يعود ذلك إلى الدكتورة "كارول دويك" (Carol Dweck) التي ألَّفت كتاباً شهيراً يتحدث عن هذا المفهوم، وأحد الأمور التي تبرز في الكتاب هو أنَّ دويك تتحدث عن هذه العقليات باستخدام العديد من الأمثلة التي تستند إلى التعلم.
لا ضير في ذلك، لكن عندما نرى أمثلة حول عقلية النمو تتجاوز تعلُّم أمور جديدة، يمكننا أن نرى ما يعنيه أن تكون ناجحاً في الحياة.
ما هي عقلية النمو؟
قبل أن نخوض في التفاصيل ونطرح أمثلة عن عقلية النمو، من المنطقي مناقشة ماهية هذه العقلية.
سنجد بالعودة إلى كتاب دويك، أنَّها ناقشت عقليتين مختلفتين، هما العقلية الثابتة وعقلية النمو؛ حيث يعتقد أولئك الذين لديهم عقليات ثابتة أنَّ كل شيء، من السمات الشخصية إلى المواهب والذكاء هي أمور ثابتة، أو حتى موروثة؛ أما عقلية النمو فهي الاعتقاد بأنَّه يمكننا تطوير أساس جميع مهاراتنا عندما نُكرس الوقت والجهد من أجلها، وهذا بدوره يخلق حماساً للتعلم ومرونة في الأوقات الصعبة، مما يؤدي إلى النجاح على الأمد الطويل.
في حين أنَّ كل هذا يبدو واضحاً، إلا أنَّه ليس هو الحال دائماً، فبعد سنوات، عندما اكتسبت دويك المزيد من المعرفة حول هذا الموضوع، نظرت إلى كيفية تطبيق رسالتها، وكانت نتائج تطبيقها متواضعة أو أسوأ من ذلك.
ونظراً لأنَّ الطلاب والمعلمين على حد سواء يفكرون في التعلم والذكاء بطرائق مختلفة، فقد تؤثر الإجراءات المرتبطة بذلك على التعلم بالنسبة للجميع، للأفضل أو للأسوأ.
على سبيل المثال: أدى التطبيق السيء لهذه المعلومات إلى تطوير عقلية نمو خاطئة، وقد يكون هذا نتيجة مديح في غير محله من قِبل الآباء أو المعلمين، كأن يُقال "أنت ذكي جداً"، أو بسبب الاعتقاد بأنَّ النمو يتحقق فقط من خلال الجهد المكثف.
عندما عادت دويك إلى بحثها، أدركت أنَّ الأمر لا يتعلق دائماً بالجهد والثناء والمثابرة؛ حيث تتطلب عقلية النمو -إضافة إلى ما ذُكِر أعلاه- التعرفَ إلى مسببات العقلية الثابتة والتعامل معها أيضاً؛ فعندما نواجه تحديات أو نتعرض للنقد، قد نصبح دفاعيين أو نشعر بعدم الأمان، ممَّا يعيق نمونا، ولكن يدرك الأشخاص الذين يتمتعون بعقلية نمو أسباب ذلك ويعملون على تحديد ما يمكن تطويره وتحسينه.
والآن، وبعد أن كوَّنتَ فكرة عن عقلية النمو؛ سنقدم إليك 8 أمثلة عنها، ولكن ضع في اعتبارك أنَّ بعضها يحتوي على عقليات نمو ثابتة من أجل إظهار كيف يمكن لعقلية النمو أن تحل بعض المشكلات:
1. تقبُّل النقد:
كما ذكرنا سابقاً، قد يقودنا النقد إلى اتخاذ موقف دفاعي؛ ذلك لأنَّ عقولنا يمكن أن تُفسِّره على أنَّه انتقاص من شخصيتنا وهويتنا، ويمكن أن نخوض مثل هذه السيناريوهات بشتى الطرائق، ولكن من السيناريوهات الشائعة التحدثَ إلى رئيسنا أو مديرنا حول أدائنا.
في هذا السيناريو، سيكون مثال عقلية النمو هو المشاركة في تلك الأنواع من الاجتماعات بعقل منفتح وهادئ ومستعد لتقبُّل النقد البناء.
يوجد شيء واحد يجب أن تتذكره بشأن هذا الأمر وهو أنَّك أنت ورئيسك تقفان في صف واحد؛ لذلك كلما كان هناك حديث عن الأداء أو المجالات التي يمكن تحسينها، فاعلم أنَّ رئيسك في العمل يضع مصلحتك في عين الاعتبار وأنَّ هذه فرصتك للنمو والتعلم؛ فقد يجعلك هذا تؤدي أداءً أفضل في مهنتك.
