طبعاً، التعامل مع كلِّ هذا ليس أمراً سهلاً، بل إنَّه فن بحدِّ ذاته وأسلوب لإدارة حياتنا، ولهذا يسمى بفن إدارة الضغوط النفسية، فما هو إذاً هذا الفن، وكيف يمكن استخدامه لمواجهة الضغط النفسي الذي نعاني منه يومياً؟ هذا ما سنتكلم عنه بالتفصيل فيما يلي:
ما هو الضغط النفسي؟
الضغط النفسي: هو موقف يتعرض له الشخص وينتج عنه مشاعر يتطلب التعامل معها استخدام قدراته الشخصية والاجتماعية ليستطيع التكيف مع التغيرات والتبدلات التي يحدثها هذا الموقف، فهو إذاً مواقف وخبرات شعورية تفوق قدرة الشخص على الاحتمال ولكنَّه مجبر على إيجاد طريقة للتعامل معها والسيطرة عليها، فالضغط النفسي حالة من التمزق العقلي والجسدي تصيبنا في أثناء محاولتنا النجاح في حياتنا.
الظروف الاجتماعية الصعبة، والتزامات العمل، وانتشار الأوبئة، والمرض، والحروب، والفقدان، وغيرها الكثير من المواقف السيئة التي يُطلَق عليها اسم الضغوطات النفسية وهي في الحقيقة ليست كذلك، فهذه المواقف هي محفزات الضغط النفسي، والضغط النفسي هو ردة فعل الجسم تجاه الأحداث والمواقف التي ذكرناها، وأخيراً يمكن القول إنَّ الضغط النفسي هو استجابة تلقائية يقوم بها الجسم لمواجهة الخطر الذي يُحسُّ به، ويُعَدُّ الأدرينالين وهرمونات الضغط الأخرى مسؤولةً عن هذه الاستجابة التي تؤدي بدورها إلى مجموعة من المتغيرات في فيزيولوجية الجسم.
لا يتأثر جميع الناس بالظروف المحيطة والعوامل الخارجية بالدرجة نفسها، فالظروف والعوامل التي تُعَدُّ ضاغطةً عند بعض الناس يمكن أن تكون عاديةً عند بعضهم الآخر، ويرجع هذا إلى شخصية الإنسان وظروف نشأته والعوامل الاجتماعية التي أدَّت دوراً في هذه التنشئة، فما يستطيع إنسان تحمُّله ليس مقياساً لقدرة تحمُّل شخص آخر.
أنواع الضغط النفسي:
تختلف أنواع الضغط النفسي حسب العامل المسبب له:
- الضغط النفسي الحاد: هو ردة فعل الجسم الفورية تجاه عامل الخطر، وتكون استجابة الجسم في هذا النوع آنيةً وقوية وهائجة أحياناً، وغالباً ما يحدث هذا الضغط بسبب عوامل جديدة أو قصيرة الأمد كالضغط الذي نحسُّه قبل مقابلات العمل، أو بعد الحصول على مخالفة ما، ويسبِّب هذا النوع من الضغوط في بعض الأحيان مشكلات صحية وعقلية قد تكون شديدةً كالنوبات القلبية أو اضطراب الكرب بعد الصدمة، أو يسبِّب مشكلات أخف نوعاً ما كالصداع التوتري واضطرابات النوم، وتجدر الإشارة إلى أنَّ الضغط النفسي الحاد إذا كان بسيطاً، قد يكون محفِّزاً ومنشِّطاً ولا يصبح مشكلةً حقيقية إلا عند تراكم هذه العوامل وتكرارها.
- الضغط النفسي المزمن: هو الذي يحدث نتيجةً لوجود عوامل ضغط لفترة طويلة، وتكون الاستجابة فيه أكثر من الضغط النفسي الحاد، والمشكلات التي يسببها أكبر، كما يؤدي إلى اضطرابات النوم ومشكلات أخرى كالصداع.
شاهد بالفديو: 7 مؤشرات تدلّ على أنّك تحت ضغط نفسي شديد
أسباب الضغط النفسي:
فن إدارة الضغوط النفسية ليس علماً أو مادةً تُدرَس في المدارس؛ بل هو طريقة شخصية للتعامل مع الأزمات والمواقف الحياتية المختلفة، وتظهر فيه لمسة وبصمة الإنسان وطريقته في الثبات والتأقلم مع المواقف الصعبة، كما أنَّه فن يساعدك على إعادة التفكير بالأشياء تفكيراً مختلفاً، ويساعدك على ضبط نفسك ويمنعك من الانسياق وراء كل فكرة تراودك، أو التأثر بكل موقف تمرُّ به أو كلمة تُقال لك.
