أسباب الشعور بالكآبة في فصل الشتاء وكيفية التعامل معها

إذا كانت الأمسيات المظلمة وتساقط أوراق الخريف تثير بداخلك إحساساً طفيفاً بالتوتر، فأنت لست الوحيد الذي يشعر بذلك؛ حيث يعاني الكثيرون منا مع حلول فصل الشتاء من "اضطراب عاطفي موسمي" (SAD)، والذي يمكن أن يتسبب بوجود اكتئاب مزاجي وفقدان الاهتمام بالأشياء التي تستمتع بها عادة وتغييرات في مواعيد النوم واضطرابات في الشهية.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الصحفية ومساعدة التحرير في منصة "تيد" (TED) "ماري هيلتون" (Mary Halton)، والتي تُحدِّثنا فيه عن تجربتها في التعامل مع مشاعر الكآبة الموسمية.

توضِّح "كاثرين روكلاين" (Kathryn Roecklein)، الأستاذة المساعدة في علم النفس في "جامعة بيتسبرغ" (University of Pittsburgh) التي تدرس هذه الحالة، أنَّه على الرغم من أنَّنا قد نفكر في الأمر على أنَّه محنة بحد ذاته، إلا أنَّه يتم تصنيف "الاضطراب العاطفي الموسمي" (SAD) في الواقع على أنَّه اضطراب ثنائي القطب أو اضطراب اكتئابي كبير، ولكن بنمط موسمي؛ وهذا يعني أنَّ الأشخاص الذين يعانون منه يشعرون بسوء شديد في الخريف والشتاء، وهم متوازنون نسبياً أو ربما يكونون نشيطين في أشهر الصيف.

تقول "روكلاين": "الاكتئاب بحد ذاته عرضي إلى حد ما، وستشعر به فترة، ثم يختفي، والفارق مع "الاضطراب العاطفي الموسمي" (SAD) هو التكرار الموسمي"، كما يبدو أنَّ هذا الاضطراب (SAD) هو أكثر شيوعاً بين النساء بمرتين إلى أربع مرات.

على الرغم من أنَّنا نبذل جهوداً أكبر كمجتمع للاعتراف بأهمية صحتنا الذهنية، يمكن أن يكون من المغري رفض "الاضطراب العاطفي الموسمي" (SAD) على أنَّ تأثيره بسيط وناتج عن "كآبة الشتاء" ومحاولة التقدُّم في الحياة كالمعتاد، ولكنَّ أفضل نهج، كما تقول "روكلاين" هو قبول وإدراك أنَّه شيء قد نعاني منه حقاً، ونحتاج إلى معالجته، تماماً كما نفعل مع أمراض القلب أو السكري.

لماذا يسبب لنا الشتاء "الاضطراب العاطفي الموسمي" (SAD)؟

تبدأ قصة "الاضطراب العاطفي الموسمي" (SAD) بإيقاع الساعة البيولوجية لدينا؛ ساعتنا الداخلية التي تخبرنا متى نأكل وننام ونستيقظ، ونحن نحاول غالباً عدم التفكير كثيراً في هذا النظام إلا إذا بقينا مستيقظين لوقت متأخر في الليل بشكل غير متوقع، أو كنا في رحلة جوية طويلة، لكنَّ أستاذة "علم الأحياء الزمني" (chronobiologist) "إميلي مانوجيان" (Emily Manoogian) تقول إنَّ له دوراً أكثر أهمية بكثير.

تقول "مانوجيان" التي تبحث في إيقاعات الساعة البيولوجية في "معهد سالك للدراسات البيولوجية" (Salk Institute for Biological) في "كاليفورنيا" (California): "يرتبط نظام الساعة البيولوجية ارتباطاً مباشراً بكيفية عمل دماغنا، وهذا يؤثر في قدرتنا المعرفية وسلوكنا ومزاجنا وقدرتنا على تذكُّر الأشياء.

