ففي هذا المقال لن نتحدَّث عن العادات التي من المعروف أنَّها تضر بالدماغ، مثل التدخين واحتساء المشروبات الكحولية، بل ما سنتحدَّث عنه هو عادات تبدو عادية ولذلك تقوم بها يومياً إلا أنَّها في الواقع تحمل كثيراً من الضرر لدماغك:
1. الخمول الفكري:
من أكثر الأمور التي يُستخف بها رغم ما تسبِّبه من ضرر للدماغ، هي عدم استخدامه؛ فالدماغ هو عضلة، وإن لم تستخدم عضلاتك ستصاب بالضمور، ووظيفة الدماغ هي التفكير، فالأفكار الخلَّاقة، أو المهارات الجديدة، واللغات المختلفة، والمحادثات الشيقة، والقراءة، أو التجارب الجديدة، وحل الألغاز والكلمات المتقاطعة، كلها تساعد على تحفيز دماغك، وتحسين اللدونة العصبية التي تشير إلى قدرته على التكيُّف.
كيف تتخلَّص من هذه العادة؟
تثبت الأبحاث أنَّ تمارين الدماغ لها تأثير إيجابي في قدراتنا المعرفية؛ لذلك ابدأ حالاً وفكِّر في تمارين يمكنك أداؤها لتدريب دماغك، مثل: قراءة كتاب جديد عن موضوع لست على دراية به، أو تعلُّم لغة جديدة، وسيكون مفيداً أن تقوم بشيء ترغب فيه كثيراً، لكنَّك تتردد في ذلك كل مرة.
2. إدمان الهواتف الذكية والحواسيب وجميع أنواع الشاشات الرقمية:
كل التكنولوجيا الحديثة من حواسيب وهواتف ذكية وأجهزة لوحية مصمَّمة لتجعلك مدمناً على استخدامها؛ فالتطبيقات التي تستمتع بها، مثل "فيسبوك" (Facebook) وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي تُلحق ضرراً كبيراً بدماغك.
إذ يكفي أن تفكِّر في المرات التي بقيت فيها تحدق بالشاشة حتى شعرت بألم في عينيك، وقرَّرت أخذ قسط من الراحة، لكن المشكلة هي أنَّنا أحياناً لا ندرك حتى هذه العلامات الواضحة، بل نستمر بتصفح هذه المواقع، فأخبار "إنستغرام" (Instagram)، و"تويتر" (Twitter) مغرية بالفعل، أو لأنَّنا نشعر بأنَّه يجب الرد على إحدى رسائل البريد الإلكتروني قبل أن ننام.
تشير الدراسات إلى وجود علاقة بين الوقت الذي تقضيه على الشاشات الرقمية والإصابة بالاكتئاب، وهذه النتيجة ليست غريبة لأنَّ معظم المحتوى الذي نتابعه على الإنترنت سلبي ويضر بصحتنا وعافيتنا.
فمن جهة نحن نحفِّز أدمغتنا تحفيزاً مفرطاً وسلبياً، ومن جهة أخرى نحن نضر بأعيننا، وأخيراً وليس آخراً، إنَّ معظم وسائل الإعلام والأخبار السلبية تؤذي عواطفنا وتؤثِّر تأثيراً سلبياً في تفكيرنا، وإذا لم تقتنع بجسامة هذه الأخطار، فما رأيك بالدراسات التي أظهرت أنَّ قضاء وقت طويل أمام الشاشة يضعف بنية الدماغ ويضر بوظائفه.
كيف تتخلَّص من هذه العادة؟
لا يتعيَّن عليك تجنُّب وسائل التواصل الاجتماعي أو التكنولوجيا تماماً، المطلوب فقط وضع حدود صحية، ومنع نفسك من الإدمان على استخدام هذه الوسائل؛ إذ تزوَّد معظم الهواتف الذكية بميزة معرفة الوقت الذي تقضيه في استخدام الهاتف.
وَفقاً لموقع "تيك جوري" (TechJury) يقضي الأمريكي العادي 5.4 ساعة يومياً على هاتفه، تخيَّل ما يمكن فعله أو تعلُّمه خلال خمس ساعات يومياً؛ ففي الأيام القليلة المقبلة اسأل نفسك ما الذي يمكنك فعله حتى تقلِّل من الوقت الذي تقضيه أمام الشاشة، واستثمر هذا الوقت في أنشطة هادفة.
