قد يقول أحدهم أنَّه ترعرع دون أن يمتلك أي شيء، مما يعني أنَّه نشأ في بيئة افتقر فيها إلى المال؛ ولكن مع تقدمه في العمر، يغير أقواله ليقول بأنَّه ترعرع مع القليل جداً من الأشياء المادية لأنَّ المال كان نادراً جداً، لكنَّه كان يمتلك كل شيء.
كما يقتبس القاموس تعريفاً آخر للوفرة وهو: "كمية كبيرة جداً من شيء ما".
عندما تنشأ وأنت تتمتع بالوفرة، غالباً ما تمتلك هذه المزايا السبع:
- الابتسامة.
- حس الدُعابة.
- الاهتمام.
- الإصغاء.
- الفرح.
- الامتنان.
- اللطف.
هذه هي الطرائق التي يمكننا من خلالها إظهار الوفرة في حياتنا، ولكن لكي تكون وفرتك تلك ذات أهمية، يجب أن تمنحها للآخرين.
توضح جيني سانتي (Jenny Santi) في كتابها "طريق العطاء لتحقيق السعادة: قصص وعلوم وراء قوة العطاء التي تغير الحياة" (The Giving Way to Happiness: Stories and Science Behind the Life-Changing Power of Giving)، مفهوم "العطاء" بهذه الطريقة:
"يوجد مثل صيني يقول: إذا كنت تريد السعادة لمدة ساعة، فخذ قيلولة؛ وإذا كنت تريد أن يكون يومك سعيداً، اذهب لصيد السمك؛ وإذا كنت تريد السعادة لمدة عام ورِّث ثروة؛ وإذا كنت تريد السعادة مدى الحياة، ساعد شخصاً ما".
دعونا نكتشف الطرائق السبع المذكورة أعلاه بمزيد من التفصيل:
1. الابتسامة:
الطريقة الأولى لإظهار الوفرة هي الابتسامة؛ حيث كتب مؤلف مجهول في مقال موجز بعنوان "الابتسامة" ما يلي: "لا تكلِّفُ الابتسامة شيئاً لكنَّها تمنح الكثير".
إذا سبق لك العمل في بلد لا تعرف لغته، فستتعلم بسرعة مدى تأثير الابتسامة الترحيبية، فهي لغة عالمية في حد ذاتها لأنَّنا نستطيع إيصال مدى سعادتنا من خلالها لأي شخص نلتقي به.
كتب مؤلف آخر: "تحقق الابتسامة الراحة لمن يشعرون بالإرهاق، والبهجة لمن يشعرون بالإحباط، والدفء لمن يشعرون بالحزن، وهي أفضل ترياق طبيعي لحل المشكلات"؛ لذا قد تكون ابتسامتك أفضل هدية يتلقاها شخص ما طوال اليوم.
أخيراً، كتب أحدهم: "لا يمكن شراء الابتسامة أو توسُّلها أو استعارتها أو سرقتها، فهي ليست ذات قيمة ما لم تمنحها"؛ لذا أنت من يصمم ابتسامتك ويمكنك منحها بقدر ما تريد، كما يمكن أن تكون ابتسامتك بمثابة دعوة الآخرين إلى التواصل.
2. حِسُّ الدُعابة:
يؤدي حس الدعابة إلى الابتسامة والضحك؛ فقد كتب أليسون بيرد (Allison Beard) في مقالته التي تحمل عنوان "القيادة بروح الدعابة" (Leading with Humor): "يفتقر البالغون العاملون إلى الضحك"، وقد أتبع ذلك بإحصائية مدهشة للغاية بقوله: "يضحك الأطفال بمعدل 400 مرةً في اليوم، في حين يضحك شخص فوق الـ 35 عاماً، بمعدل 15 مرةً فقط"؛ لذا يمكنك استخدام حس الدعابة والضحك للتقريب بين الناس والتخلص من الضغوطات والتوتر.
3. الاهتمام:
طريقة أخرى لإظهار الوفرة هي من خلال تقديم الاهتمام، فمن يهتم حقيقةً هم الأشخاص ذوو الوفرة.