2. الاضطلاع بمهام جديدة:
لا يجب أن تكون مهام جديدة على وجه التحديد، إذ يمكن أن يكون مساراً جديداً في حياتك أو عميلاً جديداً؛ مهما كانت الحالة فإنَّنا نميل إلى الشعور بالقلق عند الخروج من منطقة راحتنا للقيام بشيء جديد.
تتمثل العقلية الثابتة في هذا السيناريو بأن تقنع نفسك بأنَّه لا يمكنك إرضاء هذا العميل أبداً، أو أنَّ الأمور لن تسير على ما يرام بالنسبة لك على الإطلاق.
بينما تتجلى عقلية النمو بامتلاك الثقة في أنَّك ستنجح؛ وبأنَّك سترتكب الأخطاء بالتأكيد، لكنَّها ستشكل فرصةً ثمينة للتعلم.
3. تبادل الأدوار:
أحد أفضل الأمثلة عن عقلية النمو هو السماح لنفسك بتولي أدوار مختلفة، في حين أنَّه قد يكون مماثلاً للاضطلاع بمهام جديدة كما ذُكر أعلاه، ضع في اعتبارك أنَّ شخصاً ما يتبادل معك الأدوار؛ فإن كنت مديراً، ستضمن شغل أحد أعضاء فريقك ذي الرتبة الأدنى لهذا المنصب مؤقتاً.
يتيح لك هذا الفرصة لمواصلة صقل مهاراتك في مجال محدد بينما يبدأ الشخص الآخر في تطوير مجموعة مهارات جديدة.
4. الحرص على التعلم:
تُعدُّ هذه السمة أساسية لأي شخص يمتلك عقلية النمو؛ ومع ذلك، فهي مثال جيد يستحق الإشارة إليه، إذ يمكن أن يشمل مجالات أخرى من العمل والحياة.
على سبيل المثال، إذا كنت تتبنى هذه العقلية، فقد يغير ذلك من ترغب في قضاء الوقت معهم أو من تريد مشاركتهم حياتك.
فإذا كنت مديراً وتريد مجموعة أكثر تفاعلاً وتحفيزاً، فمن الهام أن يرغب موظفوك في الانتباه وتحسين مهاراتهم، وإذا كنت تريد علاقة أقوى وأفضل مع شريكك، فيجب أن يكون شخصاً يتعلم معك، ليس فقط في حياته المهنية ولكن في فهمه لنفسه وللعلاقة أيضاً.
عند تعيين أشخاص آخرين في فريقك، تأكد من حرصهم على تعلُّم أشياء جديدة.
5. الاستفادة من الفشل:
أنشأ "جاك ما" (Jack Ma) متجر التجارة الإلكترونية الناجح "علي بابا" (Alibaba)، وقصته تعد مثالاً رائعاً على عقلية النمو؛ حيث كان قد عانى بالفعل من قدر كبير من الفشل قبل أن يؤسس تلك الشركة.
لقد رسب في امتحانات دخول الجامعة ثلاث مرات، ورفضته جامعة هارفارد (Harvard) عشر مرات؛ ومن بين مجموعة من 23 متقدم لسلسلة مطاعم كنتاكي، كان هو الوحيد الذي رُفض، وعندما أنشأ متجر علي بابا، استغرق منه الأمر ما يقرب من 25 عاماً ليجعله ينطلق بنجاح.
لا يمتلك "جاك ما" عقلية النمو بسبب المرونة المذهلة التي يتمتع بها، ولكن بسبب انفتاحه على التعلم أيضاً، كما تعني حقيقة أنَّه استمر في المثابرة وبذل الجهد أنَّه كان يتعلم في أثناء وقبل كل محاولة.
شاهد بالفيديو: 9 دروس عظيمة تعلمها الأشخاص الناجحون من الفشل
6. التكيّف ومواكبة العصر:
6. 1. درس من نايكي (Nike):
تُعد نايكي من أفضل شركات الأحذية الرياضية في العالم ولديها مجموعة من القيم الراسخة تتمثل في الابتكار والأداء الرائع والاستدامة والتخصيص. ونحن نرى ذلك من خلال الأحذية المختلفة التي يصنعونها؛ حيث يشعر العديد من العملاء بالرضا عن الأحذية التي يشترونها منهم.