وحتى تتمكن من إدارة الضغوط النفسية التي تعاني منها وتتعامل معها معاملةً مناسبةً، لا بُدَّ في البداية من التعرُّف إلى أسباب هذه الضغوط وفهمها جيداً، فالضغوط النفسية إما أن تكون ناتجةً عن محفزات داخلية، ومن ثمَّ تكون متعلقةً بشخصية الفرد نفسه وتكون ناتجةً عن ضعف مقاومته الداخلية، فهي بالتالي صراع بين العاطفة والعقل، أو تكون نتيجة الرغبة في النجاح التي يقابلها ضعف الإمكانات المتاحة، ويمكن تلخيص هذه المحفزات الداخلية بما يلي:
- المشاعر والأحاسيس التي تنتابك، والأفكار التي تدور في رأسك.
- المخاوف التي تختلف من شخص لآخر، فقد تكون خوفاً من الفشل عند بعض الناس، أو من الطيران عند بعضهم الآخر.
- فقدان السيطرة: وينتج عن هذا العامل الضغوط التي تنتابك عند انتظار نتيجة الامتحان أو نتيجة تحاليل طبية، فالخوف من المجهول محفز كبير للضغط.
- أفكارك عن نفسك وتوقعاتك ومعتقداتك عن عمل ما تريد القيام به، كالتوقعات التي نبنيها على نجاح حفل ما نقيمه.
وهناك أيضاً الضغوط الخارجية التي تنتج عن محفزات خارجية وتتمثل في عدم قدرة الشخص على التعامل مع المواقف التي يتعرض لها في حياته اليومية وفي أثناء تفاعله مع محيطه ومن هذه المحفزات الخارجية:
- التبدلات التي تطرأ على ظروف المعيشة: هذه التبدلات إما أن تكون إيجابيةً كتلك التي تحدث عند الزواج أو الترقية في العمل، أو عند الانتقال إلى مكان سكن جديد، أو قد تكون سلبيةً كما يحدث عند وفاة أحد الأقرباء أو الطلاق.
- البيئة: الأشياء التي تحدث في البيئة المحيطة بالشخص قد تكون سبباً للضغوط النفسية؛ كالضجيج الذي يحدثه الجيران مثلاً، أو نباح كلاب لا يتوقف، أو حتى وصول ضيف مفاجئ.
- مكان العمل: نتيجةً للعبء الكبير في العمل وقد يكون هذا العبء ناتجاً عن الانشغال الشديد أو نتيجةً لطلبات المدير التي لا تنتهي، أو قد تكون بسبب التهميش والتجاهل وعدم التقدير.
- عوامل اجتماعية: كالتعرُّف إلى أشخاص جدد، أو الذهاب في موعد، أو الضغط الذي يحدث نتيجةً للمشاحنات والمشكلات العائلية، فضلاً عن الضغوط الحاصلة بسبب ضرورة الالتزام بما تريده العائلة وما تفرضه من سلوكات وتصرفات وعادات؛ كطريقة اللباس أو الكلام وحتى الزواج والدراسة.
استراتيجيات التعامل مع الضغط النفسي:
إذا كان الضغط النفسي داخلياً، فيمكنك اتباع الخطوات التالية لإدارته والتخفيف من أثره فيك:
- غيِّر أفكارك: الأفكار والمعتقدات تلازمنا لفترة طويلة، وعلى الرغم من ذلك يمكن تغييرها، ولكنَّ هذا التغيير ليس أمراً بسيطاً وسهلاً، ولا يحدث بين ليلة وضحاها؛ بل يتطلب منك جهداً حقيقياً، فعليك إعادة صياغة أفكارك وترتيبها والابتعاد قدر الإمكان عن الأفكار السلبية والمؤذية.
- تحدَّث مع أصدقائك وشارِكهم مخاوفك، وأخرِج ما في داخلك أمامهم وحدِّثهم عن أي ظرف صعب تمرُّ به، ففي أغلب الأحيان يكون لمشاركة المشكلات مع الأشخاص المقربين أثر إيجابي في النفس.
- تعلَّم طرائق الاسترخاء والتركيز؛ كممارسة اليوغا أو التنفس بعمق أو الاستماع للموسيقى وغيرها من الأمور التي تعدِّل المزاج وتُخرج الطاقة السلبية من جسدك.
أما إذا كانت الضغوط النفسية التي تعانيها ناتجةً عن محفزات خارجية، فيمكن اتباع ما يلي لتخفيفها:
- اتباع نظام صحي ونمط غذائي جيد والحصول على ساعات نوم كافية؛ لأنَّ هذا من شأنه زيادة قدرتك على التحمل ويُخفف من توترك.
- يمكنك طلب المساعدة من الآخرين للتخفيف من الأعباء المفروضة عليك، أو لمساعدتك على حلِّ المشكلات التي تعاني منها.