ربما عليك التفكير فيما قاله رجلان مختلفان عن فكرة الاهتمام؛ حيث كتب جون ماكسويل (John Maxwell) مؤلف الكثير من الأعمال عن القيادة: "لا يهتم الناس بمقدار معرفتك حتى يعرفوا مدى اهتمامك"، فأنت بالتأكيد تظهر اهتمامك عندما تساعد الآخرين؛ وقد أكد ألبرت أينشتاين (Albert Einstein) ذلك عندما كتب: "لا يمكنني التفكير في سبب آخر لوجودنا هنا سوى مساعدة الآخرين".
عندما تهتم بالآخرين فأنت لا تساعدهم فحسب، فقد بينت الأبحاث صحة اعتقاد القديس فرنسيس الأسيزي (St. Francis of Assisi): "عندما تعطي، فإنَّك تتلقى أيضاً".
كما أكدت الأبحاث الحديثة أنَّك عندما تهتم بشخص آخر، فإنَّك تتلقى أو تختبر ما يلي:
- الشعور بالارتياح.
- الشعور بالإنجاز.
- الشعور بالحب وبناء العلاقات القوية.
- الشعور بالقيمة واختبار التطور الشخصي.
أنت تمتلك الخيار، حيث يمكنك اختيار الاهتمام أو عدمه، فأولئك الذين لا يهتمون يعيشون حياة منعزلة بينما يعيش من يهتمون بالآخرين حياة ملؤها الوفرة.
4. الإصغاء:
ربما سمعت هذه العبارة مسبقاً: "أعطانا الله أذنين وفماً واحداً لسبب وجيه".
هناك استنتاجان لهذا القول المأثور هما:
- "مفرطو الغرور لهم آذان صغيرة" - القس روبرت شولر (Reverend Robert Schuller).
- "كن مُصغياً جيداً، فلن توقعك أذناك في المتاعب" - فرانك تايغر (Frank Tyger).
يعد الإصغاء وسيلة لإظهار الاحترام، فعندما تُصغي باهتمام للآخرين، فإنَّك تُظهر مدى تقديرك لهم، كما يعد ذلك وسيلة للمشاركة مع الآخرين ولإظهار الوفرة؛ لذا فكر في أكثر الأشخاص ذكاءً الذين تعرفهم أو أفضل القادة الذين عملت معهم على الإطلاق، وفكر في قدرتهم على الإصغاء، فغالباً ما يكون ذلك أثمن شيء يمتلكونه.
يمتلك جون وودن (John Wooden) مدرب كرة السلة الأسطوري في جامعة كاليفورنيا (UCLA) كلاً من الصفات السبع في هذا المقال، فقد نَعِم بوفرة في عالم كرة السلة، حيث فاز فريق جامعة كاليفورنيا (UCLA) بسبع بطولات للرابطة الوطنية لرياضة الجامعات (NCAA) على التوالي وعشرة بطولات في السنوات الاثني عشر الماضية التي درب فيها، ويعتقد معظم خبراء كرة السلة أنَّ رقمه القياسي لن يُسجَّل أبداً، ناهيك عن تجاوزه.
عندما تجلس مع وودن وكوتش المدرسة الثانوية، وإذا كنت تود الاستماع إلى ما سيقال أو ترى ما سيحدث دون أن يلاحظك أحد، وإذا كنت تعتقد أنَّ التحدث أكثر أهمية من الإصغاء؛ فستعتقد أنَّ كوتش المدرسة الثانوية هو وودن والكوتش وودن هو كوتش المدرسة الثانوية، فقد قام كوتش المدرسة الثانوية باستلام دفة الحديث وقام الكوتش وودن -الذي يمكن القول إنَّه أفضل كوتش للفريق في تاريخ الرياضة الأمريكية- بالإصغاء فحسب.
نحن نتعلم العديد من الدروس التي تعتمد على التحدث في مدارسنا وجامعاتنا، فلماذا لا توجد دروس عن تعلم الإصغاء؟ يمكن للكوتش وودن تعليمهم ذلك.