3. الخمول الجسدي:
على الرَّغم من أنَّ الجلوس يبدو أمراً عادياً جداً، إلا أنَّه من الممكن أن يكون له آثار خطيرة في الدماغ وفي صحتنا البدنية، وحتى في صحتنا النفسية؛ فنحن ننسى غالباً أنَّ الوضع الطبيعي للجسم البشري هو الوقوف وليس الجلوس، ونتجاهل الآثار الكارثية لنمط الحياة قليل الحركة، مثل أمراض القلب والسمنة والاكتئاب والخرف.
بالإضافة إلى ذلك، وجدت دراسة أنَّ نمط الحياة غير النشط له أيضاً آثار سلبية في أدمغتنا، فهو على سبيل المثال يؤثِّر سلباً في الذاكرة، ومع أنَّ كسر هذا النمط من الحياة لا يتطلَّب سوى النهوض لبعض الوقت عن الأريكة، إلَّا أنَّ ملايين الناس ما يزالون يعانون من نمط حياة قليل الحركة.
رغم ما يعانيه معظمنا من آلام الرقبة، وآلام أسفل الظهر، أو التشنج في الأكتاف، غالباً ما نفشل في تجنُّب الآثار الصحية السيئة لهذا النمط من الحياة، والسبب هو أنَّ الجلوس عادة لا شعورية.
كيف تتخلَّص من هذه العادة؟
إنَّ التخلص من نمط الحياة الخامل يكمن في دمج النشاط اليومي في حياتك، فلست مضطراً إلى ممارسة رياضات عنيفة أو مجهدة، مثل: الجري لمسافات طويلة، أو المشاركة في ماراثون، فكل ما يلزم هو فقط النهوض لبضع دقائق، والمشي لمسافات قصيرة، والوقوف في وضع مستقيم.
وَفقاً للدراسات، حتى المستويات العالية من النشاط البدني والتمارين الرياضية لا يمكن أن تعالج الآثار السلبية لفترات الجلوس الطويلة، فقد تكون هذه المعلومة مُحبطة، لكنَّها تعني في الوقت نفسه أنَّه يمكنك بأسلوبٍ ملحوظٍ تحسين صحة دماغك من خلال بعض التغييرات في نمط الحياة اليومية.
يمكنك بسهولة ضبط منبه هاتفك ليذكِّرك بضرورة الوقوف كل 30 إلى 50 دقيقة، إذ يمكنك على سبيل المثال استبدال الأكواب الكبيرة الخاصة بالمياه أو القهوة بأكواب صغيرة، ومن ثمَّ يتعيَّن عليك النهوض لإعادة ملئها.
بالإضافة إلى هذه التغييرات اليسيرة، مارس نشاطاً بدنياً تحبه، وأضفه إلى جدولك الأسبوعي، مثل اليوغا أو ممارسة نوع معيَّن من الرقص.
4. النظام الغذائي المليء بالسكريات والوجبات السريعة:
وَفقا لـ"فرناندو جوميز بينيلا" (Fernando Gomes Pinilla) أستاذ جراحة الأعصاب بـ"جامعة كاليفورنيا" (University of California)، فإنَّ ما تأكله يؤثِّر في دماغك، وتثبت الأبحاث أيضاً أنَّ النظام الغذائي الغني بالسكر يضعِّف وظائف الدماغ، ويعوق تحديداً كل من وظيفتي الذاكرة والتعلُّم.
في معظم الأحيان، تكون الرغبة الشديدة في تناول السكر نتيجة طبيعية لشعورنا بالتوتر، فبمجرد أن نشعر بالقلق أو التوتر نشعر بالحاجة إلى مزيد من الطاقة، والسكر يقدِّم دفعة سريعة من الطاقة في الدم؛ وهذا سرُّ رغبتنا في تناول الوجبات السريعة، فهي تقدِّم الحد الأدنى من العناصر الغذائية، وكميات كبيرة من السكر والملح، وبهذه الطريقة نشعر بالشبع بسرعة، ولكن سرعان ما نشعر بالجوع مجدداً.
لا تنحصر المشكلة فقط بأنَّ السكر والوجبات السريعة تؤدي إلى السمنة، بل تتعداها إلى إبطاء نمو الدماغ؛ فمع أنَّ أدمغتنا لا تشكِّل سوى 2% من وزن الجسم، فإنَّها تستهلك 20% من موارد الطاقة لدينا، وهذا هو السبب في أنَّ الطعام الذي تتناوله له تأثير كبير في تفكيرك والقرارات التي تتخذها.