يُعَدُّ نظام الساعة البيولوجية هاماً للتأكد من أنَّه يتم التنسيق بين جميع أجزاء الجسم والعقل بالطريقة التي ينبغي أن تكون بها وأنَّ كل شيء متوازن، ونحن نعلم أنَّ الاضطراب اليومي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بكل شكل من أشكال الاضطراب العاطفي، مثل الاضطراب الاكتئابي الرئيس والاضطراب ثنائي القطب وما إلى ذلك".

تزايُد الظلام في فصلي الخريف والشتاء هو أمر عاشه البشر في معظم أنحاء الكوكب لآلاف السنين، لكنَّ تقدُّمنا ​​التكنولوجي - على وجه الخصوص؛ الضوء الاصطناعي - يتداخل مع هذا الحدوث الطبيعي؛ حيث يُعَدُّ الضوء أحد أقوى المحفزات لأنظمتنا اليومية، ومنذ ظهور الكهرباء، تتلقى أجسادنا الكثير من الرسائل المختلطة.

وتشرح "مانوجيان": "هذه البيئة التي أنشأناها معطَّلة بطبيعتها؛ فهي لا تضيء وتنطفئ في وقت ثابت للسماح بالراحة المناسبة لجسمنا، لكنَّها تضيء عندما نحتاج إلى أن نكون مستيقظين للعمل في بعض الأيام، ثم تنطفئ في وقت لاحق في أيام أخرى، ويخلق هذا نوعاً من اضطراب الرحلات الجوية الطويلة الاجتماعية (jetlag)؛ وسيؤدي ذلك أيضاً إلى زيادة الصعوبة في النوم، ويمكن أن يضر بالصحة مع مرور الوقت".

وتقول "مانوجيان" التي هي أيضاً ليست من محبي التوقيت الصيفي: "إنَّه يغير مقدار تعرضنا لأشعة الشمس في وقت لاحق من اليوم، ومن ثمَّ يغيِّر ساعاتنا البيولوجية، ففي الصيف، نحصل على أشعة الشمس في وقت متأخر أكثر مما ينبغي، وعندما تكون الأيام أقصر، نبقى مستيقظين في الظلام، ولكنَّ المشكلة هي أنَّه لا يزال يتعين علينا أن نبدأ العمل أو الذهاب إلى المدرسة في الوقت نفسه؛ وهذا يعني أنَّ جداولنا الزمنية وأجسادنا ستختلف؛ مما يؤدي إلى تعطيل النظام الإيقاعي".

على الرغم من عدم وجود دليل يربطه مباشرة بالاضطراب العاطفي الموسمي، فمن المعروف أنَّ التوقيت الصيفي مزعج للجميع على نطاق واسع، وربما يرتبط أيضاً بالمخاطر الصحية القلبية، وهناك جهود متزايدة للتخلص من التبديل الزمني مرتين سنوياً في العديد من المقاطعات الكندية؛ حيث تلتزم بعض الدول بالوقت نفسه طوال العام، ويُنظَر في مقترحات مماثلة في دول أخرى حول العالم.

ماذا تستطيع أن تفعل حيال الاضطراب العاطفي الموسمي؟

يعتمد علاجك جزئياً على شدته كما هو الحال مع أي اضطراب، فإذا كان "الاضطراب العاطفي الموسمي" يعطل حياتك تعطيلاً كبيراً، أو يجعلك تشعر كما لو أنَّ الحياة لا تستحق العيش بعد الآن، فمن الهام للغاية بالنسبة إليك التواصل مباشرةً مع اختصاصي الصحة الذهنية الذي يمكنه دعمك.

تقول "روكلاين" (Roecklein): إنَّ خيارات العلاج الفعالة تشمل تناول الأدوية، وتلقِّي العلاج السلوكي المعرفي المصمَّم خصيصاً لعلاج "الاضطراب العاطفي الموسمي" (SAD)، أو استخدام مصباح (SAD) الذي يوفر كمية ضوء أكبر من الإضاءة العادية في الأماكن المغلقة، ولكن يجب استكشافها تحت إشراف متخصص.