شاهد بالفيديو: 7 أسرار للإصغاء الفعال
5. الفرح:
قد يكون الفرح من الأشياء التي يصعب تحديدها أو تعريفها، لكنَّك ستعرفه عندما تشعر به، حيث كان لدى توماس ن.هوبر (Thomas N. Hooper) في مقالته "قوة الفرح" (The Power of Joy) هذه الرؤية:
"لا يمكننا الانتظار حتى تحقق لنا الظروف الفرح، وإنَّما يجب أن نصنع فرحنا ونتركه يتحقق رغم الظروف، للفرح تأثير جيد في أي موقف، ويوجد العديد من الطرائق التي يمكننا من خلالها تحقيق الفرح، إما بالأفكار الإيجابية والكلمات اللطيفة والابتسامة، وحتى باستخدام روح الدعابة".
الخبر السار أنَّك تستطيع أن تخلق الفرح وفق تعريف هوبر، كما يمكنك تحقيق الفرح بغض النظر عن الظروف.
اختبر الجميع الفرح عندما تفاعلوا مع الكوتش جاك هيرمانسكي (Jack Hermanski)، حيث لم تكن ظروفه جيدة أو سعيدة، لأنَّه كان مصاباً بمرض التصلب اللويحي المتعدد، لكنَّه كان نشيطاً طوال اليوم لأنَّه يُدرِّس الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، كما يقوم بخدمة عشر مدارس مختلفة في منطقته، ويعمل مدرباً لكرة السلة ضمن طاقم الجامعة.
كان لديه القدرة على تحقيق الفرح كل يوم، حيث أراد أن يشعر بها، فعندما تراه تشعر بفرحه، وفي أحد أيام الجمعة التقى هيرمانسكي بأحد طلابه الذي كان على كرسي متحرك، وأخبر الصبي الكوتش بأنَّه سعيد لأنَّ اليوم هو الجمعة، ثم سأله جاك عما إذا كان لديه خطط كبيرة لعطلة نهاية الأسبوع، فأخبره الصبي: "لا كوتش جاك، أنا سعيد فقط لأنَّك تأتي إلى هنا أيام الجمعة".
قد لا تكون قادراً على تعريف الفرح، لكن يمكنك رؤيته عندما تتواجد مع المدرب جاك، هل يمكنك العمل على تحقيق الفرح مثل جاك؟ فأنت بذلك سوف تخفف من عبء الحياة على الأشخاص الذين تتفاعل معهم.
6. الشُّكر:
هل أنت ممتن لكل ما أنعم الله عليك به؟ الشكر أو الامتنان هو الطريقة الأكثر شيوعاً لإظهار الوفرة، حيث يعتقد بعض الناس أنَّنا بحاجة إلى التعبير عن الشكر فحسب، في حين يصل الأشخاص ذوو الوفرة بكلمة الشكر إلى مستوى آخر وهو ما يجب أخذه في الحسبان في أثناء القيام بعملك.
لقد صرَّح أحد المؤرخين ذات مرة أنَّ الولايات المتحدة لم يبنها سياسيون مشهورون ولا أثرياء البلد، وإنَّما بناها الأشخاص العاديون والمجهولون، وغالباً ما نتجاهل الأشخاص الذين ينجزون المهام الصعبة في أي شركة أو منظمة، مثل السكرتارية وعمال خطوط الإنتاج وسائقو الشاحنات؛ في حين يُشكر كبار المديرين التنفيذيين ويُكافؤون على أعمالهم.
لكنَّ الأشخاص ذوي الوفرة لا يرتكبون هذه الأخطاء، وإنَّما يجعلون من أولوياتهم شكر أولئك الذين يحصلون على القليل من التقدير أو لا يحصلون عليه أبداً؛ إنَّهم يشكرون الأشخاص غير المعروفين.