كيف تتخلَّص من هذه العادة؟
لا يكفي أن تخفِّف من المشروبات والأطعمة السكرية، بل يجب أن تستبدلها بأطعمة ومشروبات تؤثِّر إيجاباً في صحة دماغك، فالتوت والحبوب الكاملة والمكسرات والخضروات، هي أمثلة على الأغذية الصحية؛ لذا حاول أن تكون وجباتك متكاملة بحيث تتضمَّن خضاراً مغذية وبروتين عالي الجودة.
وإذا كنت ترغب في تناول الحلويات مع القهوة، فاختر قطعة من الشوكولا الداكنة الخالية من السكر، قد لا يكون هو المذاق الذي ترغب فيه، ولكنَّه يشبع رغبتك في تناول الحلويات، وفي نفس الوقت مفيد لدماغك.
لا تتوقف عن تناول الدهون الصحية والأطعمة الغنية بالأوميغا، مثل المكسرات والبذور، فوَفقاً لدراسة أجرتها "جامعة كاليفورنيا"، فإنَّ إضافة أحماض أوميغا 3 يمكن أن تساعد على تقليل الضرر الناجم عن تناول السكريات بإفراط. واحرص أيضاً على شرب كمية كافية من الماء، فإذا عانيت من الجفاف فلن يكون جسمك قادراً على تقديم أفضل أداء، وستجد صعوبة في الحفاظ على تركيزك أو تذكُّر الأشياء الهامة، حتى إن كنت تتناول أطعمة صحية.
شاهد بالفديو: فوائد صحية لا تعرفونها عن أكل السمك
5. إدمان مواقع التواصل الاجتماعي وإهمال العلاقات الواقعية:
وَفقاً لدراسة أجرتها "جامعة هارفارد" (Harvard University) فإنَّ العلاقات الجيدة تجعلنا سعداء وأصحاء، ونحن بصفتنا بشراً نميل بالفطرة إلى التفاعلات الاجتماعية الواقعية، ومع ذلك فإنَّ المشكلة هي أنَّنا نحاول استبدال العلاقات الواقعية بعلاقاتنا على مواقع التواصل الاجتماعي.
مع أنَّ تفاعل الآخرين معنا عبر هذه الوسائل يمنحنا دفعة فورية من الأدرينالين، فإنَّها لا تمنحنا إحساساً حقيقياً بالتواصل؛ والأمر يشبه تماماً أن تكون محاطاً بمئات الأشخاص الذين لا تشعر بأنَّه يوجد رابطة قوية بينك وبينهم، فالوحدة لا تعني أن تكون بمفردك، فمن المُمكن أن تشعر بالوحدة في ظلِّ كثير من العلاقات متدنية الجودة.
إذ تثبت الأبحاث أنَّ الافتقار إلى علاقات اجتماعية عالية الجودة، يمكن أن يؤدي بالفعل إلى مشكلات على صعيد الصحة النفسية والبدنية؛ لذلك، يمكن للعلاقات مع الآخرين أن تعزِّز صحة أدمغتنا أو تجعلها تتدهور حسب جودة هذه العلاقات، وبالتأكيد لا يمكن أن تحلَّ علاقات الواقع الافتراضي محل العلاقات الحقيقية.
كيف تتخلَّص من هذه العادة؟
تؤثِّر جودة علاقاتك وتفاعلاتك الاجتماعية تأثيراً كبيراً في صحة دماغك وفي جودة حياتك، ففي الحياة اليومية، غالباً ما نعطي العمل أولوية أكثر من العلاقات مع الأشخاص المقربين لنا، ولكن على الأمد الطويل تكون العلاقات البشرية أكثر فائدة من الجلوس لفترات طويلة أمام شاشة الحاسوب.
لقد وجدت دراسة أجرتها "جامعة ميشيغان" ( University of Michigan) أنَّ محادثة شخص ما وجهاً لوجه لمدة عشر دقائق في اليوم يمكن أن تحسِّن الذاكرة والإدراك.
يقول "أوسكار يبارا" (Oscar Ybarra) المُعِد الرئيسي للدراسة إنَّ العلاقات الاجتماعية مفيدة للدماغ تماماً، مثل الفائدة التي تحققها التمارين الذهنية.