إذا كنت تتساءل عمَّا يجب فعله لأنَّك اشتريتَ بالفعل مصباحاً، تقول "روكلاين": إنَّه قد تكون هناك آثار جانبية، والأثر الأكثر احتمالاً أنَّك ستشعر أنَّه غير فعال؛ وهذا لا يعني أنَّه لا يمكن أن يكون العلاج المناسب لك إلى جانب التوجيهات المهنية.

على سبيل المثال: يمكن أن تستخدمه في أوقات خاطئة أو لمدة غير صحيحة، وفي المقابل، يُعَدُّ الهوس من الآثار الجانبية النادرة جداً ولكن الهامة لسوء الاستخدام، ومع ذلك، هناك بعض الأشياء السهلة نسبياً التي يمكنك القيام بها لدعم إيقاعاتك البيولوجية في الحياة اليومية، وعلى الرغم من أنَّ هذه العلاجات ليست مضمونة للاضطراب العاطفي الموسمي، فإنَّها يمكن أن تساعد على منح جسمك إحساساً بالاستقرار بالروتين:

1. المحافظة على جدول زمني ثابت، خاصةً في أثناء العمل من المنزل:

تقول "مانوجيان" لا يحتاج الأمر إلى أن يكون جدولاً صارماً ومخططاً له بإضافاتٍ مدتها 10 دقائق؛ بل يتعلق الأمر أكثر بالحفاظ على المحفزات التي تلائم نظامك اليومي تقريباً عندما تتوقع حدوثها، فالتفاعلات الاجتماعية والغذاء هما إشارتان بيولوجيتان هامتان؛ لذلك إنَّ تنظيمك لأوقات الوجبات العادية والاستراحات؛ حيث يمكنك خلالها إجراء مكالمة هاتفية في أثناء المشي أو التحدث مع أفراد آخرين من منزلك، يمكن أن تساعد حقاً.

إقرأ أيضاً: كيف تحول شتاءك إلى موسم استشفاء

2. التمرين هو إشارة هامة أخرى:

تؤكد "مانوجيان" أنَّه من الصعب أن تبقى متحفزاً خلال فصل الشتاء بسبب القيود المرتبطة بالجائحة؛ لذا فإنَّ أي تمرين أفضل من عدم ممارسة الرياضة على الإطلاق، ومع ذلك، إذا اخترتَ ممارسة الرياضة في الخارج، فسوف يكون الصباح هو الوقت المناسب لجسمك للحصول على بعض الضوء الطبيعي الذي يحتاجه بشدة.

الوقت الوحيد الذي عليك أن تتجنب فيه ممارسة الرياضة، إن أمكن، هو قبل النوم مباشرة، فعندما تفعل ذلك، سيتلقى دماغك رسالة مفادها أنَّ الليل هو وقت النشاط بدلاً من الاستعداد للنوم.

إقرأ أيضاً: الرياضة وأهم فوائدها النفسيّة والجسدية

3. زيادة التعرض للضوء هو أمرٌ أساسي:

يُعَدُّ مقدار الضوء الذي نشعر به في أوقات مختلفة من اليوم أمراً هاماً؛ حيث إنَّ زيادة كمية الضوء التي تحصل عليها في الصباح مفيدة، في حين أنَّ زيادة التعرض للضوء في المساء يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية.

لذلك، إذا تغيَّر روتينك الصباحي من التنقل إلى العمل ساعة في السيارة أو في المواصلات إلى انتقال سريع من سريرك إلى مكتبك، فإنَّك تفقد الكثير من ضوء النهار الذي اعتدتَ تلقِّيه عندما تكون في أمسِّ الحاجة إليه، ويمكن أن يساعدك المشي في الصباح قبل أن تبدأ يومك، أو حتى الجلوس بالقرب من نافذة مشرقة في النصف الأول من يومك.

 يُعَدُّ تقليل التعرض للضوء في الليل، وجعل بيئة نومك مظلمة قدر الإمكان، ذات فائدة كبيرة أيضاً، كما توضح "روكلاين": "معظم علماء الأحياء وباحثي النوم الذين أعرفهم لديهم ظلال قاتمة ولا توجد أضواء ليلية في غرفهم، وليس لدينا حتى ساعات بشاشات مضيئة".