- تنظيم الوقت: كثير من الضغوط تنتج عن تراكم العمل، وهذا ما يحدث بسبب عدم تنظيم الوقت وإضاعته، كما يجب عليك مواجهة المشكلات بالفكاهة وعدم المبالغة بالتأثُّر والانفعال، والأهم من كلِّ ذلك، لا تضيِّع وقتك وطاقتك في نشاطات وزيارات وأمور لا ترغب فيها، فكن حاسماً وافعل الأشياء التي تحبها، وتعلَّم من أجل ذلك الاعتذار عن الزيارات المفاجئة أو الأعمال التي تُفرَض عليك وأنت لا تحب القيام بها.
نصائح عامة للتخفيف من الضغط النفسي:
- الوعي: يجب تحديد سبب الضغط النفسي الذي نعانيه حتى نتمكن من إيجاد طريقة مناسبة للتعامل معه ومواجهته، فيمكن كتابة أسباب الضغط النفسي على ورقة وهذا يساعد مساعدة كبيرة على تنظيم الأفكار، كما يسهل التعبير عن المشاعر.
- التقبُّل: لا يجب علينا أن نبالغ في مشاعرنا أو أن نعطيها أكبر من حجمها، وأيضاً لا يجب تجاهلها وإهمالها؛ بل يجب علينا تقبُّل القلق والتوتر الذي نعانيه وأن نتعامل معه تعاملاً صحيحاً ومناسباً، وأكثر الأسباب التي تؤدي إلى القلق والتوتر، هو التفكير الزائد والانغماس في كلِّ فكرة تخطر في بالنا، وهذا بالتحديد ما علينا إيقافه، فعلينا أن نأخذ نفساً عميقاً ونحاول تخطِّي كل فكرة سلبية وسيئة تخطر في بالنا.
- أن تكون متسامحاً: لا يجب أن تثقل كاهلك بأخذ مواقف لا داعي لها؛ بل يجب أن تكون متسامحاً، وتجعل علاقاتك جيدةً مع الجميع.
- الإيجابية: تواصل مع ذاتك، وتحدَّث معها دائماً وفكِّر في أنَّ كلَّ الأمور ستصبح بخير في النهاية، وأنَّ تجاوز المواقف الصعبة ليس أمراً صعباً؛ باختصار، فكِّر بإيجابية دائماً وابحث عن نافذة جديدة يمكنك النظر من خلالها نظرة مختلفة.
- الاستمتاع بحياتك: يمكنك تخصيص وقت لممارسة الرياضة، فالرياضة تساعدك على التخفيف من ضغوطاتك النفسية وتحسِّن مزاجك وصحتك وتزوِّدك بالطاقة الإيجابية التي تحتاج إليها؛ لذا مارِس هواياتك وافعل الأشياء التي تجعلك سعيداً، وابتعِد عن الأشخاص الذين يسببون لك التوتر ولا تشاركهم بأي نشاطات ترفيهية.
- التركيز على الحاضر: لا تعِش في الذكريات ولا تنغمس بأفكارك عن المستقبل؛ بل ركِّز على لحظتك وعِش في واقعك.
- وضع أهدافاً واقعية: لا تضع أهدافاً تفوق طاقتك وقدرتك؛ لأنَّ هذا سيشعرك بالإحباط في حال الفشل؛ لذلك ضع أهدافاً واقعية وقابلة للتنفيذ ومناسبة لقدراتك فهذا سيجنبك الكثير من الضغوطات.
- أخذ نفسٍ عميق: تعلَّم كيف تتنفس بعمق لتصل إلى التوافق الانفعالي والعقلي والجسدي، فمن شأن هذا مساعدتك على الاسترخاء، ويُمكِّنك من تجديد طاقتك وهذا سرٌّ من أسرار فن إدارة الضغوط النفسية.
في الختام:
الضغوط النفسية إذاً أمرٌ لا بُدَّ أن نعانيه، فهو جزء من حياتنا؛ ولكنَّ هذا لا يعني الاستسلام له وجعله يتملَّكنا ويؤثِّر في طريقة وأسلوب حياتنا؛ بل علينا أن نجد وسيلةً مناسبةً للتعامل معه والتخلص منه، فمن الضروري أن نعرف أنَّ هذه الضغوط والأزمات والمواقف التي تواجهنا عند تراكمها ستؤدي إلى حالة من الانفجار أو فقدان السيطرة أو الانهيار العصبي، وقد تذهب بنا أبعد من ذلك لتقودنا إلى تصرفات وسلوكات مؤذية وعنيفة وهذا ما لا نرغب فيه بالتأكيد، وفي النهاية، سنختم بقول الدكتور "هانز سالي": "ليست الضغوط هي التي تهلكنا؛ بل ردة فعلنا تجاهها".
أضف تعليقاً