يعد اللاعبون في ألعاب القوى الذين يجلسون على مقاعد البدلاء أشخاصاً غير معروفين، حيث يمكن أن يمتلك الفريق موسماً رائعاً، وبينما يسير الأشخاص الأساسيون في الحرم الجامعي ويهنئهم الكثير من الناس، يسير لاعبو مقاعد البدلاء في الحرم الجامعي ولا يعرف الكثير من الناس أنَّهم يلعبون مع الفريق.
كان لدى مرب كرة السلة السابق، آل ماغواير (Al McGuire) هذه الرؤية، حيث لم يقلق أبداً بشأن اللاعبين على مقاعد البدلاء لأنَّهم عندما بلغوا الأربعينيات من عمرهم، أصبحوا نواب رؤساء ورؤساء ومديرين تنفيذيين للشركات، فقد كانوا يعرفون كيف يعملون من أجل تحقيق القليل من المجد، ومع ذلك فقد كان قلقاً بشأن النجوم عندما يبلغون الأربعينيات من العمر؛ ففي حينها لن يُثني أحد على عملهم الجيد ويحمل حقائبهم ويخبرهم كم هم رائعون.
هل تقضي وقتاً كافياً لشكر هذا النوع من الأشخاص؟
7. اللطف:
لا يمكننا جميعاً أن نكون أغنياء أو مشهورين، كما لا يمكن أن نحظى جميعاً بالمديح والمجاملة، لكن يمكننا جميعاً أن نكون أشخاصاً لطيفين؛ يُعرَّفُ اللطف على أنَّه ميزة كونك ودوداً وكريماً ومُتفهماً، ويمكنك ممارسة اللطف بعدة طرائق، نذكر بعضها:
- عندما ترى شخصاً محتاجاً، يمكنك التواصل معه وتقديم العون.
- عندما ترى شخصاً ما في المستشفى، يمكنك زيارته.
- عندما ينجح شخص ما في مؤسستك، يمكنك أن ترسل له رسالة مكتوبة بخط اليد.
- عندما يقوم كل من حولك بالنميمة، يمكنك رفض المشاركة.
ذكر "طوني فاكري" (Tony Fahkry) في مقالته "كيف تؤثر قوة اللطف في حياتك والآخرين" ( How the Power of Kindness Impacts Your Life and Others) بعض الاقتباسات العميقة التي قد ترغب في أخذها في الحسبان:
- "افعل القليل من الخير أينما كنت، فهذه الأمور الجيدة مجتمعة هي من تطغى على العالم". - ديزموند توتو (Desmond Tutu).
- "يعد اللطف لغة يستطيع الصُّمُ سماعها ويستطيع المكفوفون رؤيتها". - مارك توين (Mark Twain).
لا تنسَ أعمال اللطف التي تلقيتها، وبدلاً من ذلك فكر في تقديم هذه الهدية للآخرين.
أفكار أخيرة:
لتلخيص كل ما ذكرناه في هذا المقال، فقط تذكر الطرائق السبع التي يمكنك من خلالها إظهار الوفرة:
- الابتسامة: اجعل ابتسامتك بمثابة دعوة الآخرين إلى التواصل.
- حس الدُعابة: قرِّب الناس من بعضهم وتخلَّص من التوتر بروح الدعابة.
- الاهتمام: لا يهتم الناس بمقدار معرفتك حتى يعرفوا مدى اهتمامك.
- الإصغاء: لن تسبب لك أذناك المتاعب.
- الفرح: ستعرفه عندما تشعر به.
- الشكر: اشكر أولئك الذين يحصلون على القليل من التقدير أو لا يحصلون عليه أبداً.
- اللطف: يمكننا جميعاً أن نكون لطيفين.
إذا كنت تعتقد أنَّ بعض هذه الخصائص لها فوائد، فاختر واحدة منها في كل مرة وركز عليها لمدة أسبوع واحد، حيث تستغرق معظم الأشياء الجيدة في الحياة وقتاً، وهذا ليس استثناءً.
وفي النهاية، ستكون قادراً على إظهار الوفرة، وتجربة الإنجاز في الحياة، ومشاركة تلك العطايا مع الآخرين.
أضف تعليقاً