4. أنت لست الوحيد، فقد تكون جائحة كوفيد-19 قد جعلت اضطرابك العاطفي الموسمي أسوأ:

من الصعب فصل تأثيرات العوامل الخارجية مثل جائحة كوفيد-19 (COVID-19) والانكماش الاقتصادي المرتبط به والتأثيرات النفسية للمناخ السياسي الحالي، لكنَّ "روكلاين" لاحظت، على الأقل من بين الأشخاص في دراستها عن "الاضطراب العاطفي الموسمي" (SAD)، أنَّه يبدو هناك حالات أكثر لما يشير إليه علماء النفس باسم "الإدراك الاستباقي السلبي"؛ حيث يتوقع الناس باستمرار أن تكون الأمور أسوأ في السنوات التي تلي عام 2020 مقارنة بسنواتٍ أخرى.

كما تشير أيضاً إلى أنَّ مواجهة أحداث الحياة السلبية - مثل الفجيعة أو فقدان الوظيفة أو بعض التغييرات الرئيسة الأخرى التي تتطلب تعديلاً كبيراً - بالإضافة إلى انخفاض فرص النشاط الاجتماعي والبدني هي عوامل خطر إضافية للاضطراب العاطفي الموسمي.

لقد تأثرت جميع هذه المجالات في حياتنا بشكل كبير بفيروس كوفيد-19 (COVID-19)؛ لذلك تتوقع هي وزملاؤها ارتفاع خطر تعرُّض الأشخاص للاضطراب العاطفي الموسمي هذا العام.

ومع ذلك، قد يكون هناك جانب مشرق صغير واحد للوضع الحالي، ففي حين أنَّ الروتين هام جداً لأجسامنا، يمكن أن يكون يوم العمل العادي غير طبيعي جداً لأولئك الذين ليسوا أشخاصاً نشيطين.

وتشرح قائلة: "جدول يوم العمل التقليدي هو وقت زائف لا يستطيع الجميع الالتزام به؛ فإذا كنت تعمل من المنزل ولديك القليل من الحرية بشأن وقت العمل، فقد يوفر ذلك فرصة كبيرة جداً لك لتنسيق جدولك الزمني أكثر مع ساعتك الداخلية".

5. من الجيد في بعض الأحيان الاستمرار في التصفح:

تريد "روكلاين"، التأكيد على أنَّه على الرغم من أهمية الروتين، إلا أنَّنا نعيش أحداثاً ضخمة تتكشف أمام أعيننا مباشرة، وإذا كنا نرغب في بعض الأحيان في البقاء مستيقظين لبضع ساعات إضافية لنعرف أكثر أو نكون أكثر تواصلاً مع أشخاصٍ آخرين يعانون من الشيء نفسه، فهذا أمر جيد في الواقع.

تقول "روكلاين": "نحتاج أحياناً إلى رعاية أنفسنا من خلال التفكير في الأمور الإيجابية والسلبية في الحياة؛ لذلك قد تكون هناك بعض الليالي التي نبقى فيها مستيقظين حتى وقت متأخر وقد يكون التصفح خياراً نلجأ إليه لأسبابٍ وجيهة، ولكن في ليالٍ أخرى.

عندما نفكر في أكثر ما نريده لأنفسنا، مثل طاقة أفضل في الصباح، ومزاج أكثر إيجابية، ويقظة أفضل لاجتماعات منصة "زووم" (Zoom) التي لا نهاية لها، قد نكون أكثر حماسة لإيقاف تشغيل الأجهزة، وإيقاف التلفزيون، وخفت الأضواء؛ لذا افعل كل تلك الأشياء التي يمكن أن تساعدك على الاسترخاء، وامنح نفسك الفرصة لاتخاذ هذا القرار واتخذ القرار المناسب لك".

المصدر




مقالات مرتبطة