تُشكل هذه الشركة مثالاً رائعاً عن عقلية النمو؛ فهي تتمسك بقيمها وتحافظ عليها باستمرار من خلال التكيف ومواكبة التطور؛ حيث تتغير أذواق الناس بمرور الزمن، وتُكتشف مواد أقوى وأفضل أداءً يمكن استخدامها لتصنيع أحذية عالية الجودة.
يجب على الشركة التي تريد المحافظة على أهميتها في السوق وإرضاء عملائها أن تتكيف وتستغني عن الأفكار والمفاهيم القديمة التي لم تعد رائجة؛ لذا يشبه هذا السلوك عقليات النمو التي تتطور باستمرار مع اكتساب المزيد من المعرفة.
6. 2. درس من نوكيا (Nokia):
على النقيض من نايكي، كان هناك وقت كانت فيه نوكيا قادرة على التكيف في سوق الهواتف المحمولة، وحقيقة أنَّ هواتفهم المحمولة كانت غير قابلة للكسر هو شيء يتذكره العملاء حتى يومنا هذا ويحبونه في هذه الشركة.
ومع ذلك، لم تكمن المشكلة في الطريقة التي صنعوا بها الهواتف؛ بل كانت في استعدادهم للتكيف؛ وفي حين يصعُبُ تحديد ما إذا كان الأمر يتعلق بالعناد، لكنَّ رفض التغيير أو التكيف هو من صفات أصحاب العقلية الثابتة؛ ونتيجة لذلك لم يعد بإمكان نوكيا السيطرة على السوق؛ حيث تفوق عليها كل من نظام "الأندرويد" (Android) وشركة سامسونج (Samsung) وآبل (Apple) ومايكروسوفت (Microsoft).
7. الانفتاح على التغيير:
يمكن العثور على مثال آخر لعقلية النمو بالنظر إلى شركة "بلوك باستر" (Blockbuster)، فعلى غرار نوكيا، أصبحت هذه الشركة في طي النسيان بعد أن استحوذت شركات خدمات البث -مثل نتفلكس (Netflix) وهولو (Hulu) وغيرها- على قطاع تأجير الأفلام والمسلسلات. وعلى الرغم من أنَّ "بلوك باستر" (Blockbuster) كانت لديها مشكلات أخرى أيضاً، إلا أنَّ رفض تغيير رسوم الإيجار هو ما أضرَّ بها.
يعود كل هذا إلى امتلاك عقلية ثابتة ويقدم مثالاً لما يمكن أن يحدث عندما نرفض النمو والتكيف؛ فرفض التغيير في عالم يتطور كل يوم يعني أنَّك ستتخلف عن الركب حكماً.
8. توسيع مجال العمل واستكشاف مسارات جديدة:
تتمحور عقلية النمو حول التجربة والقيام بأشياء جديدة، ولكنَّها تحتاج إلى تبنِّي موقف معين؛ فعندما يتمتع شخص ما بعقلية ثابتة ويعمل جيداً في مسار معين، يميل إلى التمسك بهذه المهمة ولا يكلف نفسه عناء التوسع في عمله.
نرى هذا في الأطفال عندما يفكرون: "أنا جيد في هذا الأمر؛ لذا سأستمر في القيام به حتى لا أخيب أمل أحد"؛ ولسوء الحظ، يمكن لهذه العقلية أن تستمر حتى نصبح بالغين، وقد نجد أنفسنا نرفض تغيير المسارات أو قبول مواقف جديدة.
في بعض الحالات، قد نكون سعداء بكل شيء في حياتنا، ولكن في حالات أخرى، قد يكون السبب هو التردد في تجربة شيء جديد. ومن ناحية أخرى، سيكون مثال عقلية النمو لهذا الأمر استكشاف أشياء جديدة وتجربتها بحرية؛ فكل مسار جديد يجلب المزيد من الخبرة.
في الختام:
الآن بعد أن أصبح لديك بعض الأمثلة المحددة لعقلية النمو، ستتمكن من الانخراط بشكل أفضل فيها، وليس هذا فحسب؛ بل يمكن لهذه الأمثلة أن تُلقي الضوء على المكان الذي قد تقودنا إليه القرارات الجديدة أو على المكان الذي قيدتنا فيه القرارات السابقة.
وبغض النظر، ما يهم للمضي قدماً هو أنَّنا ننمو ونتكيف بأفضل ما نستطيع، وأهم شيء في النهاية، ألا نتوقف عن التعلم أبداً.
أضف تعليقاً