.
هل سبق لك أن مررت بيوم شعرت فيه أنَّ لا وجود للوقت؟ عندما تكون منغمساً تماماً في اللحظة الحالية، يتحرك الوقت ببطء شديد بصرف النظر عمَّا تفعله، إذا أوليته اهتمامك وانتباهك الكامل، فإنَّك لا تضيع حياتك، ومن ناحيةٍ أخرى، هل قلت يوماً: "لا أصدق أنَّ عاماً كاملاً قد مرَّ"، غالباً ما نقول ذلك في اليوم الأخير من السنة، أو في ذكرى ميلادنا.
أنت تملك القدرة على كبح عجلة الوقت، سواء سمينا هذه العملية تركيزاً أم حضوراً ذهنيَّاً أم يقظةً ذهنية، فاستثمر قدرتك هذه، فكلُّ ما عليك فعله هو أن تعيش اللحظة الحالية، خالية من القلق والتوتر والأحلام الفارغة، وعندما تفعل ذلك، ستكون الحياة طويلةً بما يكفي ولن يمر الوقت في غمضة عين، إنَّك تُهدر حياتك فقط إذا كنت مشتتاً جداً؛ لأنَّك عندها لن تستطيع عيشها.
في الختام:
في أعماقنا نعلم جميعاً أنَّ وقتنا في هذه الحياة محدود، كما نعلم أنَّ معنى الحياة لا يكمن في كسب المال أو في وظائفنا أو في منشوراتنا على وسائل التواصل الاجتماعي.
تلك الأشياء مثل التواصل والتجارب الجديدة والمحبة والعلاقات والتشارك والاهتمام بالآخرين هي الأشياء التي نقدرها جميعاً، كلُّنا نعرف ذلك؛ لكنَّ الأمر لا يتعلق بما نعرفه بل بما نفعله؛ لذا اعمل على تحسين شخصيتك، واعلم أنَّ الحياة هدية، واستمتع بكلِّ لحظة فيها جيدةً كانت أو سيئة.
أضف تعليقاً