6. النوم غير الكافي:
نحن نعلم جميعاً أنَّ عدم الحصول على ليلة نوم جيدة يؤدي إلى انخفاض التركيز، ويؤثِّر سلباً في مزاجنا، وعلى الرَّغم من أهمية النوم في حياتنا إلا أنَّنا نعدُّه شراً لا بد منه، ففي عالمنا الذي يُقيِّم الشخص بناءً على إنتاجيته، يحاول معظمنا العمل لساعات إضافية على حساب ساعات نومهم.
مع ذلك فإنَّ عواقب الحرمان من النوم كارثية، ويمكن أن تصل إلى الإصابة بالخرف، فالحرمان من النوم يؤدي إلى قتل خلايا المخ، وتراجع الذاكرة في سن مبكِّر، أو حتى الإصابة بمرض ألزهايمر، وقد تؤدي هذه الآثار إلى ضعف أدائك الفكري، وتراجُع الذاكرة، وانخفاض القدرة على التعلُّم، وتُظهِر الأبحاث أنَّ الحرمان من النوم قد يؤدي إلى تقلُّص حجم الدماغ.
كيف تتخلَّص من هذه العادة؟
عدد ساعات النوم وجودة نومك لهما تأثير هائل في صحة دماغك وقوة ذاكرتك؛ إذ يحتاج معظم الناس من 7 إلى 8 ساعات من النوم، ليشعروا بالتعافي بعد يوم العمل، ويقدِّموا أفضل أداء لديهم، ولكن يجب الاهتمام أيضاً بجودة النوم وليس بعدد ساعات النوم فقط، وتتمثل إحدى أفضل الطرائق للحصول على مزيد من النوم الجيد في الحصول على ساعات نوم منتظمة والذهاب إلى الفراش في نفس الوقت كل يوم.
شاهد بالفيديو: 5 عادات تدمر الدماغ يجب تجنبها
7. الاستماع للضوضاء العالية:
عادةٌ أخرى يُستهتَر بخطورتها على الدماغ، وهي الاستماع للضوضاء العالية، خاصةً من خلال سماعات الأذن؛ إذ إنَّ 30 دقيقة من الموسيقى الصاخبة أو أي نوع آخر من الضوضاء، كفيلة بإلحاق الضرر بجهازك السمعي لمدى الحياة.
ليس هذا فحسب، بل أثبتت الدراسات أنَّ فقدان السمع يرتبط بمشكلات الدماغ وانخفاض القدرات المعرفية؛ فإذا كنت تعيش في إحدى المدن الكبيرة، فستتعرض لسماع الضوضاء مهما حاولت تجنُّب ذلك، وفي هذه الحالة تزداد أهمية الحفاظ على سمعك.
كيف تتخلَّص من هذه العادة؟
من المُغري جداً توصيل سماعات الأذنين لنسيان البيئة المحيطة، ولا مشكلة في ذلك بشرط أن تتأكَّد من ضبط مستوى الصوت، وبذلك لن تُلحق الموسيقى أو غيرها الأذى بجهازك السمعي على الأمد الطويل.
عندما تستخدم سماعات الأذن لفترات طويلة، تأكَّد من ضبط مستوى الصوت، وخاصةً أنَّنا أصبحنا معتادين على الأصوات العالية، وأصبحنا لا نشعر بأنَّ الصوت العالي يعني أي مشكلة، وهنا تكمن الخطورة؛ إذ إنَّنا نلحق الضرر بسمعنا دون أن يكون لنا علم بذلك.
لذا انزع السماعات مرة واحدة على الأقل كل ساعة، للتأكُّد من مستوى الصوت، وهذا يساعدك على معرفة المستوى الحقيقي للصوت وتجنُّبه كون آذاننا مُصمَّمة للتكيُّف مع الضوضاء العالية.
وأمر آخر يمكنك القيام به للتحقُّق من مستوى الصوت، هو نزع سماعات الأذن وفردها على طول الذراع، وإذا كنت ما تزال قادراً على سماع الصوت، فهذه علامة على أنَّه يجب تخفيض مستوى صوت المحتوى الذي تسمعه.
في الختام:
بدلاً من تعريض دماغك لعوامل التنبيه الضارة، وممارسة أنشطة هدَّامة لصحة الدماغ، تعامل مع كل يوم على أنَّه فرصة لجعل دماغك يتعافى ويستعيد طاقته وقدراته الوظيفية، ومع أنَّ ما ذكرناه من عادات يمكن أن يكون له آثار خطيرة جداً في الأمد البعيد، فإنَّ الخبر الجيد هو أنَّه يمكن تجنُّب جميع هذه العادات.
أضف تعليقاً